فستان الفرح يا حبايب
صاح الشاويش بغضب: أنا أشتري بالونة؟! هل تسخر مني أيها الولد؟!
أسرع «تختخ» إلى الشاويش وأخذ يربت ذراعه قائلًا: إن «عاطف» … لا يقصد أن يُضايقك يا حضرة الشاويش … إنك تعرفه … إنه فقط يُريد أن يبدو خفيف الدم.
الشاويش: خفيف الدم أو ثقيل الدم مسألة لا تُهمُّني … إنكم دائمًا تتحدَّثون عن أنفسكم كمغامرين … وأن لا أحد في العالم يحل الألغاز مثلكم … وقد جئتُ أتحدَّث إليكم عن لغزٍ غامض لا يعرفه أحد إلا أنا!
تختخ: شكرًا لهذه الثقة يا شاويش … أرجوك اجلس واشرب الشاي ودعك من كلام «عاطف».
عاد الشاويش إلى مقعده وهو يرمق «عاطف» بنظراته النارية … وسكت جميع المغامرين في انتظار ما سيقول … ورشف الشاويش رشفةً كبيرةً من كوب الشاي وقال: إن المطلوب منكم أن تُجيبوا على هذا السؤال … هل شاهدتم في الأيام الأخيرة «بائع بالونات» في هذه الأنحاء؟
ردَّ «محب»: لم يكن هذا ممكنًا؛ لأننا كنا في بورسعيد، وقد عُدنا هذا الصباح فقط.
لاذ الشاويش بالصمت لحظات طويلة، وأخذ يرشف الشاي بسرعة … وفوجئ المغامرون أنه يقف مستعدًّا للانصراف وهو يقول: إذن عندما تُشاهدون «بائع البالونات» فأخطروني على الفور.
تدخَّل «تختخ» قائلًا: هل هذا كل دورنا في حلِّ اللغز الغامض الذي تحدَّثتَ عنه؟
الشاويش: نعم … هذا فقط كل ما هو مطلوب منكم.
تختخ: ألَا تُخبرنا بشيء عن اللغز … بعض التفاصيل؟
الشاويش: لا … هذا يكفي بالنسبة لمجموعةٍ من الأولاد مثلكم!
اندفع «محب» قائلًا: هل تُحب إذن يا حضرة الشاويش أن تسمع بعض التفاصيل عن اللغز الذي تُحاول حلَّه؟!
وقف الشاويش مكانه وقد عاد الاحمرار إلى وجهه وقال: تفاصيل؟! … أنتم تعرفون تفاصيل عن هذا اللغز؟!
محب: نعم … هناك خمس سرقات وقعت في المعادي … وقُبيل كل سرقة كان يظهر «بائع بالونات» عند المكان الذي تتم فيه السرقة … ونحن …
ولكن الشاويش لم يحتمل أكثر من هذا وصاح: هذا غير معقول … غير ممكن … إنكم تتجسَّسون على أعمالي … إنني سوف …
قال «تختخ» مقاطعًا: صبرًا قليلًا يا شاويش «علي» … المسألة ليست هكذا مطلقًا … تفضَّل واقرأ هذا الخطاب.
ومدَّ «تختخ» يده بخطاب المفتش «سامي» إلى الشاويش الذي أمسكه مندهشًا، ثم أخذ يقرأ ما به … وكلما أمعن في القراءة زاد شحوبه، وانكمش غضبه، حتى إذا فرغ من قراءة الخطاب قال وهو يبلع ريقه: نعم … نعم … لقد كنتُ أنوي أن أقول لكم … طبعًا … طبعًا … ولماذا أخفي عنكم؟ إنني …
تختخ: دعنا لا نُضيع وقتًا أطول يا شاويش … إننا نُريد آخر المعلومات والبيانات عن هذا اللغز!
مدَّ الشاويش «علي» يده في حقيبته مرةً أخرى وأخرج ورقةً ناولها ﻟ «تختخ» … قائلًا: عناوين المساكن التي سُرقت وأسماء السكَّان … وقد قابلتُهم جميعًا، ولم أحصل منهم إلا على معلومات ضئيلة … فهم جميعًا لم يرَوا وجه «بائع البالونات»!
أخذ «تختخ» يقرأ بسرعة عناوين وأسماء ضحايا «بائع البالونات» الغامض … وتوقَّف عند أحد العناوين … إن له صديقًا سعوديًّا يسكن في هذه العمارة في شارع ١٩ ومن الممكن أن يُساعده … إنه ولد ذكي … من ذلك النوع الذي يهوى القراءة والاطلاع … وقد سافر كثيرًا إلى بلادٍ مختلفة … ويمكن الاعتماد عليه … دارت هذه الخواطر في ذهن «تختخ» بسرعة، ثم قال للشاويش: إننا نشكرك كثيرًا يا حضرة الشاويش … وسوف نتبادل المعلومات، إذا وصلتَ إلى شيء أبلغتَنا، وإذا وصلنا إلى شيء أبلغناك.
قام الشاويش واقفًا وقال كعادته: إنني لستُ في حاجةٍ إلى مساعدةٍ من أحد … سوف أصل إلى هذا اللص … وسوف أضعه في السجن.
تختخ: ندعو لكَ بالتوفيق يا شاويش!
وانصرف الشاويش … وأخذ «تختخ» يقرأ أسماء وعناوين الضحايا … ليأخذ كل واحدٍ من المغامرين اسمًا ويجمع المعلومات عن ظروف السرقة … وقد تمَّ تقييم الأسماء حسب قربها من مساكن المغامرين الخمسة … وكان من نصيب «لوزة» … سيدة مُسنة سُرِق منها شيء غريب … لقد سُرِق منها فستان الفرح الذي تزوَّجت به منذ خمسين عامًا … ولمَّا كانت السيدة العجوز واسمها «نعمات» قد فقدت زوجها بعد الزواج بأقلَّ من سنة … ولم تُنجب … ولم تتزوَّج مرةً أخرى … فإن فستان الفرح الأبيض كان يُمثِّل بالنسبة لها شيئًا عزيزًا جدًّا … وله أهمية خاصة.
انطلقت «لوزة» على درَّاجتها كالصاعقة … لقد حفظت العنوان، واسم السيدة … وبقي عليها أن تُفكِّر في كيفية الحديث إليها … وظلَّ ذهنها مشغولًا حتى وصلت إلى العنوان.
كان منزلًا قديمًا مقسَّمًا إلى طابقَين … كان أصل لونه رماديًّا، ولكن الزمن أحاله إلى اللون الأسود، وقد غطَّت جدرانه من الخارج الأعشاب والنباتات المتسلِّقة … وكانت السيدة تسكن في الطابق الثاني … وأدخلت «لوزة» درَّاجتها في الحديقة المهملة … ووقفت قليلًا تُفكِّر كيف تبدأ الحديث مع السيدة … ولكن شيئًا حدث وفَّر عليها التفكير … كانت السيدة تنظر من النافذة عليها … وقد شاهدَتها وهي تركن درَّاجتها وتقف، فصاحت بصوتٍ رفيع أشبه بصوت الجرس: ماذا تُريدين أيتها الصغيرة؟
ورفعَت «لوزة» رأسها وقالت: لقد جئتُ لأُقابلك.
السيدة: أهلًا بك … تعالَي فورًا.
دُهشت «لوزة» لهذا الترحيب المفاجئ، وأخذت تقفز السلالم الخشبية القديمة حتى وصلت إلى شقة السيدة، ووجدَتها تقف في انتظارها.
قالت السيدة على الفور: ادخلي … إنكِ قادمة من عند السيدة «حكمت»؟
دُهشت «لوزة» … فهي لا تعرف سيدةً بهذا الاسم … وقبل أن تُجيب انطلقت السيدة العجوز تصيح: لا يمكن أن أخرج من هذا البيت! … إلى أين أذهب؟
لقد قضيتُ فيه خمسين عامًا، ولا أعرف مكانًا آخر أذهب إليه.
ولدهشة «لوزة» … انخرطت السيدة العجوز في البكاء وهي تقول: حرام عليكم ما تفعلون … تطردون سيدةً عجوزًا مثلي من مسكنها … صحيح أني لم أدفع الإيجار … ولكني سأدفعه … سأجد طريقةً لدفعه … إن عندي أشياء تصلح للبيع … سوف أبيعها وأدفع لكم الإيجار … قولي هذا للسيدة «حكمت».
تحدَّثت «لوزة» لأول مرة فقالت: ولكني لم آتِ من طرف السيدة «حكمت»!
مسحت السيدة العجوز عينَيها وقالت: أصحيح؟!
لوزة: طبعًا … إنني لا أعرف أحدًا بهذا الاسم!
السيدة: إذن لماذا جئت؟
تردَّدت «لوزة» قليلًا، ثم قالت: لقد سمعتُ أنكِ سُرقت!
العجوز: نعم … نعم … سرقوا فستان الفرح … وكان في جيبه خاتم ثمين هو كل ما بقي لي من أشياء … كنتُ سأبيعه وأدفع منه الإيجار، ولكن اللص الحقير سرق الفستان … إنه جزء عزيز من ذكرياتي … وكنتُ أضع فيه الخاتم الثمين … ولكن اللص أخذ كل شيء.
لوزة: جئتُ لآخذ منكِ بعض المعلومات.
العجوز: ولكن ماذا ستفعلين بهذه المعلومات؟! … إن الشرطة لم تستطِع حتى الآن عمل أي شيء، وأنت فتاة صغيرة!
لوزة: إننا مجموعةٌ من المغامرين من أصدقاء الشرطة، نُقدِّم لهم بعض الخدمات … وقد حَزِنَّا كثيرًا لأنهم سرقوا فستانك … ونحن نُريد إعادة الفستان إليك.
السيدة: لقد قلتُ كلَّ معلوماتي للشرطة!
لوزة: لا بأس … أُريد بعض المعلومات الإضافية … ما هو لون الفستان؟
السيدة: أبيض طبعًا، ومُحلًّى بالترتر الملوَّن … وبعض الخيوط الفضية.
لوزة: وكيف سُرِق؟
السيدة: كنتُ قد سافرتُ لزيارة أختي المريضة في الإسكندرية … وأغلقتُ الشقة، وطلبتُ من بوَّاب الجيران أن يحرسها لحين عودتي.
لوزة: أليس لكم بوَّاب؟
السيدة: لا … إن السيدة «حكمت» حرمتنا كلَّ شيء … إنها تُريد أن تطردنا جميعًا من المنزل لتُؤجِّره مفروشًا.
لوزة: أشكركِ كثيرًا … سوف أذهب لرؤية البوَّاب.
السيدة: المهم أن تُعيدوا لي الخاتم والفستان … إنهما الأمل الوحيد لدفع الإيجار وإلا طردتني السيدة «حكمت» من الشقة!
لوزة: ما قيمة الإيجار المتأخِّر عليك؟
السيدة: ستة عشر جنيهًا.
لوزة: لا تحملي همًّا … سوف نُدبِّر الأمر.
وأسرعَت «لوزة» تنزل السلالم القديمة إلى الشارع … واتجهت فورًا إلى بوَّاب العمارة المجاورة. كان رجلًا ضخمًا يجلس على مقعد خشبي عالٍ وهو يُدخِّن «الشيشة» … واندفعَت «لوزة» إليه وقالت: لقد جئتُ إليكَ من طرف السيدة «نعمات».
ردَّ عليها الرجل بصوتٍ غليظ: وماذا تُريد مني السيدة «نعمات»؟!
لوزة: بخصوص الفستان الذي سُرِق منها.
بدا على الرجل نوعٌ من الخوف المفاجئ … ولكنه أخفاه بسرعة، وأخذ ينظر إلى «لوزة» في ضيق …