قبلات من جوز البلوط وجنيات غيورات
كانت مصابيح حجرة الأطفال الليلية ما تزال موقدة عندما غادر السيد والسيدة دارلينج المنزل، لكن حتى المصابيح يدركها التعب في لحظة ما؛ فكما قد تتخيل، التوهج والإضاءة بقوة طوال الوقت يتطلبان عناءً كبيرًا.
تثاءب مصباح ويندي أولًا وانطفأ، ولأن التثاؤب مُعد، سرعان ما تثاءبت المصابيح الأخرى، فأطفأها زفير تثاؤبها قبل أن تغلق فمها.
مع هذا ظلت حجرة الأطفال مضاءة؛ فقد أتى ضوء متقطع من إبريق ماء، حوى بداخله جنية لا يزيد حجمها عن حجم كف اليد، اسمها تينكر بيل. كانت تبحث عن ظل بيتر في الإبريق.
ثم ظهر بيتر، وسأل بصوت خفيض: «تينك، هل ظلي في هذا الإبريق؟»
فبرزت تينك من الإبريق وأجابت: «لا.»
لكن صوتها لما أجابت بدا وكأنه جرس؛ فقد تحدثت بلغة جنيات غريبة، لا يفهمها إلا بيتر وأصدقاؤه.
أخبرت تينك بيتر بأنها لمحت لتوها ظله في خزانة الأدراج.
ففتح بيتر الأدراج، وكوم ملابس الأطفال على الأرض، وعثر على ظله، فانتزعه وحاول أن يرتديه بسرعة وكأنه بنطال، لكن مقاس الظل لم يناسبه؛ فحاول ارتداءه كقبعة، لكن الظل ظل يرتد عن رأسه وكأنه لا يود أن يعود إليه.
فجلس بيتر على الأرض وبدأ يبكي، وأيقظ بكاؤه ويندي، فنهضت وجلست على الفراش.
وسألت بيتر في أدب: «المعذرة، من أنت؟»
– «أنا بيتر بان. من أنت؟»
– «اسمي ويندي دارلينج. أنا أعيش هنا.»
فقال بيتر: «أما أنا فأسكن آخر اليمنة، بعد آخر ما ينتهي إليه العالم قبل حلول الصباح.»
– «هذا عنوان مضحك.»
فشعر بيتر بالإحراج وقال منزعجًا: «لا أرى ما يجعله كذلك.»
– «حسنًا، ما الذي يكتبه الناس على الظرف عندما يرسلون إليك خطابًا؟»
فأجاب بيتر في صوت خفيض: «لا يرسل أحد إليَّ خطابًا.» ولم يعد يشعر بالحرج وحسب، بل انتابه شعور بالحزن أيضًا؛ لأنه لا يحصل على خطابات.
فسألته ويندي بصوت خفيض: «وعندما يرسل أحد إلى والدتك خطابًا؟»
فأجابها بيتر: «ليس لدي أم.» لقد أزعجه عنوان منزله المضحك وعدم حصوله على خطابات، أما الأمهات فشعر بأنه يغالى في تقديرهن.
لكن ويندي رأت أنه من المحزن أن يكون عنوان المرء مضحكًا وألا تكون لديه أم أو خطابات.
فقالت له: «مسكين يا بيتر! لا عجب في أنك تبكي.» ونهضت من فراشها وركضت إليه لتحتضنه.
فقال لها: «لم أبك لأنني لا أجد أمًّا. كنت أبكي لأنني لا أستطيع ارتداء ظلي. هل لديك صمغ؟»
فابتسمت ويندي؛ يا له من تفكير جدير بالصبيان!
فقالت له: «لا يمكنك أن تلصقه بالصمغ أيها الساذج، يجب أن يلتصق بك بخيط، سأخيطه لك.»
فأخرجت عدة الخياطة التي تملكها شاعرة بأهميتها البالغة، وفي غضون دقائق عاد الظل إلى حيث ينتمي، ولو أنه كان مجعدًا بعض الشيء؛ فتساءلت ويندي قليلًا هل كان عليها أن تكويه أولًا.
صاح بيتر وهو يدور أمام مرآة الغرفة: «رائع، انظري إلي وإلى ظلي الرائع.»
فقالت له ويندي: «إن شكرتني فسيكون هذا لطيف منك.»
فقال بيتر: «علام أشكرك؟»
فاستشاطت ويندي غضبًا، حتى إنها عادت إلى فراشها وغطت وجهها بأغطية الفراش، ورفضت أن تزيلها عنها إلى أن يعتذر بيتر.
ثم قالت له، وهي توليه خدها: «سأسامحك إن أعطيتني قبلة»، إذ كانت قد بلغت السن الذي تفكر فيه الفتيات في القبلات.
تردد بيتر وارتبك، ثم وضع في يدها زرًّا على شكل جوزة البلوط؛ فلما أدركت ويندي أنه لم يبلغ تلك السن بعد، ولم تبغ إحراجه، شكرته بأدب، وأخبرته بأنها ستعلق قبلته على خيط وترتديها حول عنقها.
ثم سألته: «كم عمرك؟»
فأجابها: «لا أدري؛ فقد هربت من بيتي في اليوم عينه الذي ولدت فيه، بعدما سمعت والدي يتحدثان عما سأصير إليه عندما أكبر.»
– «لماذا؟»
فأجابها ببساطة: «لأنني لم أرد أن أكبر» وأضاف: «اليوم أنا أعيش مع الصبية التائهين والجنيات.»
فتمتمت ويندي وقد التمعت عيناها: «جنيات؟» وأخذت تسأل بيتر عن كل ما يتبادر إلى ذهنها عن تلك الكائنات.
فقال بيتر شارحًا لها: «عندما يضحك الطفل للمرة الأولى، تتكسر ضحكته وتتجزأ إلى مليون قطعة، وكل قطعة تتحول إلى جنية.»
الحديث عن الجنيات ذكر بيتر فجأة بتينك التي لزمت الصمت تمامًا؛ فنهض يبحث عنها.
فهبت ويندي على قدميها في حماس وقالت: «أتعني أن هناك جنية بالفعل في هذه الغرفة؟»
أنصت الاثنان، لكن ويندي لم تسمع إلا رنين جرس.
فقال لها بيتر مقطبًا: «آه، هذه تينك، هذه هي لغة الجنيات، يبدو أن الصوت قادم من خزانة الأدراج.»
ثم أدرك أنه احتبس تينكر بيل في درج الثياب، فانفجر ضاحكًا؛ لا بد أن تينك طارت إلى الدرج، عندما كان يبحث عن ظله. كم صرخت عندما أخرجها من محبسها.
قال بيتر وهو يشاهدها وهي تطير في أرجاء الغرفة مستشيطة غضبًا: «تينك، يا له من أسلوب!»
فسألت ويندي وهي ترى شيئًا غير واضح المعالم يتحرك بغضب: «ما الذي تقوله؟ كم أتمنى أن تقف ثابتة كي أراها! هل يمكن أن تصبح جنيتي؟»
فأصدرت تينك رنينًا مدويًا غاضبًا ردًّا على هذا.
فقال بيتر: «إنها تقول إنك فتاة ضخمة قبيحة ولا يمكن أن تكون جنية لك، لأنها جنيتي.»
فتمتمت ويندي: «حسنًا، لكنها غير مهذبة.»
فكان على بيتر أن يتفق معها.
لم تتجاوب تينكر بيل مع ويندي فالتفتت ويندي مجددًا إلى بيتر، إذ كانت لديها الكثير من الأسئلة له.
فأخبرها بيتر عن الصبية التائهين، وهم صبية وقعوا من عربة الأطفال التي حملتهم عندما كانوا صغارًا، ولم يرغب فيهم أحد.
قال بيتر: «أنا قائدهم.»
فقالت ويندي: «كم هذا مشوق، لكن ألا توجد فتيات على الجزيرة؟»
فأجابها بيتر: «لا، فالفتيات أذكى من أن يقعن من عربات الأطفال.»
فقالت ويندي وقد تورد وجهها: «ما ألطف أن تقول هذا!»
ثم صرخت فجأة؛ إذ شعرت بأن شيئًا ما جذب شعرها.
فقال بيتر: «لا شك أن هذه تينك. إنها حتمًا شقية اليوم.»
أخبرت تينكر بيل بيتر أنها لن تكف عن شقاوتها طالما أنه يلاطف ويندي. بدا أن الجنية الصغيرة شأنها شأن السيد دارلينج تشعر بالغيرة بشدة.