أخبار غامضة!
وافقَت «إلهام» على ما طلبه «أحمد» … من طرح الموضوع على بقية الشياطين … في اجتماع اعتيادي؛ فليس هناك ما يدعو لإبقائه سرًّا …
ومع أنها كانت تُريد إبقاءَه سرًّا إلى أن تكتمل الحكاية … ويتم التقرير …
إلا أنها امتثلَت لرأيه … وأعلنَت الشياطين بميعاد الاجتماع الذي أطلقَت عليه «الاجتماع الحر»؛ ذلك لأنها تركَت للشياطين الحرية في حضوره أو التخلف عنه …
وفي تمام الثامنة مساءً … رأست «إلهام» اجتماعًا للشياطين بموافقة «أحمد» … وحكَت لهم حكاية التمساح المقدَّس …
وعلَّق «عثمان» قائلًا: أي إنَّ التمساح حصل على اللقب بمجرد أن تعارك مع التمساح القاتل! وكان هذا التعليق هو مدخل «إلهام» لإكمال التقرير … فردَّت عليه قائلة: ليس هذا فقط … بل إنه قام بطرده أكثر من مرة أمام الناس … إلى أن عثروا على جثته في أحد الأيام … ملقاةً على شاطئ النهر … وقد تشوَّهت معالمها … حيث أكل منها التمساح ما أكل … وتولَّت الأسماك الباقي …
عثمان: وكيف عرفوا أنه التمساح القاتل؟
إلهام: لم يكن في المنطقة غيره هو والتمساح المقدس؟
ريما: وبهذا اعتبروه البطلَ المنقذ …
عثمان: أعتقد أنَّ ما حدث بين التمساحَين … هو صراع على النفوذ …
إلهام: حتى لو كان ما تقوله صحيحًا … إلَّا أنَّ ما بدر عن التمساح الآخر جعلهم يقدسونه …
أحمد: هل ظهرت منه معجزات؟
إلهام: لقد وقع منه ما يُشبه المعجزة … فهو لم يتعرض لأحد من أهل القرية بسوء …
وكان ينام على شاطئ النهر الطيني في أمان … وقد اطمأنوا له … فصاروا يتحركون حوله بلا خوف … حتى إنهم أَلِفوه … وصاروا يُعِدُّون له الطعام ويقدمونه به … فلم يقترب من طعامهم ولا طيورهم ولا مواشيهم.
وسرَت آهاتُ الإعجاب بذلك المخلوق بين الشياطين … وصاح «قيس» قائلًا: لهم الحق في أن يحبوه … ولكن لا يقدسونه …
أحمد: تعرف يا قيس أن هذه المجتمعات تنتشر فيها عقائدُ وثنية كثيرة؛ كعبادة البقر والبشر …
عثمان: ولكني حتى الآن لا أرى ما يدفعهم لتقديسه …
ريما: هذا لأنك لم تستمع إلى الحكاية حتى آخرها …
أحمد: أَكلُّ هذا ذكره التقرير؟!
إلهام: لا، إنها مادة علمية أعددناها أنا و«ريما» لاستكمال التقرير …
قيس: إذن فلنسمع بقيتَها.
عثمان: إنها تُذكِّرك بحواديت ماما زمان … أليس كذلك؟
إلهام: إن ما حدث كان أغربَ من الحواديت …
عثمان: كانت أمي تقول ذلك أيضًا …
وشعر «أحمد» أن «إلهام» بدأَت تتضايق من تعليقات «عثمان»، فقال له: دَعْها تُكمل تقريرَها في هدوء يا «عثمان» …
إلهام: قد يكون هذا التقرير بدايةً لعملية جديدة … فأرجو الانتباه جيدًا …
ونظرَت حولها فوجدت كلَّ الزملاء ينظرون لها في ترقُّب … انتظارًا لبقية التقرير، فشجَّعها ذلك على أن تستطرد قائلة: لقد بدأ هذا التمساح في مساعدة الصيادين من أهل القرية … وذلك بمطاردة أفواج الأسماك من وسط النهر إلى شاطئه … وانتعش حال القرية … وذاع صيتُها وصيتُ التمساح في القرى المجاورة لها … وبدأ الناس يتوافدون لرؤية التمساح حاملين الهدايا …
أحمد: وبالطبع منهم مَن انتقل للإقامة فيها لوفرة الرزق …
إلهام: هذا ما حدث … مما أدى لازدحام المكان بصورة أزعجَت التمساح.
قيس: فغادر القرية.
إلهام: نعم …
وتعالَت صيحاتُ الأسف … واختلطَت بصوت «عثمان» وهو يسأل قائلًا: ألهذا حضروا إلينا؟
أحمد: تقصد أن التمساح في مياهنا الآن؟
قيس: هذا لا يمكن حدوثه؛ لأنَّ مياه الأنهار مغلقة على القارة التي تجري فيها، فكيف سينتقل من قارة إلى قارة …
وانزعجَت «ريما» كثيرًا لكثرة مقاطعتهم ﻟ «إلهام»، وقالت لهم: ستعرفون كلَّ شيء عندما تسمعون بقية الحكاية …
وتدخَّل «أحمد» قائلًا: أكملي يا «إلهام» … إنه تقرير شيق للغاية.
إلهام: لقد انتقل التمساح للعيش على ضفاف جزيرة مهجورة … وطال بحثُ الناس عنه … إلى أن اكتشفوه بالصدفة … وانتقلوا للعيش معه على هذه الجزيرة … وأقاموا له عليها معبدًا.
ريما: ولم تمضِ أشهر معدودات … إلا وانتشرَت عبادةُ هذا التمساح المقدس بين سكان بعض جزر المحيط الهادي.
عثمان: حتى الآن لم نعرف سببَ حضور هؤلاء المهووسين به إلى «مصر»، وما خطر ذلك.
إلهام: هناك مجموعة من المستثمرين تقوم بإنشاء مشروع لتربية التماسيح … وفي جزء من بحيرة ناصر للاستفادة من جلودها.
وهنا أخذ «عثمان» نفَسًا عميقًا … وقال في ارتياح: الآن فهمت …
وانطلق الشياطين يضحكون … ومن بين ضحكاته قال له «أحمد»: فهمت ماذا؟
عثمان: لقد عرف أحد المهووسين بعبادة التماسيح بأمر هذا المشروع … وحضر ومعه آخرون لعرقلة إتمامه …
إلهام: هذا ما حدث بالضبط …
قيس: إنها مسألة خطيرة … معنى ذلك أن هناك بعض المستثمرين في خطر …
وفي رسغه … شعر «أحمد» بوخز من ساعته … فعرف أن رقم «صفر» يطلبه … لأنه الغائب الوحيد عن المقر … وبالضغط على زرٍّ أسفل الشاشة … انطلقَت الحروف تتوالى عليها …
وما إن تلقَّى الرسالة … حتى غادر قائمة الاجتماعات وسط دهشة زملائه … دون أن يتفوَّه بكلمة … مما أثار حَنَق «ريما» … فهي لا تحبُّ أن تنتظر كثيرًا لمعرفة الأخبار … وبالذات الأخبار الغامضة كالتي بحوزة «أحمد».