اسأل مجرب
«اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» مَثَلٌ من أمثلة العامة التي تضر أكثر مما تنفع؛ فإن الأم التي ولدت ١٥ ولدًا ومات منهم ١٤ وبقي واحد تعد نفسها مجربة، مع أنها مجربة في قتل الأطفال وليس في بقائهم.
ولكن لهذا المثل قيمته مع ذلك، بل قيمته العملية التي تعمل بها أمريكا الآن.
ذلك أنه أسست جمعية من السكارى التائبين الذين أدمنوا شرب المسكِرات وعانوا المرض والإفلاس ثم شُفُوا تمام الشفاء، وأمضوا السنين وهم لا يحسون أي حنين للخمور، وهذه الجمعية تتبنى السكارى العاجزين عن التوبة بالإقلاع التام عن شرب الخمور، وطريقة التبني أن العضو التائب يرافق العضو السكير ويشرح له كيف أقلع هو عن الخمور، ويحذره من العواقب التي يوشك أن يقع فيها.
ويجد الاثنان ألفة وصداقة إذ تربطهما نكبة سابقة ونكبة قائمة، كما يجدان التفاهم لهذا الاشتراك نفسه، وفي أغلب الحالات تتحقق الغاية ويتوب السكير المدمن ويعود سويًّا مثل رفيقه.
وقد بعث نجاح هذه الجمعية بعض المفكرين في أمريكا أيضًا على اتباع هذه الطريقة مع المنكوبين الذين زَلَّتْ عقولهم وتزعزعت نفوسهم، فبدلًا من أن يُرْسَلَ المريض إلى مستشفى الأمراض العقلية، حيث يجد نفسه مغمورًا بين عشرات ومئات غيره من المرضى، تعمد الجمعية — المؤلَّفة من المرضى السابقين الذين شفوا تمامًا — إلى اختيار أحد أعضائها لمراقبة المريض، والاختيار هنا يعني أن يكون العضو المرافق قد عانى نفس المرض الذي يشكو منه المريض، واجتماع الاثنين يحدث ألفة وتفاهمًا وصراحة، ويستطيع المريض السابق أن يفهم العلامات والخيالات والتوترات التي يبديها المريض الجديد؛ لأنه هو نفسه قد عاناها؛ ولذلك فإن كلماته تقع من رفيقه الموضع الحسن الذي لا يحمل معنى الأمر أو القسر.
ونجاح عملية السكارى السابقين في شفاء السكارى الجدد ليس برهانًا على أن هذه الجمعية الجديدة ستنجح، ولكن هنا بابًا لتجربة جديدة تستحق الالتفات والبحث.
والمريض المبتدئ يحتاج إلى عناية طبيب سيكولوجي، والمبادرة هي تسعة أعشار النجاح في الشفاء، أما إذا تأخر أهل المريض في المعالجة فإن العواقب تكون جد وخيمة، ولكن يبقى بعد ذلك السؤال: هل إرسال المريض إلى مستشفى الأمراض العقلية أنفع له من بقائه بمنزله بين أهله وإخوته أم لا؟
ظني أن الطبيب المعالج هو صاحب الرأي الحاسم هنا؛ لأن المرض قد يكون مَرَدُّهُ إلى البيت نفسه، أو قد تكون للمريض وثبات مؤذية.
ولكن جمعية المرضى السابقين سواء للسكارى أم للشاذين فكرة حسنة تستحق الدرس في بلادنا.