عبق الذنب
سوف لا تحتاجين لأي اسم، سَمِّي جميعهم باسمي، فأنا الولد الواحد في خيمة الصوف الكبيرة: الدنيا، وأنت السيدة الوحيدة في قميص نومها الأسود، أنا وأنت نفعل كل ما يحتاج إليه ما يخصك من جسد وما يخصني، أنا لا أتحدث يا حبيبتي عن كل شيء، أكتب إليك وأغني لك، وأرسم صورتك على خاتم سليمان بن داود، هي الطريقة الوحيدة التي تجعلني أمارس الحب معك بحرية وطبيعية مطلقة، مثل شلال من الماء يمر هنالك، ويمر من هنا بصوت أخضر عذب … ما زلت أحتفظ بكتاب الكماسترا كله في ذاكرتي النجسة!
سوف تأتي الأسماء على خاطرك سريعة كنافذة القطار، كلها أنا، الدليل على ذلك الحرف النشاز، عند الشبلي — أبو بكر جحدر بن الشبلي البغدادي، والدليل على ضلالة نقطة الشبلي هي لامك، بين نهديك ينمو الطحلب الأزرق، عندما ينضج عطره، يا حبيبتي عندما ينضج عطر الطحلب الأزرق، تتسع دائرة الصوفي المعذب وحوله الأطفال والمرضى والنساء الخفيفات كبذور العُشر، الرشيقات، وحوله الدوائر، وهو نفسه بقية دائرتين، الطحلب الأزرق الذي لا ينمو في كل مكان مثل كذبة أبريل.
ماذا تريدين أكثر من ذلك؟! بوذا وأنا فقط الوحيدان اللذان لا يدينان بالبوذية، البقية يَجْهَلون — فيما يجهلون — اسم الله، اسمه الأعظم.
هل تعرفين كيف ينطقه القُمرِيُّ؟!
على الصفصافة!
أنا أعرف كيف ينطقه الطنان، الجرذ، الجبل والليل، كلهم أنا، لا يتوقع الصبية لون قميص نومك الأسود، لا أحد، هي الرذيلة المحببة إلى نفسي، وحيد في سكة الحشد العظيم يوم القيامة، أريد نارًا بحجم إيماني ومحبتي … عذاب عذاب، بطعم الكشف، نار، لي وحدي سوداء، أريد منها دفء الطحلب، لا بأس إذا لم أقاوم غواية اللهب! ليس أمامي سوى هذه الذنوب ربيبة قلبي تَكْبر بنقاء الدم في شرياني، تَكْبر، تكبر، تكبر، تكبر حتى لا يسعها القبر … سوف لا تحتاجين لاسم لا ينتمي إلي، خبرت سكة الجهل ستقودني إلى العلم، ستقودني إلى المعرفة، ستقودني إلى الوقفة، ستقودني إلى وقفة الوقفة، ستقودني إلى الجهل … خبرت الاسم والإثم والماء، المذلة والهوان، الحبر اللزج الحار الزكي الأسود مثل وجهي، خبرت اللغة ثم جهلتها عندما عجزت ساقي أمام إبطك، وتراخت أوتار بحيرتي أمام نهديك، البرد يحيط بالأماكن كلها، حتى حول نار الصباح، تشعله الأمهات مع الفحم لتدفئة القهوة وأصابع الصغيرة.
-
«لون الماء لون إنائه» الجنيد.
-
«أنا النقطة التي تحت الباء.» الشبلي.
-
«لا صباح ولا مساء.» البسطامي.
-
«إذا تَكَلَّمْتُ فتكلَّمْ … إذا صمَتُّ فاصمت.» النِّفَّري.
-
«ما في الجُبَّة غير الله.» الحلاج.
-
«ليس في الإمكان أبدع من هذا العالَم.» الغزالي.
-
«أنت أيضًا هو.» بوذا.
(ط ﻫ) القرآن الكريم.
حسنًا هنا طريقتان لقول ذات الشيء: النهر أو النار، والنهر ينقسم إلى وجهتين لا يمكن كتابتهما إلا ثلاث: السماء، أنت، والماء ذاتها.
أمَّا النار — سبحان الله — هي شرط اللذة، خرجتُ بالأمس من الكون، حملقتُ بكل جسدي في فراغ لا يخص أي إله، ولم يدع ملكيته أباد أماك ولا عشتار ولا حتى زيوس.
فراغ بحجم كل الأكوان التي لا نعرفها، يُسْمَع له طنين كهمس النحلة للنحلة، خلفه لا شيء وتصطف الأشياء كلها، هنالك أسرار تخص الله وحده لم يُطْلِعنا عليها ولن يفعل، كنت أحملق بكل جهلي وصورتي وجسدي وصوتي وذنوبي العظيمة، لا أجيد طقسًا في الشريعة، كنت مغسولًا من العقل والفكر والمعرفة، ليس لي سوى جسدي وذنوبي والفراغ الذي لا مالك له … جنبي المجرات تحتك ببعضها، تتناسل، ويسقط الأنبياء من بين الأنجم الذهبية تأخذهم الريح نحو أراضٍ كثيرة تمد أذرعها متلهفة إليهم، تناديهم بأسمائهم، عرفت لهم أسماء أخرى، نادَيْتُ لم يسمعني سوى غبارٍ كونيٍّ على حافة الفراغ، كان هو الآخر يحملق نحو ذاته ويندهش كما اندهش.
– هي ثانية النهاية.
لقد فسدتُ … عندما يفسد الجسد تفسد البصيرة، وأنت إذ تحملق لا ترى شيئًا سوى قبح نفسك، وجمال الفراغ، الفراغ، الفراغ … الفراغ: الفراغ!
حبيبتي!
كم تبقى من هذا الليل؟ أعرف قَدْرَه عندما تبحثين بأناملك المرتعشة عن طوق الشعر، وأربطة الحذاء، أو حافظة الصدر، عندما تقولين بصوت نقيٍّ معظمه هواء ورغبة …
هه …
كنت أسمع صوتك تصلين بطريقة تَصِلُني في الحلم أدعية مخلوطة بإذاعات يختلط الكلام فيها بزقزقة طيور الصباح بالأذان!
كلنا يحب الله، كل واحد منا بالطريقة التي تريح ضميره، كُلُّنا يَعْرف اسمه الأعظم بلحن وحرف مختلف، هو ما لا اسم له! هذا الورق كثير، قلبي يشتعل الآن أكثر.
لا تهتمي بالصبية، لا يملكون غير اسمي ذاته، هكذا دعيهم على قارعة الخرطوم ترمي بهم المحن والجرائد، تتخاطفهم المجاعات.
عندما نلتقي سنلتقي بكل شيء، في كل شيء، من أجل لا شيء، طَهَّرَتْنَا النار العذبة …
وسوف لا يتبقى في تلك الليلة شيء … من الليل …
مرجع أخير: «لا احترام إنساني، ولا حياء مزيف، لا تحالُف، ولا أية انتخابات عامة، تجبرني على خلط الحبر بالفضيلة.» بودلير.