راجيف باي!
تأكَّد إحساس «عثمان» عندما اقتربوا من الصخرة … ووجدوها مطابقة لكلِّ الأوصاف الموجودة في التقرير.
وكانت سعادة «ريما» غامرة … عندما وجدت فيها الكثير من مواصفات القلعة العسكرية رغم أن بها كهفًا يصلح للمبيت … إلا أنهم فضَّلوا المبيت على ظهر اليخت، أو في إحدى غُرَفه … حتى يقابلوا «راجيف باي»؛ الرجل الذي تحدَّث عنه التقرير … إنه العابد الذي يمارس صلواته على ظهر هذه الصخرة صباح كل سبت … وكان من حسن طالعهم … أنهم سيقابلونه في صباح اليوم التالي … لأنهم وصلوا يوم الجمعة.
إلا أن «أحمد» لم يقتنع بأنه حُسن طالع … بل رأى بأنه حُسن تخطيط وتدبير من المنظمة … ولم يكن ليلُ المحيط كنهاره … فقد علا الموج … وتكثَّفت السحب في السماء … واشتدَّت الريح … مما أشعر الفريق بالبرد … فاحتموا بإحدى غُرَف اليخت … يتدبرون أحوالهم على أكواب الشاي الساخن.
والتقطَت أُذُن «عثمان» رغم كلِّ هذا الضجيج خارج قمرتهم … وقْعَ أقدام على ظهر اليخت، فانتفض واقفًا … واقترب من زجاج نافذة القمرة في حرص … وجالَ ببصره فوق سطح اليخت … فلم يرَ شيئًا … فقد كان الظلام حالكًا …
واقتربت رءوس الشياطين من بعضها … وبعد حديث هامس قصير … نهضوا وتفرَّقوا كلُّ واحد في اتجاه.
وعندما وخزَتهم ساعاتُ يدِهم في رسغهم … انطلقَت في سماء المحيط قذيفةُ ضوء كشفَت سطحَ اليخت … ورجل يطير من عليه في اتجاه «أحمد»، فتفاداه … وهبط الرجل على مشط قدمه … ودار دورة كاملة … ثم وجَّه له مرة أخرى ضربةً سريعة … بقدمه الأخرى … أطاحَت به؛ فسقط فوق ظهر اليخت.
وقبل أن يُفيق «أحمد» من صدمة المفاجأة … كانت «إلهام» ترقد بجواره.
وقبل أن يَصِل الرجل إلى «عثمان»، كانت الكرة الجهنمية تطير من يده … فتصدم رأسه وتُحدث فرقعةً شديدة … فيسقط على أثرها في الماء … ومن خلفه «عثمان» … يحاول الإمساك به.
وعلا في صمت الخلاء صوتُ موتور قوي … يبتعد في سرعة عنهم … فنظروا جميعًا إلى بعضهم البعض وانطلقوا يضحكون.
وعرفوا من عملية الاختطاف الفاشلة هذه أنَّ أمرهم قد افتُضح في الجزيرة المقدسة، وأنَّ هذا الرجل الهارب هو عضو في عصابة «سوبتك».
وأن هذا الهجوم لن يكون الأخير … وعليهم أن يأخذوا حذرهم.
ومرَّت الساعات الباقية من الليل دون أن يعكِّر صفوَها شيءٌ … وكان الشياطين قد تناوبوا فيها حراسة اليخت.
ومع أول خيوط أشعة الشمس … استيقظوا على صوت قارب يشقُّ الماء في اتجاههم، فجهَّزوا أسلحتهم وانتشروا فوق سطح اليخت يحتمون بسوره.
وينتظرون الهجوم التالي …
وعلى مقربة منهم … توقَّف قاربٌ مطاط، به رجلٌ أسمر ذو شعر أسود فاحم … ظلَّ ينظر لليخت في حيرة … ثم أدار محركَ القارب مرة أخرى … وأخذ يدور حول الصخرة المقدسة.
وشعر الشياطين أنه رجلهم «راجيف باي».
فخرج له «أحمد» من مكمنه … وأشار له بكفِّ يده يُحيِّيه.
فأوقف الرجل محركَ القارب … ثم رفع يدَه ليردَّ التحية …
فقال له بإنجليزية واضحة: هل أنت «راجيف باي»؟
باي: نعم … هل تعرفني؟
أحمد: نعم … ولكنك لا تعرفني.
باي: حقًّا أنا لا أعرفك … مَن أنت إذن؟
أحمد: هل يمكنني استضافتك قليلًا على ظهر يختي؟
باي: ولكني لا أعرف مَن أنت وماذا تريد؟
أحمد: نحن سائحون.
باي: لا يأتي إلى هذا المكان سائحون … فمَن أنتم إذن؟
أحمد: لن أستطيع إخبارك في جملة واحدة؟
ظهر على «باي» القلق … وخاف «أحمد» أن يسبِّب ذلك مزيدًا من المشاكل … فقال له: هل أنزل أنا إليك؟
باي: أفضِّل هذا.
وقبل أن ينزل سلالم اليخت … كان «باي» قد غيَّر رأيه … وعزم على الصعود إليه … وصاح قائلًا: لا تنزل يا سيد …
ما اسمك؟
أحمد: اسمي «أحمد» …
باي: أنا قادم إليك يا سيد «أحمد».
وعلى ظهر اليخت … اجتمع «أحمد» وزملاؤه و«باي» … وشرح له سببَ مجيئهم إلى هذا المكان … وقد كانت سعادة «باي» كبيرة بما قاله … وسأله في دهشة قائلًا: أحضرتم من الشرق الأوسط لإنقاذ عقيدتنا؟
أحمد: لا، بل حضرنا لإنقاذ مسيرتنا … فكما قلت لك إنَّ مَن يحكمون جزيرة التمساح هم عصابة لنا معهم ثأر … ولهم عندنا مطامع كثيرة.
باي: لا يهم الدافع … المهم الهدف …
أحمد: وهدفنا واحد.
باي: وماذا تطلب مني الآن؟
أحمد: أن تجمع أكبر عدد من المعارضين لنظام الحكم في الجزيرة …
باي: إنه أمر سهل … ولكنه يحتاج إلى أموال كثيرة …
أحمد: سنزوِّدكم بكل ما تحتاجون إليه …
باي: ومتى يجب أن نتحرَّك؟
أحمد: من الآن.
باي: وصلواتي؟
أحمد: إن الجهاد من أجل المعبود عبادة.
باي: معك حق.
واقتنع «باي» بكل ما قاله له «أحمد»… وطلب منه الإذن بالانصراف.
إلا أن «إلهام» كانت قد أعدَّت لهم الإفطار.
فجلسوا جميعًا يتناولونه مع الشاي الساخن.
وأحداث ساخنة تنتظرهم مع الساعات القليلة القادمة …
وما إن فرغ «باي» من إفطاره … حتى همَّ بمغادرة اليخت.
إلا أنه تراجع فَزِعًا وهو يقول: القوارب تُحيط بنا من كلِّ جانب …
أنقذوني … فلي أبناءٌ صغار ينتظرونني …
وأم عجوز لن تستطيع الحياة من غيري.