الفصل الرابع

البيئة الفلسفية

لم تأتِ فلسفة برجسون من فراغ، بل هي رد فعل على التيارات الفلسفية في عصرها، عقلانية ومادية العصور الحديثة وعلوم الحياة المعاصرة. وهي نفس التيارات التي خلقت الظاهريات؛ فبرجسون وهوسرل يمثِّلان نهاية العصور الحديثة كما يمثِّل ديكارت بدايتها.

وإذا أتت النزعة الروحية عند برجسون من التراث الفرنسي عند مين دي بيران ورافيسون، فإن النزعة الواقعية أتت من الفلسفة الأنجلوسكسونية التي طالما كانت إغراءً للفلسفة الفرنسية وإكمالًا لها منذ فولتير وفلاسفة دائرة المعارف. لذلك ارتبط العقل في الفلسفة الفرنسية بالحس، والمثال بالواقع، وكان مشروع رافيسون الجمع بين النزعتين الروحية والوضعية كما حاول دي بيران منذ القرن الثامن عشر إثبات النفس من خلال البدن والتقاء كليهما في تجربة الجهد والمقاومة.

(١) الفلاسفة الكبار: رافيسون، وليم، جيمس، كلود برنار

ويمثل الفلاسفة الثلاثة الذين اختارهم برجسون للكتابة عنهم في «الفكر والمحرك» التيارات الثلاثة في الوعي الأوروبي؛ التيار المثالي أو العقلي الذي يمثله رافيسون بالرغم من محاولته الجمع بين الروحية والوضعية، والتيار الواقعي أو العلمي الذي يمثِّله كلود برنار بالرغم من محاولته توسيع مفهوم التجربة، والتيار الشعوري أو النفسي الذي يمثِّله وليم جيمس.

(أ) رافيسون١

ورافيسون هو أستاذ برجسون المباشر. خَلَفَه برجسون في الأكاديمية الفرنسية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، وطِبقًا للتقليد، كتب عنه تقريظًا بمجرد أن شغل كرسيه. ومن الصعب أن يكتب فيلسوف عن فيلسوف آخر دون قراءته ووضعه في إطار الفيلسوف الكاتب؛ من أجل التوضيح والتطوير في آنٍ واحد.

وهو تقرير تقليدي عن حياته وأعماله الثلاثة الرئيسية «محاولة في ميتافيزيقيا أرسطو»، ورسالته للدكتوراه «في العادة»، و«تقرير حول الفلسفة الفرنسية» وأخيرًا «الوصية الفلسفية».٢ وهو مملوء بأسماء الإعلام يتقدَّمها بطبيعة الحال رافيسون ثم كوزان مؤرخ الفلسفة، ثم أرسطو، ثم ليوناردو دافنشي؛ فرافيسون فيلسوف في طبع فنان. وأعدَّته أمه كي يكون رسامًا. ثم يأتي ميشليه مؤرخ آخر للفلسفة، ثم سقراط وشيلنج.٣
وُلد رافيسون في ٢٣ أكتوبر ١٨١٣م في مدينة نامور، وكان أبوه صرافًا فيها. غادرها بعد حوادث ١٨١٤م، وربَّته أمه وخاله موليان، ورأى فيه وهو في سن الثامنة ميولًا رياضية وجمعَ التحف القديمة والتاريخ، ومواهب أخرى أهمها البساطة واليُسر. وأتمَّ دراساته في كلية رولان، وغادرها عام ١٨٣٢م. كان طالبًا لامعًا. حصل على عدة جوائز في المسابقات العامة، خاصةً جائزة الشرف في الفلسفة. كان أستاذه بوريه قديرًا في الفلسفة وتلميذًا للفلاسفة الاسكتلنديين. عرف كوزان أستاذ الفلسفة في السربون الذي قدَّره وعيَّنه مدرِّسًا مساعدًا. وكتب رافيسون عدة محاولات فلسفيةً ومنها «في المنهج، في الفلسفة» الذي حصل على جائزة ١٨٣٢م، وهو الموضوع الرئيسي عند برجسون في «المقدمة»، بجزئيها في «الفكر والمحرك».٤

ولمَّا أُسِّست أكاديمية العلوم الإنسانية والاجتماعية عام ١٨٣٢م، اقترح كوزان عضو الأكاديمية مسابقةً بعنوان «ميتافيزيقيا أرسطو» لبيان أهميته وأثره على المذاهب الفلسفية التالية، والخطأ والصواب فيه، وما تبقَّى منه في العصر الحاضر. فدخل رافيسون المسابقة ببحثه «رسالة في ميتافيزيقيا أرسطو» في جزأين؛ صدر الأول عام ١٨٣٧م، والثاني بعده بتسع سنوات عام ١٨٤٦م.

وأرسطو عبقرية نسقية، لم يبنِ نسقًا. يحلِّل التصورات ولا يقدِّم تركيبًا. يأخذ الأفكار المتضمنة في اللغة ويجدِّدها ويعيد تفصيلها طبقًا للمعطيات الطبيعية ويطوِّرها، ويسير تدريجيًّا حتى يكتمل الموضوع للبحث عن العناصر المتضمنة في الفكر أو الوجود: المادة، الصورة، العلية، الزمان، المكان، الحركة … إلخ. يبحث تحت الأرض عن الأسس كي يتقدَّم إلى الأمام، ويُظهر ما يخفى منها. ولم يتوقف رافيسون عند كل مشكلة، بل اكتفى بالمسار العام كما يفعل الفيلسوف.

في الجزء الأول عرض ميتافيزيقيا أرسطو ككلٍّ واحد مُنظَّم، والتعبير عنه بلغة سهلة وسيالة وكأن أرسطو نفسه يعرضها كتجارب معيشة بصرف النظر عن مدى دقة الترجمات أو التحليلات التفصيلية كما يعرفها مؤرخ الفلسفة الوضعي. وفي الجزء الثاني مقارنة ميتافيزيقيا أرسطو بالفكر اليوناني والتعرف على الروح الأرسطية عبر التاريخ.

بدأ الفكر اليوناني حسيًّا بالبحث عن العنصر الحسي في الطبيعة، ووجده في العناصر الأربعة، ثم وجده الفيثاغوريون في الأعداد، والأفلاطونيون في المُثُل، ثم أسَّسها أرسطو في العقل والواقع بمنهج فلسفي حتى أصبح هو الفلسفة ذاتها. وهو أشبه بما فعله ابن رشد في تأريخه للفلسفة اليونانية في إيقاع ثلاثي من سقراط إلى أفلاطون إلى أرسطو.

ثم استمرت الروح الأرسطية عند الإسكندرانيين مع اختلاف واضح بين أرسطو وأفلاطون، وتفضيل أفلاطون على أرسطو. واتضح أن هناك طريقتين للتفلسف؛ الأولى خارجية عقلية، والثانية باطنية حدسية، وهي تفرقة برجسون قارئًا رافيسون. الأولى مجردة، والثانية عيانية.

لقد حلَّل رافيسون «ميتافيزيقيا أرسطو» كتابًا كتابًا دون تركيبها كنسق كلي، وأكمله بأفلاطون الجانب المقابل حتى تكتمل الحقيقة؛ فالفلسفة هي الجمع بين رأيَي الحكيمين كما فعل الفارابي من قبل، وكما حاول رافيسون في الفلسفة المعاصرة في الجمع بين الروحانية والمادية، بين المثالية والواقعية دون أن يشق طريقًا ثالثًا كما فعل برجسون وهوسرل.

وقد استرعت هذه المحاولة انتباه فلاسفة السربون أو الكوليدج دي فرانس في ذلك الوقت مثل جيزو، وكوزان، وفيلمان، سانت هيلير، كينيه، وميشليه.٥ واعتبروا رافيسون أحد كبار فلاسفة النقد، وأصبح أحد وُجهاء المجتمع مع الفنانين والأدباء والأمراء والأميرات، مثل: ألفريد دي موسيه، بلزاك، لا مارتين، شاتو بريان.٦

ذهب رافيسون إلى ألمانيا لمقابلة شيلنج؛ فرافيسون هو شيلنج فرنسا. خضع لتأثيره. كان شيلنج يوحِّد بين الروح والطبيعة كما يريد رافيسون. وكان أرسطو إمامهما الأول في الجمع بين العقل والطبيعة، بين المنطق والتجربة.

وتأثَّر رافيسون بليوناردو دافنشي بعد أن بدأت أمه تُوجِّهه نحو الرسم؛ فقد كانت هي أيضًا فنانةً ورسامة، وخصَّصت له الرسام بروك لتعليمه فن الرسم، وكذلك الرسام شاسيريو.٧ وكان كلاهما من تلاميذ الرسام المشهور دافيد، رسام الثورة الفرنسية. تعلَّم فنَّ الرسم في عصر النهضة الإيطالي. وكان النموذج هو ليوناردو دافنشي في كتابه «رسالة في الرسم». وكان رافيسون يقتبس منه عبارةً عن رسم الكائن الحي يتبع خطًّا مُتموِّجًا يُميِّز كل كائن حي؛ فقد خُلقت النفس البدن على صورتها ومثالها. وتلك عظمة لوحة «موناليزا». كل عمل فني له سرديته. الفن ميتافيزيقيا تشكيلية، والميتافيزيقيا تفكير على الفن، ومن ثم لا فرق بين أرسطو وليوناردو دافنشي.

وكتب رافيسون رسالةً للدكتوراه «في العادة» كنوع من فلسفة الطبيعة؛ فالعادة تبدأ بالاكتساب ثم تتحوَّل إلى طبيعة ثانية، تبدأ بالآلية ثم تتحول إلى الفطرة، وهي ثنائية برجسون الشهيرة بين الآلية والحيوية؛ فالآلية وحدها لا تكفي. أصبح بعدها رافيسون عضوًا بأكاديمية العلوم الإنسانية وعمره أربعون عامًا، ولكن لم يشغل على الإطلاق كرسي الفلسفة.

وكان فيكتور كوزان مُشرفًا على التعليم الفلسفي، ويشجِّع رافيسون على الاهتمام بوضع الفلسفة في المؤسسة التعليمية في فرنسا؛ إذ يتوجَّه الفكر نحو القول، والقول نحو العمل. وبعد تعيين رافيسون مُفتِّشًا على المكتبات أصبح بعدها مفتشًا عامًّا في التعليم العالي. وكتب أثناءها عدة تقارير مثل «تقرير عن مكتبات محافظات الغرب» في ١٨٤٦م، «قائمة بمخطوطات مكتبة لاون ١٨٤٦م»، «تقرير عن أرشيف الإمبراطورية وتنظيم المكتبة الإمبراطورية». ثم اختير بعدها عضوًا في «أكاديمية الآثار»، كتب بعدها تقريرًا عن «الرواقية».٨
والأشهر من هذه التقارير هو «تقرير الفلسفة الفرنسية» بمناسبة معرض ١٨٦٧م وتقدُّم العلوم والآداب والفنون في القرن التاسع عشر. استعرض فيه رافيسون أهم الأعمال الفلسفية في هذا القرن مُبيِّنًا أن هناك طريقتين في التفلسف؛ الأولى التحليل وتقسيم الشيء إلى عناصره المصمتة والتبسيط والتجريد، وهذه هي المادية. والثانية نهتم بتنظيم العناصر وعلاقاتها واتجاهها، وهذه هي الروحانية. وهي ثنائية برجسون بين العقل والحدس. لا توجد الفلسفة في الميتافيزيقيا وحدها، بل أيضًا في العلم الطبيعي والرياضي، بل وفي الفن كذلك؛ فالكل تعبير عن روح العصر بمعنى هيجل. يستأنف رافيسون محاولة أوجست كومت في «محاضرات في الفلسفة الوضعية» في الفلسفة، وكلود برنارد في «مقدمة في الطب التجريبي»، وقد كان لهذا التقديرِ أكبرُ الأثر على تعليم الفلسفة.٩

ثم أرادت وزارة التعليم العام الكتابة في تعليم الرسم؛ فكتب رافيسون مقالين «الفن» و«الرسم» ونشرهما في القاموس التربوي عام ١٨٨٢م، مُبيِّنًا أن الفلسفة والفن ينبعان من وعي الفيلسوف والفنان، وليسا تطبيقًا لنماذج مسبقة. وهو ما عرضه برجسون فيما بعد. وهو التيَّار الذي بدأه بستالوتزي في الفن الطبيعي مُتَّبعًا مسار الأشياء الطبيعية وخطوطها وأشكالها في أشكال رياضية كما تراها العين؛ فالجمال في الشكل.

ثم نشر عام ١٨٨٧م «فلسفة بسكال» من أجل الربط بين الفلسفة والمسيحية والفن القديم والاعتراف بدور المسيحية في العالم.١٠ وكان لرافيسون أبلغ الأثر على تعليم الفلسفة في الجامعة، والربط بينها وبين الفن والعلم والدين من منظور حضاري كلي شامل.١١
ثم كتب رافيسون عدة تقارير عن التماثيل القديمة مثل تمثال فينوس لميلو بعد تعيين نابليون الثالث له محافظًا لقسم الفن القديم والنحت الحديث في اللوفر لحفظه من مخاطر القذف وحماية الآثار النادرة وترميمها. ويمثِّل الفن القديم مجموع الفضائل الإنسانية مثل التقوى والكرم والعظمة والحب.١٢

وأنهى رافيسون حياته بكتابه «الوصية الفلسفية» عام ١٨٨٧م، متضمنًا أفكاره الرئيسية في محاولاته وتقاريره السابقة، منضمًّا إلى عظماء الفلاسفة من طاليس إلى سقراط، ومن سقراط إلى أفلاطون وأرسطو، ومن أرسطو إلى ديكارت وليبنتز، في مسار فلسفي واحد سماه ديكارت «الأريحية» ومتبعًا نصيحة أوغسطين: «أحبوا ثم افعلوا بعد ذلك ما تشاءون». ليس الشر في لامساواة الظروف، بل في الآثار الناجمة عنها. ومعالجة الشر بالإصلاح الخلقي والانسجام الطبقي والتعاطف المشترك عن طريق التعليم الحر من أجل غرز قيم الحرية، وتحرير النفس من العبودية، خاصةً الأنانية، ولا فضيلة أسمى من «الزهد» كما هو الحال عند آدم سميث. وهو ما سُمِّي في اللاهوت المسيحي «الرحمة». وتتجلَّى الرحمة الإلهية في الحب الإنساني، ويشعر الفنان والشاعر بذلك كما يشعر الفيلسوف.

يبدأ رافيسون من أرسطو ولكن بتفسير جديد، وربما يثبت التاريخ أن مثله الأعلى كان أكثر تقدمًا من مثل عصر برجسون الذي يحاول تفسير الحيوي بالآلي، ومن ثم على علماء الفيزياء أن يفسِّروا المصمت بالحي، وعلى علماء البيولوجيا أن يعلموا أن الفكر قادر على فهم الحياة، وعلى الفلاسفة أن يُدرِكوا أيضًا أن العموميات ليست فلسفة، وعلى المربين تعليم الكل قبل الأجزاء، وعلى التلاميذ البداية بالكمال، وعلى الإنسان التخلي عن الأنانية والكراهية، وأن المحرِّك الطبيعي للإنسان هو الأريحية.١٣

(ب) حول برجماتية وليم جيمس (الحقيقة والواقع)١٤

ربما يكون وليم جيمس أقرب الفلاسفة الأمريكيين إلى برجسون، كانت بينهما معرفة متبادلة عن طريق الرسائل وإن لم يتمكَّنا من اللقاء في لندن.

وقد حُرِّف فكر وليم جيمس كثيرًا وأُسيء فهمه والتقليل من شأنه. ولا يمكن فهمه إلا إذا تغيَّر مفهومنا عن «الواقع» بوجه عام مع التمييز بينه وبين مفهوم العالم ومفهوم الكون؛ فالعالم بسيط ومركب في آنٍ واحد، العالم يوحِّد بين الأشياء بصرف النظر عمَّا إذا كان الإنسان ماديًّا أو روحيًّا أو مؤمنًا بوحدة الوجود. كما يحدِّد بعض المبادئ البسيطة لتفسير عديد من الأشياء المركبة. والعقل بطبيعته بسيط يقوم على مبدأ اقتصاد الجهد والتفكير في الطبيعة بأقل جهد.

والأهم من ذلك هو ما تعطيه التجربة؛ فبينما يعطي العقل طبقًا للعادة العلل والمعلولات، فإن ما يعطيه العقل، «ما يكفي»، وما تعطيه الطبيعة «أكثر ممَّا يكفي»، أكثر من هذا، وأكثر من ذلك، وأكثر من كل شيء. فالواقع عند جيمس فيَّاض ومعطٍ وواهب، كما يقول هوسرل في الشعور إنه واهب المعاني. صحيح أن التجربة غير متسقة، ولكن العلاقات بين الأشياء علاقات واقعية يمكن ملاحظتها مباشرةً ولو بطريقة عائمة.

وهذا هو معنى التعددية عند وليم جيمس. تصوَّر القدماءُ العالمَ مغلقًا ومتوقفًا ومتناهيًا، وهو ما يتطلَّب العقل. في حين يراه المُحدَثون لا نهائيًّا. يرى جيمس أن «التجريبية الجذرية» أو التجريبية الخالصة لا تجعل الواقع متناهيًا أو لا متناهيًا بل غير محدد. يسيل دون تحديد اتجاه واحد حتى ولو كان هو نفس النهر الذي يسيل. يستريح العقل لأنه يرى العالم صورًا في مرآته، ولكن الإنسان نفسه بإرادته وحواسه لا يشعر بالرضا؛ فالعقل يتجاوز التجربة، ودوره في مد معطيات التجربة نحو العموم من أجل تصور علاقات لا يمكن إدراكها. لذلك يقلِّل معظم الفلاسفة من قدر التجربة ويُضفونها مع العاطفة والإرادة، وربما يمدونها أكثر حتى الفكر. ما يطلبه جيمس هو عدم إضافة شيء افتراضي على التجربة حتى لا يُشوِّهها، وعدم بتر ما هو صلب فيها؛ فالإنسان كله هو الهدف، دون أن يقع فيما تصوَّره فشنر أن الأرض كائن مستقل يسري فيه نَفَس إلهي، ومن ثم يرفض جيمس نقيضيه: رد التجربة إلى أعلى منها في العقل كما يفعل كانط، وردها إلى ما هو أقل منها في المادة كما يفعل فشنر.١٥ يُؤثِر جيمس مثل هوسرل الطريق الإنساني الثالث بين الدفع والرد، وهو عالم التجربة خاصةً التجربة الدينية. يشعر بالحقائق ويعيشها قبل أن يُفكِّر فيها.١٦
هناك دائمًا حقائق عقلية وأخرى شعورية، وهناك حقائق جاهزة وأخرى ما زالت في دَور الخلق والتكوين، تعتمد على الإرادة. والواقع هو الواقع الأصلي ولا توجد نسخ منه في الذهن. الواقع وحقيقته شيء واحد في الشعور، أصل واحد وليس أصلًا وصورة. الحقيقة في الأشياء والوقائع، والأشياء والوقائع حقيقة، بل إن كانط نفسه يقوم بذلك، يبدأ بالتجربة ويُحيلها إلى العقل عبر الصور والمقولات. في التجربة هناك تيار الظواهر. فإذا كانت الفلسفة لديها مَيل إلى اعتبار الحقيقة تنظر إلى الوراء، فإن جيمس يجعلها تنظر إلى الإمام. الحقيقة في الطبيعة والطبيعة في الحقيقة. في النظريات الفلسفية الأخرى الحقيقة الجديدة اكتشاف، وعند وليم جيمس اختراع مثل الاختراعات العلمية، ولكن حين تكون الحقيقة حيةً تكون جذورها في الواقع. والواقع هو الأرضية التي تنبت فيها الحقيقة. الحقيقة في البرجماتية تُخلق تدريجيًّا بجهد الأفراد. بِناء الروح من صنعنا، وهو تطوير لِمَا بدأه كانط؛ فعند كانط تعتمد الحقيقة على بناء الذهن، وتُضيف البرجماتية أن بناء الذهن الإنساني نتيجة للمبادرة الحرة لبعض الأفراد. لا يعني ذلك الوقوع في النسبية أو الفردية؛ فكل حقيقة مسار في الواقع في اتجاهات مُتعدِّدة طِبقًا للإرادة والمقاصد الإنسانية.١٧ بين الحقيقة الوجدانية والحقيقة العلمية نفس الاختلاف بين القارب الشراعي والقارب البخاري، وكلاهما اختراع إنساني. الأولى بآلية بسيطة، والثانية بآلية أكثر تعقيدًا. الحقيقة إذن تصور الواقع. وإن كانت الحقيقة عقليةً فهو اختراع إنساني لاستعمال الواقع بدلًا عن تقديمه. وإذا كان الواقع كلًّا متعددًا ومتحركًا من تيارات متقاطعة فالحقيقة أيضًا كذلك.

ليست البرجماتية نوعًا من الشك. تُرد الحقيقة إلى ما هو أقل منها، وإخضاعها إلى منفعة مادية، وأنها لا تتجه نحو البحث العلمي المُنزَّه. البرجماتية حب للحقيقة وتأسيس للعلم من التشريح إلى الفيزيولوجيا إلى علم النفس إلى الفلسفة. تلاحظ البرجماتية، تُجرِّب وتتأمل. وبما أن ذلك لا يكفي فإنها تفعل قليلًا كي تُلِم بالتجارب العادية والجهود التي تفوق الطاقة الإنسانية كي تتواصل حتى إلى ما بعد الموت كي تعمل لصالح العلم ولصالح الحقيقة.

(ﺟ) فلسفة كلود برنارد١٨

ترجع أهمية كلود برنارد إلى نظريته في المنهج التجريبي ونقده للتجربة الساذجة؛ فقد قام العلم الحديث على أساس التجربة، وقامت علوم الميكانيكا والفلك، ثم تأسست علوم الرياضة أيضًا على النتائج التجريبية والتحقُّق من صدقها بالحسابات. ثم استمرت العلوم في القرن العشرين خارجةً من المعامل دون أن تفقد الصلة بالتجربة، ومن ثم أراد كلود برنارد أن يصوغ لها المنهج التجريبي في «مقدمة في الطب التجريبي» كما فعل ديكارت في «مقال في المنهج» في بداية العصور الحديثة.١٩ وتم تأسيس الفلسفة والعلم على هذا النحو من القرن السابع عشر حتى القرن العشرين.

أراد كلود برنار أن يبيِّن كيف تتعاون الفكرة مع الواقعة في البحث التجريبي. تُدرك الواقعة، ثم تقترح الفكرة للتفسير، ثم يطلب العالم التحقق من صدقها في التجربة. وكلما استأنف التجربة يبقى مستعدًّا لترك الاقتراض أو تعديله على الوقائع. البحث العلمي إذن حوار بين الروح والطبيعة. توقظ الطبيعة حب الاستطلاع، وتطرح عليها الأسئلة وتعطي أجوبتها. وللحوار منعطفات لا يمكن التنبؤ بها، مثيرةً أسئلة جديدة تجيب عنها الطبيعة من جديد مقترحةً أفكارًا جديدة، وهكذا إلى ما لانهاية. وعندما يصف كلود برنار هذا المنهج ويعطي أمثلةً ويذكر التطبيقات لِمَا يعرضه، يبدو لنا بسيطًا وطبيعيًّا، فتسهل الموافقة عليه.

وهذا يتطلَّب التفرقة بين الملاحظة الدقيقة والتعميم الجيد. وكثيرًا ما تؤخذ التجربة وكأنها الوقائع الصماء، ثم يُؤخذ العقل ويقارب بينها ويرتفع بها إلى أعلى حد للوصول بها إلى القوانين الكلية. التعميم وظيفة، والملاحظة وظيفة أخرى. وهو خطأ شنيع لهذا المركَّب المُصنِّع للفلسفة والعلم على حد سواء؛ فالوقائع ليست لها أهمية خادمة سلبية حتى يصل الذهن القادر على السيطرة عليها وإخضاعها للقوانين، وكأن الملاحظة العلمية لم تكن إجابةً على سؤال دقيق أو غامض، وكأن الملاحظة كانت مجرد إجابة متناثرة على سؤال عشوائي، وكأن التعميم يعطي معنًى ملائمًا لخطاب ينقصه الاتساق. والحقيقة أن الخطاب إمَّا أن يكون له معنًى أو لا يكون. والتعميم ليس تركيزًا على وقائع مجمعة، بل إن التركيب شيء آخر. بأنه عملية خاصة للنفاذ إلى الأشياء لاقتناص دلالتها. وروح التركيب قوة فائقة للذهن على التحليل. هذا المفهوم للبحث العلمي يقلِّل المسافة بين المعلم والمتعلم؛ فالاختراع مشترك بينهما. وحيث لا يوجد جهد شخصي وأصلي لا يبدأ العلم. هذا هو التفسير التربوي للبحث العلمي عند كلود برنارد. وعند الفيلسوف هناك شيء آخر، مفهوم معين للحقيقة، وبالتالي إمكانية الفلسفة.٢٠
ولا تعني فلسفة كلود برنار ميتافيزيقا الحياة؛ إذ هناك بعض الفقرات لديه تنقد فكرة المبدأ الحيوي، أو بتعبير برجسون الدافع الحيوي؛ إذ أن الحياة عنده ظواهر فيزيائية وكيميائية. وهناك فقرات أخرى تُشير إلى الفكرة المنظَّمة والمبدعة التي تسري في الظواهر الحية وتتميز عن مادة الحياة الخام وربط الحياة بمبدأ مستقل. كذلك يبدو كلود برنار مترددًا بين التصورين أو أنه يبدأ من الأول ليصل تدريجيًّا إلى الثاني. صحيح أن كلود برنارد ينقد اقتراض مبدأ حيوي، ولكنه مع ذلك يستعمله ويراه. يرفض فقط الحيوية السطحية عند الأطباء والفيزيولوجيين الذي يؤكِّدون وجود قوة قادرة على الصراع ضد القوى الفيزيقية، وفرض فعل خاص على الكائن الحي. وكان هذا عند التسليم بأن نفس السبب في نفس الظروف في نفس الكائن الحي لا تُنتج نفس النتائج دائمًا. ومن ثم لزم الاعتراف بالطابع المزاجي للحياة، وقد سلَّم ماجندي الذي حوَّل من قبلُ الفيزيولوجيا إلى علم بلاحتمية الظاهرة الحية. وضد هؤلاء يُثبت كلود برنارد خضوع الوقائع الفيزيولوجية إلى حتمية صارمة مثل حتمية الفيزياء والكيمياء. وينقد هؤلاء الذين يرفضون الاعتراف بأن الفيزيولوجيا علم خاص متميِّز عن الفيزياء والكيمياء؛ ففي الكائن الحياة تمر الأشياء وكأن فكرةً ما تتدخل وتُوحِّد بين العناصر. وسواء نقد «المبدأ الحيوي» أو لجأ إلى «الفكرة الموجِّهة»، فإنه معنيٌّ في كلتا الحالتين بشروط العلوم التجريبية. ينقد الفيزيولوجيين الذين لا يريدون إخضاع الظاهرة الفيزيولوجية للتجربة، وينقد الفيزيائيين الذين يخلطون الفيزياء والكيمياء.٢١

لقد ظن الفلاسفة لمدة طويلة أن الواقع كلٌّ نسقي كمعمار ضخم يمكن للفكر بناؤه بفضل استدلال واحد وبمساعدة الملاحظة والتجربة. وبالتالي تكون الطبيعة مجموعةً من القوانين متداخلة في بعضها البعض طِبقًا للمنطق الإنساني. هي قوانين داخل الأشياء. ويتلخَّص الجهد الفلسفي والعلمي في استخلاصها بالبحث عن الوقائع التي تغطِّيها.

ويعترض كلود برنارد على هذا التصور للعلاقة بين الوقائع والقوانين. وبالرغم من تأكيد الفلاسفة أن هذه النظريات هي مجرد اتفاقات أو مواضعات رمزية في العلوم الإنسانية، إلا أنه رأى مدى المسافة بين المنطق الإنساني والمنطق الطبيعي. وإن لم يتم تحقيق الفروض في الواقع فإنه لن يتم أي اختراع. والمتناقض في العقل قد لا يكون كذلك في الطبيعة، وقد لا تكون بساطة الفكرة مماثلةً لبساطة الطبيعة. ليست الأفكار إلا وسائل للنفاذ إلى الظواهر، وتتغيَّر بعد أن تؤدِّي دورها كما يتغيَّر المبضع بعد أن يصبح ثَلِمًا من كثرة الاستعمال. هذا الإيمان الشديد بالاستدلال الذي يؤدِّي بالفيزيولوجي إلى تبسيط مُزيَّف للأشياء يرجع إلى غياب الإحساس بتعقيد الظواهر الطبيعية. النظريات بالنسبة للوقائع آليات جزئية ووقتية من أجل تقدُّم البحث العلمي. وتتغيَّر النظريات بغيرها أوسع نطاقًا لتشمل وقائع أكثر. تستعبد المذاهب الذهن الإنساني، ومن ثم فإن الفلسفة والعلم لا يمثِّلان مذهبًا. الطبيعة هي الطبيعة، والذهن الإنساني أقل اتساعًا منها، ومن ثم تتكسَّر هذه النظريات وتتبدَّل، وتُقاس على قد الواقع. ويلاحَظ أن برجسون يقرأ كلود برنارد من خلال فلسفته، ويجعل «مقدمة في الطب التجريبي» مُوجَّهًا ضد العقل الذي يسود التجربة، في حين أنه ينقد التجربة الساذجة أو الجذرية التي تُنكر أي جهد عقلي في فهمها.٢٢

(٢) كتابات المجاملات

وبالرغم من تحذير برجسون من نشر أي مذكرات أو رسائل أو مقالات أو أحاديث له بعد وفاته، وكما دوَّن ذلك في وصيته، إلا أن معظمها قد جُمع بمناسبة المئوية الأولى لوفاته في «كتابات وأقوال»، ثلاثة أجزاء.٢٣ لا تضيف جديدًا على «البرجسونية» مثل «يوميات هوسرل». كان برجسون يفرِّق بين الأعمال الفلسفية التي يكتبها بنفسه في حياته كفيلسوف، ويدقِّق النظر فيها كعالم، ويقرأ معظم أدبياتها حتى يستطيع أن ينقُلها نقلةً نوعية وبين الآراء والرسائل والمواقف الشخصية لبرجسون الإنسان العادي. كان برجسون عضوًا بالأكاديمية الفرنسية يقدِّم تقارير عن المؤلفات المنشورة ليُحيط بها الأعضاء علمًا.٢٤ ومن الصعب معرفة ما للموضوع المعروض وما لبرجسون.٢٥ إنما هي قراءة برجسونية للموضوع وتمرينات على ظهور البرجسونية.٢٦
كان برجسون يلقي الكلمات في المناسبات المختلفة، المدرسية والجامعية والأكاديمية. كان رجل مجاملات، يرد على الرسائل التي تصل إليه، ويعطي بعض الأحاديث الصحفية، ويقدِّم التعازي والشكر في التأبين والاحتفالات الرسمية. مثال ذلك تقريظه للوزير إميل أوليفييه الذي حلَّ برجسون محلَّه في الكوليج دي فرانس.٢٧ عرض أفكاره من خلال مؤلفاته ومآثره وخطبه. وكذلك الرئيس ويلسون الذي في عهده أُنشئت «عصبة الأمم».

ونموذج المجاملات هو الخطاب الذي ألقاه في الأكاديمية الفرنسية يوم استقباله عضوًا فيها خلَفا للوزير «إميل أوليفييه». يقوم على ذكر المناقب لمؤرخ وكاتب سياسي ليس له باع في الفلسفة؛ لذلك لم يستطع برجسون قراءته «برجسونيًّا» أو ذكر أي موضوع فلسفي فيه إلا فيما ندر. ولا تظهر فلسفة برجسون إلا في أقل الحدود؛ منها أن الحرية خالقة، وأن الشعوب الحرة هي القادرة على الاختراع.

وهو خطاب طويل، أطول قسم في «كتابات وأقوال» (الجزء الثالث). يثني فيه برجسون على الآداب الفرنسية، والشعب الفرنسي، ورجال الدولة الفرنسية. فالفقيد رجل سياسة. لم يكذب ولم يكره أحدًا في حياته «اذكروا محاسن موتاكم». كان وزيرًا في ١٨٧٠م، وشاهد مآسي حروب ١٨٦٦م بين فرنسا وألمانيا. ونظرًا لغياب الفلسفة تحوَّل الخطاب إلى فن الكتابة، وطريقة في الأسلوب مع ذكر أسماء أدباء فرنسا مثل لا مارتين ونماذج من الآداب العالمية مثل «روميو وجولييت»؛ فقد عُرف الفقيد بفن البلاغة. كتابه الرئيسي «الإمبراطورية الليبرالية» (سبعة عشر جزءًا)، يتضمَّن ذكريات شخصية. ويعتمد على كثير من النصوص المقتبسة منه كما يفعل الدارسون المبتدءون. تتخلَّله مجاملات لإيطاليا والأدب والفن والإيطالي ومدى تشابههما مع الفن والأدب الفرنسي. يغلب عليه تاريخ فرنسا في منتصف القرن التاسع عشر مع موضوعات متناثرة عن الحرب والدستور. ويعادي ألمانيا لعدوانها المستمر على فرنسا. ويمتلئ بأسماء السياسيين والعسكريين ورجال الدولة كما فعل جيتون في خطاب تأبين الجنرال فايجان. حدثت له رؤية وهو يُحتَضر وصاح «أيها الجنود، أيها الجنود» وكأنه يرى المعارك على الجبهة عام ١٨٧٠م، كما صاح عمر من على المنبر، «يا سارية، الجبل، الجبل». وهي ظواهر التراسل الروحي عن بُعد التي درسها برجسون لإثبات صدق التجربة الصوفية على نحو علمي تجريبي.٢٨

ونظرًا لعدم وجود هدف إلا الثناء على الفقيد فقد اتسم الخطاب بالغموض وعدم وضوح هدف آخر إلا التقريظ. وهو ما لا يتفق مع منهج برجسون. بل إن برجسون يرفعه إلى مصاف كبار الكتاب الفرنسيين مثل بسكال وبوسويه. لم يتجاوز الخطاب المرثية كنوع الأدبي. ربما كان السبب في ذلك المناسبة الرسمية، تأبين الفقيد الراحل ليحل العضو الجديد محله. وهي عادة كل الأكاديميات والمجامع اللغوية والعلمية، مجرد مناسبة عرضية بصرف النظر عن مدى دلالة الفقيد بالنسبة للعضو الجديد.

ومن ضمن المجاملات الإداريات التنظيمية لأوضاع الجمعيات والمؤسسات الثقافية في أوروبا. فقد تحول برجسون إلى نجم اجتماعي. ألقى خطابًا ختاميًّا باعتباره رئيس اللجنة الدولية للتعاون الثقافي كما أوصت بذلك عصبة الأمم. ففي تقرير الجلسة الأولى، وصنف برجسون جدول الأعمال بخطة العمل، وقدم نتيجة البحث العام عن الحياة العقلية في أوروبا ووسائل تقديم يد المساعدة إلى البلاد التي تكون فيها الحياة العقلية مهددة مثل روسيا بعد الثورة الاشتراكية في ١٩١٧م، والنمسا في العصر الإمبراطوري. كما تحدَّث عن التنظيم الدولي للتوثيق العلمي (الببليوجرافي) الماضي أو المرحلي، والتعاون الدولي في البحوث العلمية وفي التعليم الجامعي وواضعًا بعض التساؤلات في النهاية.٢٩
وفي الجلسة الختامية، قدم برجسون خالص التهاني لأعضاء اللجنة ولعصبة الأمم في خطاب اجتماعي يقوم على المجاملات. ويخلو من التحليل الفلسفي لأية رؤية فلسفية، أشبه بتقرير الإداريين.٣٠
وقد صاغ نداءً «باسم عصبة الأمم من لجنة التعاون الثقافي إلى الجامعات والأكاديميات والجمعيات العلمية في كل البلاد لصالح المثقفين النمسويين والحياة الثقافية في النمسا».٣١
وألقى برجسون الخطاب الافتتاحي كرئيس للجنة الدولية للتعاون الثقافي المنبثقة عن عصبة الأمم لوضع ميثاق للتعاون الثقافي بين الدول الأوربية ومساعدة البلدان التي في حاجة إلى إزاحة موانع التعبير الحر.٣٢ وكتب تقريرًا عن الدورة الثانية. فبعد وضع جدول الأعمال وخطة العمل عرض لنتائج البحث عن شروط العمل الثقافي، ومساعدة البلاد التي يهدد فيها مثل هذا العمل. كما عرض نتائج أعمال اللجان الفرعية حول ثلاثة محاور: الأول التنظيم الدولي للتوثيق العلمي (الببليوجرافي) سواء للماضي أو الحاضر خاصة في ميادين الفيزياء وفقه اللغة والعلوم الاجتماعية. وتشمل الفهرسة التحليلية وطبقًا للعناوين، مع التركيز على أهمية تبادل المطبوعات الرسمية والعلمية والأدبية وتأسيس مكاتب استعلامات، وإعفائها من الضرائب، ووضع فهرس دولي للأدبيات العلمية، ومجلة دولية علمية. والثاني التعاون في البحوث العلمية. والثالث تبادل التقارير الجامعية، وتكوين مكتب دولي للتعليم الجامعي. ثم وضعت عدة تساؤلات للجنة في الدورة الثالثة. وينتهي التقرير بمسائل إدارية واستكمال الأعمال.٣٣
وفي اقتراح آخر للجنة العلاقات الثقافية في عصبة الأمم يؤكد برجسون على أهمية تبادل الطلاب والأساتذة والمطبوعات بين الجامعات من أجل التقارب بين الشعوب، وتسهيل المعادلات بين الشهادات وتخفيض رسومها.٣٤
وفي مذكرة حول التبادل الدولي للمطبوعات يقترح برجسون الدعوة إلى عقد مؤتمر للخبراء لتنفيذ اتفاقية التعاون بين الدولة، ويضع برنامج لها من أجل تنفيذ بنود الاتفاق، وانضمام دول جديدة وتطويره. كما يقترح تاريخ الانعقاد ونفقات المؤتمر من مؤسسة سميثونيان بأمريكا، وإقامة علاقات مع جامعات أوربا الوسطى.٣٥
وفي خطاب لبرجسون كرئيس للجنة إلى سكرتير الرابطة الدولية للمثقفين،٣٦ وفي خطاب آخر من رئيس لجنة التعاون الثقافي إلى الرابطة الدولية للصحفيين يشجِّع على عقد ميثاق شرف بين الصحفيين.٣٧ وكتب نداء للدفاع عن الحياة الثقافية في المجر والنمسا واليابان من أجل حرية التعبير وتأسيس المكتبات الجامعية.٣٨
وقد تكون المجاملات للأفراد مثل الخطاب الذي ألقاه برجسون على المائدة التي أقيمت على شرف كزافييه ليون احتفالا بمرور ثلاثين عامًا على تأسيس مجلة «الميتافيزيقيا والأخلاق».٣٩ فالمحتفى به صاحب نظرية في المعرفة ونظرية في العمل. جمع حوله عديدًا من الفلاسفة مثل رافيسون. وأسس «مجلة الميتافيزيقيا» و«الجمعية الفلسفية الفرنسية» محققًا المثل الأفلاطونية على الأرض. كما أسس «نشرة الجمعية الفلسفية»، ودعا دومًا إلى إقامة المؤتمر الفلسفي، وكتب رائعته «فشته حياته وعمله».
ومن رسائل المجاملات رسالة إلى ألبير كامو بمناسبة مرور خمسة وعشرين عامًا على تأسيس دائرة «حول العالم» تهدف إلى تنظيم رحلات حول العالم، كتاب الطبيعة الكبير كما سماه ديكارت، مما يسمح بتكوين مثقفين عالميين لهم ثقافة مشتركة. وهو ما سماه أحد العلماء الأمريكيين العقل الدولي.٤٠
ومن خطب المجاملات الخطاب الذي ألقاه في أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية بمناسبة تنصيب إلكساندر ريبو رئيسًا لها يبين المحامد ويثني على الخصال.٤١
وفي تحية إلى الملك ألبير والشعب البلجيكي يعظِّم برجسون الملك وشعبه، ويثني على قوة روحه ومثاليته الكريمة. ويتمنى أن تنال الفلسفة بعضًا من عظمته التي اقتبسها من ماركوس أورليوس الحكيم الروائي القديم وحب البطولة والعظمة المتجسد في الملك.٤٢

(٣) الموضوعات الفلسفية

(أ) الفلسفة والأخلاق والتربية

تناول برجسون بعض الموضوعات الفلسفية الخالصة مثل موضوع الحرية وهو موضوع «رسالة في المعطيات البديهية للوجدان». فقد لخص محاضرات سبنسر في «دراسة في تطور مشكلة الحرية والمبادئ الأولى» مبينًا أن نفي الحرية الإنسانية هو الغالب على المذاهب الفلسفية السابقة مما أثار رد فعل مذاهب فلسفية أخرى لإثبات الحرية. كان منهج التركيب هو المسئول عن النفي، ومنهج الحدس، وهو منهج برجسون، هو المسئول عن الإثبات.٤٣ وفي خطاب إلى فلاديمير جانكلفتش يعبر برجسون عن إعجابه بكتابه عنه خاصة فهمه للحدس باعتباره تعاطفًا عقليًّا،٤٤ وفي خطاب آخر إلى جان لابدي يعبر آسفة لعدم استطاعة القراء فهم التفرقة بين العقل والحدس.٤٥
وفي رده على فردريك شاربان بين برجسون أن الدين أساسًا عاطفة. لذلك كان التصوف هو تعبيره المثالي.٤٦ وكتب تقريرًا عن «دراسات في تاريخ علم النفس والتصوف» لهنري دلاكروا. وهي دراسة للصوفية الكبار الثلاثة: القديسة تيريزا ومدام جيون وسوزو. فالتصوف إبداع وليس تقليدًا. وهو قادر على الوصول إلى المطلق بالحدس.٤٧
وفي ملخص محاضراته عن «تخطيط لنظرية المعرفة» و«الروحية والحرية» يرفض برجسون المعرفة عن طريق التصورات والمفاهيم على طريقة كانط. وينتقد مفاهيم الزمان والمكان والعلمية مستعيدًا معانيها في الحس المشترك وهي معانيها الفلسفية. أما الروح، فهو مفهوم غامض لا يدرس إلا مم خلال تجلياته في الإرادة والحرية وعدم التنبؤ والجدة لمعرفة ماهية الروح. كما يتجلى في دراسة الظواهر شبة النفسية التي تبدو مرضية كما حاول ياسبرز فيما بعد في «علم النفس المرضي العام».٤٨ وكتب برجسون تقرير عن مسابقة لوفيك لعام ١٩١٠م ويقترح «كتاب هانيكان» دراسات في تاريخ العلوم. و«تاريخ الفلسفة» وهو تاريخ الاتجاه العقلي من ديكارت وليبنتز إلى اسبينوزا وكانط مرورًا باسبينوزا في مقابل اتجاه آخر معارض مثل هوبز.٤٩
ويدرس برجسون بعض الفضائل والموضوعات الأخلاقية مثل «الأدب» مؤسسًا بذلك الظاهريات الوجدانية مثل ماكس شيلر، ومعتمدًا على عبارة المسيح الشهير «أحب الجار كما تحب نفسك». ويعتمد على ديكارت ومالبرانش وبسكال وبعض الأدبيات اللاتينية القديمة ومصدرها عند أرسطو.٥٠ ومنها التقرير عن كتاب «الأساس النفسي للأخلاق» لأندريه جوسان. وهو ما يتفق مع مدخل برجسون للعلوم الإنسانية وكما يبدو في فصول الكتاب: التميز بين الخير والشر، الشعور بالالتزام ومفهوم الواجب، الشعور بالواجب ومفهومه، الجزاء الداخلي، تطور الأخلاق.٥١
وفي تقرير عن كتاب «التقدم والسعادة» لجان فينو، يصنفه برجسون ضمن علوم الحياة ومشاكلها كالبؤس والألم والسعادة والهناء، بعيدًا عن المشاكل الميتافيزيقية الكبرى، واقترابًا من الحلول العملية. وقبل أن يجيب الفلاسفة عن موضوع الواجب فإنهم يجيبون أولًا عن موضوع السعادة. والجزء الأول خاص بالمذاهب الخلقية القديمة والحديثة التي تضع الواجب والسعادة على طرفي نقيض في حين أن السعادة مطلب إنساني حقيقي. أما النظريات فهي أبنية ذهنية خارج الوضع الإنساني. وترتبط السعادة بالأخلاقية. فالطيبة أو الأريحية والحب منبعان للسعادة للنفس وللآخرين. أما الغنى فإنها سعادة للفرد وحده. أما الحياة العائلية ففيها سعادة الفرد والآخرين. فلا توجد سعادة بديلة ودائمة بعيدًا عن الآخرين. لا يختلط إذن مفهوم السعادة بالواجب ولا باللذة. فالغريزة تكفي. أما السعادة فإنها جماع العقل واللذة في علم السعادة وهو موضوع الجزء الثاني. والسعادة أقرب إلى الإنسان مما يتصور. لذلك هناك أفكار خاطئة عن السعادة مثل الحسد وتصور الألم شرًّا وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. فالألم يقوي على الطاقة ويبعث على التحدي. ليس الألم في الفقر كما هو الحال عند الصوفية. فالفقر قيمة. إنما السعادة في الحياة العاطفية: الصداقة، الحب، العائلة، الوطن، الإنسانية، وإرادة الحياة السعيدة. السعادة والأخلاقية شيء واحد وليسا نقيضين. وهو تفاؤل بإمكانية وصول الإنسان إلى غايته. وهو الكمال الخلقي بإدراك مباشر للواقع كما هو الحال في حدس برجسون.٥٢
وقد اهتم برجسون بالتربية وإلقاء المحاضرات في المدارس مثل الخطاب بمناسبة توزيع جائزة في مدرسة فولتير.٥٣ وأفضل جائزة ليست علاء الدين والمصباح السحري بل التعليم وتنمية الذكاء. ودخل في نقاش مع بينيه حول تعليم الفلسفة وأثر برجسون على تلاميذ المدارس الثانوية. ويبين برجسون صلة العلم بالميتافيزيقيا دون إدانة العلم بل تأسيس الميتافيزيقيا على العلم.٥٤
وفي رده على بحث عن الشباب لاحظه برجسون تغيرًا كبيرًا وعميقًا في الشباب اليوم. ويرجع ذلك إلى الثقة بالنفس، والجدية في النظرة للحياة. والزواج المبكر يشجع على الإحساس بالمسئولية وطلب الكمال. ومن خلال الشباب يمكن رؤية نهضة فرنسية وعبقرية فرنسا وقدرتها على الاختراع كما حدث في اختراع الطائرات، بالإضافة إلى النهضة الأخلاقية والوحدة الوطنية. الشباب اليوم يعمل بجدية وشجاعة ومسئولية. ويلاحظ نعمة التفاؤل عند برجسون، وإيمانه الأخلاقي وإحساسه الوطني.٥٥
ويركز برجسون في «الدراسات الكلاسيكية وإصلاح التعليم»، وهو بحث ألقي في أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية على التعليم الثانوي في فرنسا وفائدة الدراسات اليونانية فيه، وقد كان برجسون مدرسها في الثانوية مدة طويلة. وتفوق الطلبة فيها يسترعي الانتباه نظرًا للارتباط بين الثقافة اليونانية اللاتينية وفن الكتابة والتأليف، وأيضًا بين معرفة اللاتينية والإحساس بالفرنسية. ويضاف الأدب إلى اللغة. إذ لا يمكن فهم الأدب الفرنسي دون معرفة الأدب اللاتيني. ويضاف الفكر إلى الأدب واللغة. فالفكر اليوناني يتضمن أفكار النظام والنسبة والمقياس والضبط والنعومة وروح الدقة. اليونان هم الأصل وبدونهم ينقص المحدثون عالم الغناء والخيال والضحك والشعر. وكما قال رينان أن قنينة العطر الفارغة ما زالت تفوح. يخرج العالم القديم كله من أثينا وروما كما يبدأ العالم الحديث من أمريكا، وأمريكا من فرنسا، لافاييت نموذجًا. الروح القديم روح الدقة ضد التقريب والنسبية. الدراسات اليونانية واللاتينية هي التي جعلت فرنسا على ما هي عليه الآن. وأضافت فرنسا الأشياء في طريق الصنع على الأشياء الجاهزة، ومن ثم، يجب تعميم الدراسات الكلاسيكية في المدارس والجامعات وكما دعى طه حسين في بداية تأسيس الجامعات المصرية.٥٦

(ب) السياسة والقانون

ولم يغفل برجسون الموضوعات السياسية، وقد خصَّص لها الفصل الرابع والأخير من «منبعا الأخلاق والدين» بعنوان «الآلية والتصوف». فقد كتب ملاحظات حول الفلسفة الاجتماعية لكورنو ابتداء من التمييز بين العلة والسبب. العلة هي القوة المنتجة، والسبب مبدأ للتفسير. العلة شيء موضوعي. في حين يتوقف السبب على وجهة النظر.٥٧
وكتب تقريرًا عن كتاب «ملاحظات حول نص المؤسسات» لكاسبودور لفكتور مورتيه. الذي كتب في منتصف القرن السادس لبيان الصلة بين العلم المقدس والعلم الدنيوي في المؤسسات. وهو أهم كتاب في الفلسفة السياسية في عصر الآباء بعد أوغسطين.٥٨
وفي تقرير كتاب «تخطيط لما وراء بحر المانش» لجاك باردو يتحدث فيه عن انجلترا المعاصرة والاتجاهات الاشتراكية والجذرية فيها والأزمات الحربية والسياسية ورجالاتها وأحوالها كنوع من الذكريات التاريخية بل وعمرانها. والنتيجة مدى القرابة بين فرنسا وانجلترا. وينهي الكتاب بأعياد التتويج كنوع من الفولكلور.٥٩
وفي تقرير عن كتاب «الدول الاسكندنافية، الوطنية الاسكندنافية» لجاك دي كوسانج وهو اسم مستعار لمدام بيير كيرييل ترسم فيه صورة الوطنية في البلاد الاسكندنافية خاصة الدانمرك. وبالإضافة إلى الوطنية العامة هناك خصائص لكل وطنية كالفردية والاستقلال والصداقة أو العداوة مع الدول المجاورة مثل صداقة السويد لألمانيا، وصداقه الدانمرك لإنجلترا وروسيا، وعداوة النرويج لألمانيا وصداقتها لإنجلترا. ويظهر دور أسقفيه أوبسالا في روح الوطنية والاستقلال ومع ذلك، هناك خلافات حدود بينهما مثل الألزامس واللورين بين فرنسا وألمانيا، وقد اعتبرت السويد فنلندا عدوه لها لقرابتها من روسيا، واحتلتها. وما زالت بعض مدنها مثل توركو سويدية اللغة والثقافة. وكله جزء من تاريخ أوروبا.٦٠
وقد يتداخل التاريخ مع السياسية في التقرير الذي كتبه برجسون عن كتاب «فرنسا اليوم» «لباريت فندل» وترجمة جرابه. والتاريخ هو التاريخ الاجتماعي. ويعتمد التقرير على النصوص والاقتباسات من الكتاب لإثبات الحياة اليومية للفرنسيين.٦١
ويحاول برجسون إصلاح النظام القضائي. ففي خطاب له حول «قاضي الجنايات» ينتقد عدم صبر القضاء في الحكم على الجرائم العاطفية. فكل الجرائم خارج السرقة جرائم عاطفية. وهو تعريف فضفاض للغاية. القضاة في الأرياف أكثر قسوة في حين أن قضاة العواصم مثل باريس أكثر تسامحًا. وسبب ذلك تصورهم للعدالة الإنسانية باعتبارها حامية للمجتمع. لا يتحقق القاضي بما فيه الكفاية. لا يداول بل يسمع. ويعتقد أنه قادر قدرة مطلقة. يخضع لعمل الخيال المسرحي، وكأن المجرم بطل رواية. أجداد المجرم كانوا طيبين من العمال أو الموظفين. وكلها أحكام وجدانية قد تنفق مع العاطفة ولكنها تناقض العدالة. القاعدة القضائية: لا حكم إلا بعد المداولة. وقاضي الجنايات يحكم بالعواطف. والسؤال هو كيف يصدر القاضي حكمه وما هي حيثياته؟ المداولات الحقة هي المداولات الموجهة من أجل الوصول إلى هدف وحكم لا يقوم على العواطف. والقاضي تأخذه الشفقة خوفًا من القسوة، أصبح الحكم مرتبطًا بشخص القاضي ومزاجه أكثر من قيامه على الموضوع.٦٢
وفي تقرير عن كتاب «الميثاقية» لإدوارد دوليان يبين برجسون أهمية المواثيق كموضوع اجتماعي وسياسي في انجلترا في منتصف القرن التاسع عشر. وهي حركة «ميثاق الشعب» قبل «ميثاق الأمم». وأهم شيء في الكتاب هو المنهج قبل الاقتصاد التاريخي. الميثاق هو حق العمال فيما ينتجونه في الثورة الصناعية. يقوم على مفاهيم الطبيعة والحق والفرد والتي منها ينتج تأميم الراضي الزراعية وحقوق العمال.٦٣

(ﺟ) الفن والدين

ويبدو اهتمام برجسون بعلم الجمال والفن في عدة تقارير للأكاديمية الفرنسية مثل التقرير عن كتاب «معنى الفن» لجولتييه، مقدمة أميل بوترو.٦٤ كما يحدد دور الفن وقيمته ضد علم الجمال العقلي، دفاعًا عن علم الجمال الوجداني. مهمة الفن إبداع الجميل. والجمال في النفس قبل أن يكون في الخارج. مهمته رفع مستوى الروح للفرد والمجتمع.
ويراجع برجسون كتاب، سينانكورا، شاعرًا أو مفكرًا دينيًّا وإعلاميًّا، حياته وعمله وأثره «لميرلان».٦٥ فقد بدأ الشاعر أبيقوريًّا عقلانيًّا ثم تحول إلى المسيحية الفلسفية. وتأثر بفلاسفة القرن الثامن عشر وببعض رومانسيي التاسع عشر مثل شاتوبريان. وأثَّر بدوره ألفرد دي فيني وجورج صاند وآميل وغيرهم. وكتب تقريرًا على كتاب «لافونيتن» لنيراك.٦٦ وهو عالم نفس يحلل قصص لافونتين تحليلًا نفسيًّا، وكتب تقريرًا آخر عن كتاب «موسيقى اللاشعور» لبيزياس. ويبدأ الكتاب بفلسفة الموسيقى عند شوبنهور وبتحليل اللاشعور. والموسيقى هي حياة اللاشعور.٦٧
وكتب تقريرًا آخر عن كتاب «الموسيقى» الشاعر فاجنر دراسة في علم نفس الموسيقى لليونيل دورياك. فموسيقى فاجنر تدخل الروح وتتحول إلى حالات نفسية ولفاجنر دراسات نظرية مثل «الفن والثورة»، «العمل الفني في المستقبل»، «الأوبرا والدراما» حيث يعرف الدراما الموسيقية بأنها زواج الشعر بالموسيقى من أجل خلق شعر الأصوات، وقد حقق فاجنر ذلك في مجموعته الرباعية: بارسيفال تريستان وإيزولدا، المعلمون المغنون. والموسيقى الشعرية أو الشعر الموسيقى تراجيديًّا مثل خاتم نبلونجن. فالعمل الدرامي لفاجنر متصل تتخلله فزات منقطعة.٦٨
وأعطى مقابلة لآميل عن الفن وصلته بالفلسفة. ويعترف برجسون بأن فلسفته أقرب إلى الفن منها إلى العلم بعد اعتبار الفلسفة هي العلم مدة طويلة، أم العلوم. والعلم لا يعطي إلا صورة ناقصة للواقع عن طريق الرموز المصطنعة المتجزئة. في حين يشارك العلم الفلسفة في الحدس. بل إن الفلسفة هي النوع والفنون هي الأجناس، وقد تضمن كتاب «رسالة في المعطيات البديهية للوجدان» نظرية في تصنيف الفنون متأثرًا بأعمال ميترلنك المسرحية، وبموسيقى ديبوسي في الديمومة وبأفكار سوريل، وبلزاك، لما في أعمالهما من حياة وكشف للواقع. بل إن فلسفة اسبينوزا أشبه بالعمل الفني الذي كان يمكن أن يتحول إلى دراما. بل إن المحاضرة عمل فني تقوم أولًا على المتلقي أي انتباه المستمعين. وتعاملهم مع المحاضرة عمل درامي له مقدمة وذروة وخاتمة.٦٩
ونظرًا لانتشار علوم النقد التاريخي للكتب المقدس فقد كتب برجسون تقريرًا عن «الكتاب المقدس لمدينة آميان» لراسكين، ترجمة ومقدمة مارسل بروست. وهو كتاب في علم الجمال وليس في نقد النصوص. ويعني الكتاب المقدس هنا كل ما يتعلق بالجمال الديني مثل كاتدرائية أميان. ويعتمد الكتاب على علم النفس، ويكشف بروست عن الأحكام المتناقضة على راسكين بأنه واقعي أو جمالي أو عقلي. يبحث عن دور الخيال في الفن. ويعطي العلم دورًا كبيرًا. ويبين برجسون الروح الدينية وراء جماليات راسكين.٧٠
ويعبر برجسون عن تقديره لستة أبحاث مقدمة لمسابقة في موضوع العلم والإيمان. ومع ذلك ينقد بعضها. فالبحث الأول معقول ولكنه سطحي. يميز بين الإيمان والمعتقدات. الأول جوهر ثابت والثاني عرضي متغير. ولا يوجد تعارض بين اللامرئي وهو الدين والمرئي وهو العلم، وهي ثنائية برجسون. والثاني لا يبين أوجه التعارض ولا طرق الحل بين الإيمان والعلم. والثالث لا يقصد العلوم الطبيعية المنطقية. ويقصد بالإيمان التنظيمات الكنسية خاصة في أقاليم سويسرا. وهو خارج الموضوع. يعتمد على النصوص. ويعرض النظريات دون ما حاجة إلى ذلك، ودون حجج أو تعبير واضح. وهو ما يناقض منهج برجسون الحدسي. والرابع يبين أن العلم ليس اعتقادًا بل متطورًا دائمًا. ولا يعطي تركيبًا نهائيًّا. والدين ليس اعتقادًا أو معتقدات بل دافعًا على الأخلاق، ومن ثم لا يتناقض العلم والدين بهذا المعنى. إلا أن البحث مختصر. وهو ما يدل على نهج برجسون البرهاني.٧١

وفي تقرير عن كتاب «فلسفة جديدة في التاريخ الفرنسي الحديث» لرينيه جيون، وهي دراسة لأعمال أرنست سيير عن فلسفة التاريخ في فرنسا في الماضي والحاضر واتجاهها نحو المستقبل. وتدور حول ثلاث موضوعات: الاستعمار، والتصوف، والعقل. الاستعمار هو الرغبة في الهيمنة، ووعي بالحياة. وهو مباطن للدافع الحيوي، روح الأفراد والشعوب في تطور مستمر نحو ما يفوق الطبيعة. ويتولد التصوف عن هذا الدافع، باعتباره إشباعًا لطموحات الأفراد والمجتمعات. الاستعمار والتصوف يتعاونان معا، ويكمل بعضهما بعضًا. كلاهما نتاج الدافع الحيوي. ثم يخضع كلاهما للنقل أي للتجربة الاجتماعية في التراث. ويتحول الكل إلى حضارة. ونماذج التاريخ في ذلك روسو، أبو العصور الحديثة، وليس مدام جيبون أو فنلون. يمثلان مجرد تصوف باطني. التصوف على أنواع: تصوف إمبريالي، مضمون ديمقراطي، تصوف اجتماعي، تصوف جمالي أو رومانسي، تصوف عرقي. وهناك تصوف التوراة أو التصوف الثوري. يعتمد على العقل والواقع. وعليهما يتأسس الوحي.

وهناك منهجان لدراسة التصوف منهج ثابت مثله منهج تين. يقوم على التحليلي العقلي ووصف البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها التصوف، ومنهج حركي مثل منهج روسو الذي يدرس التصوف كحركة أحوال ومقامات كاللحن في النفس.٧٢
وفي خطاب إلى بليز رومييه يدافع برجسون عن نظريته في العدل الإلهي القائمة على الجمع بين الدين والفلسفة. ويعترف بأنها غير كاملة لأنه ليس لاهوتيًّا يؤسس عقيدة ويقيم مذهبًا. وهناك مسافة بين اللاهوت والفلسفة. الأول يقوم على العقل والثاني على الحدس. ولا حل لهذا التعارض إلا بالتصوف الذي يشق طريقًا ثالثًا بين الاثنين، العقل والحدس، اللاهوت والفلسفة.٧٣
وفي خطاب إلى رئيس الاتحاد من أجل الحقيقة بعد مقابلة صحيفة حول «منبعا الإطلاق والدين» يعترف بأهمية ملاحظات لوسين إلا أن برجسون يتبنى منهجًا يستبعد كل بناء نظري، ولا يتجاوز بحثه حدود التجربة.٧٤
وفي خطاب إلى الأب جورسي الذي حاول أن يُقرِّب بين فلسفة برجسون والواقعية الجديدة عند توما الأكويني، يصرخ برجسون بأنه لا يعرف فلسفة العصر الوسيط ولا فلسفة توما الأكويني، ولا يعني كتاب برجسون «الفكر والمحرك» العقل أو الفكر بالمعنى الكانطي في «نقد العقل الخالص».٧٥
وفي خطاب آخر إلى الأب سيرتيلانج يُبيِّن برجسون أهمية المقارنة بين فلسفته وفلسفة توما الأكويني، ولكن الخطأ في المصطلحات الفلسفية وعلى من لا يفهم التومادية. إن الحرية تعبير عن الشعور ولكنه على مستوى العقل. ويعتبر أن الاعتراضات على فلسفته مُكرَّرة نبهه عليها رافيسون. العرض للتومادية جيد فيما يتعلق بالتمييز بين العلة الفاعلة والعلة الكافية، ولكنه قراءة للحاضر في الماضي. ومع ذلك يرفض برجسون اتهامه بأنه وقع في مشاكل عدة وقد أمضى خمسين عامًا في البحث العلمي والتحليل الفلسفي.٧٦
١  La Vie et L’oeuvre de Ravaisson, PM., pp. 253–91.
٢  عنوان المقال «حياة فيلكس رافيسون: موليان وأعماله». ظهر في تقارير الأكاديمية للعلوم الإنسانية الأخلاقية والاجتماعية في ١٩٠٤م، ج١، ص٦٨٦. وبعد أن قرأه برجسون في الأكاديمية، نُشر بعد ذلك كمقدمة لكتاب «وصية رافيسون وشذراته» عام ١٩٣٢م. وقد كتب جاك شيفالييه أن برجسون فكَّر في إجراء بعض التعديلات، ثم قرَّر نشر المقال كما هو بالرغم ممَّا وُجِّه إليه من نقد بأنه قرأ رافيسون قراءةً برجسونية. ويعترف برجسون بأن هذه القراءة كانت أفضل وسيلة لتوضيح رافيسون بتطويره.
٣  محاولة في ميتافيزيقيا أرسطو (١١)، أرسطية (٤)، أرسطي (١)، التقرير (٨)، في العادة (٥)، الوصية (٤). كوزان (١١)، ليوناردو دافنشي (٧)، أفلاطوني (٧) أفلاطون (٦)، رافيسون (٩٠)، أرسطو (٢٢)، موليان (٤)، ميشيليه (٣)، سقراط، شيلنج، بوريه Poret، فيلمان (٢)، فيثاغوري، القديس أوغسطين، ديكارت، ليبنتز، جيزو، سانت هيلير، كينيه، آدم سميث، الفريد دي موسيه، بلزاك، لامارتين، شاتو بريان، دافيد، أنجر Angers، كومت، كلود برنارد، بسكال، بوترو بستالوتزي، وآخرون … (١)، الرواقية (١).
٤  Ibid., pp. 253–5. بوريه Poret.
٥  جيزو Guizot، كوزان Cousin، فيلمان Villemain، سانت هيلير Saint-Hilaire، كينيه Quinet، ميشيليه Michelet.
٦  ألفريد دي موسيه Alfred de Musset، بلزاك Balzac، لامارتين La Mertine، شاتو بريان Chateau briand.
٧  Ibid., pp. 263–8. بروك Broc، شاسيرو Chasséreau.
٨  Ibid., pp. 268–72.
٩  Ibid., pp. 272–6.
١٠  Ibid., pp. 276–80.
١١  Ibid., pp. 280–3.
١٢  Vinus de Milo. Ibid., pp. 283–6.
١٣  Ibid., pp. 286–291. الأريحية Génorisilé.
١٤  PM., pp. 239–51. وقد كتب هذا المقال كمقدمة للترجمة الفرنسية لكتاب وليم جيمس، «البرجماتية» التي قام بها لو بران E. Le Burn والتي صدرت في باريس عند فلاماريون عام ١٩١١م.
١٥  في هذا المقال ترد الأسماء كالآتي: وليم جيمس (٢٣)، كانط (١٢)، كانطية: فشنر، أديسون، كرسوتوف كولمب (١)، البرجماتية، أمريكا (١). وفي الهامش، جيمس (٤) سقراط، بوتور (١)، عالم تعددي، البرجماتية.
١٦  Ibid., pp. 239–44.
١٧  Ibid., pp. 244–51.
١٨  PM., pp. 229–37. خطاب أُلقي في احتفال مثوبة كلود برنار Claude Bernard في الكوليج دي فرانس في ٣٠ ديسمبر ١٩١٢م.
١٩  كلود برنارد (٩)، ديكارت، ماجندي Magendi (١).
٢٠  Ibid., pp. 229–32.
٢١  Ibid., pp. 232–5.
٢٢  Ibid., pp. 235–7.
٢٣  الجزء الأول (١٨٧٧–١٩٠٥م)، ويحتوي على ٣٦ مقالًا، وكان عمره «١٩–٤٦».
٢٤  الجزء الثاني (١٩٠٥–١٩١٥م)، ويحتوي على ٧٦ مقالًا، وكان عمره «٤٦–٥٦».
٢٥  الجزء الثالث (١٩١٥–١٩٣٩م)، ويحتوي على ٤٥ مقالًا، وكان عمره «٥٦–٨٠»، ومجموعها ١٦٧ مقالًا ورسالة.
Bergson: Ecrits et Paroies, Textes ressemblés par R. M. Massé-Bastide., Vol. II, III, PUF., Paris, 1957.
٢٦  وذلك مثل تقرير حول مؤسسة كارنو PM., pp. 182–6. والتقرير حول مسابقة جائزة هالفان ٤ / ٧ / ١٩٠٣م. Ibid., pp. 200–3. خطاب إلى جيوفاني بابيني ٤ / ١٠ / ١٩٠٣م. Ibid., p. 204. مقابلة إميل لبرجسون EP., II, pp. 354-5. خطاب أمام قبر هنري فرانك ٢ / ١٢ / ١٨٨٨م، نُشر في ٢٥ / ٢ / ١٩١٢م. خطاب بمناسبة انتخابه رئيس أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية EP., II., pp. 393–5. خطاب بمناسبة وفاة لودوفيج بوشيه، جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية ١٧ / ١ / ١٩١٤م، Ibid., pp. 396-7. خطاب بمناسبة وفاة شارل وادبجتون، العدد السابق، ٢١ / ٣ / ١٩١٤م، Ibid., pp. 398–400.
٢٧  ذُكر إميل أوليفييه ٢١ مرة، ويلسون (١٢).
٢٨  ألقى الخطاب بتاريخ ٢٤ / ١ / ١٩١٨م EP., III, pp. 461–84، فن البلاغة Eloquence. فايجان Weygan. إميل أوليفييه Emile Olivier.
٢٩  عصبة الأمم ١٩٢٢م، EP., III, pp. 504–15.
٣٠  الجلسة الأولى للجنة الدولية للتعاون الثقافي، صيف ١٩٢٢م، الجلسة الثانية والأخيرة، السبت ٥ / ٨ / ١٩٢٢م. EP., III, pp. 516–9.
٣١  عصبة الأمم عام ١٩٢٢م. Ibid., pp. 520–2.
٣٢  الدورة الثانية، الجلسة الأولى، ٢٦ / ٧ / ١٩٢٣م. EP., III, pp. 540-1.
٣٣  عقدت الدورة الثانية في جنيف، ١٥ / ٨ / ١٩٢٣م، Ibid., pp. 542–59.
٣٤  الجريدة الرسمية لعصبة الأمم ١٩٣٢م، التقرير بتاريخ ٢٦ / ٩ / ١٩٢٣م. EP., III, pp. 562–5.
٣٥  الجريدة الرسمية لعصبة الأمم ١٩٢٤م، Ibid., pp. 570–8.
٣٦  محضر اللجنة التي عقدت في ٢٥-٢٩ / ٧ / ١٩٢٤م. Ibid., p. 579.
٣٧  محضر اللجنة التي عقدت في جنيف في ٢٥-٢٩ / ٧ / ١٩٢٤م. Ibid., p. 580.
٣٨  الجريدة الرئيسية لعصبة الأمم ١٩٢٤م، والنداء بتاريخ ٣٠ / ٩ / ١٩٢٤م. Ibid., pp. 581-2.
٣٩  ألقى بتاريخ ٢٧ / ١٢ / ١٩٢٣م. Ibid., pp. 566–9.
٤٠  EP., III, p. 593.
٤١  ألقى الخطاب في ١٦ / ١ / ١٩١٥م. de la gvene, pp. 33–5 ألكسندر ريبو Bergson: La Signification Alexandre Ribot.
٤٢  Ibid., pp. 45-6.
٤٣  الكتاب السنوي للكوليج دي فرانس (١٩٠٤-١٩٠٥م). EP., I, p. 234.
٤٤  Vladimir Jankélévitch: Bergson, EP., III, p. 592.
٤٥  الخطاب بتاريخ ١٢ / ٢ / ١٩٣٦م، جان لابدي Jaulabdie، EP., III, p. 616,.
٤٦  المسألة الدينية، بحث دولي عن العاطفة الدينية أجرته مجلة ميركير دي فرانس، ونشره شاربان Fr. Chapin، باريس ١٩٠٨م، EP., II, p. 308.
٤٧  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، جلسة ٣٠ / ١ / ١٩٠٩م. EP., pp. 313-4.
٤٨  الكتاب السنوي للكوليج دي فرانس ١٩١٢-١٩١٣م، EP., II, pp. 373-4.
٤٩  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، جلسة ٢٢ / ١٠ / ١٩١٠م، Ibid., I, pp. 350–3.
٥٠  الأدب La Politesse. خطاب في حفل توزيع جائزة في مدرسة كليرمونفيران في ٣٠/يوليو/١٨٨٥م. EP., pp. 57–68.
٥١  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، جلسة ١٤ / ٥ / ١٩١٠م، Ibid., pp. 340-1.
٥٢  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، جلسة ٢٧ / ٦ / ١٩١٤م، EP., II, pp. 403–6. جان فينو Jean Finot.
٥٣  خطاب توزيع جوائز مدرسة فولتير ١٩١٣-١٩١٤م. PM., pp. 181–195.
٥٤  ملاحظات حول وضع الفلسفة وماهيتها في التعليم الثانوي، فبراير ١٩٠٣م. PM., pp. 187–90. الفردانية A. Binet.
٥٥  أجرى البحث جيل برتو. ونشر الخطاب في مجلة الغالي ١٥ / ٦ / ١٩١٢م. واقتبسه هنري ماسيس في كتابه «الشباب اليوم»، بلون ١٩١٣م، EP., II, pp. 368-9.
٥٦  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، جلسة ٤ / ١١ / ١٩٢٢م. EP., III, pp. 523–34.
٥٧  نشرة الجمعية الفلسفية الفرنسية، أغسطس١٩٠٣م، EP., I, p. 199. العلة Cause، السبب Raison. كورنو Cournot.
٥٨  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الإنسانية والسياسية في ٢١ / ٥ / ١٩٠٤م. EP., I, p. 223. مورتيه J. Mortet، جاك باردو J. Bardoux.
٥٩  السابق جلسة ٢٨ / ٣ / ١٩١٤م. Ibid., II, pp. 401-2.
٦٠  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، جلسة دي كوسانج J. De Coussange.
٦١  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسة، جلسة ١١ / ٦ / ١٩٩١م. EP., II, pp. 346–8. فندل B. Wendel.
٦٢  خطاب حول قاضى محكمة الجنايات، الزمان ١٩ / ٢ / ١٩١٣م. EP., p. 388.
٦٣  تقرير حول كتاب «إدوار دوليان». الميثاقية Le Chartisme، جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، جلسة ١١ / ٧ / ١٩١٤م، Ibid., pp. 407–9، إدوارد دوليان E. Dolleans.
٦٤  جلسات وأعمال الأكاديمية الأخلاقية والسياسية، جلسة ٢٤ / ١١ / ١٩٠٦م. EP., pp. 257-8. أميل بوترو E. Boutroux.
٦٥  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، جلسة ١٨ / ١ / ١٩٠٨م، EP., pp. 286-7 سيناكور Sénancour.
٦٦  السابق، جلسة ٢٣ / ٥ / ١٩٠٨م، Ibid., p. 297. نيراك Nayrac.
٦٧  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية. جلسة ١ / ٢ / ١٩٠٨م. EP., II, pp. 288-9.
٦٨  السابق جلسة ١٦ / ٤ / ١٩١٠م. Ibid., pp. 337–9. بيزاياس Bazaillas.
٦٩  وهو ما تعلمه جيتون من برجسون وما تعلمته من جيتون.
٧٠  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الإنسانية والسياسية في ٢٨ / ٥ / ١٩٠٤م، EP., p. 224. راسكين Ruskin.
٧١  مجلة كورنتيوم، العدد يناير-فبراير ١٩١٢م، ص١٨١–١٩٠. EP., pp. 361-2.
٧٢  جلسات وأعمال أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية. جلسة ٩ / ٧ / ١٩٢١م، EP., III, pp. 492–4. رينية جويون Rene Gillouin. أرنست سيير Ernest Seillière.
٧٣  الخطاب بتاريخ ٢٤ / ٣ / ١٩٣٣م. رينيه لوسين René Le Senné. بليزرومييه B. Roméer.
٧٤  الخطاب بتاريخ إبريل مايو ١٩٣٣م. Ibid., p. 597.
٧٥  الخطاب بتاريخ ١٦ / ٦ / ١٩٣٥م. Ibid., pp. 598-9. جورسي Gorce.
٧٦  الخطاب بتاريخ ١٩ / ١ / ١٩٣٧م. Ibid., p. 643-4. A. D. Sertillanges: Le Libre arbitre chez Sanit Thomas et Chez M. Bergson.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥