ما يتبقى كل ليلة من الليل
سوف لا يدق الجرس الإلكتروني اليوم، سوف لا يدق، والريح الطائعة السكري سوف تتجنب العبور وإهداء صفيرها المجاني؛ لأنها تحتفظ بالأشياء من أجل أن ترقص على أفرع الشجيرات الحذرة.
كانوا يكتبون الجوابات للصبيات تحية لاستدارة أطرافهن وانتباه أجسادهن، وفي ذكرى اللقاءات التي لم تتم.
أنا أكتب إليك لا لأجل هذا ولا ذاك، فقط لأنني أتخلص مِنْ سِحْرِك برسمه على جدار الكهف، ثم رميه بالحجارة الحادة وإحاطته بالتمائم، أحمد أبو جُمَيزة الذي تعرفينه الذي خلص أبي من القيد، وحرره ثلاثين مرة في يوم واحد، كنت وأصحابي الأطفال نهتف خلفه وهو يحمل «كُوكَابًا» ويحارب الضالين، كنا نشجعه مُنْدَسِّين في طفولتنا وأحلامنا الصغيرة، ومن كُرات ثمار العُشر نصنع قنابل الغد ونهديها إلى أفراس أبي جُميزة الصافنات، وهي تطحن الغبار الحار، وتمزجه بعرق الجند الفقراء، تخطف الدم من شرايين العدو قطرة قطرة.
لا يمكن لأية سيدة أنْ تأخذ نقطة حبر، وتَدَّعي النبوة، وتَسْجَح في رشاقة وغنج، وأنا لا تدهشني وسوسة النسرين ولا جموحك، لا تبطل تميمة أجدادي السحرة تلك البسمة الممطرة؛ لأنني ببساطة أعرف أين مكمن الجهل في علم العالم، وأتبصر بذات إيروسيتك علم الجاهل بدأب النملة وصبر السيالة: أحدق …
هنا، أينما يَمَّمْتَ وجهك أنت تصلي نحوي ثم، قد لا أجد مبرِّرًا لنزعهما معًا في آن واحد، أنْ يمسخني الحب عبدًا، وأنْ أَحْمل نفسي في قِفَاف السوقة، وأدعو الناس أن اشتروني، من أجلك تبقى الفراشة زهرة تحلم بالطيران.
أليس بالإمكان فعل ما هو أكبر من الحب والعاطفة والجسد وضفائر تسدلها البنت آخر الليل لرجل تُمَزِّق أحشاءه أقلامٌ كثيرة؟! أليس هناك ما هو أقوم وأدق وأمتع وأجَنُّ وأفسد وأحَنُّ وأصلح من الجسد؟! أليس بالإمكان أنْ يتكور الصوت الآتي عبر هواء الأقمار قناة تخلقها ذبذبات اللغة قليلًا فقليلًا؟! تخرج من أذني إلى أرض الكوخ بلا تاريخ أو أقطان، ورطانات بلا وطن، عارية كالصوت أُقَبِّلها وألثم غفلتها وأنبهها على كفي، على صدري، على شجري، على الدنيا … على كرسيك أقرأها ضلالاتي وأفسدها وأفسدني، وأبني في صباحاتي لها ظلًّا بئيسًا، قصير العمر لا يُغني ولا يفنى.
ما لديَّ سوى ذهب مغشوش بالرماد يسميه العاشقون الصدق، وأسميه: أمل … ما لدي سوى ما يتبقى كل ليلة من الليل يتجنبه السكارى في نباح الكلاب وحذر القطط.
ما لديَّ هذا المطر الذي يأتي من النهر خلف كوخي بين شارع المدرسة ومنازل بائعي النيفة الباردة، على الريح.
لديك القليل الذي يُدْرِك ما لم يدركه الكثير الكثير، مثل شرارة الجمر التي سرقها برومثيوس.
لديك هذا الحلم، سوف تقتسم نصف الرغيف ونصف الأغنية ونصف الرغبة، والنصف الآخر الذي يخص البحر وحده نُهْديه إلى جنيات الماء العذراوات.
وما يخصنا للسحابة.
«أظننا وحدنا الآن»، وهذا القمر أَعْمى لا يشتم الرائحة.