ليس حُبًّا
لا أريد منك شيئًا، أحتاجك كُلَّك، حتى عثرتك في الدرب، لَيَّة فمك واندهاشاتك، وأريدك أكثر أن تمضي، تخرجي من حياتي نحو نهايتك التي أعرفها جيدًا، أن تعودي جمرة في الجحيم، حيث خَلَقَكِ الله هناك منذ البدء.
وأريدك لأتمم بك صلاة قرأت فيها الطواسين والمنامات والمواقف والمخاطبات وسِفر سوزانا و«عيناك يا حبيبتي يمامتان» وشيركو بيكة س، قرأت فيها سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ.
وبسم الله، صلاة لا تكتمل إلَّا بحضورك، شيطانًا شيطانًا، وريشة وريشة، وطحلبًا طحلبًا ووهمًا، درويشًا درويشًا، سأحبك أكثر لأنني سأفقدك في زحمة الجسد، لا شيء تبقى لي من الروح غير الجسد، لا شيء تبقى لي من الجسد غير الصلاة، و«إلَّا» التي تخص إبليس وحده.
كل ما استطعت أنْ أفعله لأجلك فعله قبطان الحياة معك، كل ما لا أستطيع أنْ أحتمله غناه عصفوران على أيكة المسافة، والبص السريع، وصياح ديك الفجر الكاذب.
أنا لا أدخر لك شيئًا سوى بقية من المواقف، سوى قليل كبِحار العالَم كلها، وفيروز سوى الطين الخصب والويكة وسمك التمبيرة، أدخر لك عاطفة ستعصف بي وبك، وتحطم أشرعة اليابسة فترك وترتاح من عِلَّة السفر المستحيل، أريدك — والآن — لأنني لا أرغبك، ولأن اشتهاءك آخر طلقة لآخر جندي في آخر معركة فاسدة؛ لأنك طاووس الروح، وناقوس كنائسها، وباخوس حاناتها، ومجدلية مسيحها، ووردة قبلتها؛ لأنك أقل قليلًا من يوم القيامة.
استيقظ الآن … آنٌ أنامه الرهق والجري على الأسفلت ومشابهة الفئران وقنديل الكتابة الحزين، استيقظ الآن جمهور شاهد دموع المسيح على حبر التلمود، وشاهد مريم ولم يعترف.
اسْتَيْقَظَ الآن وحْشُ السرير اللئيم الزنيم أكثر قداسة وياسمينًا وهلعًا، استيقظ الطاسين على المصلبة الباردة وفوران سؤال الصوفي يلح، ويلح، ويلح، ويلح على السوط واللسان، والحاكم، والساكتين، والشعر، والله كائن بالمدينة منذ أن خلقها الله.
قد أشتاق إليك، قد أحبك، قد أشتهيك، قد أساررك، وقد نُبتلى بالقصص وحكايا الرقيق وسوق النخاسة، والمهدي المنتظر يطرق باب التجار نقرة نقرة، يحاول حشْرهم عبْر ثقب الإبرة إلا من أبى. وقد نقضي النهار عند شيخك «البرعي»، أو عند شيخي «كتاب الطواسين». قلت: قد أحبك، غير أني أجزم وأقسم بأن تلك الركعة التي لم تتم تختبئ فيك مراوغة خجلة وعارية مثل هبوب السَّموم، كل ما يُقال عن الحب قد قيل عن الله ليبقى جميلًا، وكل ما قيل عنك قاله النور عثمان أبكر في «أوراق الابن العاق» ورقصة رامبو في هرر برسم حبشيتين، ونقطة وطير الحمام.
إنَّ الذي بيني وبينك ليس حبًّا، إنَّ ما بيني وبينك الأسفلت ومزرعة القطن وبعض الوقت.