يجب أن نمارس الحياة
لا أتمالك أن أقول كلمة لشبابنا من الجنسين، وهم يستقبلون كل عام جديد: إنه عام سيزيد أعمارهم سنه فهل هو سيزيدها حياة؟
إنه يجب على كل شاب أو فتاة أن يولد من جديد في بداية كل عام … وذلك بأن يراجع حياته الماضية ويقلب صفحات الأصول والخصوم فيها، ما كسب منها من الأخلاق العليا والعادات الحسنة والثقافة الصحية، والصحة في النفس والجسم، وما خدم به أمَّته وعائلته، ويقابل هذا بصفحات الخصوم مما خسر ووقع فيه من عادات وأخلاق لا يجب بقاؤها، ومن إهمال للثقافة والصحة، ومن إهمال لخدمة المجتمع.
إن أحسن الأنواع للاستمتاع هو ذلك الذي يزيد حياتنا حيوية وتوسعًا وتعمقًا، بحيث نحس أننا أحيا ممَّا كنَّا، ولن يتحقق لنا ذلك إلا بمجهودات متوالية للاستزادة من الحياة.
وإنما نستزيدها بأن ننمو وبأن نتطور وبأن نرقى، وبكلمة أخرى أن نعيش في طموح، وأن ننظر النظرة الايجابية للحياة، فلا نقنع بالإقلاع عن عادة سيئة، وإنما نعمد أيضًا إلى اتخاذ عادة حسنة، ولا نقنع بتجنب رذيلة وإنما نمارس فضيلة؛ ذلك لأن الهدم وحده لا يكفي، إذ يجب أن نبني.
فلا تَشْكُ أيها الشاب أن ظروفك سيئة وأنها تؤخرك، فأنا أعرف وأسلم بما فعلته بك الظروف السيئة، ولكن ماذا فعلت أنت بها؟ هل سكتَّ وخضعت؟
إننا نعيش في وسط يؤثر فينا ونؤثر فيه، ويجب أن نؤثر فيه ونغيره، وإذا لم نستطع نغيره فلننقحه، ويجب أن يسعى كل منَّا لأن تكون لحياته دلالة، يجب أن يكون رجلًا يدل.
- (١)
إبطال عادة التدخين واستبدال هواية حسنة بها.
- (٢)
قراءة ودراسة عشرين كتابًا عصريًّا للمؤلفين الجادين الذين يهدفون إلى التنوير.
- (٣)
العودة إلى اللغة الأجنبية التي كنت قد تعلمتَها في المدرسة وكدت أن تنساها، تعود إليها الآن لدراستها والانتفاع بما فيها من مؤلفات متمدنة.
- (٤)
مصادقة الشبان المتطورين الذين يحيون حياة دالة.
وكثيرًا ما أتأمل أحد الناس يمارس المحماة أو الطب أو التجارة أو الزراعة، فأجد فيه مهارة وذكاء كما أجد مثابرة وإخلاصًا لحرفته، وهو لذلك ناجح في حرفته.
ولكن حين أواجهه وأتحدث إليه نفسًا لنفس وأتغلغل في أعماقه وأصارحه حتى أحمله على مصارحتي، لا أتمالك الإحساس بأني إزاء رجل جاهل يحيا في هذه الدنيا ولا يدرى أنه يحيا.
وذلك أن أول ما يجب أن نحترفه في هذه الدنيا أو نمارسه كل يوم ليس هو المحاماة أو الطب أو الزراعة أو التجارة، وإنما هو الحياة.
يجب أن نحترف الحياة ونمارسها.
إننا نحيا على كوكب من الكواكب الصغرى في هذا الكون يحتوي خمس قارات من اليابسة، وهذا غير ثلثيه من الماء، ومن حقنا في السبعين أو الثمانين سنة التي نحياها عليه أن نعرف هذه القارات الخمس وندرس أرضها ونرى جبالها وأنهارها ومدنها وناسها، وأن ندرس مختلف الثقافات واللغات ونتقن اللغة الفرنسية حتى نعرف الأفكار الفرنسية كما ندرس الإنجليزية كيما نعرف الأفكار الإنجليزية والأمريكية.
ومن حقنا أن نختبر فنعرف طرب الحب في شبابنا بل طيلة حياتنا، وأن نجد الأشعار في الأشجار، وأن نعرف الأحياء الأولى في البحار، وأن نقف تحت هيكل الدينصور في متحف باريس ونحيي هذا الأخ القديم الذي انقرض قبل مئة مليون سنة، وترك لنا هيكله الذي يزيد مئة ضعف من هيكلنا كاملًا، حتى نتأمل ونفكر ونفلسف.
ومن حقنا أن نقرأ الفلاسفة الذين انحنوا وخضعوا، والذين ثاروا ونهضوا، وأن نفكر أحسن مما فكروا ونجرؤ أكثر مما جرءوا.
ويجب ألَّا تخدعنا حرفة العيش، حرفة الكسب الجزئية، عن احتراف الحياة الكلية وممارستها، والحياة هي في النهاية حب وجهد، وتطور وارتقاء، وهي اختبار مباشر بلقاء الناس والأرض والمدينة والريف، وهي أيضًا اختبار غير مباشر بالكتب نقرأ فيها الفلسفة والعلم والأدب والفن.
ثم يجب ألَّا نؤجل الحياة، إذ علينا أن نستمتع بكل هذه الأشياء ونحن بعدُ قادرون على الاستمتاع، أما إذا أجَّلنا حتى نمتلئ بالشيخوخة فالدنيا علينا حرام والشيخوخة والموت سواء.
وهذه النظرة للحياة ليست لها قيمة فردية فقط؛ إذ إن لها قيمة أخرى للمجتمعات البشرية، إذ لو كانت الحياة رسالتنا الأولى لكان تفكيرنا الأول يتجه إلى عواملها وليس إلى عوامل الحرب والموت والدمار التي تفكر فيها المجتمعات المتمدينة الآن.