الإنسانية أسمى أنواع الذكاء
تبدو صفات الذكاء في الناس متنوعة متفاوتة، فهناك الذكاء التجاري الذي يلمع فيه صاحبه الثقوب التي ينظر منها إلى الجنيه والقرش، وهناك الذكاء العلمي الذي يخترع ويكتشف، وهناك ذكاء الأديب الذي يجمع إلى طرب الأسلوب جمال الفكرة، ولكن أعظم أنواع الذكاء وأسماها هو الإنسانية.
ذلك أن الإنسانية هي إحساس وعقل كما هي وجدان وطرب، وحين نكون إنسانين يزداد وجداننا حتى ليحتوي الحيوان إلى جنب الإنسان، بحيث نأنف من إيذاء نملة بلا سبب، وبحيث نكره القسوة في معاملة الدواب قبل الأطفال.
والرجل الإنساني يحيا في هذه الدنيا كما لو كان أمًّا ينظر إلى الناس بقلبه وعقله وليس بعقله فقط، وهو هنا ذكي بل هو يغزو ذكاءه بإنسانيته.
ونحن نجد في أيامنا من يُسَمُّونَ أنفسهم عقلاء وواقعين، يحتقرون الزنوج، ويتهمون الفقراء بالكسل والتراخي والإهمال، ويقسون على الأطفال، ويضربون الحيوان. وكل هؤلاء يحيون كما لو كانوا من الحيوانات بأخلاق الطبيعة الغشيمة والغابة البدائية التي تحيا فيها الحيوانات.
وقد كان الإنسان قبل مئات الألوف من السنين حيوانًا، جسمًا بلا نفس، وكان ذكاؤه أنانيًّا، أما الآن فإن له نفسًا هي إنسانة جسمه، والإنسانية هي الذكاء الاجتماعي، هي كما قلنا أسمى أنواع الذكاء، هي إحساس الأمومة في الأخلاق.
وهناك العبقرية في الإنسانية كما أن هناك عبقريات الفن والعلم والسياسة.
وهذه العبقرية في الإنسانية نجد مثلها في غاندي، وفي شيفتزر، وفي فولتير، وفي تولستوي، وفي دستوفسكي.
إننا نحس حين نتصفح حيواتهم أو مؤلفاتهم أننا إزاء عظماء قد اتَّسموا بالعبقرية في الإنسانية، وقد اتسعت قلوبهم للشعوب جمعاء، مهما اختلفت ألوانهم أو لغاتهم، يكرهون التعصب والقسوة ويساوون بين الناس، وإذا كنَّا في محنة العالم الحاضرة نأسف أجزع الأسف على شيء فهو أن الذكاء العلمي يسود العالم ويخترع القنابل والغازات وحرب الميكروبات والطائرات، بدلًا من أن يسود أمثال هؤلاء العباقرة في الإنسانية الذين ينظرون إلى العالم نظرة الأم لأبنائها.
الإنسانية هي الذكاء الكلي، هي الذكاء المحيط، هي الجمع بين العقل والإحساس.