كن طالبًا طيلة عمرك
قد لا نبعد كثيرًا عن الصواب إذا قلنا إن غاية الإنسان في هذه الدنيا هي أن يحيا الفهم، وصحيح أنه قد يرد علينا هنا بأن غاية الإنسان هي الخير وتعمير هذه الدنيا، ومكافحة الشر والظلم والمرض والفقر، ولكن كل هذه الأهداف السامية تحتاج أول ما تحتاج إلى الفهم، وبلا فهم لا نستطيع أن نكافح شرًّا أو نعالج مرضًا.
والوسيلة إلى الفهم هي المعرفة، وقد زادت المعارف في أيامنا إلى درجة يستحيل معها الوقوف على جميع أنواعها وحقائقها، ولكن هناك أصولًا وجذورًا لهذه الغاية المشتبكة من المعارف نستطيع أن نقف على كنهها ونصل منها إلى النظريات الشاملة التي تحتويها.
والنظرية الشاملة هي أعظم الأدوات للاقتصاد الذهني؛ ذلك أن معارفنا ما دامت مبعثرة مجزأة غير مشمولة بنظرية، تبقى بعيدة عن أن تكون نظامًا مفهومًا مرتبًا في أذهاننا، كما تبقى بعيدة عن أن تكون علمًا محققًا؛ ولذلك تعد العلوم تحقيقات وتمحيصات للمعارف.
وعلينا لهذا السبب أن ندرس العلوم أي ندرس المعارف التي حققت ومحصت وشملتها نظرية أو نظريات.
وعلينا أن نبقى طيلة حياتنا ونحن ننشد الفهم بالاستزادة من المعارف؛ أي على كل منَّا أن يبقى طالبًا طيلة عمره.
وهذا الطلب للعلم طيلة الحياة هو الوسيلة للارتقاء الشخصي؛ لأننا عندما نعرف، نتغير ونتطور فنرقي، كما هو الوسيلة لأن نحس الخدمة للمجتمع والإنسانية.
وفي عصرنا العلمي الحاضر يجب على كل منَّا ألَّا يترك علمًا من العلوم التي تتصل بتاريخنا الماضي أو حاضرنا القائم، وبتعمير الدنيا أو تدميرها، وبسعادة الناس أو تعاستهم، يجب ألَّا يترك علمًا من هذه العلوم دون أن يدرسه، وليس هذا بالشاق إذا جعلنا العمر كله برنامج هذه الدراسة، وإذا وفَّرنا ذكاءنا وقوتنا لها دون أن نبعثر هذا الذكاء وهذه القوة في قراءة السخف من الأدب أو القيل والقال في الصحف المسلية.
إن الرجل الحكيم يجد في عالمنا هذا بطبيعته الفطرية وحضارته الصناعية جامعة للدرس المتواصل والفهم العميق؛ ولذلك يجب أن نتعود التأمل والتفكير وأن نزود أذهاننا بالمعارف المتوالية التي تحثنا على الارتقاء الشخصي وعلى الكفاح للخير العام.