القلب المهذب
قرأت كلمات للكاتب الأمريكي «جيليت برجيس» يدعونا فيها إلى أن نعنى بتهذيب قلوبنا كما نعنى بتهذيب عقولنا.
والقلب المهذب يعني في النهاية ذكاء الإحساس، بحيث لا يجبه أحدًا بالكلمة الجافية ولا يؤلم أخر بالتعبير، لِعَيْبٍ لا يسأل عنه أو لا يستطيع التخلص منه.
وذكاء الإحساس لا تنقص قيمة عن ذكاء العقل في علاقتنا الاجتماعية، بل لعلها تزيد، وكثير من النجاح يعزى إلى ذكاء الإحساس؛ فإننا جميعًا نذكر ذلك الشخص الذي يسأل عنَّا في الأزمة والْمُلِمَّةِ، أو يرسل إلينا أو إلى أحد أطفالنا هدية في العيد، أو يسارع إلى الوقوف في الترام كي تقعد مكانه السيدة الحامل أو التي تحمل على صدرها رضيعًا.
ذلك أن هذه المجاملات الصغيرة تصل بين قلبنا وقلبه، وتنقل مكانة الصداقة التي بيننا وبينه إلى مكانة الأخوة الحميمة التي نرتاح إلى ذكرها ونطمئن إليها، وفي حياتنا المدنية من الهرولة والمزاحمة والمتاعب ما يجعلنا في حاجة إلى شيء من هذه المجاملات الصغيرة التي تعيد إلينا الإحساس بأننا لسنا نقاتل في معركة وإنما نتعاون على العيش بأساليب الرقة والوداعة والعطف.
وهذه المجاملات الصغيرة هي أوجب ما تكون بين الزوجين، فقد رأيت زوجة تشرب الشاي في فندق قد عمدت إلى الفنجان الذي سيشرب منه زوجها فمسحته ظهرًا لبطن وأعادته إلى مكانه وصبت فيه الشاي، وكانت هذه الحركات المهذبة برهانًا على إحساسها الذكي، ويجب أن يكون الإنسان وحشًا كي يستصغر قيمة هذه المجاملة الصغيرة في حقيقتها، الكبيرة في دلالتها.
وعرفت رجلًا متيسرًا يمر مرتين أو أكثر في ذهابه إلى عمله بفقير أعرج لا يتسول ولكنه يبيع أوراق الحظ، وكان يحرص وهو يعطي هذا الفقير بعض المساعدة على أن يتحدث إليه باسمًا حتى لا يُشْعِرَهُ بحاجته أو فقره.
ولكن لا يمكن أن نجامل الناس على أساس النفاق، فإن ما نخفيه سيبدو إن قريبًا وإن بعيدًا؛ ولذلك يجب أن نجامل على إحساس ذكي ينبني على تقدير إنساني يتجاوز القيم الاجتماعية أو المراكز المالية التي للناس، أي يجب أن نحترم لأنهم بشر فقط.
وأخيرًا نقول: لعل ذكاء الإحساس هو نفسه ذكاء العقل؛ فإن الإنجليز يشتقون اسميهما من أصل واحد.