قارة أوروبا
ملخص جغرافيتها وملاحظات أخرى
هي القارة الثالثة بحسب الترتيب الجغرافي التاريخي، وأصغر القارات مساحة؛ لأن مساحتها لا تزيد على ربع مساحة آسيا أو ثلث أفريقيا، واقعة في نصف الكرة الشرقي ويفصلها عن آسيا سلسلة جبال أورال وعن أفريقيا البحر المتوسط، وبعدها عن أفريقيا عند جبل طارق ٢٢ ميلًا، وهي أقصر المسافات بين هاتين القارتين.
ولكن مع أنها أصغر القارات الأربع فإن عدد سكانها يبلغ ٢٨٠ مليونًا، وهي أسبق سائر القارات في التمدُّن الحديث، ففيها المدن الجميلة والطرق المنظمة والبنايات الشاهقة والمعامل العظيمة، وأشياء أخرى كثيرة من نتائج المدنيَّة، والديانة السائدة فيها الديانة المسيحية (إلا تركيا أوروبا)، والعلم والصناعة قد رفعا أعلامهما عليها فأقيمت فيها المدارس الكبيرة والمجامع العلميَّة والاجتماعات الأدبية وغير ذلك.
وقد عمرت أوروبا؛ أي سكنها الإنسان بعد آسيا وأفريقيا فقد كانت في إبان الدولة الآشورية والبابلية والمصرية القديمة وفينيقية وغيرها من أمم آسيا وأفريقيا، لا تزال يسكنها قبائل رحَّل على جانب من الهمجيَّة.
وأول قسم تمدن في أوروبا بلاد اليونان، وكان ذلك نحو زمن خروج الإسرائيليين من مصر، فإن اليونانيين أخذوا إذ ذاك في بناء البيوت وتأسيس المدن وما زالوا حتى أصبحوا أعظم دولةٍ في العالم.
ثم كان تأسيس رومية في إيطاليا، ونشأة الدولة الرومانية التي امتدت على القسم الأعظم من أوروبا ومعظم الأمم المتمدنة في آسيا وأفريقيا، فإن قرطاجنة ومصر واليونان وآسيا الصغرى وفلسطين وسوريَّا وبلادًا أخرى من آسيا دخلت في حوزة الرومانيين.
تاريخ أوروبا
وكانت المملكة الرومانية أعظم ممالك العالم، ولكنها دارت عليها الدائرة كما دارت على غيرها من الأمم؛ فتبع تمدنها فسادٌ نتج عنه انقسامات وحروب أهلية حتى أصبحت تلك المملكة العظيمة أجزاءً صغيرة منفصلًا بعضها عن بعض تكاد تكون ميتة.
غير أن تلك الأجزاء أخذت تنمو على انفراد شيئًا فشيئًا حتى أصبح كلٌّ منها أمة مستقلة، وما زالت تلك الأمم ترتقي في سلم المدنية حتى بلغت ما هي عليه الآن؛ نعني بتلك الأمم أمم أوروبا.
وتقسم أوروبا إلى قسمين؛ شمالي وجنوبي، الأول مائل إلى البرودة والثاني إلى الحرارة، وأعظم الأمم في القسم الشمالي من أوروبا هي روسيا وإسوج ونروج وبروسيا، وبعض الولايات الجرمانية ودنيمارك وهولاندا وبلجيكا وسويسرا وأوستريا وفرنسا وبريطانيا العظمى.
وبين الممالك الجنوبية في أوروبا البرتوغال وإسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا، والتربة في هذه المماليك الأخيرة غالبًا خصبة، ويكثر فيها العنب والزيتون والبرتقال والليمون والبطيخ وأثمار أخرى لذيذة، وكل احتياجات الإنسان متوفرة فيها بسهولة وهو لا يحتاج إلى كبير عناء لتدفئة جسمه إذ الجوُّ دافئٌ، فأهل الممالك الجنوبية لا يحتاجون إلى بناء الأبنية الكبيرة ولا ادِّخار المئونة في أيام الشتاء، ولذلك كانوا أقلَّ سعيًا ونشاطًا من سكان الأقسام الشمالية، وكأنَّ ذلك سنَّةٌ في خلق الله فهم لا يسمعون ولا يجتهدون إلَّا عند الاضطرار.
أما ممالك القسم الشمالي من أوروبا فتقودهم الضرورة إلى زرع أرضهم بالاعتناء وخزن المؤن اللازمة لأيام الشتاء؛ حيث يشتد عليهم البرد ويمنعهم عن السعي فيبنون لأنفسهم بيوتًا حسنة قوية، يضعون فيها حاجتهم من الأدوات والأواني ما يكفيهم مئونة السعي.
أما حيوانات أوروبا البرية فتشبه حيوانات آسيا وأميركا وكذلك نباتها.