أخطر أعمالك
في حياتك التي قد تبلغ الثمانين أو التسعين من السنين سوف تصادف أعمالًا خطيرة تتحمل تبعاتها وتتعب في إتمامها، ولكن أخطر هذه الأعمال جميعها هو الزواج؛ ولذلك يجب ان تختار بعناية كبيرة، بل بأكبر ما تستطيع من عناية.
ذلك أنك ستعاشر زوجتك طيلة عمرك، فتسعد بحكمتها أو تتعس برعونتها، ثم هي سوف تكون أم أولادك، وعلى قدر ما فيها من مميزات وراثية سيمتاز أبناؤك، وعلى قدر ما فيها من نقائص وراثية لا تعالَج سيكون النقص في أبنائك.
ثم لا تنسَ أن تربية الأطفال — وبمعنى آخر تربية الرجال — هي وقف على المرأة إذ قد ثبت ثبوتًا قاطعًا أن العواطف والميول والاتجاهات النفسية تتكون فينا منذ اليوم الأول لميلادنا إلى قرابة السنة الرابعة من العمر، ونحن نحيا بعد ذلك على ما ثبت فينا مما غرسته الأم، والأم وحدها؛ لأن الأب في هذه السنوات الأربع الأولى من العمر لا يكاد يعرف أطفاله ولا يقضي معهم غير أقصر الوقت.
ولذلك يجب أن تعنى أكبر العناية بأن تختار الفتاة التي ستتزوجها من أرومة ممتازة بالجمال والذكاء، وهما جمال وذكاء سوف تراهما في أطفالك، وعليك أن تختارها متعلمة مثقفة حتى توجه أطفالك الوجهة الصالحة في السنوات الأربع الأولى من أعمارهم، وحتى تستطع أن تجعل من البيت جنة لك ولها وللأطفال.
ولن تستطيع أن تحسن الاختيار لزوجتك إلا إذا عرفتها قبل الزواج بنحو ستة أشهر أو عام كامل، ونعني بالمعرفة صداقة أولًا تستحيل إلى حب ثانيًا، أما الزواج بلا صداقة سابقة وبلا حب ينمو من هذه الصداقة فمغامرة خطيرة في الحياة؛ ولذلك يجب ألا تعتمد على الخاطبة المحترفة تبحث لك عن زوجة لقاء ما تحصل عليه من اجر. فإن جميع الظروف تحملها على أن تخدعك وعلى أن تخدم من يعطيها الأجر الأكبر.
إنما يجب أن يكون اعتمادك على نفسك، تقابل الفتاة بنفسك وتصادقها الشهور الطويلة كي تعرف لغتها، واللغة نوع من السلوك والأخلاق، كما تعرف تصرفاتها وميولها والعائلة إلى نبتت فيها، وخير لك أن تعيش طيلة حياتك وأنت أعزب من أن تتزوج فتاة لا تعرف سوى وجهها وقامتها اللذين رأيتهما في زيارة لعائلتها أمضيت فيها نحو نصف ساعة.
لا، إنما الزواج أخطر من هذا، ونصف ساعة لا تكفي لأن تعرف زوجتك القادمة لأنك تحتاج إلى الشهور حتى تعرف نفسها وحتى ينشأ الحب في قلبك لها، هذا الحب الذي هو ضمان السعادة في سن الزواج.
وما نقوله عن اختيار الزوجة نقوله أيضًا للفتاة عن اختيار الزوج.