اطلب الدلالة
هل هو رجل يدل؟
هل هو كتاب يدل؟
يجب أن ننشد الدلالة فيمن نصادق من الناس أو نقرأ من الكتب.
أي يجب أن نتجنب الرجل التافه الذي ليس لحياته ولا لأفكاره دلالة، ذلك الذي يحيا جزافًا ويتحدث جزافًا وليس له هدف، وكذلك الكتاب التافه الذي نمضي الساعات أو الأيام في قراءته فلا نستدل منه على شيء ولا ننتفع به.
والرجل المُسِنُّ مثل الكتاب الحسن، تعبر حياته عن كفاح، فإننا نعيش في عصر يحفل بألوان من الشرور التي ورثناها عن الماضي، والرجل الحسن هو الذي يكافح هذه الشرور في شخصه ثم في مجتمعه، يكافحها في شخصه بأن يعيش وهو يرتقي، ويتغلب على الفقر والإهمال حتى يصير لحياته دلالة، أي تَعَلَّمَ ومهر في فن وكسب قوته وعال عائلته وخدم وطنه وأثار عقله، وكذلك الكتاب الحسن هو الذي يبعث في نفوسنا روح الكفاح للشرور العامة ويحملنا على الشرف والإنسانية.
وتزداد دلالة الرجل، كما تزداد دلالة الكتاب، إذا كُنَّا نجد في كليهما هدفًا عظيمًا زيادة على روح الكفاح، بحيث نتصفح حياة الأول أو نقرأ الثاني، فنجد أنهما يسيران نحو غاية معينة، وبمعنى آخر لا نجد نشاطًا أو كفاحًا يذهب هباءً ولغوًا، وإنما نجد الحكمة في هذا النشاط الذي يصل بنا إلى غاية شريفة في ارتقائنا الشخصي أو العائلي أو الاجتماعي أو الإنساني.
ويزداد الهدف قيمة إذا كان ينطوي على تغير أو تطور، بحيث نكافح من أجل طراز جديد حسن من الأخلاق أو الآداب أو الاقتصاد أو الإنتاج أو الحرية، وعندئذٍ تكبر قيمة الهدف حتى ليُعَدَّ رسالة؛ ولذلك أعظم الأدباء والساسة والاجتماعيين هم أولئك الذين يحملون رسالة يخدمون بها مجتمعهم ويغيرونه كما لو كانوا أنبياء.
كان فكتور هيجو أدبيًا عظيمًا في فرنسا، وقد جعل من حياته وكفاحه رسالة هي محو الملوكية وإيجاد الجمهورية ونجح، ويجب لذلك ألا نستغرب ما فعله سكان الهند الصينية الذين علقوا صورته في الكنائس والمعابد واعتبروه قديسًا؛ فإن عصرنا الحاضر قد استنبط معنى جديدًا للقداسة لم يكن يعرف أسلافنا، فإننا نعد من القديسين فكتور هيجو الذي دعا إلى الجمهورية، وفليمنج الذي اهتدى إلى عقاقير البنسلين، وويلسون الذي قال بتقرير المصير للشعوب المقهورة …
أدباء وعلماء وساسة لكل منهم رسالة، وكل منهم لهذا السبب رجل يدل.
فاسأل نفسك أيها الشاب من هو الأديب الذي تحبه لأنه كافح وهدف وأصبحت له رسالة يحيا بها ولها من أجل الارتقاء والخير؟