لا تخش القلق
ليس هناك سيكلوجي إلا ويحذر من القلق والهم وما ينتجان من توترات تتعس المهمومين القلقين، بل أحيانًا تقتلهم بأمراض تتناول الجسم مع أن بؤرتها الأصلية نفسية فقط.
والسيكولوجي يحذر من الهم أو القلق كما يحذر طبيب الجسم من السم؛ إذ ليس من شك أن الهموم سموم، ولكن قليلًا من السم ينبه الجسم ويزيد الحيوية، وكذلك الشأن في الهم والقلق؛ فان النفس تتنبه بالقليل منهما، والجسم ينشط والعقل يتذكى.
وهناك كتاب لا أستطيع أن أمدحه ألَّفه أمريكي بعنوان «أنا نيوروزي وفخور بذلك» وهو يعني أنه مريض نفسيًّا ويفخر بمرضه، ولا أستطيع أن أمدحه لأني عندما تصفحته وجدت أن المؤلف يعالج في جميع فصوله طرق التخلص من «النيوروز» أي التوترات النفسية التي تتعس المريض ولكنها لا تصل إلى حد الجنون أو ما نسميه جنونًا.
ومع ذلك فنظرية المؤلف سليمة، وهي أن قليل من القلق ينفعنا، القليل فقط.
ذلك أننا بلا قلق لا نكاد نفكر أو ننشط، فنحن في حاجة إلى عقبات ومصادمات تثير انتباهنا وتحثنا على الكفاح والعمل، وقد كان جوتيه الأديب الألماني العظيم يقول: «في صدري — مع الأسف — نفسان»، وهو يعني بذلك أنه على الدوام يجد صراعًا بين عقله وعاطفته، أي بين الإنسان والحيوان الكامنين فيه، أي بين العقل الواعي والعقل الباطن.
ولكن لماذا قال جوتيه: «للأسف»؟
قال ذلك لأنه كان يجد نفسه متعبًا وأحيانًا مرهقًا للصراع القائم بين العاملين المتضادين في صدره، ونستطيع أن نفهم ذلك إذا عرفنا أنه كان يحب ويعشق بعد سن السبعين، فكان في صراع بين عقله الذي يطالبه بالتحفظ والوقار، وبين عاطفته التي تحفزه على البوح والاستهتار، وهنا الأسف.
ولكن لو لم يكن جوتيه يحس التوترات المتوالية في مواقفه الاجتماعية والذهنية لما كان مفكرًا عظيمًا، وكما أن الجسم يخمد ويفتر عندما لا يجد المقاومة، حتى يحتاج إلى أن نقدم له القليل من السم حتى يتنبه ويقاوم، فإننا كذلك نحتاج إلى شيء خفيف من القلق ينبه أذهاننا ويوقظ نفوسنا وضمائرنا حتى نفكر ونكافح.
ورجل بلا قلق لا يحمل الهموم ولا يحس التوترات هو حيوان، ولكن العبرة هي أن نقف عند حد معين من القلق.