يجب أن نتفاءل
كنت أتحدث إلى كبير من الصحفيين فألفيته في غاية التشاؤم، فإنه كان يعدد لي مساوئ الحكم وسفه المعارضة، وتفشي الرشوة والفهم السيئ للحضارة العصرية، وانخفاض المستوى التعليمي بين الطلبة وانخفاض المستوى الثقافي بين الصحفيين … إلخ.
واعترضت عليه لأنه يبالغ في تقدير هذه المساوئ، وإن هذه المبالغة هي نتيجة لتشاؤمه وليست صورًا صحيحة للواقع، وقلت له في النهاية إني لو تشاءمت مثله لما استطعت أن أكتب حرفًا؛ لأن التشاؤم يشل التفكير ويعطل الإرادة ويجمد النفس، ونصحت له بأن يعالج نظامه الهضمي إذ ربما يكون تشاؤمه لإمساك القولون أو كسل الكبد.
وعدت إلى مكتبي أفكر في هؤلاء المتشائمين الذين لا ينشطون إلى عمل؛ لأنهم حين تحيط بهم عيشة الشك يتوقعون الظلام بدلًا من أن ينتظروا الصباح.
وكثيرًا ما يندسُّ هذا التشاؤم في نفوسنا ويركُد كما لو كان العكر الراسب، وهو يغمر حياتنا فنعمى على الألوان الزاهية ولا نرى غير الألوان القاتمة، وعندئذٍ تهون علينا القيم البشرية السامية فلا تطمح إلى الرتب العالية من الوجدان والفهم، ويهون علينا عملنا فنؤديه كارهين بلا نشاط.
وقد ننتهي من هذه الحال إلى أن خير أحوالنا أن نقنع باللذة الحسية وأن نتجاهل هذه الدنيا وهمومها بالخمر أو غيرها مما ينقلنا إلى حالة قريبة من الموت لأننا نكون عندئذٍ بلا حياة.
إن الحياة الحيوية هي التفاؤل، وهي الإيمان بأننا سنرقى على الرغم من كل المصاعب والعقبات، وهذا الإيمان هو الذي يبعث في نفوسنا النشاط، وهو الذي يجعلنا نرضى بالتضحية كي نسعد في مستقبلنا أو كي يسعد وطننا أو أبناؤنا، وإني لواثق بأن هؤلاء النبلاء من شبابنا المضحي إنما يغامرون ويقتحمون لأنهم متفائلون بالنتائج، وإني لواثق بأن هؤلاء النبلاء لو سلك إليهم التشاؤم لما عملوا ولما كافحوا.
ولست أتجاهل رذائلنا ونقائصنا، بل مقابحنا. ولكني أعتقد أنه عندما نجيل النظرة العامة لأحوالنا كلها نجد ما يبرر التفاؤل بمستقبلنا والأمل القوي بأننا سوف نستقبل الصباح الذي يشرق بأشعة الشمس ويزدهي بنضرة الحياة.
يجب أن ندين بدين التفاؤل والتيمن ونقتحم المستقبل باسمين، بل ضاحكين، ننشد النجاح والخير والشرف، ونمارس الحب والإخاء، ونكافح المرض والفقر والجهل في أنفسنا وفي أمتنا، ونرتفع إلى الآفاق العالية من الإنسانية بالجد في دراسة هذا العالم والدأب في الارتقاء الشخصي، طامعين في إخلاص وشرف لإخضاع المستقبل لآمالنا وأحلامنا.