الفصل الثاني
«خان التميمي في إشبيلية حيث صفت الموائد والأرائك وجلس إليها قوم
يتحدثون ويحتسون الشراب. ابن حيون منفرد وحده إلى مائدة، وأبو القاسم قادم عليه من باب
الخان. حريز يجلس إلى مائدة أخرى وأمام ابن حيون، ورجال هنا وهناك يلعبون النرد والشطرنج
أو
يطالعون بعض الرسائل …»
أبو القاسم
:
ابن حيون؟ ما أطيب هذا اللقاء!
ابن حيون
:
سيدي أبو القاسم؟ يا مرحبًا يا مرحبًا، ها هنا صُدفة لينة ومجلس
كريم فلو جلسنا نتحدَّث. أزائري أنت أبا القاسم أم جئت الخان في شأن يعنيك؟
أبو القاسم
:
بل إياك قصدت يا بن حيون، وإن الشوقَ إليك لشديد.
ابن حيون
:
شوق بعضه من بعض يا أبا القاسم، ولكن من أنبأك أني مقيم بخان
التميمي؟
أبو القاسم
:
لقد عرفناك كالرواد الرحل، لا ترى إلا في خان أو عند دوارس
الأحجار.
ابن حيون
:
الخان والسوق يا أبا القاسم مدرستان من مدارس الحياة، ينتفع بهما
الرجل الأريب. ألستُ في هذا الخان كل يوم أبدل أهلًا بأهل وجيرانًا بجيران، وأستعرض
صورًا متحركة من الخلائق كلما احتجبت صورة خلفتها صورة. وكيف حال إشبيلية يا أبا
القاسم، وهل من حوادث هناك؟
أبو القاسم
:
الحالُ إن لم يصلحها الله فما لها من صلاح، والحوادث يا ابن حيون
تتوالى ولا تتولى، واليومُ مغبر والغد مكفهر.
ابن حيون
:
ابنُ عباد في غوايته مستمر!
أبو القاسم
:
خل ابنَ عباد يا أخي، لا تجر ذكره بسوء فإنه السيف الذي يرجوه
العرب، والحصن الذي يحتمون غدًا فيه.
ابن حيون
:
لم تنصف يا أبا القاسم، طبعت للعرب من الخشب سيفًا، وبنيت لهم من
الشفير الهائر حصنًا.
أبو القاسم
:
اتق الله يا بن حيون بعضَ هذا البغي، للمعتمد من المحاسن ما يغطي
على مساوئه؛ أجهلت إحسانه على أهل العلم وعطفه على أهل الأدب؟ أجهلت كيف يربي
أولاده تربية لم نعرفها من الأمراء والملوك؟ أجهلت كيف يعامل الرميكية زوجته
الفاضلة معاملة تحسدها عليها عقائل الأندلس؟
ابن حيون
:
آه يا أبا القاسم، من هاهنا دائي وهاهنا ثأري عند صاحبك ابن
عباد.
أبو القاسم
:
يا عجبًا كل العجب! ما هذا الثأر؟ ما حديثه؟
ابن حيون
:
اسمع أبا القاسم وأنصفني …
أبو القاسم
:
تكلم يا ابن حيون فكلي مسامع.
ابن حيون
:
كنت في صدر شبابي صيادًا شابًّا مليحًا، رأس مالي شبكة، وقوام
معيشتي سمكة، وكانت تختلف إلى المواضع التي أختلف إليها من النهر للصيد وابتغاء
الرزق صبية غسالة حلوة الدلال بارعة الجمال، كأن حديثها السحر الحلال، فانعقدت
بيننا ألفة، وكانت لنا مجالس على الماء كأنها أعراس النهر، ولقاءات على الوادي
الكبير كأنها أعيادُ الدهر، أحببت الصبية وأحبتني، وتكلمنا في الزواج وشرعنا نأخذ
له أهبته.
أبو القاسم
(مقاطعًا)
:
وبينما أنتما على ذلك طلع عليكما من النهر فُلْك عليه شارة المُلْك،
يحمل ملكًا شابًّا جميلًا، فنظر الصبية فراعه حسنها، وكلمها فأعجبه أدبها، وارتجلت
الشعر بين أذنيه فبلغ إعجابه بها الغاية، فتزوجها من يومه فملأت قصوره غبطة وبهجة،
وولدت له الشموس والأقمار. هذا حديث الرميكية يا ابن حيون، وهذا خبر زواجها يعلمه
كل من في الأندلس ويتناقلونه بالإعجاب، ويتحدثون أن بنت الشعب نزلت قصور الملك من
أول يوم نزول الأقمار في هالاتها من عشرين عامًا إلى اليوم، قدوة عقائل الأندلس
والمثال الأعلى بين أميراته وملكاته.
ابن حيون
:
وما كان ذنبي يا أبا القاسم حتى احتقرت حبي واستهانت بخطبتي؟ وكيف
تريد مني بعد ذلك أن أكون لصاحبك المعتمد من المخلصين.
أبو القاسم
:
هب الأمر كان معكوسًا يا ابن حيون، وهب الفُلْك الذي وقف يومئذ بكما
كان لملكة شابة فاتنة الجمال، بيمينها الجاه، وفي شمالها المال، فنظرتك فأحبتك
ودعتك لتبني بها وتشاطرها عزة الملك وثراء المال – أتراك كنت تعرض عن الملكة وفاء
بعهد الغسالة؟ لا والله يا ابن حيون، ما كنتَ فاعلًا ذلك. وهذا ما فعلت الرميكية:
رأت ملكًا كبيرًا وشبابًا نضيرًا وفضلًا وأدبًا غزيرًا، فحلت نفسها من ذلك الوداد،
وفضلت أصيد على صياد. عرفت يا ابن حيون أن ذنب الرميكية ليس بالعظيم كما توهمت، بقي
المعتمد، وأنا لا أجده اقترف إليك ذنبًا أو أراد لك ضرًّا، أنا أقسم لو علم ابنُ
عباد يومئذ بما كان بينكما من الحب وما صرتما إليه من الخطبة ووشك الزواج، لأخذكما
في كنفه، وتكفلت لكما نعمته بالزواج ونفقته، وبالبيت وجهازه، وبالضيعة التي تغل
عليكما وتُبقي بعدكما على الأولاد.
(ابن حيون مطرقًا)
أبو القاسم
:
ابن حيون، ما بالك مطرقًا لا تنبس! ما بال عينيك تمتلئان؟ استرح يا
أخي للبكاء واسكب دموع الندم.
ابن حيون
:
الآن استرحتُ يا أبا القاسم، وانطرح عن صدري أتونٌ من الحقد حملته
عشرين عامًا حتى حنى الظهرَ، وأكل الصدرَ، وأدنى من القبر.
أبو القاسم
:
مسكين أنت يا ابن حيون! إن حقد عشرين عامًا لو جمع وقذف به في جهنم،
لكان لها منه وقود لا ينفد.
ابن حيون
:
لقد شفيتني أبا القاسم من ضلالي القديم، فأرشدني كيف أعتذر إلى
الرميكية عن سوء ظننت، وبغض أسررتُ وأعلنتُ. وكيف أكفر عما سلف مني في ذات المعتمد
من جهر السوء وهمسه؟
أبو القاسم
:
يغفر الله لك يا ابن حيون. إن الحقد ما خرج من قلب إلا دخلته
الرحمة، وإني لأرجو أن ستحبُّ صاحبيك وترحمهما وتحسن إليهما، كلما وجدت إلى الإحسان
سبيلًا.
(يطوف قيم الخان على الجالسين حتى يقف به الطواف على المائدة التي جلس
إليها حريز وابن لاطون).
قيم الخان
:
لعل السيدين قد وجدا الراحة في هذا الخان الصغير ببنائه، الكبير
بأقدار رواده ونزلائه؟
حريز
:
ومن السيد؟
ابن لاطون
:
هذا الأديب التميمي صاحبُ الخان وقيمه.
قيم الخان
:
لعلي أيها السيدان بحضرة الأمير حريز أسد الأندلس، وصديقه ابن لاطون
في الجزيرة.
ابن لاطون
:
هو ذاك يا أخا تميم؛ هذا الأمير حريز بطلُ الأندلس وواحده، وأنا ابن
لاطون خادمه وكاتب ديوانه.
قيم الخان
:
يا طيب هذه الزيارة، وما أعظم شرفي بها، لقد مر بنا أيها السيدان
منذ ساعة، ركبان حدثونا العجب عن ذلك السباق الذي أقامه ملك الفرنجة ألفونس في
معسكره، إكرامًا لك وحفاوة بك، وخبرونا كيف احتلتَ على الطاغية فمرقت من ذلك الجيش
الجرار ناجيًا بجوادك الصاعقة، وظافرًا بالأمير بطرس شقيق الطاغية.
حريز
:
وكلاهما الساعة تحت سقف خانك هذا؛ ففي بعض غرفه بطرس أمير الأسبان
يأخذ قسطه من الراحة، وفي الإسطبل الصاعقة أمير الجياد يُعلف ويستجم.
قيم الخان
:
يا فرحًا يا شرفًا! أخو الطاغية أسيرٌ في خاني! نبأ والله عظيم، لا
تطلع شمس الغد حتى ينتشر في الأندلس، فتشتغل الدنيا بالتميمي ويهتم بخانه
الناس.
حريز
:
والصاعقة أمير الجياد، أنسيته يا رجل؟ إن إسطبلك ليتيه به على مغاني
الفرنجة وقصورهم. فاذهب فمر رجالك أن يعتنوا به، وليأتوا بما كان عليه من الأمتعة
والأسباب فيضعوا ذلك كله في هذه الزاوية من الخان.
قيم الخان
:
سيكون ما أمرت يا سيدي.
(يخرج الأمير بطرس من غرفة الخان، فينهض حريز وابن لاطون حفاوة
به.)
الأمير حريز
:
الأمير بطرس؟ لعلك أخذت قسطك من الراحة.
الأمير بطرس
:
أجل قد استرحت يا حريز، والآن خبرني ما أنت صانع بي، لقد أصابت
الحبالة فما أنت صانع بالصيد؟
حريز
:
إنها أيها الأمير حبالة كريم.
بطرس
:
ولكني على كل حال أسيرك يا حريز.
حريز
:
أجل، ولكنك الحاكم في الأسر.
بطرس
:
لم تنصف أخي الملك يا حريز، اطمأن إليك فخدعته، ووثق بك وخنته،
وأطلق لك جوادك الصاعقة وأسرت أخاه.
حريز
:
نحن في حرب معكم أيها الأمير، والحرب لا تسأل عما تفعل، وأنا صاحب
حصن للعرب يحاصره أخوك، وفي الحصن أبطال لا يعرفونَ الخوف ولكنهم بشر يعرفون الجوع،
ومنهم المرأة والصغير والشيخ الفاني الكبير، وحصني يوشك أن يسقط بعد طول الحصار
وضيقه.
بطرس
:
إذن يهمك أن يخرج النساء والأطفال والشيوخ من الحصن؟
حريز
:
أراك فهمت أيها الأمير.
بطرس
:
إذن فاعلم يا حريز أنك إن خليتَ الآن سبيلي فرجعت الليلة على معسكري
وقومي، فإنه لا يُصبح الصبح حتى يطلق سراح كل من في حصن رباح، وينالهم من بر أخي
وعطفه ما ينسيهم جراحهم، ولا ينزع من رجالك سلاحهم، بل تترك للأسد أظفارها.
حريز
:
هذا ما أبغي أيها الأمير.
بطرس
:
وأي الأقسام تريد أن أعطيك عليه؟
حريز
:
إن الرجل الشريف كلمته قسم وإشارته يمين، فأنا أكتفي بما سمعتُ من
وعدك، فانطلق الآن محروسًا بعناية الله، وعد لأخيك الملك فبلغه تحيتي وإجلالي،
وخبره بأن ربحي من ذلك السباق كان عظيمًا فقد غنمت صحبة أخيه الأمير النبيل الكريم،
وغنمت أيضًا خلاص رجالي في الحصن، وخرجت فوق ذلك من الميدان بكنوز طُليطلة وجواهر
ملوكها بني ذي النون.
الأمير بطرس
:
كنوز طُليطلة؟ خرجت بها بين عين الجيش وأذنه! يا لك من داهية عنيد!
أكانت هذه الكنوز معك حين أتيت للمعسكر؟
حريز
(ضاحكًا)
:
كلا أيها الأمير، بل كانت في طليطلة وفي خزائن ملوكها بني ذي النون،
وإنما احتلتُ حتى حُملت إليَّ مع الصاعقة، إذ أمر أخوك الملك أن يذهب إلى المدينة
المحصورة من رجاله ورجالي من يأتي بالصاعقة.
بطرس
:
عجبًا! لقد رأيتُ الصاعقة حين جيء به من طليطلة فلم أر عليه شيئًا
من الأحمال والأثقال، فهل كان يحمل في بطنه الكنوز؟
حريز
(ضاحكًا)
:
ولم لا تقول إنها كانت على ظهره أيها الأمير …
(مناديًا)
يا تميمي.
التميمي
:
مولاي.
حريز
:
ادفع إلى الأمير جواده قيصر، وشيعه بفارسين من أشد رجالك يرافقانه
حتى يبلغ خطوط الفرنجة.
بطرس
:
في حفظ الله يا حريز.
حريز
:
بذمة الله أيها الأمير.
(يخرج حريز مشيعًا الأمير بطرس إلى باب الخان، ويعود فيجلس على مائدة مع
ابن لاطون)
ابن لاطون
(يسأل حريز همسًا)
:
لقد ذكرت أيها المولى كنوز طليطلة للأمير الأسباني، فأين هي منا
الآن؟!
حريز
:
هي معنا يا بن لاطون بين أعيننا وفي خفارة سيفينا، ولكنك لا تراها
ولا يقع في وهم واهم بأي موضع هي من الخان.
(يسمع من خارج الخان مناد ينادي متغنيًا)
منادٍ
:
أنا ذا طاه أتاكم
من شريش بقطائف
من يذق حلواي يبرز
لحريز غير خائف
حريز
:
لله ما ألذ الصوت وما أحسن الشعر!
ابن لاطون
:
وإنا نرجو ألا تكون القطائف دونهما لذة وجودة.
(حريز متجهًا إلى باب الخان)
حريز
:
تعال يا صاحب القطائف. أتعرف أيها الرجل حريزًا الذي أشدتَ بذكره
فيما أشدت؟
البائع
:
أو تجهله أنت كائنًا من كنت، وهو عنترة البيد وحيدرةُ الحمى ونادرة
الزمان؟ أعرفه بأمسه ويومه كما يعرفه سائر الناس.
حريز
:
وكيف صفته؟
البائع
:
رجل عملاقُ أشمُّ طويلُ الساعدين عبل شمردل.
حريز
:
كفى يا شريشي كفى، اكشف عن بضاعتك لنرى أين المنادى عليه من
النداء.
(البائع يعرض الصينية مكشوفة)
صوت
(من الحاضرين)
:
تعالى الله ما أشهى!
صوت
(آخر)
:
تعالى الله ما أطيب!
حريز
:
بكم تبيعني هذه الصينية يا رجل؟
البائع
:
كل ما أعطيت مقبول أيها السيد الكريم.
حريز
(ويلقي إليه صرة دنانير)
:
خذ هذه الصرة مباركًا لك فيها.
البائع
:
ولكم في القطائف أيها الطاعم الكريم.
حريز
(للحاضرين)
:
تعالوا أيها الإخوان نتقاسم هذه اللقمة الطيبة، تفضلوا، أقبلوا.
ذوقوا معنا من هذا اللون الذي ذاعت شهرته في البلاد حتى قيل إن من دخل الأندلس ولم
يذق من مجبنات شريش فما عرف من متاع الأندلس شيئًا.
أحد الحاضرين
:
إن لهذه القطائف لطيبًا يسكر من بعيد.
(الجميع يأكلون)
أحدهم
:
ما ألذ!
ثان
:
ما أطيب!
حريز
(وهو يأكل ملتفتًا إلى ابن حيون)
:
ما بالُ الأديب لا يجيب الدعوة؟
ابن حيون
:
إني صائم أيها الأمير.
حريز
:
تقبل الله منك وإن أنتَ لم تقبل منا.
أحد الحاضرين
(على المائدة وهو يأكل)
:
وهذه المائدة جمعت العلف والشرف؛ فو الله ما كان أحدكم يحلم أن
يؤاكل أسد الأندلس.
آخر
:
حق إن هذا لهو الشرف العظيم.
(يفرغون من الأكل)
حريز
:
يا الله ما هذا الدوار؟ ابن لاطو …
ابن لاطون
:
وأنا أيضًا كأني داخل في غيبوبة.
رجل
(لصاحبه)
:
كيف تجد الدنيا في عينك يا ضبِّي؟
الضبي
:
مظلمة صاعدة نازلة.
الرجل
:
وأنا أيضًا أجد الدنـيا …
أبو القاسم
:
لقد رُحمت بصيامك يا ابن حيون فإني أظن القطائف طبخت بالبنج وأخذت
تصرعني …
ابن حيون
(مذعورًا)
:
يا ويح للجماعة غودروا صرعى، وويح لك أبا القاسم سقطتَ سليبَ العقل
والحراك.
(يظهر صاحب القطائف ويصفر فيدخل جماعة من اللصوص)
ابن حيون
(وقد امتلأ المكان باللصوص)
:
يا الله! امتلأ المكان باللصوص. الآن تبينت أن القطائف كانت مصيدة
لم يعصمني منها إلا الصيام.
(ثم لنفسه همسًا)
تناوم يا ابن حيون
(ويتناوم على مقعده).
صاحب القطائف
:
يا أصحاب الباز، غدًا يتحدثُ الأندلس أن صاحبكم صرع الأسد وأخذ
الصاعقة من فارسه الجبار، وقد خصصت نفسي بأمير الخيل الصاعقة فهو حصتي من غنائم
اليوم، وما سواه فهو لكم تقتسمونه بينكم، فدونكم الجيوب ففتشوها، وعليكم بالحقائب
فانبشوها، وخذوا أثاث الخان وعروضه، كل ما خفت زنته وعظمت قيمته.
أحد اللصوص
:
ولكن الصاعقة عريان لا سرج عليه أيها الزعيم.
الباز
:
بجياد الأندلس جميعًا هو كاسيًا كان أو عريانًا.
لص آخر
:
لقد لمحت أيها الزعيم في زوايا الإسطبل سَرْجًا محلى بالذهب
والفضة.
الباز
:
أوَأنتم تاركين لي السَّرْجَ المذهب المفضض أيها الأصحاب؟
اللصوص
:
نحن وما نملك للزعيم.
الباز للص
:
إذن فاسبقني يا شهابُ فضع السَّرْجَ المذهب على الصاعقة وانتظرني
هناك.
(يأخذ اللصوص في السلب والنهب وينسلون واحدًا إثر واحد بما حوت أيديهم،
ويبقى رجل منهم فينحني على سرج عاطل يتأمله، ويظن ابن حيون المكان قد خلا فيستوي في مجلسه،
ويقع نظر اللصوص عليه فيرمي السرج العاطل عليه قائلًا).
أحد اللصوص
(لابن حيون ويرمي عليه السرج العاطل)
:
خذ يا شيخ السوء هذه الخشبة، لعل فيها العوض عما أفاتك الصيامُ من
القطائف.
(ويخرج اللص)
ابن حيون
(لنفسه)
:
شلت يد اللص؛ لقد قذف السرج بقوة حتى كسره، ولو أصابني به لتركني
جثة بلا روح، يا الله! ترى أيُّ شيء في فروج هذا السرج.
(يدنو منه ويمسك به ثم يتأمله ويدس فيه يده)
رب ما هذا الحصى! أي مجنون يملأ سرجه بهذه الأحجار!
(ثم يستخرج عددًا من الأحجار البارقة ويقلبها بين يديه مذهولًا
قائلًا:)
ً لآلئ! يواقيت! أبا القاسم قم فانظر، إن الذي حشا رأسك بالعلم
والفقه، قد حشا رُدني باللآلئ واليواقيت.
(ثم لنفسه)
يا ابن حيون أين يُذهب بك! هذا كنز ملك عظيم من أقيال الروم، جدَّ
به الحرص وخاف امتدادَ الفتنة إلى كنزه فاختار له هذا السرج البالي وفي نفسه أن
يصونه أو يموت دونه، فأخلف الدهر ظنونه.
(يجمع اللآلئ بين الدهشة والاضطراب ويقول:)
ابن حيون
(وينظر إلى اللآلئ)
:
لآلئ، يواقيت، ماس، زمرد! رباه هذا عجل الذهب، هذا هو معبود الناس
بعدك! هذا هو المال.