شوف
شاهَدْتِه، أنت دائمًا تُخْفِينه خلف أشياء كثيرة، أنا شاهدتُه خلف أشياء كثيرة وتآلَفْتُ معها جميعًا، أولها البحر ونوس أغصان النيم، وآخرها البحر يَسْبح فيه الزيتون المصري، ومن شاهد يقول الحلاج: «يا موسى، مَنْ رفع رأسه كما وأشرف إلى ما لا يَحِلُّ له، سأُشرِفَ على الخلق هكذا، وأشار إلى الخشبة» رأيت صدرك، وأشرْتُ أنا إلى البحر … ثلاثون عامًا نقضيها في الخرطوم بعيدًا عن وصف المكان والرمل، مثل الماء يأتي من الهضبة والنجيل الوسيم والماشية … ثلاثون عامًا ما استرحت على السنطة، ولم يُغْرِقني ماء أغسطس الأسود، عرفت أسماء البلاد جميعًا بكل لغات الزمن المتسامحة، وعَرَفْتُ ألقاب البنات يَهْمِسْن بها في سكة المدرسة وعلى الكراسات، عَرَفْتُها، ثلاثون عامًا ثَمَن تلك النظرة، ويعود الثور العجوز إلى سنة المراهقة الأولى مثل جَعْران ثَمِل يُفْقِده النَّزَق لذة المشي، وشاهَدْتُ مثل الأشياء الكثيرة، ورد ولوسينا تغمض عينًا من الشمس للعصفور، كنت وحيدًا وباليًا، مَرْمِيًّا على قارعة البنت، كثيرًا جدًّا كالنمل، يُتْعِب مغاريف الكناس، العابد وآكل النمل، مثل هذا الكم الهائل مني كُنْتُ مفردًا، منفردًا بالانتظار الطويل على صفوف السفر، قرأت ليقربني الحرف أكثر، أبعدتني الكتابة، قرأت ليرسم الحرف سحلية الروح «يفعل ذلك الولد صلاح إبراهيم».
أبْعَدَتْنِي المشاهَدة أقرب.
قرأت لأُجَسِّد النطق، وأُوَحِّد ما بين الحرف والجسم.
أبْعَدَتْنِي الرؤية عن كشف الذات … تُهْتُ … شاهَدْتُه تحت كومة أشيائه الكثيرة.
«عاتبني الخليفة بالمقلمة، وقال لي: من أنت ومن أنا؟ فرأيتُ الشمس والقمر والنجوم وجميع الأنوار، وقال لي: ما بقي نور في مجرى بحري إلَّا وقد رأيته، وجاءني كل شيء حتى لم يبقَ شيء، فقَبَّل بَيْن عينيَّ، وسلَّم عليَّ، ووَقَفَ في الظل»، «النفري»، مَنْ يَطْرق الباب يَدْخل، ومن يفتح الباب يواجه الخارج وما يسميه البعض الهواء، سوف لا ينجيك من هذا السعير غير السفر، هنا كل شيء أَعْدَدْتُه لملاقاتك، أنا لا أتحدث عن العُشب والطائر والجلوس، أنتِ تعرفين كيف يُقام لك القُدَّاسُ افتداء من السِّحْر، سأحرِّرُك أوَّلًا من يد النخاسة ورجال الدين، وسوط السائط ونشيد سليمان.
أسلط عُرِيَّك للكلام وحده، وحده الكلام يجيد المحاوَرة.
شاهَدْتُ صدرك يا شجرة الآيلانسس، شاهدته تحت الورق المصفَرِّ والحدأة وبقايا ما ترك النسر والضوء والوطاويط وأرملة القط والصغار … تحت ستار كثيف من شمس الخريف.
والآن لم يبقَ من الميلاد غير الموت.
على وجهك.