الفصل الأول

المعطيات البديهية للوجدان

(١) التطبيقات المتتالية

وطبَّق برجسون منهجه ست مرات؛ الأولى في كتابه الأول «رسالة في المعطيات البديهية للوجدان» (١٨٨٩م) عندما أخذ الزمان للكشف عن الخلط بينه وبين المكان، وبين التوتر والامتداد، دفاعًا عن الحرية ضد معامل علم النفس خاصةً منذ فند.

والثانية «المادة والذاكرة» (١٨٩٦م) ضد السيكوفيزقيا التي ربطت بين الإحساس ومراكزه في المخ. فاختار التذكُّر كصورة متوسطة لإثبات استقلال عملية استدعاء الذكريات استدعاءً حرًّا عن حوامله المادية.

والثالثة «التطور الخالق» (١٩٠٧م) ضد نظرية التطور عند داروين وسبنسر ولامارك التي تتصور التطور كميًّا متصلًا، وإنكار المستويات التي تتميَّز بالطفرة. فالتطور متقطع وليس متصلًا، في مساره قفزات تكشف عن تغير نوعي بين المستويات، من النبات إلى الحيوان، ومن الحيوان إلى الإنسان، ومن الإنسان إلى الصوفي أو النبي.

والرابعة «منبعا الأخلاق والدين» (١٩٣٢م) ضد الوضعية الاجتماعية عند دوركايم وليفي بريل في تصورها للأخلاق والدين على أنهما من إفراز المجتمع، وتمييز برجسون بين الدين الثابت والدين المتحرك. وهي نفس قسمة أوجست كومت علم الاجتماع إلى علم الاجتماع السكوني وعلم الاجتماع الحركي، وتمييزه في الأخلاق بين الإلزام الخلقي ونداء البطل.١

والخامسة «الديمومة والمعية»، في موضوع نظرية أينشتين (١٩٢٣م)، ردًّا على النظرية النسبية عند أينشتين، وخلطها بين اللحظة والتجاور دفاعًا عن الزمان النفسي ضد الزمان الرياضي الطبيعي. ثم توقف برجسون عن استئناف الحوار مع أينشتين بعد أن ردَّ أينشتين عليه، ولم يستطع برجسون أن يجاريه على نفس مستوى العلم الرياضي والطبيعي، بل ومنع نشره بعد طبعاته الأولى، ومع ذلك نُشر ما يقرب من مائة مرة.

والسادسة «الضحك، محاولة في معنى الهزلي (المضحك)» (١٩٢٤م)، وهو أصغر الكتب الستة حجمًا. ليس في علم الجمال النظري كما يُشاع، ولكن في أسباب الضحك، ومعنى الهزل سواء في الصور (الكاريكاتير) أو الحركات (التمثيل) أو في الكلمات (النكات) أو في الشخصية مع وعي منهجي واضح.

وأعمال برجسون بناء مُتعدِّد الطوابق ابتداءً من «رسالة المعطيات البديهية» حتى «الضحك»؛ لذلك يُحال في كل عمل لاحق إلى الأعمال السابقة باستثناء «المادة والذاكرة»، فقد كان تأسيسًا ثانيًا لبرجسون.

ويُحيل في «التطور الخالق» إلى «رسالة في المعطيات البديهة للوجدان» في الهامش وفي المتن.٢ كما يُحيل إلى «المادة والذاكرة».٣ ويتساوى ذكر كليهما في التأسيس. ويُحال إلى مقدمة في الميتافيزيقا، وهو مثل «المقال المنهج» لديكارت.٤ ويحال في «منبعا الأخلاق والدين» إلى «المادة أو الذاكرة»،٥ و«التطور الخالق» بقدرين متساويين.٦ ولا يُحال إلى الأعمال المنهجية، مثل «الطاقة الروحية» نظرًا لأنها مقالات تأسيسية نظرية، يعتمد كلٌّ منها على ذاته وليست نقاطًا تطبيقيةً تتطلَّب إحالات نظريةً أو نقاطًا تطبيقية مماثلة. يُحال فقط في «مقدمة» «الطاقة الروحية» إلى «مقدمة إلى الميتافيزيقيا».٧ كما يُحيل مقال «إدراك الحاضر والتعرف الخاطئ» إلى «المادة والذاكرة» في الهامش.٨ ويحيل مقال «الجهد العقلي» إلى «المادة والذاكرة» في الهامش أيضًا.٩ وفي «الفكر والمحرك» تُحيل المقدمة (الجزء الأول) إلى «منبعا الأخلاق والدين» في الهامش.١٠ وفي الجزء الثاني يُحيل إلى كثير من المؤلفات السابقة في المتن مثل «رسالة في المعطيات البديهية للوجدان»،١١ و«المادة والذاكرة».١٢ في المثنى وفي الهامش، و«الطاقة الروحية»،١٣ «والتطور الخالق»،١٤ و«منبعا الأخلاق والدين».١٥
وعناوين مؤلفات برجسون دالة على مضمونها، وهي عناوين ثنائية في معظمها، مُكوَّنة من لفظين؛ الأول خاطئ والثاني هو الصواب؛ وذلك مثل «المادة والذاكرة»، «التطور الخالق»، «الطاقة الروحية»، «الفكر والمحرك». ويُعلن عن هذه الثنائية صراحةً في «منبعا الأخلاق والدين». أما سِجاله مع أينشتين حول النظرية النسبية «الديمومة والمعية» فيبدأ بالصواب «الديمومة» ثم بالخطأ «المعية» في تصور لحظات الزمان. أما «رسالة في المعطيات البديهية للوجدان» فكلها «ألفاظ صائبة».١٦
وأول عمل علمي قام به برجسون هو «فكرة المكان عند أرسطو»،١٧ وهي رسالته للدكتوراه التي كتبها باللغة اللاتينية ثم تُرجمت بعد ذلك بمناسبة المئوية الأولى لمولده. وواضح أن انشغاله بالمكان قد يكون أحد الأسباب التي أحالته إلى الانشغال بالزمان بالإضافة إلى التفكير في حجج زينون السوفسطائي في إنكار الحركة وخلطها بين المكان الذي يمكن تقسيمه والزمان الذي لا يمكن تقسيمه، وبالتالي اكتشاف التقابل بين المكان والزمان، الكم والكيف، الامتداد والتوتر، الخارج والداخل أو باختصار البدن والنفس.١٨

وبعد أن يُفضِّل برجسون مفهوم أرسطو للمكان يُبيِّن أنه يتكلَّم عن المكان وليس الفضاء؛ فالمكان موضوع خارجي للفيزيقا وللرياضة، ولكن الحركة إسقاط عليها من الذات، وهو الذي سيسميه برجسون فيما بعدُ الزمان؛ لذلك عرَّف أرسطو المكان بأنه «هدَّد الحركة». وهو تصور فيزيقي رياضي خالص. المكان موضوع، والحركة رؤية، وهو ما صحَّحه المحدثون منذ ليبنتز بالتحول من مفهوم المكان الطبيعي الأرسطي إلى مفهوم الفضاء الكوني. المكان أقرب إلى القوة منه إلى الفعل بتعبير أرسطو، وهو ما حاوله من قبلُ لوقيوس وديمقريطي (الشكر للصديق أ. د. مجدي عبد الحافظ لإرساله نص برجسون لنا من مكتبة فرانسوا ميتران في باريس).

(٢) العنوان والبنية١٩

ويدل العنوان على المضمون. «المعطيات» أشبه بالحدوس الموضوعية والرؤى المباشرة، وهي البديل عن الأشياء في العالم الخارجي التي يضعها هوسرل بين قوسين، وعن الإدراكات الحسية كما هو الحال في المدرسة الحسية عند لوك وهيوم، وعن التصورات الذهنية كما هو الحال عند كانط والمدرسة العقلية بوجه عام، وهي بديهية تُدرَك بالحدس. لا تحتاج إلى تخطيط ترنسندنتالي مثل كانط، ارتباط وتداعي المعاني مثل هيوم، ولا إلى قوانين وهي في الوجدان أي الشعور. وبتعبير هوسرل هي موضوعات قصدية بين قُطبَي الشعور؛ الكوجيتو و«الكوجبتاتوم».

وهي «محاولة»؛ أي استكشاف وتحسُّس طريق وتعرُّف على مسار على عكس وضع الحقائق وتشييد المذاهب ومعرفة الحقائق مسبقًا والنظريات القطعية. وهي رسالة الدكتوراه الرئيسية بطريقة عناوين القرن التاسع عشر وكانت «الرسالة التكليفية باللاتينية» فكرة المكان عند أرسطو.

ولا يقسم برجسون أعماله إلى أبواب وفصول مسبقًا؛ فالتخطيط الخارجي يأتي بعد الحدس الداخلي، بل يكتب الحدوس الرئيسية في فقرات، ثم تُرتَّب الفقرات في عدة أقسام، تُصبح فيما بعدُ الأبواب أو الفصول، ويربط بين الفقرات بعبارات أو أدوات ربط مثل «وعلى هذا»، «لذلك»، «أي»، «ولهذا» … إلخ، حتى ولو كان على نحو مصطنع.

ويتكوَّن الكتاب من ثلاثة فصول متناسبة تقريبًا من حيث الكم؛ الأول «في توتر الحالات النفسية» واضعًا التقابل بين الامتداد الحي والتوتر الكيفي،٢٠ والثاني في كثرة «حالات الشعور، فكرة الديمومة»، يتناول الزمان المتصل وليس المتقطع في لحظات،٢١ والثالث «في تنظيم حالات الشعور الحرية» عن حرية الوعي والحياة الباطنية. وهي أشبه بدراسة الحالات الصوفية.٢٢ وهو بيت القصيد والغاية من الكتاب. والفصلان الأولان بمثابة تمرينات ومقدمات وتحليل مفهومَي التوتر والديمومة.٢٣ كما يبدأ الكتاب بتصدير وينتهي بخاتمة.٢٤

والكتاب مهدًى إلى جيل لاشيلييه أحد ممثلي المثالية الروحية في فرنسا في القرن التاسع عشر والتي أعاد برجسون بناءها على أساس واقعي دون الوقوع في المادية الحسية؛ أي الوضعية الاجتماعية، وهو زميله في الأكاديمية الفرنسية. وقد حاول رافيسون من قبل، وقد كان مفتشًا عامًّا للفلسفة في التعليم الثانوي، الجمعَ بين الروحية والوضعية في تقريره عن الفلسفة الفرنسية.

والحدس الرئيسي للكتاب هو التمييز بين المكان والزمان، الامتداد والتوتر، الكم والكيف، الانقطاع والتواصل، التجاور والديمومة، التتابع والمعية، وبِلُغة البنيوين التوالي والمعية.٢٥

فقد تعوَّد الناس على التفكير وعلى اعتبار الأفكار متقطعةً مثل الكلمات والأشياء، وهو مفيد في الحياة العملية، ولكنه غير صحيح في الحياة العقلية. ومن مسئولية الفكر مقاومة وضع الظواهر في المكان، وهذي هي معركة هذا الكتاب، ضد التحول من التوتر إلى الامتداد، ومن الكيف إلى الكم، ووسائل منع هذا التحول.

ونقطة التطبيق لذلك هي قضية الحرية بين علم النفس والميتافيزيقيا. وخطأ الجبرية هو الخلط المسبق بين الامتداد والديمومة، والتوالي والمعية، والكم والكيف. وبمجرد انقشاع هذا الخلط تظهر الحرية.٢٦
والكتاب مُوجَّه أساسًا ضد التيار الحسي التجريبي كما يمثِّله فشنر وداروين وفوند وسبنسر وآخرون.٢٧ وهو مُوجَّه أيضًا ضد التيار العقلي الذي يمثِّله كانط وليبنتز واسبينوزا وديكارت وآخرون.٢٨ ويشق طريقًا ثالثًا، فلسفة الحياة والذي يمثِّله وليم جيمس وآخرون،٢٩ ويمثِّل السفسطائيين المدرسةُ الإيلية أو الإيليون وزعيمهم زينون،٣٠ وأهم بطل أسطوري هو عَدَّاء اليونان أشيل ثم ألسست.٣١

(٣) توتر الحالات النفسية٣٢

الحالات النفسية حالات توتر وليست حالات امتداد. لا تقاس كمًّا، زيادةً أو نقصانًا، بل كيفًا، شدةً وضعفًا،٣٣ ومن ثم تخطئ السيكوفيزيقا في الخلط بين المستويين، وهو ما نقده هوسرل أيضًا في النزعة النفسية في «بحوث منطقية» في الجزء الأول «مقدمة في المنطق الخالص».
المكان مقدار كمي، والزمان توتر نفسي؛ الأول يخضع للقياس والثاني لا يدرَك إلا بالاستبطان. فالإحساسات لا تُقاس كما يريد أنصار القياس النفسي في السيكوفزيقا عند فشنر وفي معامل علم النفس عند فوند. فالظاهرة لها أساسها الذاتي وليس الموضوعي، بل إنها ذاتية خالصة وليست إحالةً متبادلة بين الذات والموضوع كما هو الحال في القصدية عند هوسرل. الفيلسوف هو الفنان الذي يدرس حالاته النفسية ويعبِّر عنها من الجانب الذاتي، ولا شأن لهما بعالم الموضوعات والعقل، عالم الميكانيكا والحركة.٣٤
والعواطف العميقة أيضًا ظواهر نفسية في العمق، هي توتر نفسي وليست امتدادًا جسديًّا حتى لو رافقته حركات الأعضاء وتقلصات العضلات. هي ظواهر مكتفية بذاتها مثل الأفراح والأحزان العميقة، والانفعالات الواعية (العاقلة)، والإحساسات الجمالية. وقد تقع الأحلام في نفس النوع، وهي ليست أشياء متجاورة، بل عواطف سيَّالة متصلة. ويعني الأمل والمستقبل إمكانيات لا نهائية. والأمل أكثر سحرًا من الامتلاك، والحلم أكثر جذبًا من الواقع. وكلها ظواهر خالصة دون أي مؤشرات أو قرائن فيزيقية. يعتبرها هوسرل حوامل ويضعها بين قوسين. وهي مثل حرارة الضوء، مجرد تغيُّرات، ومثل التوجُّه نحو الماضي بالذكريات وإدراك الحاضر كتوتر.٣٥ والإحساسات الجمالية من نفس النوع.٣٦ وهو الإحساس بالإيقاع الموسيقي والانسياب في الأداء، وهذا هو الفرق بين الأستاذ والتلميذ، بين المعلم والمبتدئ، بين الطبيعة والاكتساب، بين التلقائية والصنعة.
والإحساس بالعظمة إدراك لبعض السهولة واليسر في الأفعال الخارجية، وهو ليس الفضل الإلهي بالضرورة، بل العظمة الإنسانية في الأداء النفسي والتي تعني الطبيعة والتلقائية وكأنه هبة علوية تدفع نحو الأداء. السهولة في اقتصاد للجهد كما لاحظ سبنسر. وجمال الطبيعة يسبق جمال الفن. تتجلَّى تلقائية الطبيعة في تلقائية الفن. الطبيعة هي التي تنشِّط الفن، وتوقظ الوعي النائم بتعبير هوسرل. ثم يتجاوز الفن تقليد الطبيعة ولا يتوقف عندها. الطبيعة هي البداية وليست النهاية، هي الشرارة وليست النار، هي المصباح وليست الضوء، هي الشمس وليست النور، هي الإمكانية وليست تحقيق الإمكانية في الواقع. الإيقاع في النفس وليس في المقدار الخارجي وتقسيم النوتة الموسيقية إلى «مازورات».٣٧ ويتوحَّد المستقبل، ورؤية المستقبل الذي يتراءى فيه الماضي، ويرنو فيه إلى المستقبل.

ويتوحَّد الزمان باستدعاء الذكريات، وحب الماضي في الحاضر، وتوقُّع المستقبل، ورؤية المستقبل في الحاضر؛ فالحاضر هو لحظة الإبداع الفني. هو التوتر الذي يتراءى فيه الماضي، ويُرنى فيه إلى المستقبل.

وقد تعجز اللغة عن التعبير عن العظمة، كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة كما قال النِّفَّري، كما تعجز عن التعبير عن الدقيقات.

والإحساس الجمالي قريب من الإحساس الخلقي؛ فالجميل هو الخير، والتعاطف الأخلاقي مثل الإحساس الفني، تعاطف مع الآخر، وتوحُّد مع العالم. الإحساسات الخلقية مثل الشفقة تضع الإنسان في مكان الآخر، وتشعر بآلامه فتُشفق عليه بالرغم من لاروشوفوكو الذي اعتبرها حسابًا أو تبصُّرًا ماهرًا للشرور القادمة، ومثل هوبز عندما اعتبر الغيرة أنانيةً مُقنَّعة. الشفقة توتر متزايد وتقدُّم نوعي ومسار من النفور إلى الخوف، ومن الخوف إلى التعاطف، ومن التعاطف إلى التواضع.

ليس الإحساس الجمالي إحساسا خاصًّا، بل هو كل إحساس مشوب بإحساس جمالي؛ فالإحساس له درجة من التوتر ودرجة من السمو، والجمال هو الذي يحوِّل أي إحساس من التوتر إلى السمو. هو وسيلة إدراك العالم، والصورة الفنية هي الوسيط بين الشعور والعالم. الإنسان يعيش شاعرًا قبل أن يصبح حكيمًا أو عالمًا. يدرك العالم بإحساسه الجمالي قبل أن يحوِّله إلى مقولة للعقل أو مادة للحس. يسبق الجمالُ الفلسفة والعلم، وهو ما عبَّر عنه الرومانسيون من قبلُ خاصةً شيلينج. وهذا هو ما يصنع التاريخ الإنساني، ومن ثم تصنيع الحواجز المكانية التي تمنع الزمان من الانطلاق، والوعي من التحقق.

وبقدرة الفن البصري أيضًا أن يكون مثل الفن السمعي بالرغم من ثباته ومكانيته وتسكينه الحياة في أحد أشكالها. ومع ذلك، التناسق والانسجام يحرِّكان الساكن ومن ثم، يتحوَّل النهائي إلى اللانهائي. الظلال والألوان والمنظور حركة في الرسم، والحركة في التمثال إيقاع شعري، والزخرفة مثل الفن العربي «الأرابيسك» انطلاق من النهائي نحو اللانهائي، من الجزء إلى الكل.

الفن يُثير فينا الإحساسات الداخلية أكثر ممَّا يُعبِّر عنها، والذوق الفني سابق على التعبير الفني، والإدراك الفني قد ينتهي إلى توحُّد صوفي بالفعل وليس بالمادة الفنية أو الوسيط.

وإذا كانت الحالات النفسية تتسم بالتوتر الشديد، فإنها تتميَّز عن الانقباضات العضلية. هي مجرد أعراض لها مرتبطةٌ بالعلل الخارجية. ترتبط ارتباطًا طرديًّا بها. كلما قويت العلة قوي الإحساس، أما عالم الوعي فإنه ينمو مستقلًّا عن إدراكاته الحسية. الظواهر النفسية ظواهر خالصة لا شأن لها بالمكان. ومع ذلك، لها مقدار كيفي كما قال أوغسطين من قبلُ في «كم النفس» وكانط من بعدُ في «المقدار السلبي».٣٨
ويناهض برجسون التيار السيكوفيزيقي في علم النفس الذي يُمثِّله بين وفوند وفولبيان وفرييه وهلمهولتز، والذي عارضه وليم جيمس أيضًا من قبل.٣٩ فعند بين تتحد الحساسية المصاحِبة للحركة العضلية مع التيار الطردي للقوة العصبية، كما يتحدث فوند عن الحساسية المركزية المصاحبة للإثارة الإرادية للعضلات وكما يحدث للمشلول.
وعلى العكس أثبت فولبيان أن المشلول إذا ما أراد تحريك يده الساكنة فإن يده الأخرى تتحرك؛ ممَّا يدل على استقلال الإرادة عن أداتها العضلية. كما نبَّه فرييه على أن مشلول اليد يشعر بالطاقة وإرادة التحريك في اليد دون أن يتحرَّك بالفعل؛ ممَّا يدل على استقلال الطاقة عن العضو وكما هو الحال في المثل الشعبي «العين بصيرة واليد قصيرة». وهو نفس ما لاحظه هلمهولتز من ارتباط الطاقة والإرادة بالوعي أكثر من ارتباطهما بالعضلات. كما نبَّه وليم جيمس على استقلال بعض الظواهر النفسية عن مظاهرها الجسيمة، وقدَّم ظواهر نفسية أخرى لا يمكن رفضها؛ فالرؤية قد تتم داخليًّا في حالة إغماض العينين أو إغماض عين واحدة. والإحساس بالجهد مركزي وليس طرديًّا نحو الداخل، وليس نحو الخارج.٤٠ الإحساسات عميقة والجهود العضلية سطحية.
ليس الانتباه ظاهرةً فيزيولوجية خالصة، والحركات المصاحبة له ليست أسبابه ولا نتائجه. الانتباه توتُّر كيفي، والأثر الفيزيولوجي امتداد كمي كما لاحظ رينو على عكس فشنر الذي يرد الانتباه إلى أحد أعضاء الجسم.٤١ الانتباه أقرب إلى جهد النفس، والرغبة الحادة والغضب بلا حدود، والعشق الولهان والكراهية الشديدة، على عكس داروين الذي سجَّل الأعراض الفيزيولوجية للغضب مثل سرعة ضربات القلب، واحمرار الوجه أو شحوبه أو ارتفاع الصدر، وسرعة التنفُّس، وقشعريرة الجلد، والجز على الأسنان. ويشترك داروين وسبنسر ووليم جيمس أحيانًا في نفس الرصد.٤٢
والانفعالات العنيفة من نفس النوع، هي توتُّر يشتد ويضعف وليس كما يزيد وينقض. التوتر لا ينقسم في حين أن الامتداد ينقسم. ليست اللذة والألم فقط إحساسات عضويةً محددة لها مكان في العضو الملتذ أو المتألم، بل مرتبطان بالوجدان. المؤثر الحسي في المكان، ولكن الأثر الوجداني ليس في المكان، وقد لاحظ رشيه أن الألم في عضوٍ قد يكون له رد فعل في عضو آخر، وقد يحدث العكس. قد تؤدِّي حالة الغثيان وهي حالة نفسية إلى القيء وهي حالة عضوية؛ فالنفسي يؤثر في الجسمي، والحزن والفرح يؤثِّران في الشهية والقدرة على تناول الطعام والشراب. فهناك الشبع النفسي وهو ما يُفسِّر معجزات السيد المسيح بتكثير الخبز والسمك؛ فقد شبعت المئات من رغيفين وسمكتين من رؤيتهم للمعلم.٤٣

وهناك فرق بين الإحساسات الوجدانية والإحساسات التمثيلية. ويتم التحول من الأولى إلى الثانية تدريجيًّا. في كل إحساس تمثيلي هناك قدر من الوجدان. وقد أثبت فيري أن كل إحساس يُصاحبه قوة محركة يمكن قياسها. ويظل ذاك دون عتبة الشعور. ويفقد الإحساس الوجداني صفته كلما ارتقى إلى مستوى التمثُّل، ويتحوَّل من كم الصلة إلى كيف الفكرة.

وقد أثبتت تجارب بليكس وجولدشيدر ودونالدسون أن الأجزاء الخارجية للجسد ليست مكان الإحساسات بالبرودة أو السخونة.٤٤ تتم الإحساسات على نحوٍ كيفي أولًا، ثم تتحوَّل إلى قياس كمي. وكذلك الإحساس بالصوت وبالأثقال وبالضوء. ويتم استبدال التفسير الكمي للذهن بالانطباعات الكيفية كما لاحظ هلمهولتز.٤٥
ليس الخطأ في قياس الإحساس بالضوء كما فعل دلبوف وليمان ونيجليك لاستنباط صيغة «سيكوفيزيقية» للقياس المباشر للإحساسات الضوئية، بل في تفسير ذلك. تكفي زيادة الضوء الخارجي ونقصانه لخلق صفة جديدة، فتتحوَّل الإحساسات الضوئية إلى تغيُّرات كيفية. وحاول فشنر تقسيم الإحساس بالضوء إلى وحدات صغيرة على عكس بلاتو، ويضع تقديرات الصفة في معادلات كمية. وهذه هي المصادَرة الأولى في السيكوفيزيقيا عند فشنر.٤٦

بدأ فشنر من قانون اكتشفه فيبر، وهو التناسب الطردي بين المنبِّه والإحساس، وقد عدَّل تلاميذ فشنر هذا القانون الذي سيطر على السيكوفيزيقا، وهو قانون يخلط بين المساواة الكمية والتعادل الكيفي. والمساواة غير الهوية وإلا تم استبعاد الكيف لحساب الكم. كل ظاهرة لها جانبان؛ نفسي وفيزيقي، وبلغة هوسرل ذاتي وموضوعي، عقلي وواقعي. وتخطئ السيكوفيزيقا عندما تظن أنها تدرك النفسي بقياس الفيزيقي، وتعرف الكيف عن طريق الكم. ولا يمكن استبعاد الكيف من الإدراك، وهو ما لم يدركه فشنر.

وقد نقد تانيري قانون فشنر.٤٧ فلا توجد موازاة بين قوة المنبه وقوة الإحساس. قد يتغيَّر الإحساس فجأةً فيتغيَّر المنبه تدريجيًّا. ما يظهر كميًّا في المنبه يظهر كيفيًّا في الإحساس، ومن ثم فإن الاختلافات الكمية المتساوية لا تؤدِّي إلى اختلافات كيفية متساوية. وهو أشبه بقانون الجدل، إن التراكم الكيفي يؤدي إلى تفسير كيفي ليس تدريجيًّا، بل فجائي. وهو ما سمَّاه برجسون فيما بعدُ الطفرة، وما سماه كيركجارد من قبلُ «القفزة». وهي إحدى مفاهيم المعتزلة مع الكمون عند أصحاب الطبائع. لا توجد إذن أي علاقة بين الممتد واللاممتد، بين الكم والكيف، بين الموضوعي، بين الخارج والداخل والذاتي. فانتهى برجسون إلى ثنائية حادة تجاوزها هوسرل بالقصدية التي تجمع بين الطرفين.٤٨
تُغفل السيكوفيزيقا التأويل الرمزي، وتقع في التفسير الحرفي. تترك العمق وتبقى في السطح. وينتهي برجسون إلى إثبات الحالات النفسية في العمق وليس على الاتساع، وهي حالات مُتعدِّدة بالرغم من وحدتها الكيفية. وهي ديمومة متصلة بالرغم من تميُّزها.٤٩

وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه السوفسطائيون في المدرسة الإيلية عندما خلطوا بين المكان والزمان، بين ما ينقسم وما لا ينقسم. وقد كانت حجج زينون الإيلي لنفي الحركة الخطأَ الذي أثار لدى برجسون حدسه الرئيسي، وهو الخطأ الذي وقع فيه أيضًا منكرو الاختيار الحر من المحدَثين أنصار الحتمية الفيزيقية والنفسية والعقلية.

(٤) كثرة حالات الشعور: فكرة الديمومة٥٠

وهي المشكلة الميتافيزيقية التقليدية منذ اليونان مرورًا بالعصر الوسيط حتى العصور الحديثة، في الحضارتين، الغربية والإسلامية.٥١
لا يكفي القول بأن العدد مجموع وحدات، بل يضاف أيضًا أن هذه الوحدات متماثلة، وهي في نفس الوقت متمايزة. ومع ذلك، يوجد كلاهما في مكان مثالي وليس في الديمومة الخالقة. كل عدد مجموع وحدات، ومع ذلك، الانقطاع في الأعداد وَهْم؛ لأنها متصلة في الديمومة. للرياضات أساسها النفسي كما تصوَّر هوسرل أولًا في «فلسفة الحساب» و«فكرة العدد». العدد كثير والفعل النفسي للعدد واحد. لا يمكن رد الوحدة إلى أجزائها كما عرض هوسرل أيضًا في المبحث الثالث «الكل والأجزاء» من «بحوث منطقية». الكثرة في المكان هي الجانب الموضوعي للعدد، في حين أن الوحدة في الشعور هي جانبه الذاتي. وبلغة الظاهريات العددُ قصدية متبادلة بين صورة الشعور ومضمون الشعور، بين «الكوجيتو» و«الكوجيتاتوم». وما يقال على العدد يقال على الموسيقى، وحدة اللحن الداخلية وكثرة الإيقاعات الخارجية، وحدة الصوت في الزمان وتكثُّره في المكان. وهي نفس مشكلة القبلي والبعدي التي أثارها كانط. هناك إذن نوعان من الكثرة؛ كثرة الموضوعات المادية التي تكوِّن الأعداد في المكان، وكثرة حالات الشعور التي تكوِّن وحدتها في الزمان دون توسيط التمثُّلات الرمزية. الكثرة الأولى على التجاور، والكثرة الثانية في المعية.٥٢
الكثرة في المكان اختلاف، ووحدتها في الزمان تجانس، وهما واقعتان من نظامين مختلفين. والامتداد هو إما أحد مظاهر الصفات الفيزيقية، صفة الصفة، أو إن هذه الصفات غير متحدة بطبيعتها. في الافتراض الأول المكان تجريد، وفي الثاني واقع صلب مثل الإحساسات. وهو ما حاوله كانط في الحاسية الترنسندنتالية، عندما جعل المكان صورةً قبلية مستقلة عن مضمونها. وهو ما يتفق مع الاعتقاد الشعبي. يرفض علماء النفس ذلك، ويفضِّلون تفسيرًا بدائيًّا مثل جان موللر، أو علامات مكانيةً عند لوتز. ولبين وفوند آراء مشابهة. ويُميِّز كانط بين الصورة والمادة في التمثُّل على عكس لوتز وبين وفوند الذين يتوقَّفون عند الإحساسات.٥٣
الزمان متجانس والديمومة عيانية؛ الأول لحظات متشابهة، والثانية وحدة حية. ويتم الخلط بين الاثنين في السيكوفيزيقا، وتصوُّر نقاط الخط متجاورةً في الحالات النفسية. والمكان ذو أبعاد ثلاثة ولا يمكن تصوُّره إلا خارجه، وتصوُّر الفراغ حوله. في حين أن الإحساسات يُضاف بعضها إلى البعض الآخر على نحو حركي «ديناميكي» كما هو الحال في النوتة الموسيقية للحن المتتابع. الديمومة الخالصة. تغيُّرات كيفية متتابعة متصلة دون وعاء أو تخارج أو أي تشابه مع العدد أو أي تماثل معه، وإلا تسرَّب إليها.٥٤
ولا يمكن قياس الديمومة لأنها لا تنقسم مثل اللحن، ومن ثم، لا يتكون الصوت بالكم من حيث هو كذلك، بل بالكيف الذي يُثير هذا الكم؛ أي بنظام الإيقاع في كليته، وقد قامت السينما على نفس الفكرة، تحويل الحركة المتتابعة السريعة في المكان إلى حركة متصلة في الزمان. الديمومة الحقة هي التي يُدركها الوعي ضمن «المقدار» المتوتر؛ أي إنها ليست كمًّا خاضعًا للقياس، يحل محلها المكان؛ لذلك من الخطأ وضع الزمان كبُعد رابع للمكان مع أبعاده الثلاثة الأخرى كما هو الحال في نظرية النسبية. وهو خلط بين الواقعي والخيالي؛ فالزمان لا يوجد في المكان، ووجوده في المكان من صُنع الوهم أو الخيال، ويؤدِّي تحليل الحركة إلى نفس الشيء. الديمومة الداخلية هي الديمومة الواقعية، في حين أن التجاور الخارجي هو الديمومة المتخيَّلة؛ الأولى حركة وتقدُّم، والثانية ثبات وسكون. الأولى حالة شعورية، والثانية مركب ذهني. الأولى مَثَل شعوري للحركة، والثانية حركة مكانية.٥٥ وفي الزمان الداخلي لا فرق بين الماضي والحاضر؛ فالماضي يعيش في الحاضر كما هو الحال في الصورة السينمائية.
وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه المدرسة الإيلية بنفي الحركة وإثبات أن السلحفاة تسبق أشيل، أسرع عداء في الأساطير اليونانية لأن عبور مسافة يتطلَّب عبور منتصفها، وهو ما يتطلَّب عبور نصفها إلى ما لا نهاية، ومن ثم تسبق السلحفاة أشيل المطمئن إلى سرعته في العدو. وتقوم الحجة على الخلط بين المكان والزمان؛ المكان الذي تعبره السلحفاة، والزمان الذي يشعر به أشيل بعبور المسافة في لحظة واحدة. خلط بين ما ينقسم وما لا ينقسم، بين الحركة الفعلية والحركة المتخيَّلة، بين الزمان الحي والزمان المجرد. وباختصار هو الفرق بين الفلسفة والدين من ناحية، والعلم الرياضي والطبيعي من ناحية أخرى.٥٦
هناك فرق بين المعية والديمومة؛ المعية هي وجود شيئين في لحظة واحدة كما هو الحال في الميكانيكا، وهي غير الديمومة الفعلية. قد تتساوى فترتان في الزمان ولكنهما ديمومة واحدة. المعية كم، والديمومة كيف؛ الأولى تقاس، والثانية لا تقاس. الأولى في العلم، والثانية في الحياة. الأولى لا حياة فيها، والثانية تجربة مَعيشة.٥٧
ويقال نفس الشيء بالنسبة لمفهوم السرعة في الميكانيكا وهو موضوع للقياس؛ إذ تُقاس السرعة بحركة المتحرك على مسار. فإذا كانت الميكانيكا لا تحتفظ من الزمان إلا بالمعية، فإنها لا تحتفظ من الحركة إلا بالسكون.٥٨ والديمومة والحركة مركبات عقلية وليست أشياء.٥٩
وكثرة حالات الشعور كثرة كيفية وليست كمية، كثرة في الأنا وليست في الآخر؛ أي الشيء. قد تحتوي الأولى على الثانية بالقوة كما يقول أرسطو. وبفضل الكيف نحصل على فكرة الكم، ثم الكم بلا كيف.٦٠
والديمومة فعلية بالرغم من أنها كيفية، جوهرها التقدم والحركة ولا تقاس بل تُعاش.٦١

للشعور أو للذات إذن جانبان؛ الأول متماثل مع نفسه وليس بتماثله مع موضوع قابض. حالاته الإدراكات والإحساسات والانفعالات والتمثلات والأفكار. ولكل منهما جانبان: الأول واضح ومحدد ولكن لا شخصي، والثاني مختلط، متحرك إلى ما لانهاية، ولا يمكن التعبير عنه لأن اللغة لا تُعبِّر عنه إلا إذا وفَّقته وكيَّفته مع أشكاله البسيطة، وأوقعته في ميدان العادة.

ويمكن إدراك الأشياء البسيطة ما قبل اللغة. وتتحول إلى أفكار مجردة تساعد على التفلسف، وعندما تتحول إلى تصورات وأشكال ورموز وألفاظ، وعندما تتحول الديمومة إلى مكان تبدو مخاطر تداعي المعاني.٦٢ تبدو حياة الشعور إذن في جانبين: في إدراكها مباشرًا أو بتوسط المكان. حالات الشعور العميقة لا علاقة لها بالكميات لأنها كيفيات خالصة، ولا تحتاج إلى مجتمع أو لغة.

ولا فرق بين الإدراك والتعرُّف، بين التعلم والتذكر. العقل للحياة الخارجية، والاستبطان للحياة الداخلية؛ الأول لمقتضيات العمل، والثاني لدواعي النظر. وإذا كان هناك سكون وثبات في الحياة الخارجية، فإن هناك مقترَحًا وحركة في الحياة الداخلية. الأول والثاني شخصيان.

(٥) تنظيم حالات الشعور، الحرية٦٣

يحصر برجسون مشكلة الحرية في تيارين متعارضين: الآلية والحركية. تبدأ الحركية بفكر النشاط الإرادي الاختياري يقدِّمه الشعور، وهي قوة حرة من ناحية ومادة تنتظمها القوانين من ناحية أخرى. وتسير الآلية في اتجاهٍ معاكس تُسيطر عليها قوانين ضرورية، وتنتهي إلى ارتباطات غنية بالرغم من مظهرها العرضي. هناك إذن افتراضان مختلفان للطبيعة يتعلَّقان بعلاقة القانون بالواقعة، طبقًا للتصور الحركي تهرب الواقعة من سيطرة قانونها، وطبقًا للتيار السكوني يسيطر القانون على الواقعة، وللبساطة معنيان مختلفان في التيارين، الحركي والآلي؛ ففي التيار الآلي تعني البساطة كل مبدأ يمكن التنبؤ به. وحسابه مثل مبدأ السكون أو القصور الذاتي؛ فهو أبسط من الحرية، والمتجانس أبسط من المختلف، والمجرد أبسط من العياني. في حين لا يحاول التيار الحركي إقامة نظام مناسب للأفكار بالبحث عن علاقاتها الفعلية. وهي فكرة بسيطة يعتبرها التيار الحركي ساذجة. والتلقائية أكثر بساطةً من التصور الذاتي. هناك إذن مفهومان للنشاط الإنساني طبقًا لفهمنا لعلاقة العياني بالمجرد، والبسيط بالمركب، والوقائع بالقوانين.

وعلى نحو بعدي تُواجهه الحرية بوقائع محددة، فيزيقية ونفسية؛ فأحيانًا تعتبر أفعالنا محكومةً بالعواطف والأفكار وحالات الشعور، وأحيانًا أخرى تبدو الحرية مناقضةً للخصائص الرئيسية للمادة، خاصةً مبدأ الحفاظ على الطاقة. وكلاهما مظهران للحتمية الشاملة. وتقوم الحتمية الفيزيقية كما تقوم كل حتمية فيزيقية على افتراض نفسي. ويرجع خطأ الحتمية النفسية إلى تصور خاطئ لتعدد حالات الشعور خاصةً الديمومة؛ فالحرية نقطة تطبيق للتمييزيات السابقة.٦٤
والصورة النموذجية للحتمية الفيزيقية مرتبطة بالنظريات الآلية أو الحركية للمادة؛ فالعالم «كومة» من المادة يتصوَّرها الخيال كذرَّات أو جزيئات تُنتج حركات من كل نوع، ذبذبات أو تحولات هي أصل الظواهر الفيزيقية والتفاعلات الكيميائية والحرارة والصوت والكهرباء. تخضع لقوانين الجهاز العصبي والمخ ومراكز الإحساس. ومنها الحركات الانعكاسية الشرطية والأفعال التي يقال عنها إنها حرة. والقوانين مثل قانون حفظ الطاقة وكل القوانين التي تحدِّد كل علاقات الذرات والجزيئات. وهي النظرية الذرية، وقد أثبت صحتها هيرون، وأوجست كومت، ووليم طومسون. وتخضع الحياة النفسية لنفس المصير، وهو ما يُحدِّد مسبقًا مشكلة الحرية. وكان ليبنتز قد وضع من قبلُ مبدأ الانسجام المسبق. كما قرَّر اسبينوزا أن موجهات الفكر وموجهات الامتداد يتطابقان دون أن يؤثر أحدهما في الآخر. هما لغتان مختلفتان للوصول إلى الخلود. وأوضح الفكر المعاصر هذه الحتمية بلغة هندسية. ويدلنا الشعور على أن معظم أفعالنا تتم بالبواعث. ولا تعني الحتمية الضرورة؛ لأن الحس المشترك يُقر بالاختيار الحر. أما الحتمية فتخلط بين الديمومة والعلية. وهي الحتمية التي تقوم على مبدأ الارتباط أو تداعي المعاني. ولا يُغالي في أهمية قانون حفظ الطاقة في تاريخ العلم، وقد تبنَّاه كل علماء الطبيعة قبل ليبنتز مثل ديكارت، واستبدل به ليبنتز مبدأ حفظ القوة الحية ممَّا يسمح بالتمييز بين علوم الطبيعة وعلوم الحياة التي تسمح بدورها بإدخال الزمن، السابق واللاحق في الضوء وفي الإنسان الماضي والحاضر.٦٥

وتقوم الحتمية النفسية على تصور ارتباطي للذهن، في حين يوجد بين حالات الشعور اختلاف كيفي؛ فالشعور عالم من البواعث وليس من الارتباطات التي يجعلها جون ستيوارت مل أساس جريمة القتل أو صراع البواعث عند ألكسندر بين. وتردَّد فوييه في جعل الحرية أحد البواعث القادرة على مقابلة بواعث أخرى. واللغة مسئولة عن الخلط بين هذه البواعث. خطأ الارتباط هو استبعاد العامل الكيفي من الفعل المتحقِّق وإبقاء الهندسي واللاشخصي.

وهناك تمييز بين الجانب الموضوعي والجانب الذاتي، بين الكثرة المتجاورة والكثرة المتفاعلة. خطأ المذهب الارتباطي إذن هو استبدال إعادة التركيب المصطنع الذي تعطيه الفلسفة بالظاهرة العيانية في الوحي، والخلط بين شرح الواقعة والواقعة ذاتها.٦٦

تتصل الذات بسطح العالم الخارجي من خلال الحواس التي تُعطي انطباعات الأشياء المتجاورة. في حين هناك جانب آخر، وهو أصل الكثرة الحسية في الفردية. المبدأ الارتباطي هو أساس علم النفس اللفظ الذي تخدعه اللغة. في حين أن الظاهرة في العمق. مبدأ الارتباط يرد الذات إلى مجموعة من الإحساسات. والفعل الحر يكمن وراءها، يخرج من النفس في مجموعها، وليس من مجموع الارتباطات الحسية. والأفعال الحرة نادرة للغاية عندما تهتز شخصيتنا كلها؛ إذ تستيقظ الذات من أسفل إلى أعلى، من العمق إلى السطح.

ويبدو الفعل الحر في التردد بين عاطفتين متضادتين ثم اختيار أحدهما بإتباع الدافع الأقوى طبقًا لنظرية الجبر الذاتي الشهيرة منذ كانط. الفعل الحر هو الذي ينبثق من عمق الشخصية كلها؛ فالطبيعة بطبيعتها تفترق في خطين مثل النهر المتدفق. تصطدم مياهه بصخرة كبيرة تلتف حولها إن لم تستطع أن تغمرها.

وهو ما أدركه أيضًا جون استيوارت مل بإدخاله الشخصية كمصدر لحرية الاختيار. الذات هي العلة المحددة للفعل الحر. الخطورة هي الوقوع في الحتمية النفسية وليس المبدأ الميتافيزيقي، ومن ثم تختفي حرية استواء البواعث والاختيار العقلي بين بديلين بلا مُرجِّح، حرية «حمار بيوريدان».٦٧

في الفعل الحر يتضخَّم الأنا ويغتني ويتغيَّر.

الديمومة الفعلية ممكنة، والحرية هي الإمكان أو الحدوث، وما الرياضيات أو الميكانيكا إلا رموز، ومن ثم كان الفهم عملية فك الرموز كما هو الحال عند هوسرل. النشاط الحي لا يمكن التنبؤ بمساره أو تحديده مسبقًا في الذات، بل وفي الطبيعة. الرياضيات والميكانيكا يُسقطان الزمان في المكان، ويتحوَّل التقدُّم إلى شيء، ابحث عنا بحرية في دقيقة معينة حيث تكون صفة الفعل ليس في علاقة هذا الفعل بغيره، بل بعلاقة يمكن أن يكون عليه.٦٨

والآن، هل تستطيع الديمومةُ الفعلية أن تتنبَّأ؟ مهما عاش شخصان في بيئة وظروف واحدة فإنه لا يمكن التنبُّؤ بمسار أفعالهما. والرياضة بالمثل، والطبيعة تقوم على الاطِّراد. أما السلوك الإنساني فلا يمكن التنبُّؤ به مهما تشابهت الظروف لنفس الشخص في زمانين مختلفين أو لشخصين في زمان واحد. فالتوتر صفة لا يمكن التعبير عنها من الحالة الشعورية ذاتها؛ لذلك يجب التمييز في الشعور بين حالة الحركة وحالة الثبات. التشابه الكمي لا يؤدِّي بالضرورة إلى تماثل كيفي، بل قد يؤدِّي إلى اختلاف كيفي؛ فمسار الحياة هو التفريغ أو التموُّج.

figure
وليس الخط المستقيم مثل النظرية التموجية في الضوء في مقابل نظرية الخط المستقيم، ومن ثم، لا يمكن التنبُّؤ بمسار الديمومة في المستقبل، ولن يستطيع الشيطان الماكر عند ديكارت أن يُغيِّر من مسار الظواهر الطبيعية. في حين أن الحياة الشعورية لا تخضع لمسار حتمي. يستطيع الفلكي أن يتنبَّأ بموعد كسوف الشمس أو خسوف القمر بالرغم من إرادة الشيطان الماكر، ولكن لا يستطيع الفيلسوف أن يتنبَّأ بمسار الحياة الشعورية على عكس التقابل الذي وضعه الفلاسفة الاستشراقين بين العالم الأكبر والعالم الأصغر. علم الفلك هو علم العدد، في حين أن العلم الإنساني هو علم الزمان. وحالات الشعور تقدُّم وليست أشياء على نقيض ما قاله دوركهايم «الظواهر الاجتماعية أشياء». كل تنبؤ هو في الحقيقة رؤية. وتتحقق هذه الرؤية لو كان بالإمكان تقصير زمن المستقبل مع الاحتفاظ بعلامات الأجزاء فيما بينها كما هو الحال في التنبؤات الفلكية. فلا يوجد فرق بين التنبؤ والرؤية والفعل.٦٩
وهناك صِلة بين الديمومة الفعلية والعلية كأحد أبعاد الحتمية؛ ففي حياة الشعور لا يحدِّد السابق اللاحق على عكس الظواهر الطبيعة. الظواهر في الزمان حرة في تداعيها، في حين أن الظواهر في المكان حتمية في ارتباطاتها. لا ينطبق مبدأ العلية على الديمومة في حين ينطبق على الأشياء؛ فالقانون «نفس العلل تؤدِّي إلى نفس المعلومات. ينطبق على عالم الظواهر الخارجية أي الأشياء، وليس على عالم الظواهر الداخلية أي الديمومة. في عالم الأشياء، تتكرَّر المعلولات كلما تكرَّرت العلل. وفي عالم الشعور، هناك إبداعات مستمرة بين السابق واللاحق. وتقوم علاقتهما على الكمون والطفرة والقفزة والتغيير النوعي. ولا فرق بين الرياضة والطبيعة في ظواهر التكرار والرتابة والاتساق؛ فالعقل والطبيعة يخضعان لنفس النظام. الرياضة والطبيعة عالم واحد، عالم الكم المنفصل أو المتصل، في حين أن عالم الشعور هو عالم الكيف المتصل. التجريد والكم من نفس النوع بالرغم من اعتراض عالِم الطبيعة وليم طومسون على ذلك؛ إذ تصوَّر المكان مملوءًا بسائل متجانس يصعُب فهمه. تتحرَّك فيه دوامات، تتولَّد عنها صفات المادة. هذه الدوامات هي العناصر المكوِّنة للجسد. والذرة أيضًا حركة. والظواهر الفيزيقية تُرد إلى حركات منتظمة تتحقَّق داخل هذا السائل غير المفهوم. وينتهي كل ذلك بمعادلات جبرية. علاقة العلية علاقة ضرورية؛ أي علاقة هوية، تصوَّرها اسبينوزا معادِلةً للمطلق وللوحدة الإلهية. فلا فرق بين فيزيقا ديكارت وميتافيزيقا اسبينوزا في تصوُّرهما للعلية في العالم الخالي من الديمومة، وهو العالم الآلي الرياضي الذي يخلو من الحرية الإنسانية.٧٠

ومن ناحية أخرى، هناك الجهد كما أكَّده مين دي بيران، جهد الفعل. عندما ينتهي الجهد يبدأ الفعل، ويستمر التقدم، ومن ثم، يتحدَّد المستقبل في الحاضر. لو عُرف المستقبل لتم تحقيقه في الحاضر. والدليل على ذلك العادة، كما بيَّن رافيسون. تُكتسب العادة أولًا، ثم تتحوَّل بعد ذلك إلى طبيعة ثانية، تتم بالفطرة وليس بالاكتساب مثل السباحة، وهو ما لاحظه ليبنتز أيضًا بالتحول من الإرادة المريدة إذا لم تتحقَّق إلى الإرادة المرادة التي تريد ذاتها. وهو أقرب إلى تصور الديمومة وليس تصور المكان. والله هو الذي يحدِّد عند ليبنتز علاقات الذرات بعضها ببعض، وليست قوانين الميكانيكا. وما سمَّاه ليبنتز الله سماه برجسون «الديمومة» أو الشعور أو الزمان. كما حوَّل فارادي الذرات الآلية إلى ذرات حركية، والعلاقات الآلية إلى علاقة قوًى، دون الانتباه إلى الجهد. علاقات العلية الخارجية رياضة خالصة، ولا صلة لها بعلاقات القوى النفسية والفعل الذي ينبثق منها. في حين أن علاقات العلية الداخلية علاقات حركية خالصة.

الحرية إذن هي علاقة الذات العياني بالفعل الذي تحقِّقه، وهي علاقة لا يمكن تحديدها لأننا أحرار. تحلل شيئًا وليس التقدم. ونفكك الممتد وليس الديمومة، ونرى الديمومة وقد تحوَّلت إلى سكون وقصور ذاتي؛ لذلك كل تحديد للحرية يُعطي شرعيةً للحتمية. هل يمكن تحديد الفعل الحر بأنه هذا الفعل إذا تم كان يمكن ألَّا يكون. وهذا يقتضي التساوي بين الديمومة والمكان. هل الفعل الحر هو ما لا يمكن التنبؤ به وما لا تعرف مسبقًا كل شروطه؟ وهو ما يؤدِّي أيضًا إلى المساواة بين الديمومة ورمزها. وهو ما يؤدِّي أيضًا إلى الحتمية. هل يقال إن الفعل الحر هو ما لا يتحدَّد بعلة؟ وهو تعريف لا يُميِّز بين العلة الخارجية والعلة الداخلية.٧١

إن المحك الرئيسي في مشكلة الحرية هو الإجابة على سؤال: هل يمكن تمثُّل الزمان على نحو مطابق بالمكان؟ فإذا كان هو الزمان السيال فلا، ومن ثم فالحرية بداهةً شعورية، إنما المشكلة في تصور الديمومة كامتداد، وتفسير التتابع بالمعية، والتعبير عن فكرة الحرية بلغة لا يمكن ترجمتها إلى لغة أخرى.

وفي النهاية يمكن الابتعاد عن لغة كانط والاعتماد على الحس المشترك؛ فعلم النفس الحالي يدرك الأشياء في صُوَر معينة مستمدة من تكويننا الخاص.

وقد بدأ كانط هذا التيار بتحليله قوى النفس، في حين تُميِّز الفلسفة الألمانية بين الزمان والمكان، والتوتر والامتداد بلغة هذه الأيام في مواجهة المدرسة التجريبية التي تُعيد تكوين الامتداد من خلال التوتر. وتُكمل الفيزيقا عمل علم النفس في هذا الاتجاه. ويبدو أن الحس المشترك يأبى تناول الظواهر النفسية ابتداءً من تعبيراتها الجسمية، وتطبِّق ما ينطبق على الأشياء على النفس. الديمومة لها عالمها الخاص في الكثرة وحالات الشعور والتوتر والوحدة الباطنية الجامعة. الظواهر النفسية كيفيات خالصة أو كثرة كيفية وليست علاماتها أو أعراضها الكمية. حالة الشعور في الزمان، وليست في المكان كما قدَّم هوسرل «في الوعي الداخلي بالزمان». يُدرَك بالحدس كما تُدرَك الأشياء بالعقل. ويرتبط مفهوم الحرية بالديمومة والحياة الباطنية، وليس بالمعية في عالم الأشياء، في الزمان وليس في المكان. وتتفق الفلسفة؛ أي التصوف والعلم، على ذلك. وفرق بين الحدس اللحظي والعقل الاستنباطي. الفعل الحر مرتبط باللحظة والمغامرة، وليس بالعقل واستنباط النتائج من المقدمات. تستطيع التجربة إذن تفنيد الحتمية. وكل محاولة لتحديد الحرية تنتهي من جديد إلى الحتمية. العلم قادر على التنبؤ والقياس والخضوع إلى ضرورة الحياة الاجتماعية. في حين أن أفعال الحرية أفعال نادرة؛ لأنها انبثاقات في الديمومة، لحظات متميزة، وأفعال بطولة. الفعل الحر هو امتلاك الذات والدخول في الديمومة الخاصة.

ويرجع خطأ كانط إلى اعتبار الزمان كوسط متجانس. لم يلاحظ الديمومة الواقعية ولحظاتها الداخلية. وكان بإمكانه ضمها إلى الشيء في ذاته. خلط كانط بين الديمومة ورمزها. تلك قوة كانط وضعفه، عظمته وبؤسه؛ فقد تصوَّر الشيء في ذاته في جانب والمكان والزمان في جانب آخر. كان يمكن للعقل العملي أن يكتشف الديمومة حتى على طريقة التذكر الأفلاطوني، العلم تذكر والجهل نسيان؛ إذ تند الديمومة عن الرياضيات والطبيعيات والأحكام القبلية التركيبية عند كانط.

تتطلَّب العلية الحتمية الضرورية، وهو عالم «نقد العقل الخالص»، ولكن فضَّل كانط وضع الحرية خارج الزمان، والوقوع في ثنائية حادة بين الشيء في ذاته والظاهر، بين العقل والعملي والعقل النظري. ولو اكتشف كانط الديمومة لربط بين العقلين النقيضين. الحرية خارج العالم الآلي وعالم الارتباط. هو العالم الثالث الناقص الذي حاول كانط ملأه بالجمال والغائية في «نقد مَلَكة الحكم».

نشأت مشكلة الحرية إذن من سوء فهم. كانت بالنسبة للمحدثين ما كانت بالنسبة للقدماء، السوفسطائين من المدرسة الإيلية. وكلاهما وقعا في وهم يخلط بين التتابع والمعية، بين الديمومة والامتداد، بين الكيف والكم.٧٢ وكما نقد سقراط خطأ السوفسطايين القدماء، نقد برجسون خطأ التجريبيين المحدثين.
١  علم الاجتماع السكوني Statique Sociale، علم الاجتماع الحركي Dynamique Sociale.
٢  EC., pp. 28, 169, 216-7, 228.
٣  Ibid., pp. 169, 182, 197, 189–228.
٤  Ibid., p. 258.
٥  DSMR., pp. 132–291.
٦  Ibid., pp. 274–335.
٧  ES., pp. 121, 126.
٨  Ibid., pp. 155-167.
٩  PM., p. 18.
١٠  ES., p. VII.
١١  PM., pp. 77, 97, 99, 102.
١٢  Ibid., pp. 77, 83, 97.
١٣  Ibid., la Perçeption du Changement, pp. 77, 94.
١٤  Ibid., p. 97.
١٥  Ibid., p. 98.
١٦  وهو المعنى الذي أشارت إليه الآية الكريمة أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ.
١٧  Quid Aristoteles de Loco Senserit, Thesim Facultati Litterarum Parisiensi Proponebat. وتضم الرسالة تسع نقاط:
  • (١)

    حُجج أرسطو في إثبات المكان.

  • (٢)

    الصعوبات التي تستدعي التوقف عن النقاش حول المكان عند أرسطو.

  • (٣)

    نظام أرسطو في بحثه عن طبيعة المكان.

  • (٤)

    تمييز أرسطو بين المادة وصورة الجسم.

  • (٥)

    أسباب ظن أرسطو أن المكان ليس مسافةً فارغة، وأنه لا يمكن قصور القضاء الفارغ بأي حال (مع بعض المعادلات الرياضية).

  • (٦)

    كيف حصر أرسطو المكان في تعريف جدلي.

  • (٧)

    الصعوبات التي تواجه تعريف أرسطو للمكان.

  • (٨)

    طريقة حل المعضلة.

  • (٩)
    مصدر نظرية أرسطو في المكان ودلالتها وعلاقاتها بالنظرية الميتافيزيقية والفيزيقية في الفلسفة. أسباب تناول معظم الفلاسفة القضاء في حين تناول أرسطو المكان. الفضاء Espace. المكان Lieu.
١٨  Les Etudes Bergsoniennes Vol. II, Trad. Mosse-Bastide.
١٩  Essaisan les Données Immadiates du la Consvience (DIC). (1888), PUF, Paris, 1948. المادة الحسية Sende Date.
٢٠  DIC, pp. 1–55.
٢١  Ibid., pp. 56–104.
٢٢  Ibid., pp. 105–166.
٢٣  Ibid., p. VIII. pp. 167–81.
٢٤  تصدير Avant-propos.
٢٥  التوالي Diachronique، المعية Synchronique.
٢٦  DIC., p. VII.
٢٧  يُمثِّل التيار الحسي التجريبي: فشنر Fechner (١٦)، دلبوف Delboeuf (١١)، هلمولتز Helmoltz (٥)، داروين (٤)، بين (٤)، فيبر Weber (٣)، فوند Wundt، مل، سبنسر Spencer (٢)، ليمان Lehman، نيجليك، Neiglick، أرسطو، كومت، فارادي Farady (١).
٢٨  ويُمثِّل التيار المثالي العقلي: كانط (١٩)، كانطي (٣)، كانطية (٢)، ليبنتز Leibnitz، اسبينوزا Spinoza (٤)، ديكارت، ديكارتي (٢)، لوتز Lotz، الأفلاطونية، أفلاطون (١).
٢٩  ويمثِّل التيار الحيوي: وليم جيمس W. James (٦).
٣٠  المدرسة الإيلية (٢)، الإيليون، وزينون (١).
٣١  أشيل Achille. (١٠)، ألسست Alceste (١).
٣٢  DIC., pp. 1–55 بمقدار Grandeur.
٣٣  وهي نفس المشكلة التي عالجها المتكلمون في الإيمان والعمل بسؤالهم: هل الإيمان يزيد وينقص بمعنى يشتد ويضعف، انظر: من العقيدة إلى الثورة، ج٥، الإيمان والعمل، الأمانة، ص١٤٣–١٣٩.
٣٤  DIC., pp. 1–5.
٣٥  Ibid., pp. 5–8.
٣٦  لاروشوفوكو La Rochefoucauid.
٣٧  Ibid., pp. 9–15. العظمة Grâe. مازورات Mésures.
٣٨  DIC., pp. 15–21.
٣٩  بين Bain، فوند Wundt، فولبيان Vulpian، فرييه Ferrier.
٤٠  طردي Centrifuge، مركزي Centripète.
٤١  ريبو Ribot، فشنر Fechner، ريشيه Richet.
٤٢  DIC., pp. 20–23.
٤٣  Ibid., pp. 23–29.
٤٤  الإحساسات الوجدانية Sensation Affectiye. إحساسات تمثيلية Sensation Répresentative.
٤٥  فيري Féré، بليكس Bilix، جولدشيدر Goldscheider، دونالدسون Donaldson، دلبوف Delboeuf، ليمان Lehmann، نيجليك Neiglick.
٤٦  DIC., pp. 29–45. بلاتو Plateau.
٤٧  فيبر Weber، تانيري J. Tannery.
٤٨  DIC., pp. 45–55. الطفرة Emergence، القفزة Saut، الممتد Etendu، اللاممتد Inetendu.
٤٩  التأويل الرمزي Interprétation Symbolique. الاختيار الحر Libre Arbitre.
٥٠  DIC., pp. 56–104.
٥١  من العقيدة إلى الثورة، ج١، المقدمات النظرية، الفصل الرابع: نظرية الوجود؛ ثانيًا: ميتافيزيقيا الوجود أو الأمور العامة (الواجبة)، (٤) الوحدة والكثرة، ص١٨٠–٤٧٦.
٥٢  DIC., pp. 56–67.
٥٣  Ibid., pp. 47-67 بدائي Nativistique، اختلاف Hétérogéneité، تجانس Homogéneité.
٥٤  Ibid., pp. 74–77.
٥٥  Ibid., pp. 78–84.
٥٦  Ibid., pp. 84–86.
٥٧  DIC., pp. 86-87.
٥٨  Ibid., pp. 87–89.
٥٩  Ibid., pp. 89-90.
٦٠  Ibid., pp. 90–92.
٦١  Ibid., pp. 92–96.
٦٢  DIC., pp. 96–104. الإدراك Perçeption، التعريف Reconnaissance، التعليم Apprendre، التذكر Souvenir، تداعي المعاني Associationnisme.
٦٣  DIC., pp. 105–166. السكون، القصور الذاتي Inertie، عرضي، Contingent.
٦٤  Ibid., pp. 105–107.
٦٥  Ibid., pp. 107–117. حركي Cinétique. هيرن Hirn، أوجست كومت Auguste Combtt، وليم طومسون William Thomson. موجهات Modes.
٦٦  DIC., pp. 117–23.
٦٧  Ibid., pp. 123–33.
٦٨  Ibid., pp. 133–8.
٦٩  Ibid., pp. 139–49. التفريع والتشعيب Bifurcation.
٧٠  Ibid., pp. 149–66. وليم طومسون William Thomson.
٧١  فارادي Faraday.
٧٢  DIC., pp. 167–80.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥