مساواة المرأة بالرجل
كلمة «المساواة» من الكلمات أو الأماني المحببة إلى المرأة؛ فإنها تعد نفسها مظلومة كلما وجدت أن المجتمع يؤثر عليها الرجال في الحقوق والواجبات.
والفكرة في المساواة قديمة، بل إن كلمة العدل التي تعد أساس القوانين البشرية، بل كذلك القواعد الدينية، تعود أيضًا إلى معنى المساواة. كما نرى في كلمة العدالة التي لا تختلف في معناها عن كلمة المساواة.
ولكن العدالة والمساواة بقيتا من المعاني التي تشبه الأماني في العصور القديمة، عصور الأمراء والنبلاء من ناحية والفلاحين والعبيد من ناحية أخرى؛ إذ كان من المحال أن يتألف مجتمع من هذه الطبقات ثم يمكن التفكير في المساواة بين أفراده، ثم بين رجاله ونسائه.
ولكن كلمة «المساواة» مع ذلك دخلت في دستور الثورة الفرنسية وأصبحت إحدى المواد في القوانين البشرية، وأصبحت هذه الكلمة محترمة بحروفها، ولكن دارسي القوانين كانوا يعرفون على الدوام أنها «أكذوبة» فقهية قد فرضت على الواقع كأنها إحدى كلمات المستقبل التي يتخيلها دعاة الخير والسلام للمجتمع ويتمنون تحقيقها في يوم بعيد.
واقتربت الشعوب رويدًا رويدًا من معنى المساواة حين ألغت نظام الإقطاع؛ فأصبح الفلاحون أحرارًا بعد أن كانوا مقيدين بالرق الزراعي، ثم زاد الاقتراب من معناها حين ألغت الولايات المتحدة رق العبيد من الزنوج في عام ١٨٦٠، وتحققت المساواة بين أفراد المجتمع من الرجال، ولكن هذه المساواة لم تمنع التفاوت الاقتصادي بين الأفراد، هذا التفاوت الذي كان ينفي هذه المساواة بإيجاد الأثرياء والفقراء، وقدرة الأولين على استغلال الثانين، والاتجاه الاشتراكي الذي يعم شعوب العالم هذه الأيام يحاول التخفيف من وطأة هذا الاستغلال، وبالتالي يحاول إيجاد شيء من المساواة الاقتصادية.
وأعظم أو أسوأ ما نجد من الآثار المسيئة للمجتمعات البشرية في عصرنا الحاضر أن المرأة لا تُساوَى بالرجل، وصحيح أن القوانين تساوي بين الجنسين في الحقوق والواجبات أو تكاد، ولكن المجتمعات لا تزال ترفض هذه المساواة، وهي ترفضها بقوة العادات والتقاليد والرأي العام ونظام العائلة، وكل هذه القوة تقول ببقاء المرأة للبيت زوجة وأمًّا تدير شئون المنزل بينما زوجها يكسب بالعمل في المصانع أو المتاجر أو في مكتبه الحر، ثم يعود آخر النهار فيجد راحة البيت وهناء العيشة الزوجية وحب الأطفال.
ولكن بقاء المرأة في البيت يقصر الكسب على الرجل الذي ينفق على زوجته وأبنائه، ويعطي من طرف أصابعه ما تحتاجه الزوجة لهذا الانفاق.
وهذه الحقيقة وحدها تقرر له السيادة على الزوجة؛ إذ هو قادر وقت الخلاف أو الغضب، أو الفتنة بامرأة أخرى، أن يمنع كما كان يمنح فيقول: «لا» عندما تطلب منه الزوجة ما تحتاج إليه، وهذه القدرة الاقتصادية في الزوج إزاء العجز الاقتصادي في الزوجة تجعل كلمة «المساواة» سخرية أو سخافة؛ لأن حقيقة الواقع أن الزوج الكاسب سيد الزوجة غير الكاسبة، وأنه يأمر وهي تطيع إذ هو صاحب الحق في المنح والمنع، وهذا حق ضخم أكبر قيمة وأعمق أثرًا من تلك الحقوق المدنية في المساواة وفي الحقوق التي تنص عليها القوانين نص الكلمات لا نص الأفعال.
المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة تعني — أهم ما تعني — المساواة في الكسب، والمساوة في الكسب لن تكون إلَّا إذا جعلنا المرأة منتجة تعمل في المصنع والمتجر والمكتب، وهي متى أنتجت كسبت، أي ارتزقت، ومتى كسبت وارتزقت صارت تحسن الاستقلال الذي يكسبها الكرامة والحق في المساواة فهي تتناول أجرها وهي مرتفعة الرأس على وعي بأنها تستحقه لأنها عضو مستقل منتج في المجتمع.
وفي العالم المتمدن نوعان من المجتمعات أحدهما النوع الرأسمالي في أمريكا والآخر النوع الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي، وفي كليهما حصلت المرأة على هذا الاستقلال الاقتصادي بالعمل المنتج، وتحققت المساواة بين الجنسين، وفي الأقطار الأخرى المتمدنة نجد أن العمل المنتج الكاسب للمرأة يتوافر في بعض البيئات بدرجات مختلفة، ولكنه ليس عامًّا كما هو في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي؛ ولذلك نجد المساواة تتدرج وتختلف بين الجنسين بمقدار التدرج والاختلاف في تَعَوُّدِ المرأة العمل والانتاج والكسب.
وخلاصة منطقنا هنا أن المساواة لا تزيد علي أن تكون كلمة أفلاطونية لا قيمة لها ما لم يرافقها معنى الإنتاج … فالمرأة لن تساوي الرجل إلَّا إذا أنتجت مثله ولم تحتج إليه وهي زوجة كي يناولها من أطراف أصابعه ما تحتاج إليه هي وأبناؤها.
قد يقول القارئ هنا إن نظامنا الحاضر لا يهيئ لجميع نسائنا العمل، بل قد يقول أيضًا إن البيت في نظامنا يحتاج إلى الزوجة التي تبقى فيه وتعنى به، وهذا صحيح، أي هذا هو الواقع، وكل ما أستطيع التعليق على هذا الواقع أن المساواة بين الجنسين غير ممكنة الآن في بلادنا، وإنما أصبحت المساواة ممكنة في الولايات المتحدة وفي الاتحاد السوفييتي؛ لأن الأعمال في المصانع والمتاجر والمكاتب قد كثرت واستوعبت النساء كما استوعبت الرجال، وأيضًا لأن البيت في كل من هذين القطرين قد اختلف من بيوتنا فلم يعد يحتاج إلى الاستئثار بجهد المرأة كله.
البيت في الولايات المتحدة قد «تَمَكْيَنَ» أي صارت أعماله تُؤَدَّى بالماكينات، فالطبخ على الضغط العالي يحتاج إلى دقائق، والغيل تقوم به مكنسة كهربائية، والتدفئة والتبريد تؤديهما مكنة، والتليفون خادم عام، فكل هذا قد جعل المرأة الأمريكية حرة تخرج وتعمل وتنتج وتكسب، والشأن في الاتحاد السوفييتي يختلف في الوسيلة ولكنه ينتهي إلى النتيجة؛ فإن المطاعم تغني عن المطبخ الخاص في البيت، والمحضن عند باب المصنع أو المتجر يتناول الطفل ويعنى به مدة عمل الأم فيهما، ثم تتناول المدرسة أو الروضة هذا الطفل عندما يكبر، فالزوجة هنا حرة لا يربطها البيت بالعمل الدائم المرهق.
وبهذا النظام تحققت المساواة الفعلية بين الجنسين في كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وسوف تتحقق عندنا عندما تكثر المصانع و«تتمكين» البيوت وتؤدي المرأة نصيبها في الإنتاج كالرجل سواء بسواء.