الاختطاف عن بُعد!
وقبل أن تغفوَ عيناه … شرد «أحمد» فيما سيقومان به. وتخيَّل لو أنَّ عملية إسقاط النظام هذه قد نجحت … وأدَّت إلى أن يطلب سكان الجزيرة منه أن يتولَّى حكمهم … ورأى صورته وقد طُبعت فوق عملةِ الجزيرة الورقية … وابتسم آخر ابتسامة قبل أن يحملَه زورقُ النوم إلى عمق بحار الأحلام.
وخيَّم الصمت على المقر … فلم يَعُد مستيقظًا إلا أجهزة المراقبة … والضباط العاملون عليها. وفي الخامسة صباحًا … وقبل أن يُوقظهم العاملون بالمقر …
أيقظَتهم حاستُهم السادسة …
وفي أقل من عشر دقائق … كانت «اللاندكروزر» تودِّع المقرَّ السريَّ بالرماية، وتنطلق عبر الطريق الدائري إلى مطار القاهرة …
ولم تستغرق إجراءاتُ مغادرتهم «مصر» سوى دقائق … فقد كان في انتظارهم مندوب من المنظمة … اصطحبهم في كلِّ خطواتهم ولم يتركهم إلا عند سُلَّم الطائرة … وقد كانت محركاتُها تُزمجر استعدادًا للتحرك …
وما إن أغلقَت أبوابها … وربط الشياطين أحزمتَهم … حتى انطلقَت تقطع أرض المطار في سرعة متزايدة إلى أن مالَت مقدمتُها لأعلى … ارتفعَت في الهواء … ولم تَعُد عجلاتها تلمس أرض المطار …
وفي زاوية حادة واصلَت الطائرة صعودها … إلى أن بلغَت جبال الثلج البيضاء كما تخيَّلها الشياطين … واخترقتها … ثم عادَت للاعتدال تدريجيًّا … حتى استوت فوق السحاب.
والشياطين يتابعون كلَّ ذلك من خلال النوافذ الزجاجية المستديرة … التي تجاور مقاعدهم، ويشعرون بلذة لم يفقدوها مع أنها تكررت كثيرًا مع كثرة أسفارهم …
وأخيرًا، سمح لهم قائد الطائرة … بأن يفكوا الأحزمة … وأحضرت لهم مضيفةٌ حسناء الإفطار وبعض المشروبات الساخنة …
وحتى الآن لم يظهر ملف العملية … رغم مرور أكثر من نصف الساعة على مغادرة أرض المطار.
ونظر الشياطين إلى بعضهم يتساءلون! وشعرت المضيفة بما انتابهم من حيرة، فقالت لهم: نحن في غاية الأسف … فالطائرة مختطَفة …
نزل الخبر كالصاعقة على الشياطين … إلَّا أنهم احتفظوا بهدوئهم … وتركوا ﻟ «أحمد» إدارة دفَّة الحوار مع المضيفة … التي لم تتركهم كثيرًا نهبًا للقلق والحيرة … بل قطعَت عليهم صمتهم قائلةً: أنا «عزة»، عضوة بالمنظمة … وأعمل كمضيفة طيران على الطائرات الخاصة بالمنظمة.
ارتسمَت الدهشة على وجوه الشياطين، فكيف تركها المختطفون تتحرك بحرية بينهم؟! وقد قرأت بفطنتها هذا التساؤل في عيونهم، فأجابتهم قائلة: إن قائد الطائرة أيضًا عضو بالمنظمة! وهنا لم يُطِق «أحمد» صبرًا، فاندفع يسأل قائلًا: ومَن الذي اختطف الطائرة إذن؟
المضيفة: لا يوجد أحد من المختطِفين معنا على الطائرة.
إلهام: وكيف نكون مختطَفين إذن؟
عثمان: هل وقعتم عند اختطاف عصابة ما؟
ورغمًا عنها ابتسمَت «ريما» … وأكمل «عثمان» دعاباته قائلًا: أم أنَّ بينكم وبينهم كلمةَ شرف … واتفاقًا على أن توصلوا لهم الطائرة إلى المكان الذي يرغبونه؟
ورأى «أحمد» أن الوقت غير مناسب لمزيد من السخرية، فقال للمضيفة: هل هو اختطاف عن بُعد؟
المضيفة: نعم …
أحمد: وكيف حدث ذلك؟
المضيفة: لقد قاموا بالشوشرة على كل أجهزة الملاحة الجوية الخاصة بالطائرة … والتي تساعد قائدها على تحديد موقعه واتجاهه.
أحمد: وبهذا أصبح تحديد موقع هبوط الطائرة في أيديهم هم …
إلهام: بالطبع … وإلا تركوها تائهةً في الجو حتى ينفد وقودُ الطائرة … وتسقط بنا …
أحمد: ألم تعرفوا المختطِف؟
المضيفة: حتى الآن لا …
عثمان: ألم تكن له طلبات ما؟
المضيفة: تستطيعون معرفة ذلك من الكابتن.
وتركتهم المضيفة … وغابت عنهم لدقائق ثم عادَت تقول ﻟ «أحمد»: الكابتن يطلبك.
وإلى كابينة قيادة الطائرة … ذهب «أحمد» في صحبة المضيفة … التي فتحت له بابها وانتظرَت حتى عبره … ثم أغلقَته خلفه لتتركهما وحدهما كما أمرها …
ومرَّ أكثرُ من الساعة والشياطين في انتظار ما سيُسفر عنه اجتماع «أحمد» وقائد الطائرة.
وبدلًا من أن يأتيَهم بالجديد من الأخبار، أرسلَت لهم المضيفة … تطلب منهم الحضور إلى كابينة القيادة …
وتم عقدُ اجتماع عاجل بينهم. وضع فيه «أحمد» كلَّ إمكانيات المجموعة أمام الكابتن، وطلب منه أن يُقرَّ ما يمكن عمله.
وعن طريق ساعات أيديهم، قاموا بالاتصال برقم «صفر»، وشرحوا له موقفهم، فطلب منهم عدمَ قطع الاتصال … وطلب من المقرِّ تتبُّع إشارات ساعاتهم حتى تم رصدها … وتحدد موقع الطائرة.
ثم تحدَّث إلى قائدها قائلًا له: سوف نساعدكم على النزول في أقرب مطار لكم …
القائد: وكيف سيتم ذلك؟
رقم «صفر»: دَعنا نقوم بإرشادك بطريقتنا الخاصة …
القائد: ومن الذي سيُبلغني بهذه الإرشادات؟
رقم «صفر»: سيقوم بذلك أحدُ أفراد الفريق الموجودين معك …
وعلى شاشة ساعته … رأى «أحمد» خطَّين متعامدَين على بعضهما … ونقطة حمراء … تتحرك في مجالها.
وعن طريقهما … عدَّل القائد مسار الطائرة … وأكمل الرحلة بناءً على توجيهات «أحمد» … حتى أصبحوا في مجال أحد المطارات السرية الخاصة بالمنظمة … فصدرت لهم الأوامر بالهبوط …
وقد كان هبوطًا يسيرًا … شعر معه كلُّ الموجودين بالطائرة بزهو الانتصار على أخطر عصابات القرن …
وعلَّق قائد الطائرة على ذلك قائلًا: إنها مواجهة العلم بالعلم.