الفصل الثاني

المادة والذاكرة

(١) مقدمة: الموضوع والمنهج والهدف

بعد «رسالة في المعطيات البديهية للوجدان» بسبع سنوات وقد ناهز برجسون سبعًا وثلاثين عامًا، كتب «المادة والذاكرة» عام ١٨٩٦م بنفس المنهج الأول لإثبات استقلال النفس عن البدن، كما أثبت من قبلُ استقلال الزمان عن المكان، والكيف عن الكم، والتوتر عن الامتداد، والمتصل عن المنفصل، والداخل عن الخارج، والحدس عن العقل.١

والعنوان «المادة والذاكرة»؛ أي الصلة بين التذكر كظاهرة نفسية ومركز التذكر في المخ كنقطة تطبيقية لدراسة «الصلة بين الجسم والروح»، وهو العنوان الفرعي أو بالتعبير الشائع «بين البدن والنفس»، وقد تكرَّر نفس العنوان تقريبًا في الجزء الأخير من عنوان الفصل الرابع «في تحديد الصور وتثبيتها، الإدراك الحسي والمادة والنفس والبدن».

ولا يعني الاعتماد على الحدس في المعرفة أيَّ تجاهل للأدبيات السابقة، بل على العكس يبدأ برجسون بقراءة معظم الدراسات حول الموضوع، وكما يبدو ذلك في مئات مراجعات الكتب والتقارير للأكاديمية الفرنسية التي نُشرت في «كتابات وأقوال» بمناسبة المئوية الأولى لمولده. وتظل القراءة مستمرةً حتى ينكشف الخطأ بالحدس الذي يخترق هذه القراءات وينظمها في خيط واحد كحبات العقد؛ فتتحوَّل المعلومات إلى علم، والكم إلى الكيف، والنقل إلى إبداع.

وإذا انقسمت «رسالة المعطيات البديهية للوجدان» إلى ثلاثة فصول عن «توتر الحالات النفسية»، وتكثر حالات الشعور مع فكرة الديمومة، و«تنظيم حالات الشعور مع فكرة الحرية»، فإن «المادة والذاكرة» دون محاولة ينقسم إلى خمسة فصول كلها عن الصور؛ الأول «في انتقاء الصور للتمثل، دور الجسم»،٢ والثاني «في التعرف على الصور، الذاكرة والمخ»،٣ والثالث «في بقاء الصور، الذاكرة والروح»،٤ والرابع «في تحديد الصور وتثبيتها، الإدراك الحسي والمادة، النفسي والبدن».٥ وأكبرها الأول ويُضاف «تصدير» في البداية،٦ وتلخيص وخاتمة في النهاية. وهي ثلاثة أضعاف التصدير.٧
وإذا كانت الشخصية الأولى التي وجَّه إليها برجسون سِهامه في «رسالة في المعطيات البديهية للوجدان» فشتر ممثل السيكوفيزيقا، وكانط ممثِّل العقلانية الثابتة، ومنتسبًا إلى وليم جيمس، فإن «المادة والذاكرة» مُوجَّه أساسًا ضد ديكارت وبيركلي ممثلي المثالية، وزينون الأعلى ممثِّل السوفسطائية القديمة، وبين وشاركوه ممثِّلَين للسيكوفيزيقا، ومنتسب إلى ليشتهايم وريبو وكوسمول وآولر ممثلين لعلم النفس الخاص على مختلِف درجاته.٨

الهدف من الكتاب إثبات واقعية الروح وواقعية المادة في آنٍ واحد والعلاقة بينهما، ابتداءً من نقطةٍ تطبيقية واحدة، الذاكرة. هو كتاب ثنائي النزعة، ومع ذلك يحاول التخفيف من غلوائها التقليدية في تاريخ الفلسفة، واكتشاف العلاقة بينهما، وليس الفصل أو التمييز كما فعل ديكارت وقبله الفلاسفة المسلمون بالاعتماد على الحس المشترك الذي لا يعتمد عليه الفلاسفة كثيرًا كما يعتمدون على الحدس أو العقل الاستنباطي.

وترجع الصعوبة إلى الخلاف الحاد بين المذهبين الواقعي والمثالي في تصورهما للمادة. يهدف الفصل الأول إلى إثبات أن هذين المذهبين متطرفان؛ الأول يحوِّل التمثُّل إلى شيء، والثاني يحوِّل الشيء إلى تمثُّل. والمادة في الحقيقة لا هي شيء ولا تمثل، بل صورة؛ أي إنها أكثر ممَّا يسمِّيه المثالي وأقل ممَّا يسمِّيه الواقعي شيئًا. وبتعبير هوسرل هو الشيء كما يحياه الشعور؛ أي قصدية أو إحالة متبادلة بين الذات والموضوع، بين الشعور ومضمونه، بين «الكوجبتو» و«الكوجيتاتوم». وهو ما يتفق مع الحس السليم والفهم المشترك. لا يعترف الفيلسوف المثالي مثل بركلي إلا بأن الشيء هو تمثل للروح. في حين لا يعترف الفيلسوف الواقعي إلا بأن الشيء مستقل عن الروح، في حين أن الحس البديهي يرى أن الشيء صورة مستقلة بذاته عن الذات، والموضوع عن الوعي والشيء. هذا هو معنى «الصورة» في الفصل الأول٩ ودون الدخول في المناقشات العالمة للفلاسفة التي تنتهي إلى أن المادة توجد بقدر إدراكنا لها كصورة؛ فلا فصل بين الحقيقة والظاهر، بين الوجود وما يبدو عليه، المهم هو تجاوز هذه الثنائية والخروج من هذه الدائرة المفرغة.

ويرجع الفضل إلى بركلي في إثباته أن الصفات الثانية للمادة واقعية مثل الصفات الأولى في تفنيده للفلاسفة الإيليين؛ فالمادة مجرد فكرة داخل الروح. لقد جعلها ديكارت مجرد امتداد رياضي. وهو أمر صعب المنال. أما بركلي فجعلها قريبةً منا للغاية بالرغم من نجاح الفيزيقا في عصره مثل نجاح الرياضيات في عصر ديكارت.

وقد أصاب كانط في شق الطريق بين الاثنين بتأسيسه الفيزيقا على أساس رياضي، وربما لم يكن كانط في حاجة إلى الفلسفة النقدية نظرًا لأن الطريق الثالث يتفق مع الحس الطبيعي دون رد الميتافيزيقا إلى علم النفس أو علم النفس إلى الميتافيزيقا، بين بركلي وديكارت. ويتضمَّن الفصل الرابع النتائج المترتِّبة على ذلك.

ويتم تناول موضوع المادة في الفصلين الثاني والثالث، وهي صلة النفس بالبدن. ولم يتم التعمُّق فيها في تاريخ الفلسفة. وقد اكتفت النظريات السابقة ببيان التوحيد بين الاثنين كواقعة صلبه، ولكن عصية على الفهم. ويستعمل التشبيه، أن البدن آلة النفس. وهناك افتراضات أخرى أهمها افتراض السيكوفيزيقا، موازاة النفس للبدن، وافتراض الظهور أو التجلي أن النفس تجلٍّ للجسد أو أن الجسد تجلٍّ للنفس.١٠ وينتهي كلا الفرضين عمليًّا إلى نفس النتائج، وهي أن الفكر مجرد وظيفة للمخ بلغتين مختلفتين.
هناك تعاون وثيق بين الاثنين، ولكنه تعاون غير حتمي؛ لأن الذاكرة تنبثق من بينهما كما ينبثق التذكر؛ فالحالة النفسية تتجاوز حالة المخ، تتعلَّق بها، وتستقل عنها. العلاقة بين الذهن والمخ قائمة إلا أنها ليست علاقة علِّية، بل علاقة حامل بمحمول، دال بمدلول كما يقول هوسرل. ليس للذكريات محل في المخ ومركز في الأعصاب. وإذا كان اضطراب الكلام ينشأ من خَللٍ في المركز الخاص به في المخ، فإن التذكُّر لا مركز له كما أثبت ذلك جانيه في أبحاثه المعمقة، مستعملًا مفاهيم التوتر والانتباه في الواقع والتي اعتُبرت أفكارًا ميتافيزيقية. والواقع أنه بين علم النفس والميتافيزيقا هناك علم ثالث مستقل سمَّاه هوسرل الظاهريات ليحل الصراع بين الواقعية والمثالية، بين الآلية والحركية، بين الوجود والماهية في المادة. هذا الارتباط واقعي وحميمي بدلًا من السِّجال الذي لا ينتهي بين المذهبين المتصارعين. تتجه التحليلات النفسية نحو الطابع النفسي للوظائف الذهنية المتجهة أساسًا نحو العمل. في حين أن العادات العملية في المذهب الثاني ترجع إلى ميدان التأمل وتخلق مشاكل مزيفةً تحاول الميتافيزيقا توضيح غموضها.١١

(٢) انتقاء الصور للتمثل، دور البدن١٢

إذا لم يُعرف شيء عن كل النظريات حول المادة والروح، وعن كل المناقشات حول نظرية مثالية العالم الخارجي، تظهر صور بالمعنى العام للكلمة، صور مدركة عند فتح العينين وغير مدركة عند غلقهما. وتتفاعل هذه الصور مع بعضها البعض طِبقًا لقوانين ثابتة هي قوانين الطبيعة: ومستقبل البعض هذه الصور في حاضرها ولا جديد فيها. ومن ثم، لا تُعرف أيضًا عند غلقهما عن طريق العواطف. وهذا دور الجسد. وباختصار، يحدث كل شيء في هذا العالم من الصور التي تُسمَّى العالم، وكأن لا شيء جديدًا يحدث الآن خلال بعض الصور الخاصة التي يُقدِّم الجسم نموذجها.

والجسد مجموعة من الأعصاب مرتبط بمراكز عصبية تنقُل الإحساسات من الأطراف إلى المراكز في حركات مركزية وطردية تُكوِّن رؤيةً للعالم الخارجي. الأعصاب صورة، والمخ صورة أخرى، والاهتزازات المنقولة من الأعصاب إلى المخ صورة ثالثة. وهذا هو التصور المادي للإدراك. المخ فيه جزء من العالم الخارجي، وليس العالم الخارجي جزءًا من المخ. والحقيقة أنه لا الأعصاب ولا المراكز العصبية قادرة على أن تكون شرطًا كصورة العالم. ويدخل الجسم كعامل حركي في الإدراك؛ فهو الذي يقسم العالم داخله وخارجه؛ فالجسم هو أداة تحريك الأشياء؛ أي إنه مركز فعل ولا يمكن أن يُنتج تمثلًا.

وإذا كان الجسم قادرًا على أن يكون له أثر فعلي وجديد على الأشياء التي تحيط به، فهو في وضع مُتميِّز بينها. له أثر ممكن، وهذا هو الفرق بين الفعل الواقعي والفعل الممكن. الفعل الواقعي في حركة الجسم والفعل الممكن في تحويل الأشياء إلى صور. وكلما ازداد الأقواع اتساعًا أصبحت الصور أكثر نمطيةً وحيادية. «الأشياء التي تحيط بالجسم تعكس فعلًا ممكنًا للجسم عليها». والمادة هي مجموعة الصور، والإدراك الحسي للمادة هو هذه الصورة المتعلقة بالفعل الممكن لصورة خاصة وهو الجسم. والتمثل هو إدراك الصورة؛ أي إدراك الإدراك، هو إدراك مزدوج. والخلاف بين الصورة والتمثل اختلاف في الدرجة وليس اختلافًا في الطبيعة. إدراك العالم إذن لا يتعلَّق بالحركات الداخلية لمادة المخ.

وإشكال المادية والثنائية هو تصوُّر المخ كمادة مكتفية بذاتها مستقلة عن العالم مع أنه غير معزول عنه. المشكلة إذن بين الواقعية والمثالية أو بين المادية والروحية هي كيف تدخل الصور في نفس الوقت في نظامين مختلفين: الأول تتغير فيه الصورة وتخضع إلى حد معين إلى أثر فعلي من الصور المحيطة، والثاني تتغيَّر جميع الصور وتصبح واحدةً وتعكس إلى حد معين الفعل الممكن لصورة متميزة؟

كل صورة داخلة في بعض الصور وخارجة عن أخرى، ولكن مجموع الصور ليست داخليةً أو خارجية؛ لأن الداخلية والخارجية ليست علاقات بين الصور. وسواء كان العالم داخل فكرنا أو خارجه لا يحل المشكلة. والقول بأنه عالم معقول يؤدِّي إلى سِجال عقيم؛ حيث تُستعمل ألفاظ فكر ووجود وعالم بمعانٍ متعددة. وجود أرضية مشتركة هو السبيل لحل هذا الخلاف، نظام ينتمي إلى العلم تُنتَج فيه الصورة لذاتها ولها قيمة مطلقة، ونظام ينتمي إلى عالم الشعور حيث تنتظم كل الصور في صورة مركزية، وهو الجسم الذي يتبع التغيرات، ومن ثم يصبح السؤال بين الواقعية والمثالية واضحًا؛ إذ يختار كل مذهب نوع العلاقات التي يريدها، علاقة العلم أم علاقة الشعور. وتستنبط المثالية الذاتية النظام الأول من الثاني، في حين تستنبط الواقعية النظام الثاني من الأول.

يبدأ الواقعي من العالم؛ أي من مجموعة من الصور محكومة فيما بينها بالقوانين الطبيعية، وتظل آثارها مرتبطةً نسبيًّا بعللها. ليس لها مركز، بل تتوالى واحدةً تلو الأخرى إلى ما لانهاية. يبدأ المثالي من الإدراك الواحد لمجموع هذه الصور. في النظام الأول العلم ممكن؛ لأنه يتبع مسار الحوادث من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل؛ لذلك يكون قادرًا على التنبؤ. والخطأ هو الخلط بين النظامين. يحتاج العلم كي يكون علمًا إلى افتراض وجود إله خارج العالم أو وعي زائف قادر على ضم هذه الصور المتتالية، وهذا هو عمل المخطَّط الترنسندنتالي عند كانط الذي ينقُل الحاسية إلى الفهم. وتمر من خلاله حدوس الزمان والمكان. «أهمية الإدراك إذن هو أنه إدراك كلي، معرفة خالصة»، وهو ما لا يقوم به الجهاز العصبي ولا المخ كما هو الحال في النوع الحيواني، ومن ثم الخلط بين المادة والوعي والعلاقة الخالصة بينهما.

وتبدأ عملية انتقاء الصور بعمل الجهاز العصبي ومراكزه من خلال الحواس، المنبِّهات والمؤتمرات والمتغيِّرات الحسية للأعصاب حتى مراكز الإحساس، وتحليل الخلايا ومركباتها البيولوجية، وأكثر الظروف المحيطة، وقوانين الإدراك الآلي، بل ودور النشاط الإرادي وتدخُّل المخ؛ حتى يتحوَّل ذلك إلى معرفة أي مسار يحول المادة إلى روح. المراحل الأولى لانتقاء الصور أدخل في العلم، علم البيولوجيا والجهاز العصبي والمخ، وهو أقرب إلى علم الطب. وفي مرحلة ثانية يتحول علم الفيزيولوجيا إلى السيكوفيزيقا كحلقة متوسطة بين البيولوجيا وعلم النفس الخالص.

المخ آلة لتحليل الحركات المجمَّعة واختيار أحدها للتنفيذ. دوره النقل ثم التقسيم. في حين يعمل الجهاز العصبي بطريقة أقرب إلى المعرفة، تخطيط للأفعال الممكنة لاختيار أحدها للتنفيذ. ليست وظيفة الجهاز العصبي صنع التمثلات، بل استقبال المنبهات أو الإشارة إلى الجهاز الحركي وتقديم أكبر قدر ممكن من المواد لهذه الأجهزة، الإدراك موجه نحو العمل وليس نحو النظر.

وهناك قانون دقيق يربط امتداد الإحساس الواعي بتوتر الفعل، «يقدِّم الإدراك الحسي المكان في تناسب دقيق مع الفعل في الزمان».

ولا يوجد إدراك حسي خالٍ من التذكر؛ إذ تتداخل الآلاف من الإدراكات الماضية في الإدراك الحسي للحاضر. الإدراك نوع من الرقية الداخلية الذاتية، لا يختلف عن التذكر إلا بدرجة مؤثرة.

وذاتية الصفات الحسية في تقلُّص الواقع الذي تعمل فيه الذاكرة، وهذا هو دور الوعي الفردي في الإدراك. الوعي لا يُستنبط من غيره، بل يُستنبط الإحساس فيه. وذلك يشبه نظرية الإدراك عند هوسرل، الشعاع المزدوج، من الموضوع إلى الذات وهو الإدراك، ومن الذات إلى الموضوع وهو الانتباه.

ومراكز الحسي مراكز لا حتمية تُجاوز القوانين الآلية؛ لذلك تنشأ تمثلات الأشياء في اتجاه معاكس للحرية. في الصور هناك اختلاف في الدرجة وليس في النوع، بين الوجود والوجود المدرك الواعي.

ليس الإدراك صورةً شمسية للشيء مثل ذرة ليبنتز التي هي صورة من العالم ككل، «المهم هو ليس شرح كيف ينشأ الإدراك، بل كيف يتحدَّد؛ لأنه من حيث المبدأ صورة أكمل، ثم يقل في الواقع إلى ما يهم الإنسان».

ويقوم تمثُّل الأشياء على الحسي المشترك دون الدخول في دور الجهاز العصبي ومراكز المخ، بل يتم تحليل حالات الشعور الخالصة مثل الهلوسة والحلم حيث تنبثق الصور التي تطابق الإدراك الخارجي. فكيف يختفي الموضوع وتبقى الصورة؟ هذا هو دور الذاكرة؟١٣
مهمة الجهاز العصبي هي المسار العملي، وتوجيه الجسم نحو الحركة؛ فالإدراك ينتج عنه مساران؛ مسار نحو حركة الجسم ومسار نحو التمثل. الأول باعث، والثاني صورة. ومن هنا لزم التمييز بين الفعل والتمثل. الأول في المكان، والثاني في الزمان، الأول حركة فعلية، والثاني حركة ضمنية.١٤
ومن نتائج علم نفس الطفل وتبدأ التمثلات لا شخصية ثم تتحول تدريجيًّا بفعل الاستقراء إلى شخصية من خلال الجسد. وهو مسار تحوُّل الإدراك من الخارج إلى الداخل. هناك ثلاث حقائق؛ الأولى: احتياج الحواس إلى التدريب حتى تُصبح قادرةً على أن تتجاوز النسبية والذاتية إلى مبدأ التجريد، وتختزن الصور في الذاكرة. والثانية وجود طاقة خاصة للجهاز العصبي قادرة بما فيها من قوة كهرومغناطيسية على نقل الإدراك حتى يتحوَّل الواقع إلى صورة. والثالثة التحول تدريجيًّا من الإدراك إلى التمثل، فتتحول الصورة إلى إحساس وجداني، وحالة شعورية لموجود شخصي، ومن ثم يتحوَّل الإدراك إلى وجدان كلما اشتدَّ التوتر، وهو ما يُسمَّى أيضًا الألم.١٥ وكل ألم يتولد في جهد أو في جهد عاجز.

الجسم الحي مركز ينعكس على الموضوعات المحيطة كما تنعكس هي عليه، وهو ما يُسمَّى بالإدراك الخارجي. وهذا المركز ليس نقطةً رياضية، بل هو بدن في الطبيعة، يخضع لقوانينها. الإدراك مقياس قدرة البدن على أن يعكس ما تُوجِّهه إليه الطبيعة. والوجدان هو القدرة على احتوائها وتمثُّلها. الإدراك خارج البدن، في حين أن الوجدان داخل البدن. تبقى الصور المدرَكة حتى لو اختفى البدن، في حين إذا اختفى البدن تختفي معه الإحساسات.

ثم تنعزل الصورة عن الإحساس الوجداني، في حين لا يوجد إدراك دون وجدان. ويخطئ علم النفس السيكوفيزيقي عندما يعتبر الإدراك مجرد كومة من الإحساسات.١٦ الإدراك ليس ثابتًا على موضوع في المكان، بل هو متحرك في الزمان. كما يخطئ برفضه الحس المشترك، وهو ما يتراكم من خلال الحواس الخمس. الإحساس الخارجي مُوَجَّه نحو الفعل. والإدراك الداخلي مُوَجَّه نحو التمثل. الأول يقع في عالم الحتمية، والثاني في عالم الحرية.

وهناك تمدُّد طبيعي للصور؛ إذ تتطابق الإحساسات للشيء الواحد من خلال الحواس المختلفة فتتراكم الصور. وتتعامل الذاكرة مع الإدراك الخالص وهو الإدراك الداخلي. وهو إحياء الصور بالحدس الداخلي لِلَّحاق بالواقع ذاته. وخطأ علم النفس الذي امتدَّ إلى الميتافيزيقا أنه يعمي معرفة الجسد ومعرفة الروح على السواء باعتبار أن الفرق بينهما فرق في درجة التوتر وليس فرقًا في النوع بين الإدراك الخالص والتذكر.

ويرى الواقعي أن نظام ظواهر الطبيعة الثابتة سبب مستقل عن الإدراكات سواء كان هذا السبب غير معلوم أو معلومًا عن طريق الجهد الميتافيزيقي. أما المثالي فإنه يعتبر هذه الإدراكات الواقع كله، وأن نظام الطبيعة الثابت ليس إلا الرمز الذي تُعبَّر من خلاله مع الإدراكات الواقعية عن الإدراكات الممكنة. وبالنسبة للفريقين معًا، الإدراكات نوع من الهلوسات الحقيقية، حالات للذات مسقطة خارجها. الخلاف فقط أن أحد المذهبين يعتبر الحالات هي الواقع، في حين أن الآخر يعتبرها مجرد إمكان لأنه يمكن الوصول إليها.

وهذا الخلاف يضع مشكلة المعرفة بوجه عام؛ فالمعرفة اهتمام وليست حيادًا، وواقعية الإدراك في النشاط. والماضي هو الفكرة، والحاضر هو الفكرة المحركة. «إن المسائل المتعلقة بالذات والموضوع، التمييز أو التوحيد بينهما، توضع في علاقتهما بالزمان وليس بالمكان»؛ لذلك يتم التميُّز بين الإدراك الخالص والتذكر الخالص؛ الأول في المكان، والثاني في الزمان.

في المادة شيء أكثر، ولكن ليست شيئًا مختلفًا عمَّا يعطي بالفعل. وهو عكس موقف المادية الذي يجعل الوعي مجرَّد وظيفة مُكوَّنًا من عناصر مادية. ولا تختلف المثالية عن ذلك بجعل الوعي مجرد مظاهر للذات. أما موقف الحس المشترك فهو إعطاء كلٍّ من المادة والذاكرة حقهما، كل على مستواه، تصحيح أحد الخطأين بالآخر. وهذه أهمية الذاكرة التي تجمع بين العنصرين؛ فهي ظاهرة مُتميِّزة بعيدًا عن السيكوفيزيقا التي تُضحِّي بأحدهما لصالح الآخر من ناحية، والعقلانية الآلية المجردة التي تُضحِّي أيضًا بأحدهما لصالح الآخر من ناحية أخرى. الخلاف فقط فيما يذهب وفيما يبقى. بين الاثنين هناك اتصال وانفصال، خلاف في النوع، وليس فقط خلافًا في الدرجة.

(٣) التعرف على الصور، الذاكرة والمخ١٧

بعد أن تقوم الذاكرة باختيار الصور تبدأ في التعرف عليها. والجسم ما هو إلا القائد، مهمته جمع الحركات ونقلها إلى بعض الآليات الحركية المحددة إذا كان الفعل انعكاسيًّا، وحرة إذا كان الفعل إراديًّا. والجسم في الوسط. وهناك عدة افتراضات:
  • (أ)

    أن يبقى الحاضر في صورتين متمايزتين، في الآلية الحركية وفي الذكريات المستقلة.

  • (ب)

    أن يتم التعرف على الموضوع الحاضر بحركات عندما يأتي هذا التعرف من الموضوع، وبتمثُّلات عندما ينبع من الذات.

  • (جـ)

    أن يتم الانتقال على درجات غير محسوسة من الذكريات على مدى الزمان إلى الحركات التي تهدف إلى الفعل الناشئ أو الممكن في المكان، وتستطيع ارتباطات المخ أن تصل إلى هذه الحركات دون الذكريات.

ويمكن التحقُّق من صدق أحد هذه الافتراضات الثلاثة بالتجربة على النحو الآتي:
  • (أ)
    تُثبت صورتا الذاكرة أن ذلك يتم في تجربة حفظ مقطوعة شعرية تدريجيًّا كل مرة في زمان متقطع، ثم يأتي التذكر في زمان متصل. هذه هي العادة. يتخلَّل الآليةَ دافعٌ أولى، وتتوالى الصور كل مرة في القراءة حتى تصبح تذكُّرًا خالصًا. الذاكرة الأولى متقطعة، والثانية سَيَّالة مثل الفعل المكتسب الأول والفعل الطبيعي الثاني. ذاكرة تتخيَّل، وذاكرة تُكرِّر. الأولى هي الذاكرة بالأصالة، والثانية ما يدرسه علماء النفس في الغالب، وهي العادة التي تُغيِّرها الذاكرة، وليست الذاكرة نفسها. في الغالب الأولى هي الذاكرة الحركية تتكرَّر آليًّا، صورتا الذاكرة وهو ما تدل عليه الحياة اليومية. والثانية الذاكرة التلقائية تنبثق من مجموع الشعور.١٨
  • (ب)
    في التعرُّف بوجه عام على صور الذكريات والحركات، هناك طريقتان للتعبير عن الإحساس بشيء تمَّت رؤيته من قبل؛ الأولى التعرف عن طريق إعمال الفكر في إدراكات سابقة، وربط الإدراك الحاضر بالصور الماضية.١٩ والحقيقة أن ذلك لا يكفي لشرح عملية التعرف؛ فقد تختفي الصور القديمة وقد تبقى، وقد يؤدِّي «العمى النفسي» إلى النسيان كما أثبت ذلك فلبراند في تجاربه.٢٠ والثانية هنالك التعرف في اللحظة، ويستطيع البدن القيام به. وهو ما سماه الألمان الدوافع الحركية. وكلاهما أقل من التعرف الخالص الذي يتم في تيار الشعور بتداعٍ حر بين الحاضر والماضي في اللحظة.
  • (جـ)
    الانتقال التدريجي للذكريات إلى الحركات، التعرف والانتباه، ما تؤكده التجربة.٢١ التعرف شعاع من الموضوع إلى الذات، والذات شعاع من الذات إلى الموضوع بلغة هوسرل في نظرية الإدراك. الانتباه هو الموقف من الموضوع أو الموقف من العالم. التعرف الأول دون انتباه هو دور الجسد، الذاكرة الحركية. في حين أن التعرف الثاني هو الديمومة من خلال تيار الذكريات. وهذا ما أثبتته تجارب مونستربرج وكولبه وجولدشيدر وموللر ضد جراشاي الذي جعل التعرف في التعلم حرفًا حرفًا.٢٢ في حين أن التعلم يتم بطريقة كلية كما هو الحال في المدرسة الجشطلتية. ويرسم برجسون رسمًا توضيحيًّا مختلفَ درجاتِ الانتباه ودرجات التَّذْكرة على النحو الآتي:
figure
ومن ثم، في حالة التعرف السمعي للكلمات يمكن التمييز بين شيئين؛ الأول: عملية آلية حسية حركية، والثانية إسقاط فعال مُركَّز على الخارج لذكريات الصور. الحالة الأولى مثل سماع شخصين يتكلَّمان لغةً غير معروفة، وتجارب ليشتهايم تُثبت ذلك، وكذلك تجارب باستيان ورومبرج وفوازان وونسلو وكوسمول. وهو الخلاف بين آدلر وشاركوه. كما أخطأ ستركر بتصوره تكرارًا آليًّا في الماضي للكلام المسموع في الحاضر.٢٣ والحالة الثانية وضع السامع نفسه منذ البداية داخل الأفكار المقابلة، وهو ما أثبته ونسلو في تجربته على نسيان حرف ف. التذكر الأول للشيء، والثاني للتقدم.٢٤
وتقتصر تجارب شاركو وبرودبنت وكسمول وليشتهايم على لمس الموضوع والقول بمركز فكري، وهو ما وصل إليه أيضًا ويسمان ومولي وفرويد. كما اختار بين ورويبو حلًّا طبيعيًّا؛ أي فيزيولوجيًّا نفسيًّا.٢٥ والحقيقة أن السمع الفعلي يؤدِّي إلى السمع العقلي، والموضوع الواقعي يؤدِّي إلى الموضوع الضمني. ولا يتم الذهاب من الإدراك إلى الفكرة، بل من الفكرة إلى الإدراك؛ فعملية التعرف ليست مركزية، بل طردية.

(٤) بقاء الصور، الذاكرة والروح٢٦

لقد تمَّ التمييز من قبلُ بين ثلاثة مفاهيم: التذكر الخالص، والتذكر بالصورة، والإدراك. ولا يعمل كلٌّ منها على انفراد على النحو التالي:

figure

ليس الإدراك مجرد اتصال بسيط بين الروح والذهن والشيء الحاضر، بل هو مفعم بالتذكر بالصورة الذي يكمله ويفسِّره. والتذكر بالصورة بدوره يشارك في التذكر الخالص الذي يبدأ في الظهور. والإدراك الذي يحاول أن يُجسِّد هو إدراك متولِّد. والتذكر الخالص مستقل من حيث المبدأ، ولكنه لا يظهر إلا من خلال الصورة الملوَّنة والحسية للواقع. التذكر الخالص هو الوعي الخالص، وهو جزء من التاريخ.

وخطأ المذهب الارتباطي هو إحلال الكثرة المتقطعة من العناصر الميتة المتجاورة محل الصيرورة المتصلة للواقع الحي.٢٧ كما يعتبر كلَّ حالة نفسية نوعًا من الذرة أو العنصر البسيط، وبالتالي التضحية بالمتغير من أجل الثابت، وبالنهاية من أجل البداية. تتسم الحالات النفسية بالقوة والضعف وليس بالكثرة والقلة، بصفات التوتر وليس بصفات الامتداد.

والتخيل غير التذكر كما هو الحال عند فلاسفة العصر الوسيط المسيحيين والفلاسفة المسلمين. يعيش التذكر في صورة والعكس غير صحيح. والصورة الخالصة البسيطة لا تُرجع الماضي إلا إذا حدث جهد في ذلك.

وبين التذكر والإدراك هناك اختلاف في النوع وليس فقط في الدرجة كما هو الحال في المذهب الارتباطي، كما أن بين الحاضر والماضي هناك اختلاف في الدرجة وليس في النوع. الحاضر ما يُثير الاهتمام وما تحياه الذات؛ أي ما يدفع إلى الفعل بدلًا من الماضي العاجز.٢٨
والسؤال هو: ما هو الحاضر إذا كان الزمان تيَّارً مستمرًّا؟ الماضي هو الزمان الذي انقضى، والحاضر هو الزمان الذي يسيل. ولا توجد لحظة رياضية ينفصل فيها الحاضر عن الماضي أو الماضي عن الحاضر. الحاضر معيش، حي متحرك، وليس نقطةً على مسار رياضي. أما المستقبل فهو توقُّعٌ واتجاهٌ وتحركٌ نحو الأمام. المستقبل حركة فعل أو فعل حركة. الحاضر إذن حسي حركي، نظام مُركَّب من إحساسات وحركات. الحاضر وعي بالجسد الممتد في المكان، والذي يدرك ويتحرك، وهو اتجاه نحو المستقبل المباشر. هو حسي حركي يتحوَّل إلى صورة في الماضي. الشعور بالحاضر شعور فعَّال، ومع ذلك بين الإحساسات الفعلية والتذكر الخالص هناك اختلاف في النوع وليس فقط في الدرجة، وقد انتهى مذهب الارتباط إلى تحويل التذكر إلى مادة، والحسي إلى مثال. إن الإحساس بطبيعته امتداد في المكان، ومصدر للحركة، في حين أن التذكر الخالص توتر وعجز، ولا يشارك في الإحساس على أي حال.٢٩

هذا الإحساس بالعجز في التذكر الخالص يتحوَّل إلى حالة ضمنية دون إثبات حالات لا شعورية كما هو الحال في التحليل النفسي عند فرويد؛ لأن الشعور لا يكون إلا منتبهًا وإلا لَمَا كان موجودًا. الشعور والوجود لا يتماهيان. الوعي هو الفعل، العمل أو الأثر المباشر. ودَور الشعور هو رئاسة الفعل، وإثارة الاختيار. صحيح أن فكرة التمثل اللاشعوري وَارِدة بالمعنى العادي، ويتم استعمالها. أما بالنسبة للصور فلا توجد صورة ذهنية لا شعورية. الامتداد في الاتساع غير التوتر في العمق. والأفقي أ–ب غير الرأسي ﺟ–د كما يتضح في الرسم الآتي:

figure

والشيء غير الحالة، وهو ما سمَّاه هوسرل حالة الشيء للقضاء على النزعة المادية. يوضعه بين قوسين. ويلعب التذكر دور اللاشعور. والفرق بينهما هو دور الانتباه في التذكر الغائب في اللاشعور. الماضي موجود أحيانًا أكثر من الحاضر، بل وأكثر من العالم الخارجي، وهو ممتد إلى الفعل بل وإلى المكان.

والوجود له شرطان: الأول التوجه نحو الشعور، والثاني الارتباط المنطقي أو العِلِّي بين الماضي والحاضر. والواقع سواء كان حالةً نفسية أو موضوعًا ماديًّا له هذان الجانبان. وكلاهما نمطان مختلفان للوجود.

والحالات النفسية في الماضي شرط الحالات النفسية في الحاضر دون أن تُحدِّده على نحو ضروري؛ فالتذكر يتم في الديمومة في تيار الشعور، موطن الفعل الحر.٣٠

والظواهر الفيزيولوجية الكيميائية في المخ، والمخ في الجسم، في العالم الذي يعيش فيه. أما الماضي فإنه ليس في المخ ولا في الجسم، لا يحتويه شيء ولا هو يحتوي شيئًا، ومع ذلك لا يُدرك إلا الماضي. الحاضر تقدُّمٌ لا يمكن إيقافه لأنه هو الممر من الماضي إلى المستقبل.

هناك نوعان من الذاكرة؛ الأولى ثابتة في العضو، مجموع آليات تقوم بردود أفعال مناسبة حين الاستدعاء، والأخرى الذاكرة الحقة، المتواجدة مع الشعور، في الماضي وليس في الحاضر كما هو في الرسم التوضيحي الآتي:

figure

ما يُميِّز رجل الفعل هو الذاكرة الأولى، ورجل النظر الذاكرة الثانية. تمثِّل الذاكرة الأولى تقليد رجل من «متوحشي أفريقيا» أحدَ المبشرين، ويُكرِّر حرفيًّا مع نفس الحركات، وواضح أثر المدرسة الاجتماعية عند دوركايم وليفي بريل على مصطلحات برجسون ومفاهيمه. وتمثِّل الذاكرة الثانية ذاكرةً الأديب عندما يكتب أو الفنان عندما يبدع؛ فعلاقة الذاكرتين هي علاقة الضرورة بالحرية.

ومن خلال هذين النوعين من التذكُّر تبرز فكرة الذاكرة بوجهٍ عام اعتمادًا على مفهومَي «التشابه» و«العموم».٣١ وهناك نظريتان متصارعتان: الاسمية والتصورية. وتُؤدِّي إحداهما إلى الأخرى. تشاركان في نقطة البداية؛ إذ لا يتم التعميم إلا باستخلاص الصفات المشتركة ابتداءً من إدراك الشيء. النقطة الأولى تؤلف النوع بالعدد والإحصاء، والثانية بالتحليل، وكلاهما عمليتان مختلفتان للذهن؛ الأولى بالتوجه نحو الإفراد، والثانية نحو الأنواع. وهي أشبه بمشكلة الكليات في العصر الوسيط.

وفكرة العموم هو في البداية الوعي بتماثل الاتجاه في مواقف مختلفة، كما هو واضح في الرسم الآتي:

figure
ويقوم تداعي المعاني على مفهومَي التشابه والتجاور أو التماس، وهو الخطأ الأكبر؛ فالمعاني لا تتشابه ولا تتجاور، بل تتوحد في تيار متصل. وتُستدعى بالانتباه من خلال الشخصية كلها مع كل الذكريات وإدراك الحاضر.٣٢ هناك أيضًا مستويات مختلفة ولا نهائية للشعور في حالات الارتباط عن طريق التشابه والتجاور، وهو غير الترابط عن طريق التتابع الزماني.٣٣
وهناك فرق بين مستوى الحلم ومستوى الفعل؛٣٤ إذ تتطلَّب ضرورة الحياة الفعل، وما لم يتحقَّق منها يدخل في قطاعات الإصلاح ويُختزَن في مكونات الشخصية، وتستجيب الذاكرة الكلية إلى نداء حالة حاضرة بحركتين متزامنتين؛ الأولى تحويلية تتقدَّم التجربة، وتتقلَّص على درجات متفاوتة دون أن تنقسم، غايتها الفعل. والثانية دائرية حول ذاتها تتجه نحو الموقف في لحظة حاضرة من أجل تقديم الوجه الأكثر قَبولًا.٣٥ وهناك التوازن الذهني بين الحركة والعلم، بين التآزر الحسي الحركي وبين التذكر، وإلا حدث الخلل في الشخصية.٣٦ والانتباه للحياة هو العامل الأول في التذكر.٣٧

(٥) تعيين الصور وتثبيتها: الإدراك والمادة، النفس والبدن٣٨

انتهت الفصول الثلاثة السابقة إلى نتيجة عامة مؤداها أن وظيفة الجسم المتجه دائمًا نحو الفعل هي تحديد حياة الذهن من أجل العمل؛ فهو أداة لاختيار التمثلات وليس توليد حالة عقلية أو جعلها مناسبةً وظيفية للإدراك نظرًا لمركزتيه في العالم. يختار الجسم الأجزاء التي يتوجَّه إليها الإدراك. أما الذاكرة فإن دور الجسم فيها ليس اختزان الذكريات، بل اختيارها وإعطاؤها إلى الوعي القابل للتأثير الفعلي الذي يُحدثه التذكر النافع الذي يوضِّح الموقف الحالي من أجل العمل النهائي.

وهذا يضع مسألة الصلة بين النفس والبدن أو المادة والروح. وترجع المسألة إلى مشكلة الصلة بين الامتداد والتوتر، بين الكم والكيف. ومن الواضح تعارض الروح والمادة كوحدة خالصة ضد كثرة خاضعة للتقسيم. يُضاف إلى ذلك تكوين الإحساسات من كيفيات غير متجانسة، في حين أن العالم المدرَك مُكوَّن من تغيُّرات متجانسة يمكن حسابها؛ لذلك تخطئ الواقعية والمثالية معًا. تريد الواقعية استنباط الأولى من الثانية، وتريد المثالية استنباط الثانية من الأولى. تخطئ المادية لأن الإدراك يتجاوز حالة القشرة الدماغية، وتخطئ المثالية لأن المادة تفيض من جانب على تمثلها. وضد هذين الخطأين الأول في تصور البدن والثاني في تصور النفس، يمكن الخروج بهِبة إبداع حقيقي ضد اتجاهين: الأول يجعل المخ يحتوي على التمثل، والثاني يجعل الذهن قادرًا على كشف خطة الطبيعة وغايتها. ويعتمد هذا الطريق الثالث على الوعي الذي يُبيِّن أن البدن صورة مثل باقي الصور، وأن في الذهن هناك مَلَكة للتمييز والفصل، ولكن ليس للخلق والبناء. وابتداءً من علم النفس يمكن حل هذه الثنائية الساذجة من أجل إقامة ميتافيزيقا علمية. وابتداءً من نظرية الإدراك الخالص والتذكُّر الخالص يمكن ردم الهُوَّة بين التوتر والامتداد، وبين الكيف والكم.٣٩
والمنهج المُتَّبع لتحقيق هذه الغاية تمَّ عرضه في أماكن سابقة. ويبدأ بتحديد المصطلحات. الواقعة ليست الواقع الذي يظهر للحدس المباشر، بل تكيُّفه طِبقًا للمصالح العملية ومُتطلَّبات الحياة الاجتماعية. والحدس الخالص الخارجي أو الداخلي هو التواصل الذي لا ينقسم، ثم نقسمه نحن إلى أجزاء متجاورة في كلمات متمايزة وموضوعات مستقلة. وبدلًا من العلاقة الحية بينها تُوضع علاقات مصطنعة وأُطُر فارغة مُصمَته مثل الألفاظ المراد توضيحها. ومن ثم تتفق النزعة التجريبية مع النزعة الدجماطيقية على إعادة تركيب الوقائع الدجماطيقية مع الصورة، والتجريبية مع المادة. لا ترضي التجريبيةُ الذهنَ بالنسبة للمشاكل الكبيرة التي تتطلَّب وجهة نظر نقديةً بين القطعية والتجريبية كما فعل كانط من قبل. وهو منهج صعب لأنه يتطلَّب جهدًا جديدًا، وقد تمَّ تطبيقه من قبلُ في نظرية المعرفة.٤٠ ونظرًا لأن هذا المنهج لا يقدِّم نظريةً في المادة، فإنه يُعطي الأفكار المُوجَّهة الآتية كما هو الحال في قواعد المنهج الظاهرياتي عند هوسرل.٤١
ويتم إدراك المادة على النحو الآتي:
  • (أ)

    كل حركة باعتبارها انتقالًا من سكون إلى آخر لا يمكن قسمتها، وهذا ليس افتراضًا، بل واقعة. وما يساعد على الوقوع في الوهم هو تصوُّر الديمومة كممر، وهو الوضع الذي قامت عليه حجج زينون الإيلي، وهو التوحيد بين الزمان والحركة مع الخط المفترَض تحتهما، وعزو القسمة إليهما من أجل التعامل معهما. وقد وقع زينون في هذا الوهم بسبب الحس المشترك الذي يعزو إلى الحركة صفات مسارها. أما الفيلسوف فيعرف الفرق بين الحركة ومسارها، بين الكيف والكم، بين التوتر والامتداد؛ فالحركة لا تنقسم كما توهَّم زينون.

  • (ب)
    توجد حركات واقعية،٤٢ وقد وقع ديكارت في تناقض لاحظه ليبنتز، وهو الدفاع عن نسبية الحركة باعتبارها حركةً متبادلة وصياغة قوانين الحركة، وكأنها مطلقة. تعامَل ديكارت مع الحركة كفيزيقي بعد أن حدَّدها كهندسي؛ فكل حركة نسبية بالنسبة للهندسي. ويعني ذلك بالنسبة للحواس أنه لا يوجد رمز رياضي قادر على التعبير على أن المتحرك هو الذي يتحرَّك وليس المحاور أو النقاط التي يُحال إليها، وقد أشار موروس في حواره مع ديكارت إلى ذلك؛ فالمكان متعدِّد ومختلف على نحو مطلق مع التمييز بين الأوضاع المطلقة في مكان مطلق، وقد سار نيوتن ثم أولر في نفس الطريق. وكما هو الحال في علوم الطبيعة، القوة ليست إلا وظيفة الكتلة والسرعة، ويمكن قياس الزيادة في السرعة.
  • (جـ)
    كل قسمة للمادة إلى أجسام مستقلة بحدود معينة تمامًا قسمة مصطنعة؛ فالجسم؛ أي الموضوع المادي المستقل نظام كيفي تقوم فيه المقاومة واللون، وهي معطيات البصر واللمس، بدور المركز الذي ترتكز عليه باقي الصفات. والبصر واللمس في المكان، والصفة الرئيسية للمكان التواصل أو الاستمرار. هناك فترات صمت في الأصوات لأن الأذن ليست مشغولةً دائمًا. وبين المشمومات والمتذوَّقات هناك أيضًا فراغات. أما البصر فإنه باستمرار أمام مجاله البصري بمجرد فتح العينين. ولمَّا كانت الأشياء متجاورةً بعضها بجوار البعض فإن اللمس يتعامل مع سطوحها المتقطعة. وفي الشعور، هناك تواصل حي واستمرار الجسم عن طريق حركات متجانسة في المكان. وتنشأ فكرة التواصل الشامل، ويتفق على ذلك الوعي والعلم. وبالإضافة إلى الوعي والعلم هناك الحياة فوق مبادئ التأمل التي حلَّلها الفلاسفة. والحياة ضرورة تعيش فيها؛ أي واقع السلوك من خلال الجسد. فإذا ما تمَّ اكتشاف الحركة الحيوية وهي المعرفة الحقة يتم التمييز بين الفعل النافع والمعرفة الخالصة، وقد وضع العلم حقيقةً ثابتة وهو الفعل المتبادَل بين كل أجزاء المادة، وكما عبَّر عن ذلك عالِما الفيزياء طومسون وفراداي.٤٣
  • (د)
    الحركة الفعلية (الواقعية) نقل حالة أكثر منها نقل شيء.٤٤ وهي نتيجة طبيعية للكيفيات أو الإحساسات والحركات، وهو ما يند عن القياس. الحركة في المكان، والوعي بالإحساسات؛ الأول كم، والثاني كيف. الأول ينقسم، والثاني لا ينقسم. الأول منقطع، والثاني متصل. وقد وقع الخلط بينهما بحكم العادة واللغة وضرورات الحياة العملية. وحالات الشعور واقع مستقل. هي ديمومة وتوتر، وليست فترات وامتدادًا. وإذا أراد العقل إدراكها والعلم تحليليها فإنها تنقلب إلى الضد؛ فالإدراك يعني توقيف الظاهرة وتثبيتها.٤٥ كذلك يحتاج العلم إلى امتداد وانتشار. أما الذاكرة فإنها تتعامل مع الكيفيات الحسية لتيار الأشياء المتصل. وهذه هي الضرورة الداخلية التي تتكوَّن من مجموعة الأشياء من الأفعال الحرة غير المحددة. ليس المكان المتجانس، ولا الزمان صفاتٍ للأشياء، ولا شرطًا رئيسيًّا لمَلَكة المعرفة. بل يُعبِّران في صورة مجرَّدة عن واجهتَي الواقع في التوحيد والتقسيم من أجل السلوك في الحياة العملية. وخطأ الحركية والآلية هو إسقاطٌ على الأشياء ما ليس فيها سواء من الشعور أو من الذهن. أهميتها في التأمل وليس في الجانب الحيوي.

وتشترك الواقعية والمثالية في مصادرتين؛ الأولى بين كيفيات عدة لا يوجد شيء مشترك، والثانية بين الامتداد والكيفية الخالصة، لا يوجد شيء مشترك أيضًا.

وجوهر المثالية الإنجليزية اعتبار الامتداد خاصيةً للملموسات كما قال بركلي إن كل إدراك للامتداد مرتبط بالملموس، ويُنكِر أي إدراك للبصر للامتداد. وهو ما أكَّده علم النفس التجريبي. الله وحده خارج العالم هو القادر على حل هذا اللغز. لا تختلف المثالية عن الواقعية إلا أن المثالية تؤخِّر الامتداد إلى الملموس في حين تدفع المثالية الامتداد خارج كل إدراك.

وفي الواقعية الساذجة، يوجد مبدأ التطابق بين الإحساسات في مكان مستقل عنها؛ إذ لا يوجد إحساس بلا امتداد بدون إحساس بالحجم أو المقدار. المكان رمز الثبات والقسمة إلى ما لانهاية. والامتداد العياني؛ أي تنوع الكيفيات الحسية ليست فيه، بل هو الذي يُحيلنا إليها. المشكلة هي كيفية «التحول» من صفات المكان إلى الشعور.

ويبدو أن مشكلة «المادة والذاكرة» في علم النفس الفيزيولوجي أو الخالص هي نقطة تطبيقية لموضوع البدن والنفس، التي طالما تناولها الفلاسفة، مثاليين وواقعيين. ونقطة البداية في كلتا الحالتين الإدراك الحسي. والافتراض الشائع هو الافتراض الثنائي؛ أي التطابق الفعلي بين موضوع الإدراك والذات المدرِكة، وهما واجهتان لشيء واحد هو الشعور؛ لذلك نشأ افتراض الشعور وإدراكاته الحسية.

وقد انعكس ذلك على مشكلة النفس والبدن؛ فطبقًا للافتراض الثنائي، المادة تنقسم، والنفس لا تنقسم. وهو ما سمَّاه أوغسطين من قبلُ «مقدار النفس»،٤٦ ومن ثم تتميَّز النفس عن البدن تميُّزًا جوهريًّا. ويقوم هذا التميُّز على أساس جديد، ليس المكان بل الزمان. وخطأ الثنائية الفظة هو وضع التمايز على مستوى المكان. بين المادة الخام والروح القادرة على التفكير هناك الذاكرة كتوتر ممكن. وهي درجة من درجات الحرية، تستثير المادةُ الذاكرة، ثم تتخيَّل الروحُ ما تستثيره الذاكرة.٤٧
ويلخِّص برجسون في الخاتمة نتائج الكتاب في تسع قضايا هي:٤٨
  • (١)

    الجسم مجرد آلة للفعل، ويحتفظ بعادات حركية قادرة على أن تؤثِّر في الماضي.

  • (٢)

    تنشأ كل المشاكل في الموضوع من الثنائية الفظة أو من المادية والمثالية في الخلاف حول ظواهر الإدراك والتذكر، وتُصوِّر الفيزيقيَّ والأخلاقي كلًّا منهما صورةً بديلة عن الآخر، وكأن الشعور مجرد ظاهرة عَرَضية. فلا الإدراك ظواهر في الدماغ ولا هي تمثلات في الذهن. وفرق بين العلم والميتافيزيقا. وهناك ثلاث افتراضات تتعلَّق بالعمليات الأولية للروح (الذهن) والإدراك والذاكرة كعمليات للمعرفة الخالصة.

  • (٣)

    الأول بالنسبة للإدراك يوجد الجسم بمراكز الإحساس، تهتز هذه المراكز فتحدث تمثُّلات الأشياء. الإدراك هنا مجرَّد اختيار (الفصل الأول). ولا فرق في ذلك بين كانط ومل، بين المثالية الألمانية والمثالية الإنجليزية. الإدراك هو في الحقيقة الفعل الضمني للأشياء على الجسد وفعل الجسد على الأشياء.

  • (٤)

    والثاني بالنسبة للإدراك الخالص، فإنه يرتبط بالوجدان من الداخل كما يرتبط بالإحساس من الخارج. والارتباط بالداخل يفتح المجال للتذكر. والوجدان هو الانتباه أو الاهتمام بموضوع الإدراك أو الموقف من العالم ككل. في هذا العالم الداخلي للحساسية الوجدانية تتكوَّن الذاتية وتتحوَّل إلى صور خارجية وتصبح موضوعية.

  • (٥)

    تقود الإدراكات والإحساسات إلى الروح؛ أي الذهن، كما هو الحال عند كانط، في الانتقال من الحساسية إلى الذهن إلى الفهم، أو من التحليل الترنسندنتالي إلى الجدل الترنسندنتالي.

  • (٦)

    والثالث بالنسبة إلى نظرية الذاكرة فهي النتيجة النظرية والتحقيق التجريبي لنظرية الإدراك الخالص التي تتجاوز النظريتين السابقتين: أن الذاكرة ليست إلا وظيفةً للمخ، وأنه لا يوجد إلا اختلاف في التوتر بين الإدراك والتذكر. الذاكرة هي شيء آخر غير وظيفة المخ. ولا يوجد اختلاف في الدرجة، بل في الطبيعة، بين الإدراك والتذكر.

  • (٧)

    الذاكرة موضوع بين علم النفس والميتافيزيقا. التذكُّر إدراك ضعيف. ولا ترى المثالية الإنجليزية الاختلافَ في الدرجة بين واقع الشيء المدرَك ومثالية الموضوع المدرَك. والحقيقة أن الذاكرة ليست تراجع الحاضر إلى الماضي، بل على العكس تقدُّم الماضي إلى الحاضر كحالة ضمنية.

  • (٨)

    الخطأ الأساسي في مذهب الارتباط أو تداعي المعاني هو وضع كل الذكريات على نفس المستوى دون معرفة الاختلاف الجذري بينها وبين حالة الجسم الحالي؛ أي الفعل. وقد وقع المذهب في الخلط بين مستويات الشعور، بين مستوى الفعل ومستوى الحلم.

  • (٩)
    النشاط الذهني الأولي يبدأ من الجسم ومحيطه حتى الذاكرة، وهي الصورة في حدِّها الأقصى، القمة المتحركة التي يدفعها الماضي في كل لحظة إلى المستقبل؛ ففي كل مرة يقوم الجسم بدور فإنه يدفع نحو الروح. وهذه هي الثنائية بين التوتر الامتداد، بين الكيف والكم، بين الحرية والضرورة، ومن ثم يمكن الانتهاء إلى بعض القضايا الميتافيزيقية ابتداءً من علم النفس على النحو الآتي:
    • (أ)

      لا تُدرَك الأجزاء بالحدس المباشر، بل بالعقل؛ نظرًا للتمييز بين التوتر والامتداد.

    • (ب)

      ويترتَّب على التميُّز الأول تميُّز ثانٍ بين الكيف والكم، بين الوعي والحركة. وهي نفس القسمة الكانطية بين القبلي والبعدي، ونقلها من مستوى العقل إلى مستوى الشعور، ومن الثبات إلى الحركة، ومن البرودة إلى الحرارة.

    • (جـ)

      وتؤدِّي النتيجة الثانية إلى ثالثة وهو التميُّز بين الضرورة والحرية. ليست الحرية في الطبيعة كمملكة داخل مملكة، بل هي وعي محايد مطمور، يتجلَّى في مظاهر ممكنة متبادلة في لحظات محدَّدة. فيظهر الشعور من خلال هذه الومضات ويُزيح العقبات أمامه، ويختار ما يهتم به. تستعير الروح من المادة الإدراكات التي تتغذَّى الروح منها، وتردها إليها كحركة مطبوعة بالحرية.

وعلى هذا النحو لا يختلف موضوع «رسالة في المعطيات البديهية للوجدان» عن موضوع «المادة والذاكرة» وهو الحرية، حرية الديمومة، وحرية الذاكرة.

١  H. Bergson: Matière et Mémoire, PUF, Paris 1953 (MM), 54me Ed.
٢  MM., pp. 11–80.
٣  Ibid., pp. 81–146.
٤  Ibid., pp. 147–98.
٥  Ibid., pp. 199–252.
٦  Ibid., pp. 1–9.
٧  Ibid., pp. 253–80.
٨  الاتجاه العقلي ديكارت، بركلي (٦)، كانط، كانطي (٤)، ليبنتز (٢)، لوتز (١)، آشيل (٤) (في الهامش أيضًا ٤).
(٢) الاتجاه السوفسطائي: زينون الإيلي، المدرسة الإيلية (١).
(٣) الاتجاه الحسي: فوند Wundt (٤) (في الهامش)، شاركوه Charcot (٢)، طومسون Thomson، فارادي Faraday، ونسلو Winslow، كوسمول، زينون، موللر (٢)، مل (١). ليشتهايم (٣). وآخرون على التخوم مثل فيلباند Wilband، مودزلي Moudsley، ليساور Lissauer، فوازان Voisin، مونتسربرج Münsterberg، كولبه Külpe، جولد شيدر Goldscheider، جراشاي Grashey، باستيان Bastian، رومبرج Romberg، آدلر Adler، ستريكر Stricker، برودبنت Broadbent، وايسمان Waysman، مولي Moeli، فرويد، بين (١).
(٤) الاتجاه النفسي الخالص: جانيه P. Ganet (٧).
٩  تصدير الطبعة السابعة MM., pp. 1–9.
١٠  تجلي ظهور. Epiphenomena.
١١  اضطراب الكلام، العِي Aphasia. جانيه P. Janet.
١٢  MM., pp. 11–80.
١٣  التمييز Dissernement.
١٤  فعلي Réel، ضمني Virtuel.
١٥  وجدان Affection، ألم Douleur.
١٦  كومة Agrégat.
١٧  MM., pp. 81–146.
١٨  Ibid., pp. 83–96.
١٩  Ibid., pp. 96–107.
٢٠  فلبراند Wilbrand.
٢١  Ibid., pp. 107–29.
٢٢  مونستربرج Münsterberg، كولب Külpe، جولدشيدر Goldscheider، موللر Müller، جراشاي Grashey.
٢٣  ليشتهايم Lichtheim، باستيان Bastian، رمومبرج Romberg، فوازان Voisin، ونسلو Winslow، كوسمول Kussmaul، آدلر Adler، شاركو Charcot، ستركر Stricker.
٢٤  MM., pp. 123–146.
٢٥  برودنت Broadbent. مركز فكري Centre Ideational. ويسمان Wysman، مولي Moeli.
٢٦  MM., pp. 147–98.
٢٧  المذهب الارتباطي Associationnisme.
٢٨  MM., pp. 147–53.
٢٩  Ibid., pp. 153–6.
٣٠  Ibid., pp. 156–65.
٣١  Ibid., pp. 173–83. الاسمية Nominalisme، التصورية Conceptualisme.
٣٢  Ibid., pp. 183–6.
٣٣  Ibid., pp. 186–9.
٣٤  Ibid., pp. 89–93.
٣٥  Ibid., pp. 193–5.
٣٦  Ibid., pp. 195–6.
٣٧  Ibid., pp. 196–8.
٣٨  Ibid., pp. 199–251.
٣٩  Ibid., pp. 199–203.
٤٠  Ibid., pp. 203–209.
٤١  Ibid., pp. 209–15. موروس Mouros.
٤٢  Ibid., pp. 215–20. أولر Euler.
٤٣  Ibid., pp. 220–26. طومسون Thomson، فراداي Faraday.
٤٤  Ibid., pp. 226–35. امتداد Etendu، انتشار Extension.
٤٥  Ibid., pp. 235–47.
٤٦  De Quantitate Animae.
٤٧  Ibid., pp. 246–51.
٤٨  MM., pp. 258–80.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥