فلسفة الأحزاب
من أحسن ما قرأت للأستاذ كامل الجادرجي الزعيم السياسي المعروف في العراق ورئيس الحزب الوطني الديموقراطي، قوله بضرورة الفلسفة للأحزاب السياسية؛ ذلك أن الحزب يجب ألَّا يقنع بالإصلاحات للأدواء والمساوئ المتفشية، كأنه طبيب يصف الوصفات المختلفة لكل مرض طارئ، وليس لجماعة من الناس أن يَتَسَمَّوْا باسم الحزب وأن ينشدوا الاستيلاء على الحكومة إلا إذا كانوا قد استقرُّوا على فلسفة معينة للأمة التي يريدون توجهها ورفعها إلى آفاق جديدة من العيش والوجدان.
ولذلك يجب أن تنتظم الإصلاحات في الصحة والتعليم ونظام العائلة والسياسة الخارجية والأمن الداخلي في فلسفة موحدة، فإذا كان الحزب يزعم أنه ديموقراطي فان فلسفته يجب أن تكون ديموقراطية بالعمل المتواصل في زيادة حقوق الشعب إزاء الحاكمين حتى يعود الشعب حاكمًا لنفسه، كما يدل على ذلك معنى هذه الكلمة.
وإذا زعم الحزب أنه اشتراكي فإن فلسفته عندئذٍ تقتضي مكافحة الثراء الفاحش والفقر الفاحش، والتأميم المتدرج حتى يلغى الفقر من البلاد.
فإذا قلنا إن فلسفتنا السياسية هي الديموقراطية الاشتراكية فإننا عندئذٍ لا نحتاج إلى أن نسأل عمَّا يجب أن نفعل في التعليم أو الصحة؛ لأن ما نفعله يتضح باتجاهنا الفلسفي هنا، وهو أن نعلِّم الشعب كله ونعالجه كله بالمجان، وأن نعد الصحة والثقافة ضروريتين للحياة الصالحة، ولا نحتاج إلى أن نسأل عمَّا نفعل في السجون وفي الصحافة أو في الزراعة أو في الاقتصاد العام؛ لأن فلسفة «الديموقراطية الاشتراكية» توجِّهنا بمحض الفكرة العامة إلى الحركات والنهضات الارتقائية التي تزيد وجدان الشعب كما تزيد رفاهيته التي ترتفع عن ذل الفاقة ولا تنغمس مع ذلك في فساد الترف.
لقد قامت الأحزاب في أوروبا على مبادئ وأصول عامة هي فلسفات تتصل بالحياة؛ فإن المحافظين آمنوا بالسكون إلى التقاليد وكراهة التغيير، وكانوا مخطئين في هذه الفلسفة الجامدة، ثم جاء الأحرار فدعوا إلى حرية الفكر والعمل والتجارة، فأدوا في القرن التاسع عشر خدمة عظمى للشعوب، ثم حدثت تطورات اجتماعية جديدة تتطلب الدعوة إلى الاشتراكية وكبح حرية التجارة التي أدَّت إلى مباراة قاتلة مهلكة للأمم، وكانت هذه الاشتراكية فلسفة جديدة دعت إلى الحد من الامتلاك الفردي وإلى التأميم.
يجب ألَّا يتولى حزب مقاليد الحكم إلَّا إذا كانت له فلسفة هي نظام العيش الذي يريد أن يعيش الناس به آمنين متساوين أحرارًا، لا يخافون بطش الظالم سواء كان فردًا أم طبقة، ولا يقصرون على نظام يفسد مجتمعهم ويعم الفوضى في علاقتهم أو يحيل الكثرة منهم إلى فقراء أَذِلَّاءَ والقلة إلى أثرياء مترفين.