العالم لا يشم صراخ الأرواح بدارفور!
أشم بأنفي الأصوات، وأنفي لغتي بين المعنى والمبهم، أنفي ثرثرة الأضداد، أنفي أسئلة لإجابات توغل في الإبهام وفي التاريخ …
جاءوا في الصمت، كانوا جندًا وصراصير قتلة، كانوا زرازير أبابيل، وأنا أقود قبيلة جدي لهدم الغفلة، أركب فيما يركب أبنائي فيلًا، في السر توسوس لي نفسي أنْ أفعل، أنْ أَطْرُد من أرضي شبح الموت الآثم: الموت! يقول جدي عبد الكريم إدريس آدم: الموت الكافر.
كانوا ما يسميه السحرة جنجويدا، حكامًا وسلاطين ومسلمين، من عرب النيجر وجمهورية تشاد، مثل جراد من طينة جن وكلاشنكوف، مثل أزيز الطلقة وآآآآهةِ سيدة مُغْتَصَبَة، ونسائي العشرون وبناتي التسع وأولادي الخمسون، سكارى من عطر البارود، وجدي يعلن أنَّ النصر في حد الصبر وتقبيل النار، يعلن أنَّ الله يؤرخ للقتلى بدماء نحيب المغتصَبات، وأنفي تشتمُّ كلام الله، مثل نبي يتسول في العرش يندسُّ بين حروف العلة والمجرور، يحسبه الحراس ذبابة تقوى، وأحسبه موسيقى تدفئ روحي في الجنة بنار الإفك.
بلدي دارفور، ووطني ما يخرج من منِي حامض من سُرة جدي، أمي تحبل بالأحجار وبالماء، وعلى عينيها بقايا ما تَرَكَ الجند من الليمون واليوسفي على شاطئ خور معوج كثعبان، بلدي لغتي كذاكرة الأطفال، تهوم بين السحر وما بين الأحلام وبيتي، تحبل امرأتي بالطين وبالشمس السوداء الشبقة، وطني حيث تنبت في النطفة امرأة ورجال وهوام.
لن يقتلنا الموت أو الإهمال، لن يمحو ذاكرة الأرض تبَوُّل ناقتهم في الرمل، فالرمل يقاوم مثل البنت، ومثل اللغة وأنفي.
صباح الخير، العالم يغشاه نعاسٌ، العالم لا يشم صراخ الأرواح بدارفور.