الآن يا بيتر! الآن!
كثيرًا ما يجد الأطفال أغرب الأمور عادية. قد يخبرونك على سبيل المثال بلا اكتراث بأنهم التقوا شبحًا الأربعاء الماضي عندما كانوا يلعبون، ولعبوا معه لعبة المساكة على زلاجاتهم. كان الأمر كهذا بالضبط عندما باحت ويندي لوالدتها بأمر أقلقها قلقًا شديدًا صباح يوم ما؛ عثرت السيدة دارلينج أثناء تنظيف حجرة نوم الأطفال وهم نائمون على بعض أوراق الأشجار على الأرض.
فسألت ويندي عنها، فلم تجب ويندي إلا أنها قالت: «آه، لا بد أن بيتر تركها.»
فسألت السيدة دارلينج والقلق يساورها: «ماذا تعنين؟»
فأجابت ويندي التي كانت فتاة تعنى بشدة بالنظام: «إنه مهمل للغاية.» ثم أضافت متنهدة أن بيتر كثيرًا ما يأتي إلى حجرة النوم ليلًا ويجلس على طرف فراشها ليعزف لها المزمار.
فقالت السيدة دارلينج محاولةً إقناعها: «عزيزتي، باب المنزل الأمامي يكون مغلقًا ليلًا، ولا يسع أحدًا الدخول.»
– «إنه يأتي عبر النافذة.»
– «ليس بوسعه هذا، نحن على ارتفاع ثلاثة طوابق من الأرض! لِم لَم تخبريني بهذا من قبل؟»
– «شعرت بالجوع فنسيت.» وانتابها شعور بالجوع الشديد مجددًا فذهبت تبحث عما تأكله، فيما مكثت السيدة دارلينج خلفها وهي لا تزال مقطبة الوجه بسبب أوراق الأشجار. أكثر ما أخافها هو أنها كانت شبه موقنة من أن تلك الأوراق أتت من شجرة لا تنمو في إنجلترا، ففتشت الحجرة عن المزيد، لكن لم تعثر على شيء.
أكد لها السيد دارلينج عندما أطلعته على الأمر قائلًا: «أنت تتوهمين مشكلة لا وجود لها، الآن عودي إلى الفراش.»
فقالت له: «أعتقد أنك على حق.» إلا أنه أخطأ ….
أودعت السيدة دارلينج الأطفال الفراش مساء اليوم التالي، ثم هبطت درج المنزل لتجلس بالقرب من نيران المدفأة وراحت في النوم.
وغاصت في الأحلام على الفور تقريبًا لتحلم بأن جزيرة نيفرلاند جرفها التيار إلى مكان قريب جدًّا من شاطئ عليه أطفالها — ويندي وجون ومايكل — وبأن فتى غريبًا قفز إلى ماء البحر سابحًا نحوهم، وهم يلوحون له بأيديهم بسعادة.
ربما كان هذا مجرد حلم سخيف، إلا أنه لم يكن كذلك؛ فأعلى الدرج، انفتحت نافذة حجرة الأطفال، وطار بالفعل فتى إلى الغرفة، وقع على الأرض ودخلت معه كرة من الضوء لا يزيد حجمها عن حجم قبضة، أخذت تندفع سريعًا في أرجاء الغرفة كالسهم.
فهبت السيدة دارلينج مستيقظة من نومها فزعة، مدركةً على الفور أن الفتى الذي كان يسبح في حلمها هو بيتر بان، فهرعت إلى الطابق العلوي، وفتحت باب حجرة الأطفال على مصراعيه، لتجد بيتر بان.
كان يرتدي زيًّا من أوراق الأشجار — من أوراق الشجر العجيبة ذاتها التي خلفها في زيارته السابقة — لكن الأغرب هو أنه بدا طفلًا مع أنه كان يجب أن يكون في عمر السيدة دارلينج على الأقل.
كشر بيتر عن أسنانه — التي كانت أسنان طفل — لما رأى السيدة دارلينج، وزأر ….
فصرخت هي، ووصلت نانا إلى الحجرة في جزء من الثانية، وزأرت بدورها واندفعت بقوة نحو بيتر، فتفاداها وقفز عبر النافذة.
وصرخت السيدة دارلينج مجددًا؛ لأنها مع كل هذا لم ترد الفتى أن يلقى حتفه، لكنها عندما نظرت عبر النافذة لم تجد جسدًا محطمًا، ولما نظرت إلى أعلى رأت شيئًا يشبه الشهاب يمضي مسرعًا.
استدارت، فوجدت نانا تحمل شيئًا في فمها. كان هذا ظل بيتر بان! أمسكته نانا بأسنانها قبل أن يقفز بيتر فانفصل عنه مصدرًا طقطقة.
أرادت نانا أن تعلق ظل بيتر على نافذة الحجرة حتى يعود ويأخذه دون أن يزعج الأطفال، لكن السيدة دارلينج رأت أنه سيبدو وكأنه ثوب مغسول تُرك ليجف، وسينزعج السيد دارلينج إن رأى الجيران هذا.
لذا قررت أن تحشر الظل في قاع أحد الأدراج، فيظل مخبئًا وكأنه فكرة شريرة وجدتها في عقل أحد أطفالها.
قال السيد دارلينج عندما حكت له زوجته عما حدث: «تلك الكلبة المقيتة! لا يجوز أن تُترك لتنزع عن الناس ظلالهم في كل مكان، وإلا فسيقاضوننا!»
كم كانت نانا مسكينة! وكم كان السيد دارلينج مسكين! كان يعلم أنه يسيء معاملتها للغاية، ويظلمها، لكن هذا لأنه شعر بالإحباط والغيرة؛ لأن تجارة الآخرين في الأسهم كانت أكثر ازدهارًا من تجارته، ولأن الأطفال أحبوا نانا حبًّا جمًّا، لعله فاق حبهم له، وزاد الأمر سوءًا أن نانا لامسته أمس فخلفت شعرًا أبيضَ على معطفه كله.
من هنا صاح السيد دارلينج: «اذهبي إلى بيت الكلاب حيث تنتمين!»
فهمست له السيدة دارلينج قائلة: «جورج! تذكر ما أخبرتك به عن هذا الصبي. ماذا لو أتى مجددًا ولم تكن نانا هنا لحراسة الأطفال؟»
لكن السيد دارلينج أبى أن يصغي إلى زوجته، وأصر على أن يظهر للجميع أنه صاحب القرار، فغادرت نانا المنزل.
سمع الجميع نانا في فناء المنزل بالطابق السفلي تنبح مساء ذلك اليوم، عندما كانت السيدة دارلينج تودع الأطفال الفراش، وتطفئ لهم المصابيح الليلية.
قال جون: «إنها تحتج وحسب لأنها مقيدة.»
لكن ويندي كانت أكثر حكمةً من جون، فقالت: «لا، بل هي تنبح هكذا عندما تشم رائحة الخطر.»
هنا ارتجفت السيدة دارلينج. كانت هناك الملايين من النجوم خارج المنزل، بدا بعضها وكأنه يحوم حول المنزل، يحاول دخوله ….
كم تمنت السيدة دارلينج ألا يكون عليها هي وزوجها الذهاب إلى حفل عشاء ذاك اليوم!
فقال لها مايكل: «لا تقلقي يا أماه، لا يمكن لشيء أن يؤذينا طالما أن مصابيحنا الليلية مضاءة، أليس كذلك؟»
كانت السيدة دارلينج قد أخبرت أطفالها بذلك من قبل، لذا لم يكن بمقدورها أن تتراجع عما قالته الآن؛ فقالت لهم بنبرة مطمئنة: «هذا صحيح، المصابيح الليلية هي الأعين التي تتركها الأم ليلًا لتحرس أطفالها.»
بالإضافة إلى ذلك، حدثت السيدة دارلينج نفسها بأنها ستكون قريبة جدًّا من المنزل؛ لن تفصل بينها وبينه سوى بضعة منازل؛ فما الذي يمكنه أن يحدث؟
بعد بضعة دقائق كان السيد والسيدة دارلينج خارج المنزل، يسيران بتمهل وذراعاهما متشابكان، لكن كان هناك ما يراقبهما؛ كانت النجوم تتلصص. كل النجوم العجائز كانت نائمة، أصابها الضجر، أما النجوم الصغيرة فقد انتابها الفضول، وملأها العجب وأخذت تتلألأ.
ما أثار اهتمام تلك النجوم في المقام الأول لم يكن بيتر الذي هوى التسلل في غفلتها ومحاولة خداعها؛ كانت بوجه عام تحب المرح، وبيتر يعني المرح! لذا قررت أن تساعده الليلة؛ وفور وصول السيد والسيدة دارلينج إلى منزل جيرانهما بأمان ثارت تلك النجوم في السماء، وصاحت معًا: «الآن يا بيتر! الآن!»