أليس كذلك
لن يضيرك أن تعرف اسمي. حقًّا اسمي ﻫ. ك. تيمو شلاي!
هندي أي نعم، من الهند. أرجو عفوك! اسمي متعب، لكنه هندي مائة في المائة. متعب؟! تيمو يعني شيء كالجوهرة. نعم شيء كالجوهرة. هذا الترام ذاهب إلى الأهرام؟! حسن، حسن جدًّا. نفس الطريق؟ وتجيد الإنجليزية؟! حسن، حسن جدًّا جدًّا. أستطيع أن أعبر عن نفسي الآن. لا، لست ذاهبًا لمشاهدة الأهرام. أنا لم أشاهدها لا هي ولا المتحف، وليس لديَّ وقت لمشاهدتها.
غريبٌ هذا الكلام؟ كل الأجانب يأتون فقط من أجل رؤية الأشياء القديمة هذه؟ أتظن أن مصر القديمة هي التي أغرتني بالمجيء إلى مصر؟ أبدًا! أتعلم شيئًا؟ أنا جئت لأرى مصر الموجودة. مصر التي في الشارع، وليست تلك الموضوعة خلف ألواح الزجاج.
أنا أعرف مصر، نحن في الهند نسمع عنها كثيرًا، ولكنكم اليوم حديث العالم. ألا تعرف هذا؟ كل العالم إيجيبت إيجيبت. أتعلم أين أنا ذاهب الآن؟ أنا ذاهب لوداع صديق. أتدري من؟ فتاة. فتاة كباريه! أرجوك لا تُسئ فهمي. نحن أصدقاء جدًّا، وأنا سأرحل غدًا. جئت لأقول لها وداعًا، فقط لأقول لها وداعًا. أتعلم أين رأيتها؟ في نفس الكباريه الذي أنا ذاهب إليه الآن. أرجو عفوك، أنا رجلٌ صريح، وأحب الناس أن يتحدثوا معي بصراحة، بصراحة. لقد حدث فيَّ شيءٌ ما منذ أن وضعت قدمي في بلدكم. أتعلم ما اسمها، اسم الفتاة؟ باهيا. اسمٌ جميل، أليس كذلك؟ يا له من اسم! باهيا! مجرد نطقه يملأ صدرك بالراحة. عرفتها من ثلاثة أيام. أنا هنا من أسبوع. تصوَّر سوء حظي، فقط من أسبوع. كنت داخلًا الكباريه لأتفرج. كنت أريد أن أرى كل مكان فيه ناس في مصر، وأنا غادرت بلدي لأتفرج على الناس. في الهند أنا عضو في البرلمان، أجل عضو في البرلمان، ولكني هنا لست إلا مُتفرجًا فقط. أيُدهشك أني عضو في البرلمان وأنا صغير السن هكذا؟ ولكني لست صغير السن. هل أبدو حقًّا في العشرين؟ كما ترى، أنا قصير ولا لحية لي ولا شارب، ولكن أتعلم أني في السابعة والثلاثين؟ سأبلغها في أكتوبر، ١٩ أكتوبر، ولي ولد — ابني — يبدو إذا مشيت بجواره أكبر مني سنًّا. اسمه لال، لال تيمو شلاي. لال يعني صغيرًا. ابني هو تيمو شلاي الصغير، وأنا شلاي الكبير. أفهمت؟ ومع ذلك فتيمو شلاي الكبير أصغر من تيمو شلاي الصغير. نهرو؟
ومن في الهند لا يحب نهرو؟ بيني وبينك بعضهم لا يحبه، ولكني أحبه. أنا مثله اشتراكي، اشتراكي على طريقتنا.
أنا مثلًا علَّمت نفسي. إن أبي لم يعلمني، وأنا أعلِّم لال تيمو شلاي ابني، ومع هذا يقول عني أحيانًا إني يميني مُتطرف، أكثر يمينية من أتلى، وأحتفظ بها سرًّا. أحيانًا يكون على حق. أرجو عفوك. أنا أتكلم كثيرًا؟ أأنا ثرثار؟ ولكن أتعلم شيئًا؟ أنا أحب أن أتكلم كثيرًا، وأحب أن يكلمني الناس كثيرًا؛ إذ بالكلام نصبح أصدقاء، وبهذه الطريقة نجحت في مصادقة عدد كبير منكم. هذه الفتاة ذهبت إلى الكباريه، وجلست على مائدة. الكباريه قريب من الهرم، وأنت تعرف فتيات الكباريهات.
إنهن مثل الكباريهات متشابهات في كل أنحاء العالم. وجدت فتاةً قريبة من مائدتي. وطبعًا تعرف فتيات الكباريهات؛ عملهن أن يجلسن مع الرواد مُقابل مشروب؛ مشروب دائمًا باهظ الثمن. دائمًا أنت مضطر للدفع، وثمن مشروب كهذا كثير عليَّ؛ فأنا وإن كنت عضوًا في البرلمان الهندي، وهو مركزٌ مهم كان ذا صبغة رسمية، إلا أني لست غنيًّا. أنا رجلٌ فقير، ومع هذا فالناس يحبونني جدًّا في حيدر آباد. حيدر آباد هي ولايتي. لا بد أن تأتي يومًا وتُلقي نظرة على الهند، وترى حيدر آباد. ولا بد أن تتصل بي حين تأتي. لا بد! أنا كما ترى عضو في البرلمان؛ يعني أشغل مركزًا رسميًّا، وأستطيع أن أُريك أشياء لن تراها وحدك. أنا متأكد أنك ستحبُّ بلدي. هناك نحن نُحاول أن نبني؛ ولهذا فليست لدينا خلافاتٌ كثيرة. إذا اختلف الناس قل لهم ابنوا شيئًا، وحينئذٍ لا بد أن يتفقوا. أتعلم شيئًا؟ يجب أن يتزاور الناس لا ليعرفوا بلاد غيرهم فقط، ولكن ليعرفوا بلادهم هم. هنا أُحس بالهند أكثر، وحين تأتي أنت ستُحس بمصر أكثر، ترامكم بطيء مثل ترامنا، ولكنه سيسرع، سنسرع به أكثر، أليس كذلك؟ وحتى هذا الجو الحار يجعلني أحس كأني في بيتي. أتعلم ما حدث؟ أنا سعيد جدًّا بالقدوم إلى هنا. أتعرف لماذا؟ لقد وجدت كل شيء هنا يستيقظ وينمو، حتى نيلكم يُفيق ويُحاول أن يختزن ماءه المبعثر. أتعلم لماذا نحن فقراء؟ لأننا نائمون. ابني يقول هذا عن هذا يمينية، ولكنها حقيقة. في بلدي حيث عملت فلاحًا لفترةٍ طويلة كنت أحب جدًّا أن أرى الزرع؛ الزرع الصغير الأخضر، وسيقانه النامية تدفع عن نفسها التربة، وتبدو فوق سطح الأرض. أحب جدًّا أن أرى العِجل الصغير وهو لا يستطيع الوقوف على سيقانه ساعة ولادته، ثم حين يستطيع بعد هذا الوقوفَ والجري، ثم وهو يكبر ويكثر شحمه. وأنا أحب أن أرى الشمس وهي تُشرق. لا بد أن منظر الشمس وهي تشرق في مصر رائع. أتعلم ما هو أجمل شيء في الدنيا؟ الحياة. أتعلم ما هي الحياة؟ النمو.
أرجو عفوك! لقد استرسلت. كنت أودُّ جدًّا كما أخبرتك أن أتحدث مع الفتاة، ولم يكن معي من النقود ما يكفي إلا للضروريات. أحيانًا تُحس بحاجتك لمحادثة إنسان ما. ألا تُحس ذلك أحيانًا؟ ولم يكن معي من النقود، فأشرت لها وابتسمت، فجاءت وهي تبتسم. أتعلم شيئًا؟ إنكم شعبٌ أَلوف. منذ أربعة أيام كنت ماشيًا في الشارع ومعي سيجارةٌ غير مشتعلة، ولم يكن معي كبريت، وأنا أدخن كثيرًا كما ترى. وكلما قالت لي زوجتي هذا أدخن أكثر.
أنت تعرف عناد، زوجتي بنت عمي، تزوَّجنا ونحن لم نبلغ العشرين، وكنت أيامها لا أدخن. وبالمناسبة لم تُعجبني سجائركم المصرية رغم شهرتها العالمية. مسألة مزاج. أليس كذلك؟ هل تعتقد أن التدخين يسبِّب السرطان حقيقة؟ من ناحيتي لا أعتقد هذا. أتعلم شيئًا؟ يبدو أن كلامي أكثر من اللازم حقًّا. كنت أقول إني كنت فجأة ماشيًا في الشارع ومعي سيجارة غير مشتعلة.
وفجأة، أتعلم ما حدث؟ وجدت شخصًا يتوقف أمامي ويُخرج من جيبه علبة كبريت ويُشعل السيجارة. تصوَّر! دون أن أسأله! إن هذا لا يحدث في أي بلد من بلاد العالم. أتعلم شيئًا؟ إنكم أول شعب أراه يحب أن يعطي حتى ولو لم يأخذ. كل الناس تعطي وتأخذ. أنتم دائمًا على استعداد للعطاء، هذه هي قمة الإنسانية. هذا هو ما كنت أبحث عنه طول عمري. ما ديني؟ أتعلم شيئًا؟ في كل مكان يسألونني ما ديني. حين كنت صغيرًا كنت أعبد البقرة، ولكنني الآن أعبد الصداقة. أتعلم شيئًا؟ ولي صلواتي أيضًا. أنا أحس وأنا أتحدث معك أن بذور صداقتنا تنبت. ذاك ما أعنيه. عبادتي أن أزرع بذور الصداقة وأنميها.
أنا أحس الآن أني أصلي! اكسب صديقًا تخسر عدوًّا! أليس كذلك؟ تعلم شيئًا؟ لقد أعجبني الرجل الذي أشعل سيجارتي وتكلَّمت معه. كان يعرف فقط نعم ولا بالإنجليزية؛ «ييس» و«نو» فقط. وكان رائعًا؛ رائعًا أن تراه وهو يحاول أن يرحِّب بي ويبثني عواطفه بجملٍ إنجليزية مكونة فقط من نعم ولا، ولكنه ينطقها بطريقة تجعل للكلمتين آلاف المعاني، وتناولت معه الغداء. دعاني.
أتريد نصيحة؟ لا ترفض الدعوة أبدًا. كل دعوة تقبلها لا بد ستخرج منها بأصدقاء. أتعلم شيئًا؟ إن سكان العالم أكثر من العداوات التي فيه. هذه حقيقة أقسم لك. أكلت يومها طعامًا مصريًّا حقيقيًّا. أجل طماطية. أوه! نعم نعم طامية. لا لا. طعمية. نعم نعم. لقد قضوا معي وقتًا طويلًا يلقِّنونني كيف أنطقها. وكان غداءً جميلًا، تصوَّر! أحببت جدًّا بيت الرجل وأولاده، مصريون سمر صغار لا تملك إلا أن تحبهم. وزوجته وشبحها يظهر ويختفي من بعيد، وخجلها الشرقي يمنعها من الجلوس معنا، وهي تُنادي على زوجها بصوتٍ خافت حتى لا أنتبه أنها تطلب شيئًا أو أنهم ينقصهم شيء. وضحكات الرجل، أتعرف؟ ضحككم عجيب يُغْري بالضحك كرائحة الشواء التي تُغْري بالتهام الطعام. وتصوَّر! رأيت الرجل وهو يعمل. وهو يعمل رفًّا، إبرته صغيرة هكذا، ولكنه يعمل بها في حذقٍ شديد، كم كان هذا كله رائعًا! أتعلم شيئًا؟ لقد جئت مصر لأتفرج على شعبها، وأراه حين أصبح حديث العالم، ولكني اكتشفت شيئًا آخر. انظر ما حدث. تأتي لترى شيئًا، وإذا بك تجد شيئًا آخر. جئت أتفرج عليه فإذا بي أحبه. كم كنت غبيًّا! قضيت أربعة أسابيع بعد انتهاء المؤتمر في كلامٍ فارغ. كنت أتفرج على بلاد لا تهمُّني في شيء. كان يجب أن آتي إلى هنا مباشرة، هنا قلب العالم. هل أبالغ؟ أنا لا أبالغ. هنا قلب العالم. أتعلم ما سوف أقوله حين أعود إلى الهند؟ سأقول الحقيقة. أتعرف ما هي الحقيقة؟ أنني غبي. كان يجب أن آتي إلى هنا مباشرة، وليس هذا كل شيء، قابلت كونستابل — أنت تعرف؟ — كونستابل الذي إذا رُقي يصبح ضابطًا. من اللحظة الأولى صِرنا أصدقاء عظامًا، أعطاني صورته، انظر! أين ذهبت؟ ها هي ذي، يبدو كالهنود؟ آه! كنت أقول هذا، أتعلم شيئًا؟ كان ينطق الإنجليزية مثلي. هل لاحظت أني أنطق اﻟ «ال» واﻟ «دي» في فرقعةٍ مكتومة؟ كل الهنود ينطقون الإنجليزية هكذا، ينطقونها بلكنةٍ أردية، كانوا يقولون لي هذا في وارسو، أجل! وارسو في بولندا، أجل بولندا. كنت هناك في مؤتمر لدراسة مشاكل الشباب. أنا وإن كنت لا أعتبر نفسي شابًّا إلا أنني مهتم جدًّا بدراسة مشاكل الشباب. أتعلم لماذا؟ لأني أهتم دائمًا باليوم الذي سيجيء. والشباب هم الأيام الآتية. تعرف شيئًا آخر؟ لقد وجدت أن مشاكل الشباب في وارسو هي نفس مشاكلهم في دلهي! قابلني هناك شابٌّ صغير ناقشني في الموقف العالمي تمامًا كما يُناقشني لال تيمو شلاي ابني. نفس المنطق ونفس الحجج، ولكنه طبعًا لم يقل إني يميني متطرف. سأكتب كتابًا عن انطباعاتي حين أعود، أجل! كتابًا من حوالَي ٣٠٠ صفحة من الحجم المتوسط وغلافه بالألوان. عفوك! صديقي الكونستابل لقد أعجبت به جدًّا. أتعرف أنه دعاني لزيارة قريته؟ إنها قريبة جدًّا من القاهرة، تأخذ الأتوبيس الأصفر وبعد ١٥ دقيقة تكون هناك. لقد ذُهلت. أتعلم شيئًا؟ لم أكن أتوقع هذا فتصوَّر! لكأنني عُدت إلى قريتي تاتورا في حيدر آباد. أعجب شيء أني اكتشفت أن فقركم يُشبه فقرنا تمام، تصوَّر الوقت الذي أضعته أتفرج على بلاد لا أعرفها.
أنا هنا لا أتفرج، أنا أتغير، أتغير كل دقيقة. أنتم تستيقظون والحوادث تجري بسرعة. كل دقيقة يحدث شيء. أن تصبح بلادنا بلادنا ليس بالأمر السهل يا صديقي، ليس بالأمر السهل. تصور تأميم القناة. كنت وأنا بعيد أرى أنها خطوةٌ كبيرة لا يحتملها الموقف في العالم، ولا يحتملها شعبكم نفسه، ولكن انظر ما حدث. حين أصبحت هنا بينكم تغيَّر رأيي. وتصوَّر! فتاة كباريه التي حدَّثتك عنها تكلَّمت معها في تأميم القناة، نعم تكلمت معها. أعجب شيء وجدتها مُتتبعةً كل ما يحدث. أنتم شعبٌ رائع! تصوَّر اسمها باهيا، قلت هذا من قبل. يبدو أني أكرِّر نفسي، هذه كارثة. فتاة سمراء طويلة واسعة العيون، حواجبها مزجَّجة كما تفعل نساؤنا في الهند. تكلَّمت معها كثيرًا. أنت تعرف أني أحب أن أتكلم مع الناس كثيرًا. وتصوَّر! لقد حسبتني أيضًا في العشرين. كل من يراني يحسبني في العشرين، ولست أدري لماذا. كانت تتكلم معي بالإنجليزية، ولكنها كانت تخطئ باستمرار. سألتها كيف تعلَّمتها؟ أنا لا أخجل من توجيه الأسئلة، أنت تعلم. أن تدَّعي الجهل خيرٌ من أن تدعي العلم، أليس كذلك؟ سألتها كيف تعلَّمتها؟ أتعرف شيئًا؟ لقد اكتشفت أننا تعلَّمنا الإنجليزية من نفس المصدر. تصوَّر أين أنا وأين هي وتعلَّمناها من نفس المصدر. هي من البحارة والضباط الإنجليز في الإسكندرية، وأنا من عملي في الجيش الإنجليزي في الهند. اشتغلت معهم طوال الحرب. كانوا يدفعون جيدًا، ولكن العمل كان شاقًّا. تصوَّر هذا. الإنجليز علَّموا المصريين والهنود الإنجليزية، أرادوا هزيمتنا بتعليمنا لغتهم، فاستعملنا لغتهم في التفاهم بيننا. أليس هذا أروع؟ أوَتعرف شيئًا آخر؟ لقد تحدَّثت معها في مشاكلها؛ فأنا كما ترى مهتم بمشاكل الشباب، وهي لا تزال شابَّة. ومن ليلتها أصبحنا أصدقاء كبارًا. وبيني وبينك باهيا هذه جريئة جدًّا، سألتني أسئلةً كثيرة حتى خجلت أنا الرجل. تصوَّر أنا خجلت. كانت تبدو شريرة جدًّا، أي إنسان يراها لا بد يخاف. أنا خفت، ولكن أتعلم شيئًا؟ قلبها كان من الداخل أبيض مثل الساري الأبيض. أخ، يا لي من ثرثار! تصوَّر أنا بدأت أتكلم معك لأقول لك أغرب ما حدث لي مع باهيا، ولكني طول الوقت كنت أتحدث في أشياء أخرى. إنه أغرب ما حدث لي في مصر كلها، وإذا بي أشط وأنسى. إنه شيءٌ مُذهل يا صديقي لن تصدِّقه، ولكنه حدث، حدث لي مع باهيا. أتعلم لماذا قبِلت الجلوس معي دون أن أطلب لها المشروب الباهظ؟ حدث الأمر هكذا؛ حين اقتربت مني قلت لها يا فتاتي الطيبة أنا لست سائحًا. أنا رجلٌ فقير وأودُّ أن أتحدث معك قليلًا. هل أستطيع أن أفعل هذا دون أن أطلب لك شيئًا؟ قالت مستحيل، أنت تعرف أن هذا ضروري. قلت لها إني أحب أن أتكلم معك. أنا هندي من الهند وجئت أزور مصر، وأحب جدًّا أن أعرف الناس وأتحدث معهم، ولكن ليس معي إلا ما يكفي السفر. صحيح أنا عضو في البرلمان، ولكني رجلٌ فقير. هل هذه جريمة؟
وانظر ما حدث. قالت: أنت هندي؟
قلت: نعم.
قالت: كيف حالك؟
وسلَّمت عليَّ، فسألتها: لمَ هذا الترحيب المُفاجئ؟
فقالت: لأني أحب الهنود. أتعلم لماذا؟ لأنهم يقفون بجوارنا ضد الإنجليز. أرأيت هذا؟
سألتني: إذا حاربنا الإنجليز هل تُحارب معنا؟
قلت لها: يا فتاتي الطيبة، أنا مستعدٌّ أن أفقد رأسي من أجلك. ليس من أجلك أنت بالذات، ولكن من أجل شعبك.
طبعًا ليس من أجلها بالذات؛ فأنت تعرف أني رجلٌ متزوج ولي ابن يبدو أكبر مني سنًّا.
قالت: صحيح تُحارب معنا؟ قل الحقيقة، تُحارب معنا؟
قلت: إنني وشعبي كله مستعدون أن نفنى ونحن نُدافع عنك؛ أقصد ليس عنك أنت بالذات، وإنما عن شعبك.
وكنت أقولها وأنا مؤمن بما أقول إيمانًا عميقًا، ولكن انظر ما حدث. هلَّلت فرحًا وتحمَّست جدًّا. وأنا أحب الناس إذا تحمَّسوا؛ إنهم لا يكذبون حينئذٍ. هكذا كان يقول أبي. تحمَّست جدًّا، وشدَّت على يدي بقوة جعلتني أهتزُّ كلي. أنت ترى أنا صغير جدًّا، ومن السهل أن أهتز. شدَّت على يدي، وقالت: إجبشيان هند سوا سوا.
أتعرف شيئًا؟ لم أكن أعرف معنى سوا سوا، ولكني أحسستها؛ لأن قلبي ارتعش وهي تنطقها. أجل بشرفي دق قلبي هكذا دب دب كاللحظة التي يرى فيها العريس عروسه. انفعلت جدًّا، تصوَّر! الشرق شرقنا، الأرض الواسعة ذات الشمس والفقراء الطيبين الأقوياء بلادنا العزيزة. الصيحة وصلت الكباريه، وباهيا الطويلة السمراء الواسعة العيون ذات الأسئلة الجريئة والوجه الشرير، باهيا تأثَّرت جدًّا، هذا شيء كثير. أنت تعلم؟ يداي كانت في يديها. تصور، أيدٍ سمراء من الخارج ومن الداخل بيضاء بيضاء! وتصوَّر! أتدرك هذا؟ حين فقط تصافحنا بأيدينا صار لنا عشرون إصبعًا. نعم عشرون إصبعًا مُتزاحمة، إصبع أسمر بجوار إصبع أسمر. الطويلة ذات الوجه الشرير باهيا، أتعلم شيئًا؟ لقد كدت أفقد وعيي من الفرحة. وقلت لها: انظري هنا يا فتاتي الطيبة، أنا لست من رواد الكباريهات، أنا رجل متزوج ولي ابن يبدو إذا مشيت بجواره أكبر مني سنًّا، وأشغل مركزًا رسميًّا في بلادي، ولكن سوف أتشرف حقيقةً إذا قبِلت صداقتي.
وكنت أعنيها أجل تُشرفني. أتعلم شيئًا؟ من لحظتها صِرنا أصدقاء. أتعلم شيئًا آخر؟ لقد ظللت أردِّد لها اسمي خمس دقائق دون أن تلتقط منه حرفًا. نعم اسمي، أرجو ألا تكون نسيته. لا، ليس كيمورانجو، لا، تيمو، تيمو شلاي، ﻫ. ك. تيمو شلاي. أنت تعلم؟ لقد أخبرتك تيمو يعني شيئًا كالجوهرة. اسمٌ مُتعِب، أليس كذلك؟ ولكنه هندي مائة في المائة.