السخط المقدس
كنت أتحدث من مدة قريبة إلى أحد الأمريكيين، وجاءت مناسبة حملتني على أن أقول: إننا أمة متسامحة.
ولكنه على غير ما انتظرت، لم يمدح هذه الصفة التي كنت أعدها ميزتنا، إذ قال لي: إنكم تتسامحون أكثر مما يجب.
وهو يقصد هنا إلى أننا نرضى بكثير مما تسخط عليه الأمم الأخرى، وإننا لو كنا نسخط كما يسخطون لكانت حالنا أفضل مما هي الآن، وقد عدَّد لي أشياء قبيحة نرضاها ونسكت عنها، وكان يجب أن نأباها وأن ندعو إلى معالجتها وألا نفتر حتى تتغير.
نحن نسكت على التذكري الذي يبيعنا تذكرة السفر حين يبلصنا من قرش أو قرشين بدعوى التبرع لإحدى الجمعيات، ونحن نسكت على الموظف الذي نتقدم له بطلب فيتركنا وُقوفًا ويشرب هو القهوة على مهل، ونحن نسكت على البراز نراه على طوار الشارع لأننا نتسامح في بقاء الفقر ونرضى الفقراء أن يعيشوا في مساكن تخلو من المراحيض، وهذا في وقت كان يبلغ فيه ثمن القنطار من القطن ثلاثين جنيهًا، ونحن نسكت على الرؤساء في المصالح يتحيزون لبعض الموظفين الذين يصطنعونهم، أو يرتشون منهم، فيرفعون درجاتهم ويتركون الموظفين النزهاء متخلفين بلا حق عن الدرجات التي يستحقونها، ونحن نسكت عن فوضى الغلاء وفوضى التليفونات وفوضى البورصة.
نسكت كثيرًا، وكان يجب أن نصرخ ساخطين لاعنين، وعند الأوروبيين تعبير جميل يدل على حياتهم اليقظة وضميرهم المتحفز، هو قولهم «السخط المقدس».
هذا السخط الذي يجب أن نحسه حين نجد الفاقة السوداء تتمرغ في الوحل ونعاني الجوع ونعيش في ظلام مع أن بلادنا غنية، وكان يجب أن نكون أغنى لو أننا كنا جادين عاملين على زيادة ثروتنا.
هذا السخط المقدس هو الذي يجب أن نحسه حين نجد أن الاستبداد يعلو والحق ينخفض ويداس.
إن علينا أن نحد من تسامحنا، وأن نسخط كثيرًا على أحوالنا التعسة، وأن نرفض بقاء الفقر والمرض ما دمنا قادرين، أو ما دام بعضنا قادرًا على محوها.