اجعل حياتك حافلة
كي تكون ذكيًّا يجب أن تدرب ذكاءك وتبسط ذهنك على ميادين مختلفة، ولا تصدق من يقول لك إن هناك عباقرة يولدون موهوبين بالذكاء الخارق كما تولد الفتاة بالجمال الخارق؛ ذلك أن الذكاء مع تفاوت مقاديره بين الناس لا يصل إلى درجة العبقرية إلا بالاختلاط بشئون المجتمع والتقلب في مصالحه وأعماله.
فإذا حفلت حياتنا بالاهتمامات الاجتماعية وترددت أذهاننا فيها ظهر نبوغنا بل ظهرت عبقريتنا، ولهذا السبب يجب ألَّا يكون لنا اهتمام واحد أو اهتمامات قليلة محدودة؛ لأننا حين نفعل ذلك نحدد الميدان الذي يعمل فيه ذكاؤنا فلا يجد القوة أو التلقيح اللذين يزيدانه حدة وبصيرة.
فلا تكن رجل عمل فقط، ولا رجل ذهن فقط بل كن الاثنين، ولا تكن أدبيًا فقط أو عالمًا فقط أو فيلسوفًا فقط بل كن الثلاثة، كذلك لا تقتنِ ثروة واحدة فقط مثل المال، بل اقتنِ جملة ثروات مثل المال والصداقة والثقافة والحب؛ أي يجب أن تساهم في جميع هذه الأشياء وتحيا على مستويات مختلفة فيها كما لو كانت حياتك جملة حيوات.
وبهذه الحيوات المتعددة، وبهذه الاهتمامات المتعددة نحس السعادة، ولا يمكن أن تبتئس بل لا يمكن أن تتراخى وتفقد النشاط؛ لأنه عندما تضيع منك ثروة تجدد أخرى، وعندما يضعف اهتمامك بشيء تجدك قد اهتممت بآخر.
مارِسْ عملًا بيدك وادرس شيئًا بعقلك، كان تولستوي يصنع الأحذية بيده ويكتب القصص بذهنه، وكان يحرث الأرض ويقرأ الشعر.
أجل يجب أن تكون حياتنا استيعابية تستوعب أكبر مقدار من الاهتمامات، ويجب ألَّا نتخصص إلا بمقدار ما نكسب لقوتنا في عمل معين، أما بعد ذلك — بعد الكسب للقوت — فإن رائدنا في الحياة يجب أن يكون التعميم لا التخصيص.
ولا تقل إن العمر قصير، فإنه يطول ويتضاعف إلى ثلاثة أو أربعة أضعافه عندما نكثر من الاهتمامات الاجتماعية والسياسية والأدبية والعلمية التي تحفل بها حياتنا ويزيد بها ذكاؤنا، وعندما يزيد حبنا للدنيا والناس والكون، فنحس لذة الحياة فلا نسأم ولا نبتئس؛ إذ كيف نبتئس ولنا جملة ثروات ننفق منها.