الحب في التوراة
حين أقرأ التوراة أجد صفحات أقف وأتلبس في قراءتها؛ لأنها تحفل بالإحساسات الأدبية الفنية بحيث أتساءل هل هي من الأدب أم من الدين؟
ففي «نشيد الإنشاد» مثلًا قصة عالية أو حوار بليغ عن قيمة الحب الذي يجب أن يرتفع بميزاته الطبيعية الساذجة على إغراء المال وزخارفه أو بهارج التمدين.
«الحب أغلى وأغلى من الذهب»
هذا هو موجز العبرة التي نستخرجها من هذا السفر الخالد في التوراة.
فنحن إزاء فتاة ريفية، بل تكاد تكون بدوية، تعيش بين الحقول والمراعي في ملابس رخيصة تزيد من جمال قامتها ونضرة وجهها وشهامة صدرها، وهي تجري وتشرب في طرب الحياة وغلواء الشباب، إنسانة جميلة بين الطبيعة الجميلة.
ثم نقرأ الكلمات العذبة والمقارنات البليغة عن الحب يربط بينها وبين حبيبها الراعي الفقير الجميل، وبين من يرغبون في شراء هذا الحب بالجواهر والذهب والقصور.
وهي تقول: حبيبي لي وأنا له … صوت حبيبي، هو ذا يأتي ويطفر على الجبال ويقفز على التلال.
وهو يقول: الزهور ظهرت على الأرض، قومي يا حبيبتي، يا جميلتي، وتعالي، شفتاك يا عروس تقطران شهدًا، تحت لسانك عسل ولبن، وحبك أطيب من الخمر.
وهي تقول: حبيبي مد يده من الكوة ففزعت إليه نفسي … حبيبي نزل إلى جنته، إلى خمائل الطيب ليرعى في الجنات ويجمع السوسن … أنا لحبيبي وحبيبي لي… الراعي بين السوسن.
الحب والجمال والطبيعة ثالوث مقدس تتغنى به هذه الفتاة، وتتأمل سعادته ثم تقول بل تصرخ: إذا أعطى الإنسان كل ما في بيته من ثروة بدلًا فإن الحب يحتقر هذه الثروة احتقارًا.
وهذا ما أردت أن أستخرج عبرته لشبابنا.
ليس في الدنيا أجمل ولا أثمن من الحب، فلا تستبدلوا به مالًا أو عقارًا واقرأوا نشيد الإنشاد في التوراة فإنه جعل الحب أدبًا ودينًا.