النوم شقيق الموت
يقال إن النمل لا ينام، وإنه يعيش في يقظة ليلًا ونهارًا. وهذه هبة عظيمة لأن النوم هو غيبوبة تجعلنا والموت سواء، وكل ما يتبقى لنا من الحياة وقت النوم هو هذا القليل من النشاط البيولوجي الذي يَتَّسِمُ به النبات.
فالنوم هو شفيق الموت. ونحن حين نعمر سبعين أو ثمانين سنة إنما نقضي في هذا الموت نحو عشرين أو خمسة وعشرون سنة. نقضيها ونحن على غير وجدان بلذة الحب أو نشاط العمل، أو يقظة التفكير أو الاستمتاع بقراءة الكتاب أو تصفح الطبيعة أو بالتأمل الفلسفي لهذا الكون.
ونحن نَلْتَذُّ الطعام حين نجوع، ونتخير الأطعمة ونعالجها بما يسرنا إن لم يسعدنا، ولكننا لا نجد أيَّة لذة في النوم إذ هو غيبوبة يعطل فيها إحساسنا وتعقلنا معًا، هو موت يجب أن تطرح مدته من حساب حياتنا لأننا لم نعِش فيها.
ولكننا كلنا مضطرون إلى أن ننام، وهذا الاضطرار هو استبعاد فسيولوجي نتمنى لو نستطيع التغلب عليه حتى نعيش ٢٤ ساعة في اليوم يقظين مفكرين مستمتعين بالحياة.
وإلى أن نبلغ هذه الحال يجب أن نقنع بالمفاضلة بين رجل ينام ليله ثم يقيل بعد الغداء، وآخر يحيا طوال نهاره ويؤجل موته إلى ساعات الظلام، فإن هذا الثاني اليقظ يعيش أكثر من الأول وإن تساوى كلاهما في العمر.
لقد عشت في إنجلترا وفرنسا سنين، فلم أعرف أحدًا دون السبعين ينام بعد الغداء، مع أني أعرف شبانًا في مصر يقيلون ساعات كل يوم، وقد يكون لإرهاق الحر في الصيف بعض العذر لهذه القيلولة، ولكني أعتقد أن الأساس لهذا الفرق هو أن الأوروبيين ينشطون إلى الحياة واليقظة في حين نحن نتراخى ونتقاعد، ولعل مرجع ذلك أنهم يتفاءلون ونحن نتشاءم؛ ولذلك يغشاهم السرور فينشطون، ويغشانا الكمد فنتثاقل ونفتر وننام.
ومهما يكن السبب فلنذكر على الدوام أن النوم هو شقيق الموت، وأن علينا أن نتجنبه بقدر المستطاع كما نتجنب الموت.