أسوأ من الليل
صباح اليوم التالي، قيست أحجام أطفال آل دارلينج لعمل فتحات الأشجار الخاصة بهم. كان هوك إن تذكرْ قد رأى أنه من السخيف أن يكون لكل من الصبية التائهين شجرة، لكن هذا في الواقع كان إلى حد كبير منطقيًّا. فكل صبي خصصت له شجرة ذات باب بحجم يختلف عن الأخرى، باب يتسع لحجمه بالضبط وكأنه صنع حسب مقاسه بالضبط، بذا يستطيعون جميعًا دخول الكهف في آن واحد، بدون أن يضطروا إلى الوقوف صفًّا لدخوله، والأهم من ذلك هو أن كل شجرة لم تتسع إلا لواحد فقط من الصبية التائهين، وهذا كان مفيدًا، لا سيما عندما يشن القراصنة هجمات خفية.
صار أطفال آل دارلينج بعد بضعة أيام من التدريب يستخدمون أشجارهم بسرعة وبراعة. كانوا يحتبسون أنفاسهم لدى دخول الكهف ثم يهبطونه بالسرعة المحددة بالضبط، ولدى صعوده، يحتبسون أنفاسهم ثم يتسلقون.
وقد أغرموا جميعًا ببيتهم الجديد تحت الأرض؛ فقد كان بسيطًا وجميلًا يشبه المخيم، حتى إن ويندي أيضًا صارت تقيم فيه لأنها شعرت بالوحدة في بيتها وبدا لها أنها بين أسرة بالفعل. كان الكهف عبارة عن حجرة كبيرة توح بمناخ من الألفة يفرش أرضها التراب، استخدم فيها الصبية نباتات عش الغراب كمقاعد والأشجار المبتورة كمناضد.
وناموا جميعًا — عدا مايكل — على فراش كبير، تزاحموا عليه، ولأن الفراش كان مزدحمًا، وُضعت قاعدة صارمة تقضي بعدم التقلب إلا عندما يعطي أحد الصبية إشارة بذلك، عندها كان الجميع يتقلب في آن واحد.
كان بمقدور مايكل بدوره أن ينام على الفراش، فهناك متسع دائمًا لشخص آخر في نيفرلاند، لكن ويندي أحبت التظاهر بأنه طفلها لأنه كان أصغر الصبية، لذا كانت تضعه في سلة تعلقها بجوار فراشها. أما ذئبها الأليف الذي تبعها في كل مكان، فكان ينام على الأرض لحراستها هي ومايكل.
تعودت تينكر بيل بدورها أن تنام في الكهف في فتحة صغيرة في الحائط، لا يزيد حجمها عن حجم قفص طائر، علق في مدخلها ستار كانت تغلِّقه عليها عندما تود أن تحظى ببعض الخصوصية، وكانت حجرتها برغم صغرها هي أجمل جزء في الكهف؛ فقد امتلأت بأقمشة جميلة وأغطية فرش جميلة وأثاث عتيق الطراز نحت ببراعة.
لذا كانت تقول لويندي: «قد يكون بيتك أكبر، لكن بيتي أفضل.»
لكن سواء أكان بيت تينك أفضل أم لا، ثمة ما شغل بال ويندي أكثر من هذا، فالصبية جعلوها دائمة الانشغال إما بطهو الطعام أو التنظيف أو خياطة الثياب، حتى إنها كانت تمضي أحيانًا أسابيع في الكهف قبل أن تغادره وترى ضوء النهار، مما جعلها تفتقد حياة الاستقلال السابقة التي عاشتها وتتحسر عليها كما قد يفعل الكبار.
أما والديها، فقد افتقدتهما وساورها القلق بشأنهما، لكن ثمة ما جعل الوقت والقلق يتلاشيان في نيفرلاند. كانت ويندي أيضًا إلى حد ما موقنةً بأن نافذة غرفة نومها القديمة وذراعا والديها سيظلان دائمًا مفتوحين لها عندما تطير إليهما.
لكن ما أزعجها هو أن جون بدأ ينسى والديهما. أما مايكل، فقد نسيهما بالفعل تمامًا، وحسب في الواقع أن ويندي هي أمه الحقيقية.
لذا أنشأت مدرسة صغيرة تدرس حياة أطفال آل دارلينج السابقة بدلًا من الهجاء والرياضيات.
أراد الصبية الآخرون بدورهم أن يلتحقوا بالمدرسة، فسمحت لهم بالجلوس فيها، لكنهم بالطبع كانوا يرسبون في الاختبارات دائمًا، لا سيما الاختبارات التي حوت أسئلة صعبة مثل «ما هو لون عين ماما؟» و«كيف أمضينا عطلة الكريسماس الماضية»، و«صف ضحكة بابا».
لم يذهب بيتر إلى المدرسة أو يخضع لاختباراتها قط، وقال إن السبب هو أنه يكره الأمهات والعطلات والضحكات، لكنه في الواقع لم يستطع القراءة أو الكتابة.
كان يجول في الجزيرة وحده عندما يكون سائر الصبية في المدرسة. لم تستطع ويندي قط أن تتبين ما إذا كان يذهب في مغامرات حقيقية أم مغامرات من نسج خياله، إلا إذا صحبها أو صحب أحد الصبية، لكن حتى آنذاك كانت أحيانًا ما تعجز عن الحكم، غير أن ويندي كانت لها مغامراتها الخاصة.
ما المغامرة التي تود سماع قصتها؟ هل تود سماع قصة هجوم الهنود على الكهف الموجود تحت الأرض، عندما انحشر بعضهم في الأشجار المفرغة كما ينحشر بابا نويل سمين في المدخنة؟ ربما تود بدلًا من ذلك أن تسمع عن المرة التي أنقذ فيها بيتر بان الأميرة تايجر ليلي عند بحيرة حوريات الماء، فأصبحت صديقته إلى الأبد.
ربما من الأفضل أن أخبرك عن الكعكة التي خبزها القراصنة وتركوها حول الصبية لتصيبهم بألم في بطونهم، وظلت ويندي تنزعها من أيدي الصبية كلما وجدتها، إلى أن فسد طعمها ولم يعدوا يرغبون في تناولها، ثم تعثر هوك في آخر الأمر فيها بعد أن صارت جامدة سيئة المذاق لتصيب إصبع قدمه.
يمكنني أيضًا أن أخبرك عن أصدقاء بيتر بان من الطيور، لا سيما طائر نيفر الذي عاش أعلى شجرة عند بحيرة حوريات الماء، وأستطيع أن أخبرك كيف سقط عش الطائر ذات مرة في البحيرة فاستمر في الجلوس على بيضه بأي حال لحمايته، فأمر بيتر بألا يزعجه أحد.
ثمة مغامرة أخرى عند البحيرة، مشوقة بنفس القدر تقريبًا، حاولت فيها تينك بمساعدة جنيات أخريات أن يدفعن ورقة شجرة تحمل ويندي وهي نائمة لتطفو إلى البر القريب من الجزيرة، لكن ويندي استيقظت وسبحت عائدة إلى نيفرلاند لتحبط تينكر بيل.
لعل أفضل الطرق لاختيار المغامرة التي تود سماع قصتها هي إلقاء نرد وحسب. إذن تربح البحيرة.
إن حالفك الحظ في أحلامك ليلًا، فستجد البحيرة مكانًا جميلًا تحيا فيها حوريات الماء وتنشدن أغانيهن الجميلة. أما في يقظتك، فأقرب نقطة إلى البحيرة يمكنك أن تصل إليها هي النقطة التي تتكسر فيها الأمواج على الشاطئ عند مغيب الشمس.
أمضى الأطفال أيامًا طويلة من الصيف عند البحيرة، يسبحون أو يطفون على صفحة الماء في خمول. شعرت ويندي بخيبة أمل شديدة لأن حوريات الماء بدورهن اتضح أنهن غير ودودات كتينكر بيل؛ فحتى إن لم يرششنها بالماء بأذيالهن، كن يتجاهلنها تمامًا.
إلا أن حوريات الماء لم يعجبهن الصبية أيضًا، عدا بيتر الذي أمضى ساعات يتحدث إليهن أو يجلس على أذيالهن عندما تجردن كثيرًا من الحياء.
كانت البحيرة تبدو في أبهى صورها ليلًا، عندما يطلع القمر، وتبدأ حوريات الماء في إنشاد أغانيهن الجميلة العجيبة الحزينة لجذب البحارة إلى الصخور، إلا أنها كانت مكانًا غير آمن للبشر في هذا الوقت.
أدركت ويندي هذا، لذا حرصت دائمًا على جمع الأطفال والمغادرة قبل حلول الظلام، لكن في هذا اليوم، فيما كانوا يغفون فوق صخرة مارونرز بعد الغداء، حدث شيء غريب ومخيف.
لم يكن الليل قد حل بعد — أو على الأقل هذا ما حسبته ويندي — لكن بدا أن البحيرة تتبدل من حولهم. ارتجفت صفحة الماء قليلًا، وحل محل ضوء الشمس ظلال.
لم يأت الليل، بل أتى ما هو أسوأ.