الحكمة ثمرة الخبرة
وليم بليك من الشعراء الإنجليز الذين عاشوا في أواخر القرن الثامن عشر وعاصروا الثورة الفرنسية الكبرى.
ألَّف — قبل هذه الثورة — مجموعة من القصائد أطلق عليها اسم «أشعار البراءة»، أما بعد الثورة فإنه ألَّف مجموعة أخرى أطلق عليها اسم «أشعار الخبرة».
والبراءة عند بليك تعني السذاجة وما فيها من معانٍ، فالطفل ساذج بريء، والعذراء ساذجة بريئة، والإنسان البدائي يمثل السذاجة أي البراءة الأولى أو الجهل الأول، والرجل الذي يحيا بلا تفكير بريء … إلخ.
والمعنى أن كل هؤلاء أطهار لأنهم سذج لم يختلطوا بمجتمع متمدن يعرفون منه ألوان الفساد، فتدخل في قلوبهم الإحساسات الاجتماعية التي كثيرًا ما تلابس الرذائل، أو لم يفكروا بل قنعوا بالعقائد دون الحقائق.
ولكنه بعد الثورة ألَّف «أشعار الخبرة» فرفع من شأن الخدمة التي نجنيها من اختباراتنا الماضية.
والحقيقة التي نحس جذورها في قلوبنا أننا نستجمل البراءة حتى ولو كانت براءة الجهل أحيانًا، ولكننا عند التفكير نؤثر حكمة الاختبار.
فنحن مثلًا نستجمل الفتاة العذراء ونؤثرها على الأرملة، كما نستجمل الصبي الساذج ونؤثره على الرجل المجرب، هذا في الوهلة الأولى، أما بعد التفكير فإننا نؤثر التجربة في الرجل والمرأة ونجد فيها حكمة؛ ولذلك نضطر إلى التسليم بأن الأرملة خير من العذراء لأن الأرملة التي كانت متزوجة مارست أخلاق الرجل وإدارة البيت وتربية الأطفال، ومعاملة المجتمع الذي تتصل به في شئون زوجها وأبنائها، ثم حملت الهموم بشأن مستقبلهم، هذه الأرملة تجني من جميع هذه الاختبارات حكمة للعيش وفلسفة عن الحياة.
ولكن الشاب العادي يؤثِر عليها الفتاة العذراء التي لم تختبر ولم تجنِ قط حكمة من معاشرة زوج سابق، هذا هو الشاب العادي، أما الشاب الذي يفكر والذي ينشد الإيناع في نفس المرأة فإنه يؤثر الأرملة على العذراء.
وقد كان الشاعر بليك يستجمل البراءة، فلما حدثت الثورة الفرنسية، واختمرت في قلبه مبادئها واشتبك في الأفكار التي بعثتها حوادثها، وناقش كلمات الحرية والمساواة والإخاء والجمهورية وحق الشعب في السلام ونحو ذلك؛ تغيرت نفسه فأصبح يؤثِر الحكمة والخبرة على السذاجة والبراءة، أي إنه بلغ سن الرشد أو النضج.
وهذا شأن الناس جميعًا يجدون في السذاجة حلاوة إذا كانوا غير ناضجين، فإذا نضجوا نفروا من هذه السذاجة وما تحمل من جهل، ونشدوا الحكمة التي تثمرها الخبرة.