أثمن العواطف
أثمن العواطف البشرية هي تلك التي لا نهدف منها إلى مأرب شخصي، ولا ننتظر منها منفعة خاصة، نحس احتدامها في صدورنا، ونندفع بقوة هذا الاحتدام إلى العمل بغية الشرف أو الإنسانية أو المجد، وقد نُؤْذَى في سبيل ذلك ولكننا نرضى بالأذى لأننا نحس أننا نسمو في المجد والشرف ونحن نمارس هذه العواطف.
رأيت ذات مرة حوذيًّا قد حرن جواده، فعمد إليه في غيظه يضربه على وجهه، وأحسست أنه لا يمكن أن يكون في الدنيا أخس من هذه الجريمة: حيوان مربوط إلى عربة ومقيد بها ويُضْرَبُ على وجهه بالعصا وهو عاجز عن الفرار أو الاحتماء.
والرفق بالحيوان هو إخاء في معنى ما، هو إحساس إنساني ننقله إلى الحيوان، هو عاطفة نبيلة ننقلها عفوًا ولا ننتظر منها أية منفعة لنا، هو رقة وحنان واحترام.
هذه الإحساسات — الرقة والحنان والاحترام — هي التي تفصل بين الرجل الرخيص والرجل الشهم، وهي التي تحملنا على أن نحترم الشيخ الهرم، ونعين الرجل الأعمى، وننظر بروح التوقير للمرأة العجوز، ونحجم عن إيذاء طفل أو إغراء فتاة.
وإذا شئت أن تقدر قيم الرجال وأن تتعمق قلوبهم كي تصل إلى الأسس التي تبنى عليها أخلاقهم، فليس عليك إلا أن تسألهم وتمتحن عندهم هذه العواطف التي لا يطالبهم قانون بأن يمارسوها، ولا يعاقبهم إذا خالفوها، هذه العواطف التي تنطلق منهم عفوًا للرحمة والرفق والحنان والاحترام.
وتجمع هذه الصفات جميعها كلمة الشهامة، وهي أجمل كلمة في اللغة العربية، وهي تعني ذكاء القلب وحدَّة الإحساس.