الفصل الثالث

الصورة الفنية

(١) الفلسفة والأدب

فلسفة برجسون كما هو الحال في معظم الفلسفات الفرنسية منذ ديكارت وفلاسفة التنوير جزء من تاريخ الأدب الفرنسي بالمعنى الواسع قبل أن يتحوَّل الأدب كشكل من أشكال التعبير الفلسفي عند الوجوديين الفرنسيين؛ مثل سارتر وجابريل مارسل، أو عند الأدباء الوجوديين الفرنسيين مثل كامو. لم يعد الشكل الأدبي للفلسفة هو «مقال في المنهج عند ديكارت» أو كتاب «الأخلاق» عند اسبينوزا، طِبقًا للنسق الهندسي أو «الرياضيات الشاملة» عند ليبنتز أو «النسق المعماري» للعقل كما هو الحال عند كانط، أو «علم المنطق» كما هو الحال عند هيجل، بل الرواية والمسرحية والشعر منذ الرومانسية عند شيللر ولسنج، والرسائل الفلسفية عند ديدرو وفولتير حتى الأدباء الوجوديين المعاصرين. وتم التوحيد بين الفلسفة والأدب عند كركيجارد كرد فعل على هيجل. لم يعد «المذهب» هو الشكل الفلسفي، بل الحِكَم والأمثال كما هو الحال عند شوبنهور ونيتشه. والفلسفة الفرنسية منذ ديكارت حتى برجسون، من البداية إلى النهاية هي في نفس الوقت جزء من تاريخ النثر الأدبي الفرنسي.

وبرجسون على وعي تامٍّ بأن كثيرًا من تحليلاته، صور أو أمثال أو تشبيهات، تعتمد على المجاز والاستعارة؛ فهي أقدر على التعبير، وأكثر على قدرةً على الإيصال، وأقصر في العبارة. وتلك وظيفة البلاغة، أكبر قدر ممكن من المعنى بأقل قدر ممكن من العبارة. صحيح أن للتشبيه عيوبه لأن الصورة الفنية لا يمكن تحليلها لغويًّا ولأنها بطبيعتها متشابهة، توحي بعديد من ظلال المعنى لعديد من القراء نظرًا لاختلاف مستوياتهم في التذوق الأدبي واختلاف مقاصدهم في الفهم. على عكس التطابق بين المعنى واللفظ كما هو الحال في البرهان الرياضي، بل وبين الحرف والمعنى في المنطق الرمزي؛ لذلك استخدمه اللاهوت للتعبير عمَّا لا يمكن وصفه. فبجوار اللاهوت الإيجابي الذي يصف ظانًّا أن الوصف هو الموصوف فيقع في التشبيه لا محالة، واللاهوت السلبي الذي ينفي التشابه بين الوصف والموصوف من أجل التنزيه، هناك طريق الاستعارة أو التشبيه الذي يستعمل الصورة الفنية اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.١

ونظرًا لتحليل التجارب الذاتية كما هو الحال في الظاهريات، يستعمل برجسون الأسلوب الشخصي في ضمير المتكلم المفرد أو الجمع كما استعمله ديكارت من قبلُ في «التأملات» وهو الأسلوب الذي يجمع بين الأدب والفلسفة. لا فرق فيه بين الموضوع والخبرة الذاتية. وتتخلَّل الأسلوب الأدبي بعض الصياغات أشبه بقواعد للتوجيه ولتلخيص التحليلات الجزئية والتأملات الشخصية كما هو الحال في القرن السابع عشر عندما تحوَّلت الأفكار الفلسفية إلى مصادرات رياضية عند اسبينوزا. برجسون إذن فيلسوف رياضي وبيولوجي وأديب، يجمع بين الفلسفة والعلم بنوعيه، الرياضي والطبيعي، ويستعمل الأدب كشكل للتعبير.

وهناك ثلاثة أنواع من الصور الفنية؛ الأول الصورة الفنية التي تقوم على كافة ضروب التشبيه من استعارة ومجاز، وهي في العادة قصيرة والأكثر شيوعًا، تنتقل من المجرد إلى العياني، ومن الفكرة إلى الرؤية، ومن العقل إلى الخيال. والثاني مثل يُضرب لتوضيح فكرة وللتقريب إلى الفهم. وعادةً ما يكون شيئًا طبيعيًّا خاليًا من البُعد الفني وإثارة الخيال، غَرَضه التفهُّم وليس التأثير. والثالث تحليل التجربة الذاتية والخبرة الحية للاستدلال بها على صدق الفكرة وكأنها نابعة من القارئ، توصَّل إليها بجهده الخاص ولم يقرأها عند المؤلف. هو «التأويل» في مقابل «التنزيل».

ويمكن تصنيف الصور الفنية طبقًا لعدة مقاييس؛ الأول طِبقًا لمادتها، النباتية أو الحيوانية أو الإنسانية أو الكونية. ويمكن أيضًا قسمتها طبقًا لأبعادها الجمالية الحركية كالارتفاع والانخفاض. وأخيرًا يمكن قسمتها طبقًا لموضوعاتها التي تريد تصويرها مثل العقل والحدس، والزمان والديمومة، والحرية والطفرة، والطاقة والحركة، والعلم والتطور، والنفس والبدن، والدنيا والآخرة. وهو أفضل لمعرفة قواعد الاستعارة والمجاز والتي يتم نسخ الصور الفنية طبقًا لها.

«والصورة الفنية» هي الفصل الوحيد الذي تمَّت كتابته عَرْضيًّا، عبر مؤلفات برجسون النظرية أو التطبيقية؛ لأن الصورة الفنية تتخلَّلها جميعًا وليس طوليًّا، كتابًا كتابًا، سواء في المنهج أو في الموضوع، في النظرية أو في التطبيق. والصورة من برجسون، وشرحها بصور مشابهة من العرض؛ فالصور أيضًا تتعدَّد وتتكاثر لدلالة واحدة.

(٢) الصورة الفنية

(أ) العقل والحدس

التمييز بين العقل والحدس هو نقطة البداية في منهج برجسون لمعرفة الأشياء بديلًا عن نظرية المعرفة التقليدية والصياغات الفلسفية والرياضية.

العقل بالنسبة للحدس أشبه بمصباح يضيء في دهليز الشمس التي تنير العالم.٢ العقل جزء، والحدس كل. العقل محدود، والحدس غير محدود. الحدس هو أن تشرب كل الكائنات الحية من كأس الماء وتتذوق الشهد الذي وضعته الطبيعة على حافته دون تذوُّق الباقي. أما العقل فينظر إلى أسفل الكأس كي يرى قاعدته حيث لا شراب ولا ذوق. الحدس يشرب من أعلى الكأس، والعقل يرى أسفله،٣ وهو التقابل التقليدي في تراثنا القديم بين الذوق والنظر.
العقل يطير فوق الواقع والحدس يغوص فيه. الأول مثل الطيار الذي يرى الحُطام من الهواء، والثاني مثل الغاطس الذي يغوص في أعماقه.٤ العقل معرفة خارجية، والحدس معرفة داخلية. العقل معرفة على السطح، والحدس معرفة في العمق.
العقل مناط التخصص والتجزئة، وهل يمكن أن يُعرف البناء إلا بعد مشاهدة متصل الأحجار؟٥ الحدس رؤية كلية للبناء كمعمار فني متكامل؛ فالهرم عظيم في هيئته وليس في أحجاره. الحس المشترك اتجاه سلبي للروح الذي ينتظر في وسط الليل أن يلمع البرق ويسطع النور.٦ ويتجاوز الحدس الحس المشترك الذي يختلط فيه الحس والعقل والعادة ومتطلَّبات العمل. ولغة النور هي اللغة الأثيرة عند الصوفية. وفي الفن يختار الهاوي حلًّا من الحلول الجاهزة كما يختار السياسي الحزب الذي ينضم إليه. في حين أن الفيلسوف هو الذي يبدع حلًّا جديدًا غير مسبوق.٧
العقل مربوط ببقرة شغالة بجهد شاق، تشعر بعضلاتها ومفاصلها ثقل المحراث ومقاومة الأرض؛ مهمته أن يقوم بدوره وهو شق سلاح المحراث الأرض. العقل إذن ليس حرًّا بل مقيد، وهو ما يعني في العربية عَقْل البعير أي ربطه. عمله شاق ولكنه ضروري، يحتاج إلى زمن طويل ونتائج ملموسة. في حين أن الجهد الفلسفي والعلمي هو استخراج القوانين واحدةً تلو الأخرى بالحفر في الوقائع التي تُغطِّيها، كما يُعَرَّى الأثر المصري بالجاروف وسط رمال الصحراء.٨
والحدس كالخيط الذي يصعد إلى أبعد نقطة في الأرض،٩ كالكشاف الذي ينير، كالشعاع الذي إذا واجه موضوعًا أضاءه. الحدس يجمع حالات الشعور كما يضم الخيطُ حبات العقد.١٠ هو رؤية مباشرة بلا توسط على عكس هيجل الذي لا يتم الإدراك لديه إلا بالتوسط والتخارج. أما الحدس فلا يتجاوز الحِس، الشيء في الزمان والمكان، لا فرق بين كانط في الحساسية الترنسندنتالية في «نقد العقل الخالص» وهيجل في الإدراك الحسي في «ظاهريات الروح».

(ب) الصورية والتجريبية

وهي أحد أشكال ثنائيات برجسون الشهيرة، ثنائية المثالية والواقعية، الروحية والمادية، العقلية والحسية اللتين تمثلان فم الوعي الأوروبي المفتوح وفكيه المتباعدين؛ الأول إلى أعلى، والثاني إلى أسفل، منذ ثنائية ديكارت في بداية العصور الحديثة.١١
وينقد برجسون الصورية أو العقلانية أو المثالية مستعملًا عدة صور؛ فلا توجد الفكر قبل الفكرة، كما لا توجد الحرارة قبل الكرة الحارة.١٢ فالواقع يسبق الفكر، ولا يوجد فكر إلا إذا وُجد الواقع قبله. الفكر فكر الواقع، والواقع واقع الفكر.
وعلاقة الشعور بالمادة مثل علاقة الرداء بالمشجب. إذا وقع المشجب وقع الرداء، وإذا تحرَّك المشجب تحرَّك الرداء، بل قد يخرق المشجب الرداء أو يخرمه؛١٣ فالفكر محمول على الواقع، والواقع حامل الفكر.
وعلاقة المخ بنشاط الذهن مثل علاقة عصى قائد الأوركسترا بالسيمفونية؛ فالمخ هو الذي يوجِّه نشاط الفكر وإن كان مسئولًا عنه؛ فالموسيقى مستقلة عن عصا المايسترو، ولكنها تتوجَّه بحركته.١٤
ويكفي فك قلاع المركب الشراعي حتى يتراقص المركب فوق الموج؛ فأي تغيُّر طفيف في جوهر المخ قد يُحرِّك الذهن، وهي علاقة الحامل بالمحمول والدال بالدلالة كما يعبِّر عن ذلك هوسرل.١٥
ليس الاتساق المنطقي مقياسًا للحقيقة، وقد يخرج المجنون عن عقله وفي نفس الوقت تتفق استدلالاته مع قوانين المنطق.١٦
والبحث عن أصل العالم في علة أولى مثل الشاكِّ الذي يغلق النافذة ثم يعود ليتحقَّق من هذا الغلق، ثم يعود ليتحقق من هذا التحقق، إلى ما لا نهاية.١٧
ويُضرَب المثل في الوحدة والكثرة على التماثل والاختلاف بين الوحدات بقطيع الخراف الذي تتماثل فيه كل الخراف في الشكل، ومع ذلك تتعدَّد على الأقل بتعدُّد أمكنة الخراف؛١٨ فالمشكلة ليست ميتافيزيقية، بل واقعية؛ فالإنسان واحد والآخرون كثيرون، والخروف واحد، والخراف كثير، والقمر واحد والأقمار كثيرة.
وأصل التجريد في الواقع. إذا يُفترض أن النقاط كرات قبل أن تتحول إلى نقاط مجردة.١٩ والطفل يعد على أصابعه حبات البرتقال قبل أن يجرِّد العمليات الحسابية وبعد ذلك المعادلات الجبرية، في جبر الحساب. ليس للتصور أي ثقل، هو مثل ظل الجسم؛ أي مجرد تابع وهمي، مجرد خيال، انعكاس لشيء آخر.٢٠ والفيلسوف الذي يريد القبض على الموضوعات بالتصورات مثل الأطفال الذين يُريدون القبض على الدخان بأيديهم،٢١ هو مثل الطفل الذي يُريد أن يصنع لعبةً فعلية من ظلال حوائط طويلة،٢٢ وهو مثل الراعي النعسان الذي يرى أمامه الماء يسيل ولا يراه ولا يتحرَّك ليشرب؛ فالدخان تابع للنار، والنار تابع للشيء المحترق. والماء الذي يسيل ليس سرابًا، بل هو ماء بالفعل لا يراه الفيلسوف النائم.٢٣
الأفكار العامة مثل أوراق النقد بدلًا من غطائها الذهبي. إذا كثرت قلت قيمتها وإذا قلت زادت قيمتها؛٢٤ فالتصورات أوراق مالية بلا رصيد إن لم يكن تستند إلى واقع، والتصورات الصادقة كالأوراق المالية التي لها رصيد من غطاء ذهبي. فائدة الأفكار العامة المجردة مثل فائدة الأوراق المالية، الفعل.٢٥ «نقد العقل الخالص» عند كانط أشبه بالتلميذ المعاقَب الممنوع من أن يحرك رأسه إلى الوراء ليرى الواقع كما هو عليه، وهو مشابه لأسطورة الكهف عند أفلاطون.٢٦
واختلاف الفلاسفة المثاليين لا ينفي وجود قاع مشترك بينهم لنفس المحيط بالرغم من أنه يقذف على السطح مواد مختلفة.٢٧ يشترك الفلاسفة في وحدة البركان الكامن في قاع المحيط، ثم يختلفون في انبثاقاته وانفجاراته المتعددة على السطح. ويكشف لنا تاريخ الفلسفة الصراع الأبدي بين المذاهب، واستحالة إدخال الواقع في ملابس مصنوعة، وهي التصورات الجاهزة، وضرورة التفصيل على قد المقاس.٢٨ فالمثالية ثوب فضفاض على الواقع، والواقع ثوب ضيق على المثال، وبرجسون هو الذي يقد الفلسفة على قد الواقع، ويؤسِّس الميتافيزيقيا على العلم.
الفكرة الواضحة الجليَّة بذاتها هي الفكرة الجديدة تمامًا، فكرة الفيلسوف، وليس فكرة الكتبة والفريسيين؛٢٩ فشرط الفكرة الجدةُ والإبداع، وليس فقط الوضوح والتميز أو النقل الصحيح بتعبير القدماء؛ «موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول».
وأكثر التصورات إحكامًا في التجميع وأكثر الاستدلالات إحكامًا في المنطق تنهار كقصور من ورق عندما تُصدَم بواقعة.٣٠ فالواقع هو الأساس، والتصورات انعكاسات لها. المذاهب الشامخة كالبالونات منتفخة، يكفيها «دبوس» من الواقع حتى «تفسي». الصورة الجديدة التي يمثِّلها الإنسان كالشكل الذي يعطيه صانع الفخار للآنية؛٣١ فالصورة خارجية محضة، أقرب إلى الشكل منها إلى الجوهر أو المضمون عكس أرسطو واسبينوزا؛ فالصورة عندهما جوهر الشيء.
كتاب «الأخلاق» لاسبينوزا كالدبابة، جسم ضخم على أرض أقل ضخامة، قوتها في ثقلها وليس في الأرض التي تسير عليها،٣٢ عَظَمتها في حجمها وليس في مناورتها. وفي حرب أكتوبر استطاع الصاروخ الصغير على كتف الإنسان تدميرها.
ومذهب بركلي كمن يضع الخل في الزيت، تمثُّلات وإحساسات ذاتية، ووضع للعالم الخارجي فيها، ويبقى الخل والزيت منفصلين غير مختلطين. العالم عالم، والفكر فكر،٣٣ وهو ما قاله الصوفية بالنسبة لحلول اللاهوت في الناسوت ودون اتحاد به.
العقل أقرب إلى الفعل والسلوك وتلبية متطلبات الحاجات العملية، العقل بالنسبة للسلوك كالغريزة بالنسبة للنحل، حركة طبيعية من أجل البقاء.٣٤ لا يثور ولا يغضب. هو عقل راضٍ، يرى العالم صورةً في مرآته؛ فهو العاكس للحقائق، وفيه يتجلَّى كل شيء، وهو على علم بكل شيء، لا تخفى عنه خافية.٣٥ هو خزينة معلومات وليس مصدر علم.
حياة الإبداع مثل كرة مطاطية تنتفخ تدريجيًّا، وتأخذ أشكالًا غير متوقعة. والعقل يتصوَّرها فارغة؛ فهناك شيء وراء العقل يُعطيه شكله ويُحدِّد قدرته واتجاهه.٣٦
إن حجج زينون الإيلي أشبه بطفل يحبو على أربع، ويطلب أن تُنتزع إليه الكواكب،٣٧ فالخطأ لا يؤدي إلى الصواب، والوهم لا يوصل إلى الواقع، وقسمة العقل غير تواصل الحدس. ومع ذلك، هي الحجج التي أيقظت برجسون من سباته فاكتشف الخلط بين المكان والزمان، بين المنقسم وغير المنقسم، بين المنقطع والمتصل.
الواقع هو الأرضية التي تنبت فيها الحقيقة.٣٨ وهنا يبدو برجسون أقل نقدًا للتجريبية منه إلى نقد المثالية. المهم أن تكون التجربة هي التجربة الخالصة العميقة، وليس التجربة السطحية الساذجة. الواقع بلا حقيقة صحراء جرداء، والحقيقة بلا واقع نبت شيطاني.
التجربة الخالصة أو التجربة الجذرية كالنهر الذي يفيض دون تحديد اتجاه مسبق؛٣٩ فالحرية جوهرها، والديمومة نسيجها، الطاقة بدايتها والحركة مسارها، والتوقف نهاية طبيعية للدافع الحيوي.
ويعرض برجسون فلسفة رافيسون وكيف أن أرسطو بالنسبة له كان يبحث في باطن الأرض، وأقام نفقًا تحت الأرض يعرض فيه كالمهندس الذي يحفر نفقًا من أماكن متعدِّدة ثم يوصل بينها،٤٠ ولا يبني قصورًا في الهواء كما فعل أفلاطون.
ووليم جيمس أول من أدرك أن الحقيقة تتجه إلى الأمام مثل كرستوفر كولومبوس أول من اكتشف أمريكا.٤١ الحقيقة تتقدم ولا تثبت، تخلق ولا تعطي، حركية وليست ثابتة؛ لذلك كانت الحقيقة الصوفية أكثر حقيقةً من الحقيقة الرياضية.
لقد أخطأت المثالية والواقعية معًا. أعطت المثالية الواقع أكثر ممَّا يستحق، وأعطته الواقعية أقل ممَّا يستحق. لقد حفر التجريبيون تحت الواقع خندقًا عميقًا، وبنى المثاليون فوقه جسرًا جميلًا، والنهر الذي يُحرِّك الأشياء يمر بين هذين العملين الفنيين دون مَسِّهما.٤٢
المشاكل الفلسفية الكبرى كالكوب يحكم عليها البعض بأن نصفها مملوء، والبعض الآخر بأن نصفها فارغ؛ فهناك مِلاء في زجاجة نصفها مملوء، وفراغ في زجاجة نصفها فارغ.٤٣
ومنهج برجسون هو إلقاء التراب في أعين الخصوم من أجل إيقاعهم في التناقص والخطأ وتعرية الوهم كما كان يفعل سقراط مع محاوريه.٤٤ يحفر في الشيء ليرى تكوينه بعيدًا عن الإسقاطات العقلية عليه، فينحاز القارئ إلى برجسون وينضم إليه ضد خصومه؛ لذلك انتشرت «البرجسونية» كمنهج وليس كمذهب، وكثر البرجسونيون أثناء حياته وبعد موته.

(ﺟ) الزمان والديمومة والحرية

الزمان غير المكان. الزمان تجربة باطنية، والمكان فضاء خارجي. وهي قسمة لا تبعد كثيرًا عن تمييز كانط بين الزمان والمكان كصورتين للحساسية الترنسندنتالية، الزمان للظواهر الداخلية، والمكان للظواهر الخارجية. وهي نفس قسمة العصر الوسيط إلى حواس خمس داخلية، الوهم والذاكرة والحافظة والمخيِّلة والحس المشترك بالإضافة إلى الحواس الخمس الخارجية. وهي نفس الثنائية بين الكيف والكم، بين التوتر والامتداد، بين ما لا ينقسم، بين المتصل والمنقطع … إلخ. والخلط بين الزمان والمكان كوضع العصا في العجلة ليُحرِّكها؛ فالزمان هو المحرك.٤٥
والزمان سِجل للتدوين. حيث يوجد شيء يحيا، هناك سجل يُكتب فيه الزمان وهو الذاكرة. ويدرك برجسون أن هذه مجرد استعارة.٤٦ وفي إحدى أغانينا الشعبية الوطنية «سجل يا زمان».
والزمان عند ليبنتز «غائية جذرية»؛ إذ يُرد الزمان إلى إدراك مختلط من منظور إنساني يتبدَّد كما يُبدِّد الذهنُ الضبابَ وسط الأشياء.٤٧ الزمان ينقشع بفضل حرارة الذهن، ويتبدَّد كما ينقشع الضباب إذا سطع ضوء الصباح.
والشعور بالزمان مثل خيط من المطاط، يشد ويرخي. ويُرسم هذا التوتر على أنه خط منقسم رياضيًّا، وهو حركة واحدة لا تقبل القسمة.٤٨ الزمان لا هو سائل يتعامل معه الذهن، ولا هو صلب تتعامل معه الحواس. هو مادة مطاطية تطول وتقصر، تشتد وترخي، «يزيد وينقص» كما يقول القدماء في الإيمان، مستعملين لغة الكم لوصف موضوع كيفي خالص.
وتكثر صور الديمومة نظرًا لمركزتيها في فلسفة برجسون؛ فهي ديمومة في الأشياء دون أن تكون شيئًا تسري فيها وتربط بينها. «تعض الديمومة على الأشياء وتترك آثار أسنانها عليها».٤٩ وتحت قطع الكريستال المشطوفه جيدًا، ووراء هذا التجميد المفتعل هناك تواصل مستمر. هذا هو جَدَل الخارج والداخل في الشعور.٥٠
وهي ديمومة في العالم. تسطع كالشمس وتُشِع نورها وحرارتها ربما على أبعد الكواكب، ومع ذلك تسير الكواكب في فلكها وفي مسار خاص. هناك ديمومة واحدة مباطنة في العالم كله.٥١ تُوحِّد بين أجزائه، وتجمع بين متفرِّقاته.
وهناك ديمومة الأفكار؛ إذ تتولَّد الأفكار من بعضها البعض كما تتولَّد الألحان. يتولَّد مفهوم الحرية، ثم يتولَّد منه مفهوم المساواة، ثم يتولَّد منه مفهوم العدالة.٥٢ تُطِل بعض الأفكار في الأعماق، وأخرى تظهر على السطح كأوراق ميتة على ماء مستنقع، وهي الأفكار الجاهزة.٥٣
والصلة بين الانفعال والتمثُّل كالصلة بين النار والرماد. ولو أزحنا الرماد لوجدنا النار مشتعلة، بل وتزداد اشتعالًا؛ فالتمثُّل كالتصور مجرد رماد لا يُحييه إلا الانفعال.٥٤
ويسري الحماس من نفس إلى نفس كما يسري الحريق؛٥٥ فالنفوس المتفرِّدة هناك نفس واحدة تجمعها هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. ومع ذلك حالات الشعور مثل إبرة من ثلج تلمسها اليد.٥٦ لا يمكن تثبيتها ولا تجميدها؛ توجد لتهرب، وتظهر لتغيب، دون أن يكون الوجود عدمًا.
الديمومة أشبه باللحن الداخلي،٥٧ يصدح في النفس دون جَوقة للعزف وآلات للاستعمال. هو هاتف في السحر، صوت للضمير، إلهام شاعر، ورؤية صوفي.
كل شعور هو تيار سائل أشبه بفك «رول». لا يوجد شعور إلا ويتخلَّق ويتكشَّف ويتجلَّى.٥٨ الشعور قد ينضوي على نفسه وقد ينفتح، قد ينقبض وقد ينبسط بلغة الصوفية. يسكر ويصحو، يغيب ويحضر، ينام ويستيقظ، يخمل وينشط، بلغة هوسرل. هو أشبه بفتح المروحة بسرعة أو ببطء ثم الرسم عليها.٥٩ وتصعب رؤية الرسم والشعور في حالة قبض، وتسهل الرؤية والشعور في حالة بسط. وهو مثل كوب الرحلات ينغلق فيصبح علبة، وينفتح فيصبح كوبًا. تنساب من الماضي إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى المستقبل، ديمومة واحدة، كاللحن الموسيقي.٦٠ وتحت تأثير عصًا سحرية لقائد الأوركسترا، يتم استدعاء أشياء جديدة للتمثل ممَّا قد أدرك من قبل.
ليس المهم في تيار الشعور المتصل الجواهر المعلَّقة في العقد، الماضي والحاضر والمستقبل، بل الخيط الذي يربط هذه الجواهر في تيار واحد.٦١ التيار اتصال، والحدوس كالجواهر مُعلَّقة عليه.
والذكريات كلٌّ متضامن كالهرم الذي تتحرَّك قمته باستمرار، ويتحد مع الحاضر، اندفاعًا نحو المستقبل٦٢ فلا فصل بين لحظات الديمومة الثلاث.٦٣ الذكريات المتراكمة في الشعور في حالة كمون أو طفرة، إحجام أو إقدام، فعل أو انفعال.
وكلما كان قدر الماضي الذي يحل في الحاضر أكبر، كانت الكتلة التي تدفع نحو المستقبل للإسراع في تحقيق الإمكانيات أعظم، مثل السهم عندما ينطلق بقوة أكبر إلى الأمام كلما اشتد القوس إلى الخلف.٦٤ تلعب الذاكرة بالماضي وتتخيَّله الروح؛ فعالم الشعور عالم واحد.

الحفظ عن طريق الفهم كالورقة المالية التي تتضمَّن النقود المعدنية؛ فهو حفظ عن طريق التداعي الفعلي للأفكار، وليس مجرد تراص مكتوب. حفظ له قيمة فعلية بقطع معدنية وليس قيمةً رمزية بورقة مالية.

والحرية تجربة إنسانية خالصة تعبِّر عن طبيعة الشعور وتياره المتصل الذي لا يمكن التنبؤ بمساره. وهي أيضًا في الطبيعة، إمبراطورية داخل إمبراطورية أو مستقلة عنها،٦٥ فالتيار الحيوي لا يمكن التنبؤ بمساره. ويفترق ويتشعَّب طفرةً دون اتباع قانون مسبق. الحرية تعبير عن الدافع الحيوي، انبثاق من الضرورة، حرية ضرورية أو ضرورة حرة.
والأنا الذي يحيا وينمو وسط تردُّده، ينبثق منه الفعل الحر «كما تسقط الفاكهة الناضجة من على شجرتها».٦٦ الفعل الحر ازدهار طبيعي للأنا الحي، تحقُّق فعلي للأنا النشط، تعبير عن الأنا الذي يضع ذاته حين يقاوم بتعبير فشته.٦٧

(د) الطاقة الروحية والدافع الحيوي والعلم

الطاقة يستمدها الجهد من المادة مثل الطاقة التي تتولَّد عن الشمس.٦٨ فصور الإنسان عن نفسه مستمدة من صور الطبيعة. المادة طاقة كما يقرِّر العلم، والإنسان باعتباره مادةً طاقةٌ للجهد العضلي، وباعتباره روحًا طاقةٌ روحية. فالطاقة الإنسانية مزدوجة المصدر، وأثر الإرادة على الطاقة مثل الشرارة التي تُفجِّر مخزنًا للبارود.٦٩ الطاقة إمكان يتولَّد بالإرادة، وتتفجَّر بالحرية. ولا يُكثر برجسون من الصور الخفية للطاقة لأنها هي نفسها صورة فنية للتعبير عن قدرة الإنسان على الخلق، وقدرة الذات على الخلق.
ولا يؤخذ الإنسان بين القشرة والشجرة لأن القشرة تتشقَّق، والشجرة الضيقة تنمو بدافع جديد من غذاء النبات.٧٠ فالطاقة الروحية في الإنسان لا يمكن حبسها بين القشرة واللب، هي دافع حيوي مباطن في الأشياء. الطاقة إمكانية، والدافع الحيوي تحقق. الطاقة منبع، والدافع الحيوي نهر يخرج منه. الطاقة بركان كامن، والدافع الحيوي انفجاراته وحمائمه.
الواقع الحيوي أشبه بالشِّعر الذي يسري خلال الحروف الأبجدية والكلمات.٧١ ليس الشعر هو الأبيات والقصائد، بل هي الشعرية التي تسري فيها. الشعر هو الروح، والكلمات هي البدن. الشعر لفحة نسيم، نفحة نفس.
وقد يتوقف الدافع الحيوي في الحياة، ويعجز مؤقتًا عن السير كالطفل الذي ينحني بقوةٍ في نهاية الانزلاق (الزحلقة).٧٢ فالمانع يصد والجسم ما زال يتحرَّك، فينشأ الانحناء. الحركة فعل، الانحناء رد فعل على التوقف الفجائي؛ لذلك وُضعت المساند الهوائية أمام الراكب الأمامي حتى لا يصطدم بزجاج العربة في حالة التوقف الفُجائي أو الارتطام بمانع.
وتؤثِّر العلة طبقًا للدوافع أو الاندفاع أو التدحرج مثل كرة البلياردو.٧٣ العالم مثل لفة كبيرة تتدحرج كل يوم فينكشف جزء منها.٧٤ وهو ما لاحظه ابن عربي في «فصوص الحكم» في النبوة والخلق، في الوحي والوجود، في الذات والموضوع؛ فالخلق مستمر، وليس مرةً واحدة إلى الأبد؛ يحدث كل يوم.
وفي التطور «الطريق الذي يصعد إلى المدينة يُضطر إلى الهبوط على الجوانب، ويتأقلم مع مرتفعات الأرض».٧٥ فالحياة اندفاع وتكيُّف، انطلاق وتوقف، إقدام والتفاف. «الحرب خدعة».
ويشمل الدافع الحيوي الغائية لأنه يجمع بين العلة والغاية، بين العلة الفاعلة والعلة الغائية، بداية ونهاية، دفع وجذب، انطلاق من أسفل وشد من أعلى. أما «الغائية الجذرية» عند ليبنتز خارجية وليست داخلية، أقرب إلى العلة الفاعلة منها إلى العلة الغائية. فليس من المعقول أن العشب قد خُلق للبقرة، والحَمَل للذئب.٧٦ وهو ما يشبه قول المعتزلة أيضًا في الغائية. في حين يركِّز فشته على العلة الغائية وحدها باعتبارها هي العلة الفاعلة الحقيقية، وعند إقبال تتخلَّق الذات بالغايات.
ولا تهتم الآلية والغائية إلا بالنواة المنيرة في المركز، وتتكوَّن هذه النواة على حساب باقي الأشياء عن طريق التركيز والتيار السيال من أجل إدراك الحياة الباطنة.٧٧ هناك نواة أولى ينشأ منها الكون، ونواة أولى ينشأ منها الإنسان؛ فالحياة انبثاق، كمون وطفرة، موهبة واكتساب، عبقرية ومهارة. والفرق بين السبب والعلة، بين المبدأ والقوة المنتجة، مثلُ النهر الذي ينساب طبقًا لجريان المياه، وكيفية جريان المياه وجزئياتها. الفلسفة نتجت من السبب، والعلم عن العلة؛٧٨ لذلك سُميت «الفلسفة الأولى».
ويتصوَّر العلم الحديث العالم ككل شامل منظَّم كالساعة؛٧٩ لذلك وقعت في التصور الآلي للعالم. العالم سلسلة من المتكرِّرات المتشابهة للغاية، تتجمَّع في تغيُّرات مرئية يمكن التنبؤ بها مثل ذبذبات بندول الساعة؛ فهذه مرتبطة على لولب يربطها فيما بينها، وترصد تقدمها. والأولى تنظيم إيقاع الحياة والكائنات الواعية وقياس ديمومتها.٨٠
وهو يبحث عن سيناء جديدة. ولمَّا كانت سيناء هي مهبط النص، فالعلم الحديث في حاجة إلى إعادة بناء.٨١
أما العلوم الوضعية فهي مجرد مخبار أو محبس أو مسبر في الديمومة الخالصة. وكلما كان الواقع حيًّا كان المسبر أعمق. والمسبار المقلي في البحر يُحضر معه كتلةً من السائل تُجفِّفه الشمس بسرعة، وتُحوِّله إلى حبات رمل صلبة ومُفكَّكة. وعندما يتعرَّض حدس الديمومة لأشعة الذهن، يتحوَّل إلى تصوُّرات مُجمَّدة متمايزة وثابتة.٨٢
والحقيقة الوجدانية بالنسبة للحقيقة العلمية كالقارب الشراعي بالنسبة للقارب البخاري؛٨٣ الأول إنساني يقوم على الجهد للسيطرة على مهاب الريح، وتوجيه القارب نحو الهدف. والثاني آلي يسير بقوة القانون والعقل العلمي. وهذا هو الفرق بين الفلسفة والعلم.
وكما تبدو إجابات الطبيعة سهلةً على الأسئلة الموجَّهة إليها، كذلك تعرض اللوحة التي رسمها فنان عظيم الأصل. ونحن نعرف الأصل والنموذج الذي رسمه.٨٤ وهذا هو الفرق بين الفن والعلم.

(ﻫ) النفس والبدن، والإنسان والمجتمع

النفس سجين البدن طبقًا للتصور الشائع عند الصوفية، تتحرَّر بتحرُّره. هذه القوة النفسية السجينة في النفس مثل الرياح في كهف من العصر الحجري تنتظر فيه فقط لتنطلق خارجه.٨٥ وهو أيضًا التصور الأفلاطوني القديم.
علاقة النفس بالبدن مثل علاقة المشجب الذي تُعلق عليه الملابس؛ إذا انخلع المشجب سقطت الملابس.٨٦ علاقة محمول بحامل، ورُبان بسفينة. الجسم في المكان، يشع خارجه من خلال الإدراك عامةً والرؤية خاصة، حتى الكواكب.٨٧ والنفس مصباحه الداخلي الذي يضيء له الطريق، كشَّافه الباطني الذي يُساعده على رؤية الأشياء.
والحياة الدنيا أشبه ببالون يُملأ بالهواء ثم يفرغ بسرعة.٨٨ هي حياة زائلة، حياة البذخ والشهرة والبهرجة والغرور والظهور والوجاهة الاجتماعية.
رحلة بدأت ولم تتوقف، وفي الطريق تزداد الرغبة في الاستمرار فيما تم قَطعُه من قبل.٨٩ والإنسان على راحلة، وقد صوَّر الصوفية من قبلُ الرحلةَ في «رحلة الطير» والهجرة إلى بلاد أخرى.
ويعرف الإنسان الغاية القصوى من الإبحار بالرغم من مخاطره.٩٠ يتجه إليها بإرادته أو قَدَره المحتوم. حريته قدره، وقدره حريته. يختار الصعاب ليجتازها. الحياة مغامرة، والفعل مخاطرة، والقرار مقامرة، والوجود رهان.
ويخفت ضوء المصباح في ضوء النهار عندما تنحسر اللذة أمام السعادة.٩١ ويبتلع الكل الجزء، وينضوي الجزء تحت الكل؛ فاللذة ما هي إلا قطرة في بحر السعادة، واللحظة ما هي إلا نقطة في محيط الخلود.
والفرد في المجتمع المغلق كالنحلة في بيت النحل. يعيش للجماعة، وتعيش الجماعة فيه بلا فردية ولا وجود ذاتي.٩٢ الإنسان للجماعة في الدين الثابت عن طريق الفناء، وفي الدين الحركي عن طريق المحبة والكرم والإيثار. لا مُنشد بلا حلقة، ولا حلقة بلا مُنشد. لا شيخ بلا طريقة، ولا طريقة بلا شيخ.
وتعمل المرأة كي تكون مساويةً للرجل بدلًا من انتظار إشارة الحركة من قوس الموسيقى؛٩٣ فالمرأة كِيان ووجود تتجلَّى فيها الغريزة، ويسري فيها الدافع الحيوي الذي يتوقَّف كلما تراكمت العقبات وازدادت الموانع.
يدخل نهر الرون إلى بحيرة جنيف، ويبدو في الظاهر اختلاط مائه بمائها. وفي الحقيقة يخرج منه محافظًا على استقلال مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. فالفردية لا تذوب في الجماعة، وهي صورة الإنسان في العالم، يدخل فيه ويخرج منه كما دخله. وهو ما قاله أورتيجا في الدفاع عن الفرد ضد الجمهور، وهيدجر في الدفاع عن الوجود الإنساني ضد الإنسان المجهول.٩٤
وفي تأكيده على أهمية التعليم يهيب بالمربِّين: أعطوا العشب فرصة؛ فالتعليم مثل الزرع، بَذر وري وحصد،٩٥ وقد عاصر تولستوي في النصف الأول من حياته؛ فالطبيعة هي خير معلم.
والإنسان العبقري هو الذي يسطع كالبرق في السماء الصافي.٩٦ هو انبثاق وسط المسطح، موجة عاتية وسط الماء المنبسط، بركان وسط الجبال الهادئة، منبع وسط الصحراء، عمود نار وسط الثلج.
السعادة أو الفرح مثل الأم التي تربِّي طفلها وهي سعيدة لأنها تشعر بأنها هي التي خلقته جسميًّا ونفسيًّا. وكذلك يسعد التاجر الذي يُنهي أعماله، وصاحب المصنع الذي يرى ازدهار صناعته.٩٧

(٣) التشبيهات والأمثال

وقد تكون الصورة الفنية مجرد تشبيه أو مثل، وهو أقل تأثيرًا من الصورة الفنية، وأقرب إلى التشبيهات والأمثلة الطبيعية.

يُضرب المثل بوحدة الماء المركَّبة من غازين على وحدة الزمان وكثرة المكان، وحدة الداخل وكثرة الخارج؛٩٨ فالوحدة مصير الأجزاء. التحليل بداية والتركيب نهاية.
وقد يكون المثل من حركة الأفلاك مثل ضرب المثل على إدراك الحركة برؤية الشهاب المتحرك بسرعة فائقة حيث يبدو وكأنه خط نار متوصل.٩٩ وهو ما سَمَّاه برجسون «السينماتوجرافيا»، بقاء الصور السريعة في الذهن فتبدو حركة متصلة.
ويضرب المثل على المصادفة بعدم فهم العلاقة بين تيار النهر ودفع القارب، بين درجة شد القوس وسرعة السهم، بين الفأس وقطع الشجرة، بين الأسنان والقضم، بين الأرجل والمسير. يرى البدائي قَتلَ حجرٍ تدحرجَ بسبب العاصفة لشخصٍ ما وصدمةَ الحجر للدفاع دون ربطٍ بين الحدثين.١٠٠ وهو ما أثاره الأشاعرة القدماء وإنكارهم العلية، وعدم الربط الضروري بين السبب والمسبَّب. وكذلك التحكم في مسار السهم للوصول إلى غايته.١٠١

ويميل برجسون إلى وصف وليم جيمس للزلزال الذي ضرب مدينة سان فرانسيسكو في أبريل ١٩٠٧م، وتشخيصه للطبيعة بصور إنسانية حتى يمكن استيعاب الزلزال وتمثُّله.

وقد يكون المثل من العلاقات الإنسانية أو حتى من علاقة الإنسان بالحيوان، فيضرب المثل باستقبال الكلب صاحبه بأصوات فرحة ومداعبات بِذيله.١٠٢ فالتعرف؛ أي إدراكُ شيء تم إدراكه من قبلُ عند الإنسان والحيوان على حدٍّ سواء.
ويضرب المثل على إرادة النجاح بالقمار على العجلة الدائرة (الروليت)، ووضع مبلغ من المال على رقم معين، وانتظار وقوف العجلة على الرقم الكاسب، وتحرُّك اليد لإيقاف العجلة على الرقم المطلوب بالرغم من التردد، ثم تمتنع اليد والإخراج المقامر عن قواعد اللعبة. إنها الإرادة التي تنبثق من الذات، إرادة النجاح.١٠٣
وتبدو حركات السبَّاح غير متوافقة ومضحكة لمن ينسى أنه في الماء أو أن هذا الماء يحمل السبَّاح، وأن حركته ومقاومته للماء وتيار النهر كلٌّ واحد. وهذه وظائف الآلهة في حياة البشر، ضم أجزاء الحياة في كلٍّ واحد؛١٠٤ فالأجزاء آلية، والكلي حركي.
أقذف نفسي في الماء دون خوف، وأطفو فوقه وأنا أضرب فوقه تدريجيًّا، وأتكيَّف مع هذا الوضع الجديد، وأتعلَّم السباحة، وأتعلَّم المشي كما أتعلَّم السباحة، وكذلك أتعلَّم ركوب الخيل بالتماهي مع حركة الحصان، وركوب الجمل بالتماهي مع حركة الجمل.١٠٥
وقد يُضرب المثل على نحو تتخيل، وهي حكاية أو موقف وليس صورةً فنية تقوم على الاستعارة والمجاز. يُضرب المثل على الدور الاجتماعي للوظيفة الأسطورية بسيدة في طابق علوي لفندق. أرادت النزول على السلم، ثم فُتح فجأةً الحاجز أمام المصعد، وهو لا يُفتح إلا إذا توقَّف المصعد أمام الطابق. واعتقدت السيدة أن المصعد هناك وهُرعت لأخذه وفجأةً اندفعت إلى الوراء؛ فقد ظهر عالم المصعد فجأة، ودفعها إلى السلم. وفي هذه اللحظة انتبهت وفاقت من «سرحانها»، وأدركت أنه لا يوجد لا مصعد ولا عامل مصعد؛ فقد عطل المصعد، وفتح الحاجز حيث كانت السيدة، في حين أن المصعد كان أسفل المبنى؛ فقد هُرعت إلى الخلاء. هل يقال إن المعجزة أنقذتها؟ لقد فكَّرت السيدة في واقعة فعلية لأن الحاجز قد فُتح بالفعل. وكان يمكن للمصعد أن يكون في الطابق. إدراك مكان المصعد الحالي هو الذي أنقذها من خطئها. وإذا تأخَّر هذا الإدراك لاستمرَّ التفكير الخاطئ. وانبثقت الشخصية الغريزية النائمة وراء الاستدلال. أدركت الخطأ، وحدث رد الفعل عليه. وبسرعة هُرعت إلى الخلف، وتلاشت الإدراك الخاطئ.١٠٦

وهذا يدل على أن العالم إدراك، ثم يصبح الإدراك بديلًا عن العالم، وهو رأي المثاليين مثل بركلي. وما تسمِّيه الظاهريات القصدية، الإيماء المتبادل بين الذات والموضوع، وهو ما سَمَّاه علماء النفس الهلوسة، بقاء الصورة بالرغم من غياب الموضوع، وإسقاط العالم الداخلي على العالم الخارجي.

وعندما أتنزَّه أول مرة مثلًا في مدينة أُقيم فيها تُحدث الأشياء المحيطة بي انطباعًا يدوم وانطباعًا آخر يتغيَّر باستمرار. كل يوم أدرك نفس المنازل، ولأنني أعرف أنها نفس الأشياء، فإني أُشير إليها دائمًا بنفس الأسماء. وأتخيَّل أنها تظهر دائمًا بنفس الطريقة. ومع ذلك إذا ما رجعت إلى الانطباع الذي حدث عندي منذ عدة سنوات فإني أندهش من التغيُّر الفريد الذي حدث فيه والذي لا يمكن تفسيره أو فهمه. ويبدو أن هذه الموضوعات التي أدركتها دائمًا وانطبعت في ذهني بلا توقف انتهت إلى أنها أعارتني شيئًا من وجودي الواعي؛ فقد عاشت قبلي، وشاخت مثلي. وليس هذا وهمًا خالصًا؛ لأن انطباعات اليوم مماثلة تمامًا لانطباعات الأمس؛ فالوجود هو اتصال الانطباعات به، والتواصل بين الموجودات ليس فقط في المكان، بل في الزمان. والتغير في الموجودات هو تغيُّر في الإحساسات، ثم تتراكم الإحساسات وتُصبح وجودًا بديلًا وكأن الوجود الخارجي قد وُضع بين قوسين بتعبير هوسرل.١٠٧
فلنتخيَّل شخصًا يُدعى كي يقوم بفعلٍ حر في ظروف خطيرة يسمَّى بطرس. والسؤال هو إذا كان الفيلسوف بولص الذي يعيش في نفس العصر أو في عصر سابق وهو على علم بكل الظروف التي عاش فيها بطرس، إذا كان يستطيع أن يتنبَّأ بيقين اختيار بطرس لما فعله؟ فالسلوك الإنساني سلوك حر لا تُمليه عليه الظروف، وقد تؤدِّي ظروف متشابهة لفعلين مختلفين لشخصين متباينين.١٠٨
ولإثبات الحرية أقف مثلًا لأفتح النافذة، وبمجرد الوقوف أنسى تمامًا ماذا يجب أن أفعل وأظل ساكنًا؛ فالحرية ليست قرارًا مسبقًا، بل هو فعل آني.١٠٩

(٤) التجارب الذاتية

وهي التجارب الواقعة أو الممكنة التي يستعمل فيها برجسون ضمير المتكلم المفرد أو الجمع، وأحيانًا يستعمل ضمير المخاطب كي يشدك، المستمع، في الملاحظة ومشاهدة التجربة. فمثلًا، إذا مررت ببصري على طريق مرسوم على خارطة، فلا شيء يمنع من الرجوع لمعرفة إذا ما كان يتشعَّب في مكان ما. والزمان ليس خطًّا نسير عليه.١١٠ يمكن إذن تخيُّل المكان كخط، ولكن الزمان ليس كذلك.
ويلجأ برجسون إلى طريقة الاستبطان؛ فعندما نُغلِق العينين، ونمسح باليدين مُسطَّحًا ما فإن احتكاك أصابعنا بهذا المسطح خاصةً لعبة التمفصلات المتعددة تعطينا عدة إحساسات تتمايز فيما بينها بصفاتها، وتمثِّل نوعًا من النظام في الزمان. فالإحساس بالأصابع يعطي انطباعًا بالمكان مختلطًا بالزمان؛ في المكان لتغير الخشونة والليونة، وفي الزمان لبناء الإدراك الحسي في أكثر من زمانين كما تساءل الأشاعرة من قبل: هل يبقى العَرَض زمانين؟١١١
ومن أجل وضع هذا الحِجاج في صورة أدق فلنتخيَّل خطًّا مستقيمًا ممتدًّا إلى ما لا نهاية، وفوقه نقطة مادية «أ» ننتقل عليه. فإذا ما شعرت بنفسها فإنها تشعر بأنها تتغيَّر لأنها تتحرك، وتُدرك التتابع. فهل يأخذ التتابع شكل الخط؟ نعم، بلا شك بشرط أن ترتفع قليلًا فوق الخط الذي تسير عليه، وتُدرك في نفس الوقت نِقاطًا عديدةً متجاوزة. وعلى هذا النحو تتكوَّن فكرة المكان، وفيه تتم التغيُّرات الحاصلة وليس في الديمومة الخالصة.١١٢
وأفضل مَثَل للخلط بين المكان والزمان هو الساعة التي تدور عقاربها فوق الميناء وفوق خطوط، أو ساعة الحائط التي يهتز بندولها يمينًا ويسارًا في إيقاع منتظم. أقول انقضت دقيقة، وأعني أن البندول تحرَّك ستين مرةً أدركها جميعها مرةً واحدة بالحدس واستبعد فرض التتابع؛١١٣ فالزمان ديمومة وليس خطوطًا منقسمة.
وعندما أُتابع بالعينين ميناء ساعة الحائط، فإن حركة البندول التي تطابق ذبذبته لا تقيس الديمومة؛ فالبندول ليس في الشعور بالزمان بل في المكان، فإذا استُبعد البندول تظل الديمومة في الشعور كتيار متصل.١١٤
وفي الصباح عندما تدق الساعة التي استيقظ فيها دائمًا يحدث عندي الانطباع الذي تحدَّث عنه أفلاطون وهو أن المعرفة تذكُّر والجهل نسيان.١١٥
وما ينطبق على السمع ينطبق أيضًا على الشم؛ فلإثبات خطأ المبدأ الارتباطي أشم رائحة وردة فتُهيِّج فيَّ ذكريات مختلطةً منذ الطفولة، ولم تستدع رائحة الورد هذه الذكريات لأنه لا توجد بينها علاقة علة ومعلول، بل هناك استدعاء حر لا يخضع لقانون.١١٦
ويضرب المثل بتجارب علمية ممكنة لتوضيح افتراض ما، مثل تجربة قياس الضوء: شمعة موضوعة على بعدٍ معين من قطعةٍ من الورق تضيئها أربع شمعات، ثم إطفاؤها واحدةً تلو الأخرى. نقول إن سطحها ظل أبيض ولكن ضوءها نقص. والواقع أن الإنسان يعلم أن شمعةً قد انطفأت، وإن لم يعلم فقد لاحظ مرات عديدة تغيُّرًا مشابهًا على سطح أبيض تقل عنه الإضاءة. ثم يتجرد الإنسان من ذكرياته وعاداته اللغوية. حينئذٍ لا يدرك بالفعل إلا قليلًا من مساحة الضوء، بل طبقةً من الظل تطبق بهذا السطح عندما تنطفئ الشمعة. وهذا الظل واقع بالنسبة للشعور مثل الضوء، فإذا أُطلِق لفظ «أبيض» على السطح الأول المنير فإن من الضروري إطلاق لفظ آخر على ما تُرك، دقيقة من البياض …١١٧ وبالتالي إدراك التغيُّر ليس في المكان بل في الرؤية، وبقاء الصور المتتالية في متصل واحد وليس كنقاط متتالية في المكان؛ فالضوء والظل رؤية؛ أي النور والظلام وليس الأبيض والأسود.
ويضرب المثل بتجارب قياس الضوء مرةً أخرى بشمعة موضوعة على بُعدٍ معين من قطعة ورق، تضيئها بطريقة معينة، فإذا ما تضاعفت المسافة يتبيَّن أن الإنسان في حاجة إلى أربع شمعات من أجل إثارة نفس الإحساس. والنتيجة أنه من أجل تضعيف المسافة دون زيادة في درجة الضوء يقل الضوء عن ضوء الشمعات الأربع. ومن الواضح تمامًا أن الأمر يتعلَّق هنا بالأثر الفيزيقي وليس النفسي.١١٨
والتجربة مثل واقعي كما أن المثل واقع افتراضي؛ فقد وضع دلبوف ملاحظًا أمام ثلاث حلقات لها مركز واحد ببريق مختلف، وسمح له بإجراء خاص، جعل كل درجات الضوء بين الأبيض والأسود فوق هذه الحلقات؛١١٩ وذلك يثبت أن الإدراك للضوء غير الشيء المضيء؛ الأول بفعل الحواس، والثاني «بين قوسين».
ويلجأ برجسون إلى ذكرياته الخاصة لبيان أن العقلية البدائية موجودة أيضًا عند الإنسان المتمدن مثل ركوبه أول مرة الدراجة ووقوعه منها، وتحويل ذلك إلى تفسير إنساني وليس إلى قوانين في الحركة والتوازن والثقل. كما يحلِّل وقع الخبر على نفسه ذات صباح يوم إعلان ألمانيا الحرب على فرنسا في الرابع من أغسطس ١٩١٤م؛ فالحوادث ليست فقط وقائع، بل آثار وحالات للشعور.١٢٠
١  وهي الطرق الثلاثة التي حدَّدها توما الإكويني للحديث عن الله: الطريق الإيجابي Via Positiva، الطريق السلبي Via Negativa، وطريق التشبيه Via Analogia.
٢  EC., p. VII.
٣  DSMR., p. 222.
٤  Intro. (2me Partie), p. 67.
٥  EP., I, pp. 12-3.
٦  Ibid., I, p. 86.
٧  EP., III, p. 605.
٨  La Philosophie de Claude Bernard. PM., p. 235, Ibid., p. 192.
٩  Introduction ála Métaphysiqu, PM., p. 50.
١٠  Ibid., p. 207.
١١  مقدمة في علم الاستغراب، الدار الفنية/القاهرة، ١٩٩١م، ص٢٤٩-٢٥٠.
١٢  L’âme et le corps, ES., p. 45.
١٣  Ibid., p. 40.
١٤  Ibid., p. 45.
١٥  Fantomes de Vivant. Ibid., p. 7, 48.
١٦  L’áme et le corps, ES., p. 48.
١٧  Intro. (2me partie), PM., p. 66.
١٨  DIC., p. 57.
١٩  Ibid., p. 58.
٢٠  á la Melerphys’que, PM., p. 188.
٢١  Ibid., p. 194.
٢٢  Ibid., p. 194.
٢٣  Ibid., p. 206.
٢٤  Intro., (2me partie), PM., p. 58.
٢٥  La Perception du Changement, Ibid., p. 145.
٢٦  Ibid., p. 69.
٢٧  Intro. à la Méta (1 partie), Ibid., p. 11.
٢٨  EC., p. 48.
٢٩  Intro. à la Méta (2me Partie), Ibid., p. 33.
٣٠  la perçeption du changement, PM., pp. 145-6.
٣١  Le possible et le Réel, Ibid., p. 102.
٣٢  L’intuition Philosophique, Ibid., p. 124.
٣٣  Ibid., p. 126.
٣٤  Intro. (2me partie), PM., p. 84.
٣٥  Sur le Pragmatisme de William James, Ibid., p. 241.
٣٦  Le Possible et le Réel, Ibid., p. 105.
٣٧  Ibid., p. 285.
٣٨  Sur le Pragmatisme de William James, PM., p. 248.
٣٩  Ibid., p. 241.
٤٠  La vie et L’oeuvre de Ravaisson, Ibid., p. 256.
٤١  Ibid., p. 247.
٤٢  Intro. à la Méta., Ibid., p. 220.
٤٣  Intro. (2me Partie), Ibid., p. 67.
٤٤  EP. I, p. 105.
٤٥  EC., p. 214.
٤٦  EC., p. 16.
٤٧  EC., p. 40.
٤٨  Intro. à la Méta., PM., p. 184.
٤٩  EC., p. 46.
٥٠  Intro. à la Méta., PM., p. 183.
٥١  EC., p. 10-11.
٥٢  DSMR., p. 59.
٥٣  DIC., p. 101.
٥٤  DSMR., p. 47.
٥٥  Ibid., p. 59.
٥٦  Ibid., p. 103.
٥٧  Intro. (1erl Partie), PM., p. 11.
٥٨  Intro. à la (a méta., PM., p. 183).
٥٩  Ibid., p. 11.
٦٠  Intro. (2me Partie), PM., p. 76, PM., p. 37.
٦١  Le Rêve, ES., p. 95.
٦٢  La conscience et la vie, ES., p. 15.
٦٣  MM., p. 25.
٦٤  L’effort in tellectuel, ES., p. 161.
٦٥  MM., p. 279.
٦٦  DIC., p. 132.
٦٧  فشته، فيلسوف المقاومة، الجمعية الفلسفية المصرية (٤)، القاهرة، ٢٠٠٣م، ص١٨١–١٩١.
٦٨  EC., p. 117.
٦٩  L’âme et le corps, ES., p. 35.
٧٠  DIC., p. 222.
٧١  EC., p. 259.
٧٢  La conscience et la vie, EC., p. 25.
٧٣  EC., p. 23.
٧٤  Ibid., p. 10-11.
٧٥  Ibid., p. 103.
٧٦  EC., p. 41.
٧٧  EC., p. 46.
٧٨  La Philosophie de C. Bernard, PM., p. 199.
٧٩  L’âme et le corps, ES., p. 40.
٨٠  Le Possible et le Réel, PM., p. 101.
٨١  Intro. à la Méta., PM., pp. 218-9.
٨٢  DSMR. p. 5.
٨٣  Sur le Pragmatisme de William James, PM., p. 250.
٨٤  La philosophie de Clauade Bernand, Ibid., p. 230.
٨٥  DIC., p. 15.
٨٦  MM., p. 4.
٨٧  L’áme et le corps, ES., p. 30.
٨٨  DSMR., p. 323.
٨٩  DSMR., p. 333.
٩٠  Ibid., p. 323.
٩١  Ibid., p. 338.
٩٢  Intro., (2 me Partie), PM., p. 86. DSMR., p. 222.
٩٣  Ibid., p. 283، الإنسان المجهول Dass Mann.
٩٤  DSMR., p. 325.
٩٥  EP, III, p. 488.
٩٦  خطاب الأكاديمية الفرنسية لتأبين إميل أوليفييه. EP. III, p. 472.
٩٧  La Conscience et la vie, ES., p. 23.
٩٨  DIC., pp. 65–70.
٩٩  Ibid., p. 83.
١٠٠  DSMR., p. 151.
١٠١  Ibid., 147.
١٠٢  MM., p. 87.
١٠٣  DSMR., p. 147.
١٠٤  Ibid., p. 212.
١٠٥  DIC., pp. 193-4.
١٠٦  DSMR., p. 124-5.
١٠٧  Ibid., p. 96.
١٠٨  DIC., p. 139.
١٠٩  Ibid., p. 120.
١١٠  DIC., p. 136.
١١١  Ibid., p. 74.
١١٢  Ibid., pp. 76-7.
١١٣  DIC., p. 78.
١١٤  Ibid., p. 80.
١١٥  Ibid., p. 126.
١١٦  Ibid., pp. 121-2.
١١٧  DIC., pp. 39-40.
١١٨  Ibid., p. 41.
١١٩  DIC., p. 41-2.
١٢٠  DSMR., p. 212.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥