المجتمع الخلَّاق
عرْضُ أفكارك على الآخرين يجعلها أكثرَ قيمةً.
***
منذ بضع سنوات، أدركتْ هيئةُ السكك الحديدية السويسرية الحاجةَ إلى مُخاطَبة الفئات المستهدفة من الشباب بأسلوب أكثر فاعليةً، وراحت تدرس ما من شأنه إثارة اهتمام وحماس الشباب. عقد فريقُ التسويق مناقشاتٍ مطوَّلةً وتوصَّلوا إلى حل: تقديم عروض خاصة لعطلة نهاية الأسبوع للشباب بمقصورات القطارات، التي تغيَّرت ديكوراتها بحيث تشبه صالات الديسكو. وجاءت هيئة السكك الحديدية إلى برين ستور بهذه الفكرة، وعهدوا إلينا باختبار الفكرة على بعض الشباب؛ للتأكُّد من أنها جيدة حقًّا. استمَعَ الشباب إلى الفكرة، ووجدوها مملَّة. كانت الرسالة العامة التي احتوتها ردودُ الأفعال هي أن «قوة خدمات القطار تكمن في كونها خدمات قطارات، وليس صالات للرقص.» طالبَتْنا هيئة السكك الحديدية بإعادة التفكير في الفكرة مع الشباب، والخبراء، والمتخصصين؛ وكانت النتيجة هي «تراك ٧»، وهو عبارة عن بطاقة لركوب القطار للشباب حتى سن ٢٦ عامًا، والتي تُمكِّنهم، حال دفع تكلفة ركوب القطار لمرة واحدة في السنة، من السفر مجانًا في كل القطارات في سويسرا من الساعة السابعة مساءً حتى آخِر قطار ليلًا. لقد أدَّى التعاون بين الأطراف الداخلية (العملاء) والأطراف الخارجية (الشباب/الخبراء) إلى فكرة أكثر تشويقًا بكثير من المحاولة التي قام بها خبراء التسويق بمحطة السكك الحديدية السويسرية.
(١) ما الفكرة الجيدة؟
تتميز الفكرة الجيدة حقًّا بأنها بسيطة، وغير متوقَّعة، ومناسبة. وهي تضم جميع المتناقضات: فيجب أن تنطوي على قدر كبير من المُجازَفة، وتظل مع ذلك سهلةَ التنفيذ. يجب أن يتحدث الجميع عنها، ولكنْ ينبغي ألَّا تثير حنقَ العملاء الحاليين. ينبغي أن تكون سليمة علميًّا وأكاديميًّا، وفي نفس الوقت مُبتكَرة للغاية. لعلك تود خلق خدمة جديدة يراها العملاء ثورية، ولكن تظل في نطاق احتمال الموظفين. وربما تود تبسيط الإجراءات إلى حد كبير دون إزعاج الأشخاص المعنيِّين، أو تجميل تصميمِ منتَجٍ ما دون خسارة العملاء الحاليين.
إذا كنتَ تبحث عن فكرةٍ، فأنت إذًا بحاجة إلى دراسة جميع الاحتمالات والاعتراضات منذ البداية؛ فأنت دائمًا تبحث عن المشاركة والإضافة، ومع ذلك ينبغي ألَّا تضحي بجاذبية الفكرة خلال هذه العملية، ويظل لِزامًا أن تكون بسيطة، وغير متوقَّعة، ومناسِبة.
الفكرة الجيدة بسيطة، وغير متوقَّعة، ومناسِبة.
(٢) التوليفة الجيدة تؤدِّي إلى أفضل نتيجة
إن خلق الأفكار الوجيهة بمنزلة تحقيقِ عمليةِ توازن، وهو شيء يبدو مستحيلًا للوهلة الأولى؛ شيء أشبه بتوحيد ثقافتين مختلفتين. بإيجاز: إنه إنجاز صعب. كثير من الباحثين عن الأفكار يخفقون في تحقيق هذا الإنجاز؛ لأنهم يرتكبون خطأ قاتلًا؛ فهم يحاولون خلق تناقض دون تفكير في المتناقضات، فتجدهم يتركون توليد الأفكار لمجموعة متجانسة، عادةً ما تتألف من أشخاص من داخل الشركة، أو وكالة، أو مستشارين. والمجموعة المتجانسة تكون لديها رؤية متشابهة للأمور؛ فهي تظل داخل إطار معين، ولا تفحص المتناقضات، ولا تطرح أسئلةً غير متوقَّعة، ولا تشكِّك في الحقائق والمبادئ والقوانين غير المدونة. إن مجموعة من الأفراد الذي يفكرون بنفس الأسلوب قد يجد أفرادها ألفةً كبيرة بينهم، إلَّا أنهم لن يخلقوا سوى أفكارٍ روتينية رتيبة. وقد أوجزَتْ أورسولا رينولد، نائبة مدير الوكالة الفيدرالية السويسرية للتعليم المهني والتكنولوجيا، هذا بشكلٍ رائع بقولها: «كل الأفكار التي نطوِّرها في محيط دائرتنا المغلقة هي ببساطة مرجعيات لأفكار قائمة.» وهذه الأفكار المرجعية جميعًا تتحرك في اتجاه واحد، ومتوقَّعة، ونادرًا ما تثير الانزعاج، وتسير مع تيار ثقافة الشركة. مَن الذي سيتحمَّس لها؟ مَن الذي سينزعج منها؟ ومَن سيدافع عن مثل هذه الأفكار ويقنع الآخَرين إلى أن يرغبوا هم أيضًا فجأةً في تأييد الفكرة؟
(٣) الابتكارات المهمة تثير انزعاج الناس
عادةً لا تكون الأفكار التي تُولد من قِبَل مجموعات متجانسة ابتكاراتٍ ذات أهمية؛ فتوليدُ وتحقيق ابتكارات ذات أهمية أمرٌ غير مريح ويتطلَّب الكثير من العمل والجهد. وتنفيذُ فكرة جيدة أيضًا ليس جزءًا عاديًّا من النشاط اليومي؛ ولذلك يُعتبَر أمرًا معقدًا ولا يُعامَل كأولوية.
ثمة مثال من شركة دوبونت يبيِّن ذلك بوضوح: قامت دوبونت، التي تُعدُّ واحدة من أبرز الشركات المصنِّعة للمواد الاصطناعية (مثل التيفلون والليكرا)، بتطوير بوليمر يتحلَّل بيولوجيًّا يُسمَّى «بيوماكس». تتميَّز هذه المادة بخواصَّ مثيرةٍ إلى أقصى حد؛ من بينها حقيقة أنها تتحلَّل لدى احتكاكها بالماء، وحينها واجَهَ مطوِّرو المادة سؤال: أين يمكن استخدامها؟ أو لمَن يمكن أن تكون ذات أهمية؟ كان البحث عن الأفكار صعبًا لعدد من الأسباب؛ لم يكن العلماء أنفسهم في موقعٍ يؤهِّلهم لوصف مادتهم الرائعة بكلمات بسيطة، فالزملاء الذين تعامَلوا مع مواد أخرى ونجحوا في خلقِ موضعٍ لها في السوق يُنظَر إليهم كمنافِسين أكثر من موفِّرين للأفكار. ولم تَعتبر إدارةُ الشركة أن المساعدة في توليد الأفكار من بين المهام المنوطة بها. ولم تبدأ الغيوم في الأفق في الانقشاع إلَّا عندما اقترحت برين ستور جمْعَ العلماء مع أشخاصٍ من خارج الشركة، والبحث عن الأفكار بطريقةٍ منظَّمة وممنهجة. وبدلًا من التلاعب بسؤال: «ماذا سوف تفعلون بمادتنا؟» طرحنا سؤال: «تخيَّلْ أنك ميكروب، ماذا تريد أن تأكل؟» على سبيل المثال. وعلى الفور توالَتِ احتمالاتٌ غاية في الإثارة لاستخدام بيوماكس، بفضل التصادُم بين ثلاثة أكوان (العملاء، الأطراف الخارجية، السؤال الصحيح)، كاستخدامه، على سبيل المثال، في أعقاب السجائر، أو في عِصِيِّ الحلوى المثلجة.
إن الاتجاه الفطري لمجموعة متجانسة تواجِه فكرة جديدة، تجلب معها الكثير من الجهد والشك في مرحلتَي الإعداد والتنفيذ، نحو التراجُع واتخاذ القرار باتخاذ الطريق السهل؛ لَهُوَ ردُّ فعلٍ بشري محض. فالمشروعات المعقدة والأفكار الجريئة تكون مخيفة في البداية؛ فالناس يتجمدون ويشعرون بالعجز لأنهم يخشَوْن المجازفات، ويرون التحديات التقنية مُقبِلةً نحوهم، ولديهم تخيُّلات لكلمة «فشل» وكأنها تنجرف نحوهم عبر الأفق مثل سراب. والخوفُ من تحقيقِ فشلٍ ضخم، ومن ثَمَّ المُخاطَرة بمسارك المهني، واحدٌ من أكثر الأسباب شيوعًا لعدم تنفيذ الأفكار الجديدة أو حتى عدم اكتشافها من الأساس. يُضاف إلى ذلك أن التفكير داخل حيز فردي يتجلَّى بشكل قوي: فالابتكارات عادةً ما تكون مسئوليةَ التطوير والبحث، ولا تجرؤ الأقسام الأخرى على الاقتراب من الموضوع أو يتقهقرون نظرًا لما ينطوي عليه الأمر من مصاعب ومشكلات.
لهذا السبب، نجد أن الكثير من المنتجات والخدمات التي تباع كابتكارات جديدة اليومَ، لا تعدو كونها مجردَ تطويرٍ هامشي وتحسينات لا تُذكَر لمنتجاتٍ قائمةٍ بالفعل. لا يوجد ما يعيب مثل هذه التحسينات؛ فهي مهمة للغاية لدورة حياة المُنتَج، ولكن يجب ألَّا تباع حقًّا كابتكارات جديدة.
إن أي منتج جديد — أو خدمة جديدة — هذه الأيامَ، يحتاج إلى تمييزه عن سابقيه وعن المنتجات المنافِسة. يمكنك بالطبع أن تجعل هذا التمييز على مستويات السعر والتسويق، ولكن هذا يقف عند حد معين فقط؛ إذ إن الملعب هنا أصغر بكثير. إن التمييز الحقيقي يحدث فقط كنتاجٍ لفكرة جديدة، والفكرةُ الجديدة تكون جيدة فقط إذا كانت تجلب معها تمييزًا حقيقيًّا عن الموجود. والمجموعاتُ المتجانسة نادرًا ما تنجح في الوصول إلى ذلك.
(٤) التعبيرات القاتلة تعني موت جميع الأفكار
-
أعرفُ ذلك بالفعل.
-
لقد جرَّبنا ذلك من قبلُ.
-
المنافس يفعل ذلك بالفعل.
-
إنه باهظ التكلفة.
-
لا يمكننا القيام بذلك.
-
هناك صعوبات تقنية.
-
سوف يرفض المدير ذلك.
-
إنه لا يلائم صورتنا.
-
سوف نجعل من أنفسنا أضحوكة.
-
ليست لدينا معرفة كافية عن ذلك.
-
لا يمكن تنفيذ ذلك.
إنهم مكابح حقيقة للأفكار؛ ومن ثَمَّ فهم يجعلون عملية توليد الأفكار صعبة ومنفرة. هل تعتقد حقًّا أن الأفكار غير المتوقَّعة يمكن العثور عليها من خلال عملية صعبة ومنفرة؟
إذا كان الأشخاص أنفسهم دائمًا هم مَن يلتفُّون حول الفكرة، فإن الحججَ القاتلة هي أول الأشياء التي تظهر، وليس الأفكار الجديدة. فكل فكرة جديدة يُنظَر إليها من منظور «لماذا لا يمكن أن يجدي هذا؟» بدلًا من منظور «كيف يمكن أن يجدي ذلك؟» وهذا كفيل بتدمير كنوز الأفكار قبل حتى أن تُنتشَل من مكمنِها.
بالإضافة إلى أولئك الذين يقولون «لا»، هناك أيضًا مَن يقول «إنها ملك لي»؛ فمعظم الناس هذه الأيام يعتقدون أن الأفكار مِلك لشخصٍ ما. إن امتلاك فكرة جيدة والشروع في استخدامها في الوقت المناسب يُعتبَر أمرًا مفيدًا لتطوُّرك المهني؛ لذلك ينبغي أن تخدم الفكرةُ أهدافَ الفرد بشكل أساسي، وبعد ذلك فقط تفيد الشركة أو حتى السوق. فإذا أخبرتُ الآخَرين بفكرتي في التوقيت الخطأ، أو أخبرتُ الشخصَ الخطأ، فمن الممكن أن يكون لذلك تأثير سلبي على مسيرتي المهنية؛ فمن الممكن أن تُقابَل الفكرة بالرفض، أو يُروَّج لها بعد بضعة أسابيع من قِبَل «الشخص الخطأ»؛ وهكذا تكون هذه هي النهاية لترقيتي ودافعيتي، بل إن هذا قد يُعِيق التبادُلَ بين المجموعات المتعددة داخل شركة واحدة. فرَدًّا على سؤالٍ يتعلَّق بعمليات تجديد المنتجات، طرحَتْه مجموعاتُ شركة نستله الأخرى حول العالَم في إحدى السنين، قال لنا أحد كبار المديرين: «نحن لا نريد حتى أن نعرف، وإلَّا فسيأتون إلينا ويسرقون ابتكاراتنا.» وما زلتُ لا أفهم ما يفترض أن يسوء تبادل عمليات تجديد المنتجات بين المجموعات المختلفة من نفس الشركة حول العالم.
«تلك كانت فكرتي!» أو «لقد سرقت فكرتي!» هو ما تسمعه في مناخ يسوده الرغبة في التملك والاستحواذ. الأمر الغريب هو أن الناس عادةً ما يسعدون بالحديث عن أفكارهم، ويستمتعون بالفعل بمشاركة أفكارهم مع الآخَرين. إن ثقافة الشركة هي ما تجعل الناس نزاعين إلى الاستئثار بأفكارهم عن طريق مكافأتهم على هذا السلوك؛ فحينئذٍ فقط يشعر الشخص بالحاجة إلى امتلاك «فكرته» والاحتفاظ بها لنفسه لأطول وقت ممكن؛ كي يستخدمها لمنفعته الشخصية في مرحلةٍ ما بدلًا من إخبارِ الآخَرين بها ومشاركتها معهم، لكي يستطيع الجميع الانتفاع بها.
نحن هنا في برين ستور ننتهج أسلوبًا مختلفًا تمامًا؛ فلدينا قناعة بأن الفكرة تتطور أكثر كلما أُتِيح للمزيد والمزيد من الأشخاص المختلفين العملُ عليها. فالعملية تجمع العديد من قِطَع الأحجية معًا وتحوِّلها إلى فكرة جيدة؛ حينئذٍ يكون هذا ببساطةٍ النتاجَ النهائي المنطقي لعملية مدارة بشكل جيد، مثلما تكون الشوكولاتة هي النتاج النهائي لتسلسُل محدد بوضوح من خطوات العمل في مصنع للشوكولاتة. نحن على وعي تام بأن هناك أيضًا إلهامًا وروحًا مبدعة في عملية تصنيع الشوكولاتة، ولا يختلف الأمر في توليد الأفكار، بالطبع نحن نحتاج إلى الإلهام، والفوضى، وحب الاستطلاع، والمفكِّرين غير التقليديين، إلَّا أن هذه الأمور جزءٌ من العملية وليست أداءات فردية. وهذا أحد الأسباب التي تجعل برين ستور تكافئ كلَّ مَن يشارك في عملية لتوليد الأفكار بمقابل مُحدَّد سلفًا؛ فكلُّ مَن يساهم بشيء، حتى ولو بمجرد سؤال أو ابتسامة في اللحظة المناسبة، قد ساهَمَ بشيء في نجاح الفكرة؛ فعمليةُ توليد الأفكار تحتاج إلى أشخاصٍ يحفِّزون الآخَرين ويدفعونهم، وأشخاصٍ يراقبون، وأشخاصٍ يُحلِّلون. ووجهاتُ النظر المختلفة والمهاراتُ المختلفة تساهم في إنتاج فكرة جيدة أكثر بكثير من شخص واحد مهما كان عبقريًّا.
يقدِّم لنا التاريخ، بالطبع، عددًا لا حصرَ له من الأمثلة لومضات عبقرية من الإلهام من أشخاص عاديين، ومخترعين حمقى، ومهندسين «مجانين». وهذا الأسلوب في توليد الأفكار له فاعليته وقيمته جنبًا إلى جنب مع البحث المنهجي عن الأفكار. ولكن هل من المحتمل أن يقدِّم عالِمٌ مجنون اقتراحًا يُقبَل ويمكن تنفيذه مثلما تقدِّمه مجموعتنا المتباينة؟
(٥) السماح للعوالم المختلفة بالتصادم
-
يتميَّز الشباب بالجرأة وعدم التكلُّف، وهذا يكون بمنزلة فيروس مُعْدٍ بشكل كبير في ورشة عمل مشتركة مع صُنَّاع القرار.
-
يتميز الشباب بالأمانة والمباشرة؛ فهم يقولون ما يدور بخَلَدِهم؛ ونتيجةً لذلك غالبًا ما يكون لهم تأثير ملطف. خذْ على سبيل المثال دانيال ذا الثلاثة عشر عامًا القادم من لندن؛ فقد سأل ذات مرة أعضاءَ الإدارة العليا المجتمعين لمتجر سي آند إيه للأزياء والموضة، إنْ كانوا هم أنفسهم يرتدون ملابس من سي آند إيه، وراح الواحد تلو الآخَر يعترف، في حنق، بأن جواربهم وملابسهم الداخلية، على أقصى تقدير، جاءت من سي آند إيه. فكَّرَ دانيال في الأمر لبضع ثوانٍ، ثم قال: «ولماذا إذًا تتوقَّعون منَّا أن نرتدي هذه الملابس؟» فضحك الجميع، ثم عادوا — وعلى وجوههم ارتياح واضح — إلى العمل، تحديدًا إلى البحث عن أفكار جديدة لسي آند إيه.
-
الشباب يمكنهم العمل بسرعة وبكفاءة، ومن خلال ذلك يدفعون المديرين المشاركين في العملية نحو أعلى مستويات الأداء؛ ففي الكثير من مشروعاتنا، يندهش عملاؤنا كيف يظل الشباب ينضحون بالأفكار، ويواصلون التخيُّل في نهاية يوم العمل. وهذا «الخُلُق في العمل» مُعْدٍ وينقل الانطباع بأن العمل يمكن أن يكون متعة.
-
التدرُّجات الهرمية في الفريق تصبح بلا قيمة من خلال إشراك الشباب؛ لأن الشباب لا يهتمون بالتدرُّجات الهرمية، ولأنهم يشرعون في العمل بعفوية شديدة، حتى إن المسئولين التنفيذيين عادةً ما يبدءون في فعل الشيء نفسه، عاجلًا أو آجلًا. وقد كانت لدينا أمثلة لفِرَق إدارةٍ اعتاد أفرادها مخاطَبةَ كلٍّ منهم الآخَر بشكل رسمي باستخدام الألقاب لسنوات، وفجأةً بدءوا في دعوة كلٍّ منهم الآخَر بالأسماء الأولى خلال مرحلة توليد الأفكار. وقد رأيتُ مديرين يتخلَّوْن عن تحفُّظهم في وجود الشباب، ويخبروننا بعد انتهاء ورشة العمل أنهم شعروا كما لو كانوا وسطَ نافورة من الشباب. بالمناسبة، نحن نخبر الشباب قبل بدء العمل أنَّه مِن شبه المؤكد أن المديرين يخافونهم أكثر مما يخافون هم المديرين. وهذا صحيح حقًّا؛ فالعديد من الخبراء المُحنَّكين ذوي الخبرة كانوا يتصلون بنا قبل يوم من بدء ورشة عمل توليد الأفكار؛ ليسألونا عمَّا ينبغي أن يرتدوه، وكيف يجب أن يكون سلوكهم.
-
الشباب يعملون بسرعة وكفاءة ويجدون سهولة في التركيز، وهم يبيِّنون لعملائنا أن العمل يُؤتِي نتائجَ جيدة، ويمكن مع ذلك أن يتخلَّله الكثير من المتعة والمرح. ودائمًا ما يُذهَل عملاؤنا من طول الفترة التي يستطيع الشباب التركيز خلالها على مهمةٍ ما، ومدى سرعتهم في التعلُّم، وإلى أي مدًى يكونون أكثر انتعاشًا ونشاطًا في نهاية ورشةِ عملٍ مدتها ثماني ساعات، من المديرين المعتادين على الضغط.
-
الشباب يتعلَّمون بالفعل بسرعة بالغة، ولم يفقدوا بعدُ فضولَهم الطفولي تمامًا، على الرغم من قضاء عدة سنوات في النظام التعليمي؛ فهم يستوعبون المعلومات سريعًا ويربطونها ببراعة بالمعلومات والمعارف الأخرى. ففي بعض الحالات لا يعلم الشباب أي شيء يُذكَر عن منتَجٍ أو خدمةٍ ما في بداية ورشة العمل؛ هم فقط يتعرَّفون بشكل تقريبي على مضمونه في «مركز المعلومات»، وهو برنامج قصير يعرض فيه العميل أو برين ستور بإيجازٍ موضوعَ البحث عن الأفكار. وقد استمعتُ إلى أسئلة الشباب عن شتى أنواع الموضوعات، من التخلُّص من النفايات النووية، والطريقة التي تعمل بها مبيدات الأعشاب الضارة التي يتم اختيارها، أو طريقة عمل طائرةِ رجالِ أعمال فخمة؛ إلى الموضوعات الشبابية التقليدية مثل: التسويق للفعاليات والأحداث، أو المشروبات، أو أنظمة الترفيه المنزلي أو الموسيقى، وأضطرُّ حقًّا لتصحيح آراء كلِّ متشائم يشكو من قلة اهتمام الشباب اليوم. وغالبًا ما يطرح الشباب أسئلة قاطعة وحاسمة نظرًا لصدقهم وسذاجتهم الفطرية.
-
لا يتسم الشباب بحب التملك فيما يتعلَّق بالأفكار؛ فهم يجدون متعةً في اللَّعِبِ بالحلول الجديدة، وبناءِ قلاعٍ في السماء، وإيجادِ اقتراحات مجنونة. وأي مشارِك شاب في فِرَقنا الإبداعية لن يسأل نفسه أبدًا إنْ كان ما يفعله له معنًى أم لا، هو فقط يُلْقِي بنفسه داخل المياه وعلى الفور يشعر وكأنه سمكة. ويستمتع الشباب بأفكار الآخَرين ويُدخِلون عليها مزيدًا من التطوير، من خلال إيجادِ نسخة جديدة، أو تبنِّي منظور جامح، أو طرح الكثير من الأسئلة؛ وهم بذلك يزوِّدون عملاءنا بمسارات جديدة للتفكير؛ فأجد الكثيرَ من عملائنا يقولون فجأةً: «لم أفكِّر في الأمر بهذا الشكل من قبل.» ويكونون على استعدادٍ لأول مرة للنظر إلى موضوعٍ ما بأسلوب جديد.
-
إن التعبيرات القاتلة على غرار: «لن يُجدِي هذا»، و«لقد جرَّبناه بالفعل»، و«نعرف ذلك»، و«هذا محض حماقة»؛ تعبيراتٌ غريبة على الشباب؛ لأنهم ليسوا مدموجين في هياكل الشركات، فهُمْ ينظرون إلى الاقتراحات الجديدة بفضولٍ وحبِّ استطلاع، ويَسْعدون بإدخال مزيدٍ من التطوير عليها بدلًا من المسارعة بوَأْدها بحجة قوية ومُقنِعة؛ لذلك فالمراهق لديه القدرة على جعل مهندس طائرات خبير ومحنك يمضي بضعَ دقائق في التفكير فيما سيحدث لو تحرَّكت قمْرة القيادة في طائرةٍ من أقصى الأمام إلى أقصى الخلف، وأُضِيفت نقاطُ رؤيةٍ جذابة في الأمام (وهو اقتراحٌ لم يكن للمهندس أن يصرِّح به قطُّ، وتوصَّل في النهاية إلى فكرة مختلفة تمامًا، وهي تزويد الركاب برؤية من القمْرة، بتصميم كاميرا تقوم بنقل زاوية الرؤية الخاصة بالطيارين إلى الشاشات في المقاعد).
-
وأخيرًا، يمثِّل الشباب جيلًا جديدًا يشعر بالارتياح في التعامل مع أشكال التكنولوجيا الجديدة، وتقنيات التسويق، والإعلان، والعلاقات العامة كما لم يفعل أيُّ جيل قبلهم.
منذ عام ١٩٨٩ وأنا أرى كيف يبدأ الشباب وصُنَّاع القرار العمل معًا على أمرٍ ما في غضون دقائق، وكيف يخلقون شيئًا جديدًا معًا دون انتقادِ الحالي، وكيف يمرحون ويضحكون معًا. ورأيت كيف أن الأشخاص الذين لم يكونوا ليتبادلوا كلمة واحدة أحدهم مع الآخر، يرتادون مسارات جديدة معًا تحت ضغطِ وقتٍ رهيب. ورأيت كيف تلتقي مجموعتان مختلفتان تمام الاختلاف معًا باحترام، وحب استطلاع، وقدرة على الإبداع والابتكار. إن هذه اللقاءات تغمرني بالسعادة في كل يوم من حياتي العملية، وتجعلني أحترم الأطراف الداخلية والخارجية، التي تغامِر بالإقدام على هذه الخطوة.
حتى الأشخاص الشكَّاكون، الذين واجَهوا العملية في البداية بانعدامِ ثقةٍ، يسيرون بمعدل سريع، لدرجةِ أنهم الآن يستطيعون بالكاد التوقف بعد مرحلةِ إحماءٍ واستعدادٍ بطيئة نوعًا ما. تخيَّلْ تلميذًا بالمدرسة في الثالثة عشرة يجلس على الأرض مع مديرِ تسويقٍ بأحد البنوك، ويستغرقان تمامًا معًا في الحديث عن موضوعٍ ما، معتمِدَيْن على ملصق دعائي.
(٦) كيف تعمل الشبكة؟
سوف تواجِه صعوباتٍ في بناء شبكة منهجية من الأطراف الخارجية بنفسك، أو في الاستعانة بالشباب في مشروعاتك الأولى لتوليد الأفكار. ولكن عند تصميم مجموعتك، سوف يفيدك أن تفهم لماذا وكيف نفعل ذلك في برين ستور، وكيف تعمل شبكتنا، وكيف نختار المشارِكين في وِرَش العمل.
إن جميع الشباب الذين يشاركون في شبكتنا مسجَّلون في قاعدة بيانات إلى جانب مهاراتهم الفردية؛ ويمكن أن تكون المهارة، على سبيل المثال: القدرة على التحدُّث بلغةٍ أخرى، أو التمتُّع بمهارات جيدة بشكل خاص في الإنترنت، أو أن يكون الشخص قد أمضى طفولته في بلد غريب، أو تكون عبارة عن هوايةٍ مثل تولِّي تحرير مجلة مدرسية أو قيادةِ مجموعة كشَّافة. على حسب المشروع، تُشكَّل مجموعة يتمتع أفرادها بالمهارات المهمة للمشروع المَعْنِي، ونقوم بنشر الاشتراك في أي مشروعٍ كفرصةِ عملٍ على الإنترنت أو في قنوات أخرى، ويتقدَّم المشاركون المحتمَلون للوظيفة، ويقدِّمون معلوماتٍ عن مهاراتهم (وفي كثير من الحالات يضطرون لإثباتِ مهاراتٍ معينة بالاستعانة باستبيان)، وبعدها نكون في موقعٍ يُمكِّننا من دعوةِ أنسب الأشخاص للمشروع. ويتم كل هذا بالاستناد إلى شبكة الإنترنت باستخدامِ نموذجِ استمارة على أية قاعدة بيانات كبيرة متاحة تجاريًّا، ويمكن لأعضاء الشبكة توسيع وتحديث بياناتهم ومهاراتهم باستمرار؛ فمجرد رحلة إلى بورما، يمكن — على سبيل المثال — أن تساعد في اكتساب مهارات جديدة على غرار «مسافر إلى وجهات غريبة» أو «خبير في آسيا»، إذا استطاع عضْوُ شبكةِ «المجتمع الخلَّاق» أن يُظهِر ما تعلَّمَه وواجَهَه أثناء الرحلة بأسلوبٍ ملائم. يتم توليف فِرَق العمل بعنايةٍ من أشخاص ذوي اهتمامات مختلفة، ومن مناطق وفئات عمرية مختلفة، ومن مستويات تعليمية مختلفة، وهكذا نخلق فريقًا شديد التنوُّع والتباين.
يُمكن للشباب المشارِكين بالفعل في العديد من المشروعات المتنوعة الاستفادةُ من إمكانياتِ وفرص التقدُّم والتدرُّب كوسطاء، أو مقرري اجتماعات، أو مديري مشروعات؛ لذلك يظلُّون ضمن الشبكة حتى عندما يتجاوزون مرحلةَ الشباب، وغالبًا ما يتم إشراكهم كخبراء في مجالاتهم المتخصصة. ولعل من النماذج الجيدة لمثل هذه المسيرة المهنية لورينت، مديرَ اتصالاتنا ذا الأربعة والعشرين عامًا؛ فقد بدأ مسيرته المهنية في برين ستور حين كان في الثانية عشرة، وشارَك في أحد مشروعات الأفكار لأول مرة. وقد لاحظنا في المشروع الأول أن لورينت في غاية البراعة؛ إذ يقوم لورينت بربط جميع الحقائق والمعلومات المستمَدة من المشروع بمعرفته العامة الشديدة الاتساع بمهارة، وتتفجر منه أفكار رائعة. في ذلك الوقت كان لورينت طفلًا يافعًا مفرط النشاط نوعًا ما، يحمل بداخله قدرًا بالغًا من الطاقة، ولكنْ لحسن الحظ كان يحظى بوالدين يعرفان كيف يوسِّعان قدرةَ طفلهما بشكل فعَّال. وإلى جانب دروس البيانو والتشيلو، ومشروع مجلته المدرسية والعديد من المشروعات الفنية، قدَّمت له برين ستور خطةً للتعامُل مع هذه الطاقة، ولم يخيِّب لورينت أملنا مطلقًا على مدار كل هذه السنين؛ ففضلًا عن المشاركة في وِرَش عملِ توليدِ الأفكار، دائمًا ما كان يعمل على مشروعات داخلية في الإجازات. ولصِغَر سنه كان يمضي ساعات الليل مع موظفي برين ستور، ودائمًا ما كانوا يتلقَّون مكالمات هاتفية من والدة لورينت في المساء للتأكُّد من أن صغيرها قد غسل أسنانه. كانت هذه أقل مخاوفنا، فقد كان من الصعب كفاية محاوَلةُ إيجاد مفتاح «إيقاف عقله» قربَ منتصف الليل، وإقناعه بالتفكير في الذهاب إلى الفراش. وفي سن السادسة عشرة أصبح لأول مرة قائدًا لمشروعِ إنتاجِ مجلةٍ عن موضوع التغذية، موجَّهةٍ للفئة العمرية ما بين ١٤ إلى ١٨ عامًا. كان صيفًا شديد السخونة، ولن أنسى أبدًا دَفْعي لورينت بكامل ثيابه في بحيرة بيل الدافئة، التي تبلغ حرارتها ٢٤ درجة لكي أجعله يهدأ من الداخل والخارج؛ حيث كان يلهث بشدة بعد مناقَشةٍ لا نهايةَ لها حول الاسم المحتمَل للمجلة. واليومَ يعيش لورينت ما بين برلين وبيل، أسبوعًا هنا وأسبوعًا هناك، ويعتني بكل مشروعات برين ستور للاتصالات، من المراسلات البريدية والنشرات الدعائية إلى العلاقات العامة وجهات الاتصال الجديدة، وهناك العديد من الموظفين مثل لورينت، المرتبطين ارتباطًا حرًّا ببرين ستور، يمكنهم أن يصبحوا أعضاءً فاعلين مجدَّدًا في مشروعات لعملائنا.
(٧) شبكة صغيرة تتمدَّد
بدأت برين ستور نشاطَها في عام ١٩٨٩ بشبكة في غاية التواضُع من الشباب من سويسرا. كنا ندعوهم للمشاركة في مشروعات مع عملاء كانوا يريدون التعرُّف على فئة «الشباب» المستهدفة بشكل أفضل، وواتَتْهم الجرأة للجلوس على طاولة واحدة معهم. في أواخر الثمانينيَّات، كان الرأي السائد في سويسرا هو أن «الشباب» هم الأشخاص ما بين سن الخامسة والخامسة والعشرين، الذين يمكن استمالتهم لأي منتج على وجه الأرض عن طريق منشورٍ إعلاني باللغة الإنجليزية، والأسطوانات الموسيقية، والألوان الصاخبة. ويا له من خطأ فادح! فأي شخص ينظر إلى فئة الشباب المستهدفة عن كثب، حتى في ذلك الحين، كان يجد أن «الشباب» منقسِم إلى ثقافات فرعية متنوعة، وأن الشباب — شأنهم شأن الكبار — ليسوا جميعًا مهتمين بنفس الشيء، بل بمجموعة متنوعة من الموضوعات المختلفة.
كان من أوائل مشروعاتنا توسيع قاعدة انتشار حملة «أَوْقِفوا الإيدز» التابعة لوزارة الصحة السويسرية، والتي كان من المُزمَع أن تتوافق مع اهتمامات الفئة العمرية ما بين ١٥ و١٩ عامًا؛ وفي سبيل هذا الغرض، جاء الشباب من جميع أنحاء سويسرا إلى الوكالة الإعلانية المُنظِّمة لحملة «أَوْقِفوا الإيدز» آنذاك في برن، وقاموا بتطوير وتقييم العديد من الأفكار المتنوعة، وكانت إحداها مُقنِعة بشكل خاص: إعلان من صفحتين نُشِر في المجلات لأطفال المدارس، وأُلصِقت قطعة من العلكة على اليسار، برعاية شركة هوليوود للعلكة، وكُتِب أسفلها: «من أجل التقبيل»، وعلى الجانب الأيمن أُلصِق واقٍ ذكري في علبة مزيَّنة بقلب أحمر اللون مُذَيَّلة بعبارة: «ضد الإيدز»، وقد لاقى الإعلان نجاحًا كبيرًا في مدارس سويسرا. في تلك الفترة، كان موضوع الإيدز لا يزال من المحظورات، فثار الكثير من المدارس، لا سيما المدارس الداخلية الكاثوليكية، بسبب الإعلان. كانت الخدعة أن الإعلان قد نُشِر من خلال المجلات المدرسية المستقلة على صعيدَي التمويل والمحتوى عن الإدارة المدرسية في سويسرا، وكانت الخطوة الوحيدة التي يمكن للمدارس اتخاذها هي حظرَ بيعِ المجلة داخلَ حدود المدارس؛ الأمر الذي أدَّى بالطبع إلى زيادة مثيرة في المبيعات أمام بوابات المدارس مباشَرةً.
وبالتدريج أشرَكْنا الشبابَ في شتى أنواع مشروعات توليد الأفكار؛ تلك المَعْنِية بالفئة المستهدَفة من الشباب، ولكن أيضًا في المشروعات الأخرى التي نضطر فيها، على سبيل المثال، إلى النظر إلى الأشخاص الأكثر ثراءً. وأثبَتَ منهجُنا في الإشراك المنهجي للشباب جدارتَه في كل المشروعات على مدار الأربعة عشر عامًا.
(٨) الخبراء والمتخصِّصون والمفكِّرون الجانبيون
في شبكة الأشخاص المستقلين الذين نستعين بهم، والتي تمتد الآن في سائر أنحاء العالم، لن تجد شبابًا فقط، ولكنك ستجد أيضًا خبراء، ومتخصِّصين، ومفكِّرين من شتى الأنواع: أساتذة جامعيين في جامعات متعددة، أو خبيرًا في الشوكولاتة، أو استشاريَّ تغذية، أو متخصِّصًا في العلاج بالتنفُّس، أو مديرَ سيرك، أو متخصِّصًا في الكائنات البرمائية في البرية، وحتى رجل الإطفاء الطائر (الذي يقفز من طائرة على حريقٍ بنِيَّة إطفائه). ولدينا في الشبكة «مصمِّم شرح» لا يمكنه فعل شيء آخَر (مثلما يقول هو نفسه) سوى شرح الأمور الصعبة للآخرين من أجل استيعابها بلغةٍ مَجازية بسيطة. ولدينا أيضًا كاهنٌ امرأة — وكان من المعتاد أن يكون من الرجال — ومنتجُ أفلام، وخبيرٌ في الإنسان الآلي، ومتخصِّص في الحياة البرية، ومطرب أوبرالي، ومصمِّمُ منتجات، ومصمِّمو جرافيك، وفنيون، ومطوِّرون، ومشرفاتُ حضانة، ومعلمون، وأخصائيون نفسيون، وخبيرٌ في اليابانيات، وعلماء في السياسة، وغير ذلك كثيرون. وهم قادمون من سويسرا، وألمانيا، والنمسا، وإنجلترا، وفرنسا، والولايات المتحدة، وهولندا، والمكسيك، والهند، واليابان، وسنغافورة، وهونج كونج، والبرازيل، والصين، وأجزاء أخرى من العالم. وتنمو الشبكة كلَّ يوم (وتضم اليومَ حوالي ٢٥٠٠ عضو، نصفهم تقريبًا من الشباب). ولا تعمل شبكتنا على أساسِ التعاون الثابت، ولكن على أساسِ الارتباط الحر، الذي يُفعَّل حين يتطلَّب أحد المشروعات تلك المهارات المتخصِّصة. ويتقدَّم المتخصِّصون للوظائف بنفس الطريقة التي يتقدَّم بها الشباب، من خلال تسجيل مهاراتهم، والتي تُختَبر إنْ لزم الأمر.
عند إدراج شخصٍ ما في مشروع، فإنه حينئذٍ يلعب دورًا ما لفترةٍ من الزمن محدَّدةٍ بوضوح، ثم يغادر المشروع، وعلى حسب الوظيفة المنوط بها يمكن أن يستمر الالتزام لبضع ساعات (بالنسبة إلى المشاركين في ورشةِ عملٍ لتوليد الأفكار، على سبيل المثال)، أو بضعة أيام (بالنسبة إلى استكشاف الاتجاهات أو مقابلات الأفكار، على سبيل المثال)، أو عدة شهور (بالنسبة إلى مدير مشروع، على سبيل المثال)؛ الشيء المهم هو أنه دائمًا ما يكون الالتزام تجاه المشروع الحالي فقط في كل حالة. ويضمن لنا نظامُ دعوةِ أشخاصٍ معيَّنين للمشارَكةِ القدرةَ على إدراجِ أولئك الأشخاص ذوي الصلة بالمشروع، إذا كان لديهم وقت كافٍ متاح، ولديهم الحافز للعمل على المشروع بكل كَد.
يمكن تعديل النظام باستمرار، وهو يعمل وفقًا لمبدأ الوصول إلى الأداء المثالي، فقط إذا كان الوقت المتاح للبحث عن الأفكار مقيَّدًا، حينها نبحث عن مشاركين وأعضاء للمشروع في محيط مكاتبنا، وحين يستلزم الأمر — نظرًا لاعتبارات الوقت — نلجأ لتسويات في عملية الاختيار؛ لأن أهم شيء في المشروع هو السرعة. ومع ذلك يحظى عميلنا بفريق مختلط، يتفق مع مبدئنا في إشراك أطراف داخلية وخارجية. أما إذا توافر لدينا وقتٌ أكبر وميزانيةٌ أعلى، فيمكننا توسيعُ دائرة بحثنا عن عاملين مستقلين مناسبين للمشروع من «مجتمعنا الخلَّاق»، ونقوم بتجميع فريق مختلط مثالي بحق، غالبًا ما يضم خبراء على مستوًى رفيع.
تقوم برين ستور بتجميع فريق جديد تمامًا من العاملين المستقلين لكل مشروع؛ فهذا من شأنه أن يتفادى الأفكارَ المكوَّنة سابقًا، والتفكيرَ الهرمي، واستنزافَ الطاقة. والجهدُ اللازم لقيادة فريق كهذا جهدٌ كبير، وينبغي تخطيط عملية تدريب الأفراد تخطيطًا جيدًا؛ وما نتحصَّل عليه من ذلك، فضلًا عن التوليفة المثالية، هو المرونةُ العالية والكفاءة.
(٩) المشروعات الحسَّاسة
يقلق كثير من عملائنا على أمور السرية والأمان حين يسمعون لأول مرة عن هذه الشبكة، والحقيقة أننا لم نواجه أيَّ مشكلة قطُّ في ذلك على مدار الأربعة عشر عامًا التي أمضيناها في هذا النشاط؛ والسبب الأول في ذلك أن جميع المشاركين بالمشروعات الذين يأتوننا من خارج الشركة لا تتوافر لديهم أبدًا جميعُ المعلومات عن المشروع المتاح أمامهم، فقط النقاط المتصلة بهم. ولكنْ ما هو أهمُّ أن تَوجُّهنا الهادئ نحو فكرة «الأمان» قد ساهَمَ بالتأكيد في حقيقةِ أن مشاركينا لا يفكرون مجرد تفكيرٍ بشأن مسألة «السرية»؛ هم فقط يعملون معنا على فكرة جديدة، وعادةً ما يتم إخبارهم أيضًا بهُوِية العميل (ما لم يُطلَب العكس بشكل صريح)، وبمجرد إتمام المشروع بنجاحٍ يتم أيضًا إبلاغهم بالنتائج من قِبَلنا. ونظرًا لأننا لا نكافئ الأداءَ الفردي، وإنما نكافئ الجهدَ المبذول في مشروع محدد بشكل واضح، لم نواجه أيضًا أية مشكلة فيما يتعلَّق بالرغبة في تملُّك الأفكار؛ فكلُّ مَن يعمل معنا يكون على دراية تامة بأنه يساهم بقطعة من الأحجية في نجاح المشروع برمته.
من المهم أيضًا تجميع فريق جديد تمامًا لكل مشروع؛ حتى لا تحدث متلازمةُ استنزافِ الطاقة مطلقًا.
بالطبع نحن نأخذ على مَحْمل الجد رغبةَ عملائنا في السرية وحماية البيانات الحساسة؛ فكلُّ مشارِكٍ في مشروع يوقِّع على اتفاقٍ ينصُّ على عدم استخدام البيانات والمعلومات الواردة في المشروع إلا فيما يخص المشروع، ونعتبر أيَّ تحذير أو تنويه آخَر نوعًا من المغالاة أو قد يأتي بنتائج عكسية.
(١٠) الأطراف الداخلية والخارجية في ابتكارات الشركة
إذًا ما الذي يمكن أن تفعله لتطوير أفكار مبتكرة لصالح شركةٍ ما، على أن تكون الأفكار بسيطةً، وغير متوقَّعة، وفي نفس الوقت ذات صلة؟ يمكنك إدراجُ آراء متناقِضة في كل مشروعِ ابتكارٍ منذ البداية. لعل المناظير الثلاثة الأكثر ارتباطًا هي المنظور الداخلي والخارجي والإدارة المحايدة للعملية؛ فالأشخاصُ الذين يعملون في شركتك يدعمون المنظورَ الداخلي تلقائيًّا، والأشخاصُ الذين يعملون خارج الشركة يدعمون المنظورَ الخارجي تلقائيًّا، والجمعُ بين المجموعتين هو فقط ما سوف يتيح لك تطويرَ أفكارٍ جديدة وغير متوقَّعة، والإدارةُ المُحايِدة للعملية تُفسِح المجالَ لإجراءٍ منظَّم.
إن إدراج مستويات هرمية مختلفة، وممثِّلين لمجالات وظيفية مختلفة في الشركة، سوف يمكِّنك ببساطة من توسيع المنظور الذي يُنظَر إلى الفكرة من خلاله على نحوٍ كبير؛ ومن ثَمَّ تجني الكثير. هل فكَّرتَ في إشراك السيدة التي تقدِّم الوجبات في مَقْصِف شركتك في عمليةٍ لتوليد الأفكار؟ من المؤكد أن لديها بعض الأشياء للمُساهَمة بها.
ولكنَّ وجهات النظر النابعة من داخل الشركة لن تكون كافيةً للتوصُّل إلى أفكار بسيطة، وغير متوقَّعة، وذات صلة حقًّا؛ ينبغي أيضًا أن تضم أشخاصًا من الخارج. من المحتمل أنك لن تنجح في إحضار أي شباب إلى الطاولة، ولكنْ يمكنك أن تجرِّب ذلك مع الطلاب. تجنَّبْ هؤلاء الذين تطوَّروا بالفعل إلى أشخاصٍ ليس لديهم أي اهتمامات خارج إطار مجالهم. يمكن أيضًا أن يكون المتدرِّبون في شركتك خيارًا جيدًا؛ نظرًا لقُرْبهم من شخصية الشباب بمنظورهم الخارجي للأمور، ولكنهم مع ذلك موجودون داخل الشركة. ولا بد، بالطبع، أن تدير ورشةَ عملٍ مع الأطراف الداخلية والخارجية وتتحكم فيها عن قُرْب.
فكِّرْ، مع كل من الأطراف الداخلية والخارجية، في وجهات النظر التي تريدها بالفعل. غالبًا ما يكون الخبراء المحنَّكون أقلَّ إثارةً من المستخدِمين؛ فحين كنا نطوِّر أفكارًا لتغليف وتعبئة الدواء لصالح شركة دوبونت، على سبيل المثال، لم نُشرِك خبراء في التغليف، بل أشركنا العديد من أعضاء فريق التمريض بمستشفًى قريب، وكانت معرفتهم الخبيرة المستمَدة من التعامُل اليومي مع التغليف أكثر قيمةً بالنسبة إلينا في هذه المرحلة من رأي مُصَمِّمي الأغلفة المؤهلين بشكل ممتاز، الذين قد يكون احتكاكهم بالعالم الواقعي محدودًا. فكِّرْ أي وجهات النظر تحتاج إليها أشدَّ الاحتياج من أجل مشروعك: أهي وجهة نظر المُستخدِم، أمْ وجهة نظر خبيرٍ ذات أساس نظري؟ هل من المحتمَل أن تحتاج أيضًا إلى مفكِّر جانبي، يناقش كل شيء وينظر إلى كل شيء بأسلوب مختلف تمامًا عنك؟ كل ما نستطيع أن ننصحك به ألَّا تحيط نفسك بأشخاص مريحين يفعلون دائمًا ما تطلبه منهم، بل أَحِطْ نفسك بأشخاص مزعجين يناقشون ما تفعله من الصباح حتى المساء، ويدفعونك أحيانًا إلى اليأس، فسوف يكون لذلك نفعٌ أكبر بكثير لمشروع توليد الأفكار الخاص بك، وسيدفعك إلى آفاقٍ أبعد بكثير.
بالإضافة إلى تشكيل الفريق، تحظى الإدارة المحايدة للعملية بأهمية كبيرة؛ فحين يتعلَّق الأمر بالأفكار، يرغب الجميع في أن يكون لهم رأي، ولا بأس في ذلك، ولكنْ أن يكون لك رأي وتلعب دورًا في اتخاذ القرارات فهذه مسألة تحتاج إلى توجيه ورقابة مستقلة. أنت أيضًا بحاجةٍ إلى شخصٍ ما من آنٍ لآخَر يوجِّه المشروع بقدر معين من السلطة.
مثال لفريق متوازن لمشروع ضاغط لتوليد الأفكار
المنظور الداخلي
• المهندس من قسم التطوير بما له من معرفة متخصصة في موضوع الفكرة.
• المدير الإداري بما له من سلطة.
• مشرف خطِّ الإنتاج الذي يملك معرفةً ممتازة بالماكينات والآلات.
• مدير التسويق نظرًا لمسئوليته عن الفكرة.
• المتدرِّب الفضولي المحب للاستطلاع في قسم التسويق.
• ممثِّلو المبيعات والماليات.
المنظور الخارجي
• ثمانية طلاب (إناث وذكور على حد سواء).
• خبير في الشأن الروسي (لأن المشروع يتعلَّق بالسوق الروسية).
• عملاؤك الثلاثة الأفضل.
مَن ينبغي أن يديره؟
• منسق ذو خبرة، يمكنه حتى أن يتصدَّى للمهندس الذي دائمًا ما يقول «لا».
مفاهيم جوهرية: «المجتمع الخلَّاق»
• أشرِكْ أطرافًا من الداخل والخارج على حد سواء في كل مشروعٍ لتوليد الأفكار، واحرصْ على أن تكون هناك إدارة محايدة تتميَّز بالكفاءة.
• ابحثْ عن أكبر قدر ممكن من وجهات النظر من داخل الشركة ومن خارجها. والمشارِكون المثاليون هم، على سبيل المثال: الطلاب، وربَّات البيوت، والشباب، والأشخاص من داخل الشركة الذين لا يتم إشراكهم عادةً في مشروعات توليد الأفكار. يمكنك أيضًا الاستعانة بالمتخصصين، أو العملاء، أو الاستشاريين كخبراء ومتخصصين.
• ينبغي أن يتراوح حجم المجموعة المشارِكة في ورشة عمل توليد الأفكار ما بين ثمانية أشخاص كحد أدنى ومائتَيْ شخص كحد أقصى؛ وهناك علاقة متوازنة بين الأطراف الداخلية والخارجية في الأحوال المثالية. وفي المراحل المتأخرة من المشروع سوف يكفي وجود مجموعات أصغر حجمًا، وستتألف في أغلب الأحيان من خبراء (أربعة إلى ستة أشخاص، منهم إدارة المشروع).
• أجزِلِ الأجرَ للمشاركين على جهودهم، واحرصْ على أن يغطيَ هذا الأجر تكلفةَ حقوق الطبع والنشر. حدِّدْ للمشاركين حجمَ العمل المطلوب بشكل محدد: ما المتوقَّع منهم، وكم ستكون مدة مشاركتهم، وما الشروط المسبقة التي ينبغي أن يستوفوها؟ اعقدِ اتفاقاتٍ مسبقًا فيما يتعلَّق بالسرية، وحقوق الطبع، والمساهَمة المنشودة (مجال التخصص، المنظور).
• ينبغي أن يُدعَى المشاركون صراحةً كلاعبين في الفريق؛ فالأشخاص الشديدو الفردية، أو الذين يرغبون في الظهور والتميُّز عن الآخرين بأي ثمن، يعطِّلون العملية. شدِّدْ على أنك تبحث عن مساهمات ووجهات نظر جديدة، ولكنْ سيُجرَى البحث عن الفكرة في عملية مشتركة.
• كافِئ على المشاركة في العملية، والجهود المبذولة لإيجاد حل، وليس نتائج الأفكار الشخصية.
• في المشروعات الأطول أجلًا، استعِنْ بشخص من الخارج ليقوم بمراجَعة ونقد الأفكار بشكل دوري. كوِّنْ فريقًا جديدًا لكل خطوة في المشروع (يمكن للفريق الأساسي، بالطبع، أن يظل في موقع المسئولية طوالَ فترة المشروع كاملًا).
• «شارِكْ بجرأة»؛ كنْ سخيًّا تجاهَ المشاركين بالمعلومات الخاصة بالمشروع. لا تحبس المعلومات خشيةَ أن يتسرَّب شيء إلى الخارج؛ فالتحفُّظ على المعلومات لن يجلب أية أفكار جديدة، ولكنِ اعْقدِ اتفاقاتٍ مع المشارِكين بشأن السرية والخصوصية.