المنظر الأول
(قاعة الجلسة في محكمة الجنايات بالإسكندرية … منصة القضاة خالية …
والجمهور يتخذ مكانه في المقاعد بجلبة … قفص الاتهام به المتهمون … ومقاعد المحامين لم
تُشغَل
بعدُ … حاجب الجلسة يريد حفظ النظام.)
الحاجب
(صائحًا)
:
هس … من فضلكم كل واحد في مكانه … من غير شوشرة … ما تزاحمش يا جدع انت يا اللي
هناك!
الأومباشي
(المرافق للحرس بجوار قفص المتهمين يسأل)
:
حضرات المستشارين جم؟
الحاجب
:
من بدري … في أودة المداولة.
المتهم
(بعيون باحثة زائغة)
:
المحامي بتاعي لسة ما جاش؟
الأومباشي
(للمتهم)
:
المحامي بتاعك مين؟
المتهم
:
الأستاذ شاهين رحمي.
الأومباشي
(مشيرًا إلى مقاعد المحامين)
:
المقاعد فاضيين قدامك أهيه … ما حدش لسة جه من المحامين!
المتهم
:
لكن المحامي بتاعي لازم يكون حاضر من بدري … دا يوم المرافعة بتاعته … دا يوم الدفاع
عني!
الأومباشي
:
طول بالك … زمانه جاي.
المتهم
:
يا سيدي أبو العباس!
الحاجب
(يصيح)
:
اقعد يا كاتب المحامي انت … ممنوع الوقوف في الممرات!
المتهم
(هامسًا لزميله أحد المتهمين في القفص)
:
أنا خايف!
الزميل
(همسًا في القفص)
:
ما تخافش … دلوقت يظهر ويبان … هو دايمًا مواعيده ملخبطة … مش فاكر أول يوم … لما بعَت
للمحكمة تلغراف … ودخل الجلسة على وش الضهر!
المتهم
:
هو عنده شذوذ!
الزميل
:
باين عليه … حتى في لبسه!
المتهم
:
يا ريت على اللبس … شوف مناقشته للشهود في الجلسات اللي فاتت كانت بتضحك عليه المحكمة
والناس ازاي!
الزميل
:
وانت إيه اللي كان وقعك في المحامي ده؟
المتهم
:
عمي … الله يجازيه!
الزميل
:
وعمك لقاه فين؟
المتهم
:
في طنطا … قال لي ان البك الدكتور مفتش صحة بلدهم مطلعه السما وبيحلف إن ما فيش في
اسكندرية كلها محامي زيه!
الزميل
:
عمك ده باين عليه من أهل الريف اللي ينضحك على دقنهم … لكن انت إيه اللي خلاك تسمع
كلامه؟
المتهم
:
وكله عني وأنا محبوس … ودفع له فلوس … انكسفت وقبلت!
(يدخل شاهين في بدلة عادية بدون روب مسرعًا مهرولًا، حاملا رزمة أوراق
ضخمة … لا تلبث أن تتبعثر منه على الأرض … فينحني عليها بلهفة وحرص ليجمعها.)
الحاجب
(يراه ويصيح)
:
إنت يا أفندي انت يا اللي سادد المر … ما لك مبعزق نفسك كده؟
المتهم
(يرى شاهين فيهمس لزميله)
:
آهو هو بسلامته!
شاهين
(وهو منحنٍ يجمع الأوراق)
:
المرافعة … المرافعة اندلقت مني … المرافعة …
الحاجب
(وقد دنا منه وجعل يعاونه في جمع الأوراق)
:
إنت بتشتغل في مكتب أنهي محامي؟
شاهين
(يرفع رأسه محتجًّا)
:
بشتغل في مكتب نفسي! … إنت كل مرة تسألني السؤال ده يا حضرة الباشحاجب … وكل مرة أقول
لك إني أنا مش كاتب محامي ولا وكيل مكتب … أنا المحامي نفسه … أنا الأستاذ شاهين رحمي
…
الموكَّل عن المتهم الحادي عشر!
الحاجب
:
لا مؤاخذة يا أستاذ … لا مؤاخذة … العتب على النظر … اتفضل انت استريح وأنا ألم لك
الورق.
شاهين
:
العفو يا حضرة الباشحاجب … مرافعتي ما حدش يلمها غيري!
الحاجب
:
أمرك.
(يرن جرس حجرة المداولة فيسرع إليها الحاجب … وينهض شاهين بأوراقه التي
جمعها ويتجه إلى مكانه قرب قفص موكله … بينما يدخل قاعة الجلسة بعض المحامين … ويأخذون
أماكنهم.)
المتهم
(يمسك بقضبان القفص ويمد فمه ليخاطب شاهين)
:
يا أستاذ … إنت مستعد؟
شاهين
:
أربعة وعشرين قيراط.
المتهم
:
يعني أنا أطمئن؟
شاهين
:
حُط في بطنك بطيخة صيفي!
المتهم
:
حاتقول إيه؟
شاهين
(يشير إلى أوراقه)
:
كل الكلام اللي مكتوب هنا!
المتهم
(ينظر إلى الأوراق)
:
إيه ده؟
شاهين
:
تلتميت فرخ على الوشين بخطي النمنم!
المتهم
:
المهم الكلام يكون في المليان يا أستاذ! … المحكمة عايزة كلام مختصر وفي العضم … زي
المرافعة عن المتهمين اللي قبلي!
شاهين
:
ما تخافش … كل كلمة عندي في المليان … ما فيش كلمة في الهوا أبدًا … بس انت ادعي لنا
واقرا الفاتحة لسيدي … اللي مقامه هنا عندكم على البحر … اسمه إيه؟
المتهم
:
سيدي أبو العباس!
شاهين
:
أيوه … شي الله يا سيدي أبو العباس … الفاتحة لسيدي أبو العباس!
(يتمتم بقراءة الفاتحة ويرفع يديه إلى السماء ويضعهما على وجهه …
وعندئذٍ يُفتَح باب حجرة المداوَلة ويظهر الحاجب معلنًا.)
الحاجب
(يصيح)
:
هس!
(تظهر هيئة المستشارين والنيابة.)
الحاجب
(صائحًا)
:
محكمة!
(وعندئذٍ يقف كل جمهور قاعة الجلسة احترامًا إلى أن يتخذ المستشارون
أماكنهم من المنصة فيجلس الجمهور ويسود الصمت في القاعة.)
الرئيس
:
فُتحَت الجلسة … الدفاع عن المتهم الحادي عشر …
شاهين
(ينهض في الحال)
:
حاضر مع المتهم!
الرئيس
:
مستعد طبعًا للمرافعة!
شاهين
(باندفاع وارتباك)
:
مستعد يا سعادة الرئيس!
الرئيس
:
تفضل … لكن بس حاتترافع كده ببدلتك؟!
شاهين
(ينظر إلى بدلته)
:
ما لها بدلتي؟ … أؤكد للمحكمة أنها جديدة لنج … اشتريتها جاهزة من مدة شهر واحد لا غير
… من محل محترم جدًّا!
(المحامون في الجلسة يضحكون.)
الرئيس
(يدق بقلمه على المنصة)
:
قصد المحكمة إنه ما يليقش إنك تترافع قدام محكمة الجنايات بالبدلة … قصدنا يا أستاذ إنك
تلبس فوق البدلة الروب … الروب … فين الروب؟
شاهين
:
آه … لا مؤاخذة … دي فاتتني!
الرئيس
:
وانت بتناقش الشهود مش كان عليك روب؟!
شاهين
:
سلفة … سلفة غير مستديمة … تعطَّف بها علينا زميل من أهل الكرم والجود … لكن … (يبحث
حواليه) هو فين دلوقت؟ فين ألاقيه؟
(أحد المحامين الجالسين يخلع روبه ويقدمه إلى شاهين.)
المحامي
:
تفضل يا أستاذ!
شاهين
(يأخذ منه الروب ويلبسه بالمقلوب)
:
الله يسترك!
المحامي
(هامسًا)
:
إنت لبسته بالمقلوب!
شاهين
(يعدل لبسه ويهمس كالمخاطب نفسه)
:
هو اللي لبسني بالمقلوب! … نسينا أبهة محاكم الجنايات!
الرئيس
:
اترافع بقى يا أستاذ … الوقت ضيق!
شاهين
(يتنحنح)
:
بسم الله الرحمن الرحيم …
الرئيس
:
أولًا يا أستاذ … قل للمحكمة يلزمك وقت قد إيه بالتقريب للمرافعة؟
شاهين
:
يلزمني ست ايام …
الرئيس
(في صيحة دهشة)
:
إيه؟! … ست ايام!
شاهين
:
صبح وبعد الضهر …
الرئيس
:
ست ايام عن المتهم الحادي عشر؟ … شفت مرافعة هنا استغرقت وقت زي ده؟ … حاتقول إيه عن
موكلك في الأيام دي كلها؟
شاهين
(يشير إلى أوراقه)
:
الكلام اللي في الورق … ما فيش غيره … أبدًا … تلتميت فرخ مسطر على الوشين بالخط النمنم
…
الرئيس
:
لكن ست ايام يا أستاذ … ده غير معقول!
شاهين
:
يمكن حسابي خرم تلات أربع ساعات يا سعادة الرئيس … هو كمان معقول مرافعة أكتبها في شهر
أقولها في ست ايام؟
الرئيس
:
كل اللي يهم المحكمة هو عرض الوقائع والأدلة والمستندات … وعدم الخروج عن الموضوع
…
شاهين
:
اطمئن يا سعادة الرئيس … كل كلامي في الموضوع … وكل كلمة في المرافعة فيها أدلة
ومستندات …
(يُرتَج عليه ويستجمع ذهنه.)
الرئيس
:
الغرض إنك تحصر دفاعك في النقط الأساسية … اتفضل …
شاهين
(يتنحنح)
:
يا حضرات المستشارين … أتشرف بأن أعرض على هيئة المحكمة الموقرة تاريخًا موجزًا لهذه
القضية … تاريخ هذه القضية يا حضرات المستشارين يبدأ في يوم أو على الأصح في سنة …
الرئيس
:
يستحسن تحديد اليوم زيادة في الدقة يا أستاذ …
شاهين
:
أنا برضه مراعي الدقة يا سعادة الرئيس … (يترافع) تاريخ هذه القضية يا حضرات المستشارين
يبدأ بالضبط في يوم خروج سيدنا آدم عليه السلام من الجنة في صحبة ستنا حواء عليها السلام
…
وذلك في سنة …
الرئيس
(مقاطعًا بدهشة)
:
سنة إيه؟
شاهين
(وهو يقلب أوراقه وينظر فيها)
:
سنة … سنة … السنة موجودة … والتاريخ موجود … كل شيء موجود بغاية الدقة هنا في الورق
…
صبرك علينا يا محكمة …
(المحامون يضحكون … والحضور في الجلسة.)
الرئيس
(يدق بقلمه على المنصة)
:
سكوت من فضلكم … (لشاهين) يا أستاذ … يا أستاذ … إيش دخل سيدنا آدم وستنا حوا في قضية
القنابل بتاعة اسكندرية؟
شاهين
:
داخلين فيها … داخلين في القضية … لهم مناسبة جاية بعدين بس صبر المحكمة علينا!
(ضحك من الحاضرين.)
الرئيس
:
يا أستاذ … ادخل في الوقائع اللي تخص موكلك!
شاهين
:
الوقائع اللي تخص موكلي ضروري جاية في السكة … حانوصل لها بعد تلات ايام …
الرئيس
:
تلات ايام يا أستاذ … المحكمة لا يمكن تسمح بالكلام ده! … انت طبعًا حر في دفاعك … لكن
المحكمة كمان ما تقدرش تنتظر تلات ايام لغاية حضرتك ما تدخل في النقط اللي تهم موكلك
… تكلم
مباشرة في مركز موكلك في القضية … دي الطريقة الوحيدة اللي تخدم بها مصلحة المتهم … إنت
فاهم؟
شاهين
:
حاضر … حاضر يا سعادة الرئيس … حالًا … بس أمهلني لحظة … أسحب التلات ايام دول من الورق
وأخش في الرابع على طول …
الرئيس
:
أيوه … لم مرافعتك … وادخل في حدود مسئولية موكلك.
شاهين
:
حاضر … (يتناول من الأوراق رزمة) تكرم علينا يا سعادة الرئيس بدقيقة … دقيقة واحدة …
بس
أعرف راسي من رجلي!
(يغرق في الأوراق بارتباك.)
(المستشار الذي على اليمين يميل على أذن الرئيس.)
المستشار
(هامسًا)
:
إيه المحامي ده؟ … جاي منين!
الرئيس
(همسًا)
:
دا شاهين رحمي … ما سمعتش الإسم ده أبدًا؟ … ما مرش عليك؟
المستشار
(همسًا)
:
أبدًا!
الرئيس
(همسًا)
:
شاهين … اللي كان مكتبه زمان في مصر في شارع عماد الدين …
المستشار
(همسًا)
:
آه … اللي كانوا بيقولوا له شاهين بك لأناقته وشياكته؟ … لا … لا … مش ممكن … وإيه اللي
خلاه كده؟ … (يتفرس فيه.)
الرئيس
(همسًا للمستشار)
:
والله ما انا عارف … بيقولوا الخمرة والمسكرات … (بصوتٍ مرتفع لشاهين) وآخرتها يا أستاذ
… المحكمة منتظرة!
شاهين
(يفر الورق بسرعة)
:
يعني قصد المحكمة ننط القسم الأول من المرافعة بحذافيره؟ طيب علشان خاطر عيون الحكمة
بلاش سيدنا نوح كمان … (يفر الورق.)
الرئيس
:
هو لسة كان فيه عندك سيدنا نوح؟ … (الجمهور يضحك) هس ما حدش يضحك من فضلكم … اسمع يا
أستاذ … اشطب كل المقدمة الطويلة دي … سيب سيدنا نوح وعهد الطوفان … وخش دغري في عصر
القنابل!
(في قفص المتهمين يهمس المتهم لزميله.)
المتهم
(هامسًا)
:
أنا خايف … قلبي كان حاسس … المحامي بتاعي ده يظهر مش جاي يترافع … دا جاي يتمسخر ويهزأ
الجلسة!
الزميل
(همسًا)
:
أيوه … مش ناوي بجيبها البر!
المتهم
:
وأنا إيه اللي زنقني عليه … (يصيح) يا سعادة الرئيس … يا سعادة الرئيس … الحقني يا
سعادة الرئيس …
الرئيس
:
إيه يا متهم … جرى إيه؟
المتهم
:
المحامي ده ما يترافعش عني أبدًا … بالكلية … أبدًا!
الرئيس
:
قصدك إيه؟
المتهم
:
قصدي إني سحبت منه التوكيل … وطالب من المحكمة تنتدب لي محامي بمعرفتها.
الرئيس
:
سحبت منه التوكيل؟ … (ينظر إلى كاتب الجلسة) اثبت الكلام ده!
المتهم
:
أيوه يا سعادة الرئيس … شوفوا لي أي محامي تاني بمعرفتكم … أي محامي غير ده … اعملوا
معروف!
الرئيس
(لشاهين)
:
سمعت كلام المتهم؟
شاهين
:
يعني إيه؟ … مش راح اترافع في القضية؟
الرئيس
:
بالطبع لا … خلاص … قانونًا أصبح ما لكش صفة … المتهم يجب أنه يكون مطمئن للدفاع عنه
…
وده حق المتهم!
شاهين
(ينقلب جادًّا فجأة)
:
حق المتهم؟ … صحيح … مكنتش واخد بالي! … أنا آسف … الحقيقة إني ما كنتش واخد الموضوع
جد
… لأني عاجز عن كوني آخد حاجة جد … مع الأسف … لكن مش من حقي أعبث بحق متهم وهو في أحرج
ساعات حياته … أنا حر أضيع حياتي … لكن مش حر أضيع حياة غيري (للمتهم) أنا حر أهزَّأ
نفسي
لأني مهزأ، وحياتي ما لهاش عندي قيمة … لكن مش حر أهزأك انت واهزأ قضيتك والعب بمستقبلك
وحياتك سامحني … أنا أجرمت في حقك … سامحني … أنا أجرمت أنا مجرم … أنا مجرم … مجرم
…
(يخرج من الجلسة وهو يردد كالمذهول كلمة: أنا مجرم … مجرم …)
المنظر الثاني
(مكتب شاهين، حجرة حقيرة الفرش، بها بابان باب خارجي يؤدي إلى سلم البيت
وباب داخلي يؤدي إلى حجرةٍ أخرى داخلية يظهر من بابها المفتوح طرف سرير … نافذة تطل على
الشارع.)
نبوية
(في النافذة في صوتٍ خافت)
:
يا معلم حسانين!
المعلم
(صائحًا من الخارج)
:
يا نعم! … خلاص؟
نبوية
:
لسة … دقيت التلغراف؟
المعلم
(صائحًا)
:
من الصبح يا ست نبوية!
نبوية
:
ما تزعقش كده … اطلع لما أقول لك …
(تترك النافذة وتتجه إلى الباب الخارجي.)
المعلم
(يتنحنح قبل أن يدخل)
:
يا ساتر!
نبوية
:
ادخل بشويش!
المعلم
(يدخل ويُلقي نظرة سريعة على حجرة السرير الداخلية)
:
ازاي حالته دلوقت؟
نبوية
(في شبه همس)
:
أهو باين عليه بعيد عنك لسة برده بيطالع في الروح!
المعلم
(يهز رأسه آسفًا)
:
هو بلا قافية من يوم ما رجع من اسكندرية …
نبوية
(مُطرقة)
:
أيوه يا روحي! … هَوا البحر المالح ما جاش عليه!
المعلم
:
لأ مش كده وانت الصادقة، إنتِ من غير مؤاخذة مش واخدة بالك … القضية … القضية الكبيرة
…
هو جاب دماغه الأرض إلا دي!
نبوية
(في تألُّم)
:
يا نضري … فكرتني … دا طلع عليه كام يوم يردد قوله: هو ذنبه إيه … المتهم ذنبه إيه!
…
المعلم
:
والله برده كان راجل طيب …
نبوية
:
دا كان أمير ولسانه حلو …
المعلم
(ينظر حواليه إلى أثاث الحجرة)
:
والعفش ده يا ست نبوية؟
نبوية
(فاهمة قصده)
:
وانت ما لك ومال العفش؟ … لا … إياك يا معلم حسانين تبص للعفش!
المعلم
:
ليه بقى؟ … أظن بلا قافية انت بس الوريثة الشرعية؟
نبوية
:
معلوم! … أنا صاحبة الملك … والعفش في بيتي … وكان الله يرحمه متأخر في الإيجار.
المعلم
:
وأنا يعني بس اللي أخرج من المولد بلا حمص؟ … يخلصك ده يا ست نبوية؟
نبوية
(رافعة رأسها إلى السماء)
:
بقى هو انت كده يا ربي … مسلط علي المعلم حسانين في كل قبضية؟
المعلم
:
أصل ربنا بلا قافية يحب العدل ويكره الظلم، فما دمت حضرتك رايحة تورثي واجب كمان
أورث!
(يظهر شاهين في رداءٍ طويل ثقيل شِبه معطف أو كاكولة، وهو أصفر الوجه
وقد استند إلى باب حجرة السرير متوكئًا.)
شاهين
(في صوتٍ متعب، ولكن في شبه تهكُّم)
:
رايحين تورثوا مين؟
(نبوية والمعلم يلتفتان مذعورَين.)
نبوية
(في دهشة)
:
سي شاهين!
نبوية
(في ذهول)
:
الأستاذ!
نبوية
(متهالكة)
:
قمت ليه ادلعدي من السرير؟!
شاهين
:
أنا حاسس النهارده إني كويس …
(يتقدم ببطء مستندًا إلى الجدار والمكتب، حتى يصل إلى مقعد فوتيل ممزق
فيرتمي عليه … نبوية والمعلم ينظران إليه في صمت.)
شاهين
:
بتبصوا لي كده ليه؟
نبوية
:
من فرحتنا!
المعلم
:
أيوه … احنا انسرينا قوي …
شاهين
:
مش باين عليكم أبدًا!
(نبوية وحسانين يتبادلان النظارات الحائرة.)
نبوية
:
ازاي … يا ندامة؟!
المعلم
:
ازاي يا أستاذ؟
نبوية
:
آي والنبي … احنا كنا زعلانين قوي … وافتكرنا العدو ولا سمح الله … شر برة وبعيد
…
المعلم
:
أصل الأستاذ النهارده الصبح كان في حال يعلم بها ربنا …
نبوية
:
كنت اسم الله مسبل عينيك، ولا فيش ولا نفس بالكلية …
المعلم
:
أنا من غير مؤاخذة كنت ساعتها في القهوة قدام النار، ما أشعر إلا والست نبوية بترفع
بالصوت وتقول الحقني يا معلم حسانين!
نبوية
:
أعمل إيه بس يا اخواتي وأنا حرمة وحدانية؟ … قلت في عقل لازم حد حبيب ولَّا قريب يقف
معانا …
المعلم
:
قامت بلا قافية شيعتني أدق تلغراف …
شاهين
:
تلغراف؟!
نبوية
:
أيوه لادلعدي الدكتور بتاع الصحة صاحبك اللي بيزورك …
شاهين
:
قلتم إيه؟
المعلم
:
قلنا من غير مؤاخذة حسب تفهيمات الست نبوية …
شاهين
:
إيه التفهيمات دي؟
نبوية
:
وأنا كان ساعتها عقلي في راسي! … أنا ساعة اسم الله ما شفتك يا سي شاهين الوش أصفر
والنفس مقطوع …
(صوت بلحة من الشارع.)
بلحة
(من الخارج)
:
يا معلم حسانين!
المعلم
(يهرع إلى النافذة)
:
مين؟
بلحة
(من الخارج)
:
الأفندي الدكتور بيسأل عن الصوان …
المعلم
:
صوان إيه يا واد؟
بلحة
:
بيقول الميتم اللي هنا …
المعلم
:
آه … قل له لسة … لسة …
شاهين
(كالمخاطب نفسه)
:
لسة؟!
المعلم
(في النافذة)
:
اسمع يا واد … قل له يطلع … اتفضل اطلع يا دكتور! … (يعود إلى داخل الحجرة) لا مؤاخذة
دا صاحبك يا أستاذ!
(حسانين يغمز نبوية ويخرجان في رفق … في الوقت الذي يدخل فيه صبحي وهو
في ملابس سوداء وينظر كلٌّ منهما للآخر.)
صبحي
(في فرح)
:
شاهين!
شاهين
(في هدوء)
:
نعم.
صبحي
:
الحمد لله! … الحمد الله!
شاهين
:
على إيه؟
صبحي
:
أمال التلغراف بيقول إنك … الحمد لله يا شيخ … الحمد لله!
شاهين
:
فيه إيه التلغراف؟ … هات وريني قالوا علي إيه الغجر دول؟
صبحي
:
إنت ما تقدرش تتصور أنا فرحان قد إيه اللي شفتك!
شاهين
(يشير إلى مقعد)
:
استريح! … (صبحي يريد أن يجلس على كرسي، فيبادر شاهين بقوله) حاسب! … بلاش الكرسي ده
…
رجله مخلوعة! … (صبحي يذهب إلى كرسي آخر فيقول له شاهين) برده ده مكسور! … عندك في دول
كرسي
سليم ابحث عنه! … وإلا اقعد زي ما يكون!
(صبحي يجلس.)
صبحي
:
شاهين!
شاهين
:
أفندم!
صبحي
:
يا سلام! … صحتك بالدنيا يا شيخ!
شاهين
:
وأنا قلت حاجة؟
صبحي
:
إياك تزعل!
شاهين
:
أزعل من إيه؟
صبحي
(مترددًا)
:
مسألة القضية يعني …
شاهين
:
قضية إيه؟
صبحي
:
أيوه … أحسن انساها … انس كل شيء … كل شيء …
شاهين
:
أنا ناسي كل شيء …
صبحي
:
أيوه كده!
شاهين
(في صوتٍ خافت كالمخاطب نفسه)
:
نسيت كل شيء!
(لحظة صمت.)
صبحي
(ينظر إليه طويلًا ويتنهد)
:
أنا آسف … شاهين … سامحني!
شاهين
:
ليه؟ … حصل إيه؟
صبحي
:
أنا آسف … آسف إني أحييت فيك شيء من الأمل …
شاهين
:
وقلت لي إن كل شيء فيَّ ما ماتش …
صبحي
:
الحقيقة يا شاهين …
شاهين
:
الحقيقة يا صبحي إنك ارتكبت غلطة …
صبحي
:
ما تقولش كده … الظروف هي اللي عاكستنا … وأنا ما كنتش أتوقع إني رايح أكون السبب في
صدمة جديدة!
شاهين
(مطرقًا)
:
المتهم في القفص فاهمني باتكلم جد، وإني ناوي أنقذ حياته بجد!
صبحي
:
شاهين … انس كل شيء!
شاهين
:
اللي يهزأ بحياته ما يصحش يهزأ بحياة الناس!
صبحي
:
ما تعذبش نفسك … اللي فات فات شاهين
شاهين
(في إطراق)
:
كانت غلطة والسلام.
صبحي
:
مش الوحيدة.
شاهين
:
الوحيدة اللي نفسي مش قادرة تبلعها.
صبحي
:
ما لك يا شاهين ومال نفسك؟ … إنت ليه تتكلم جد دلوقت؟! … اترك الجد … اطرده من فكرك …
ريح ذهنك من كل شيء.
شاهين
:
شوف ازاي انت النهارده بتكلمني كلام جديد … كلام طبيب قدام مريض انتهى!
صبحي
:
أبدًا … أنا كل غرضي … أنا في الحقيقة مندهش …
شاهين
:
مندهش من إيه؟
صبحي
:
إنت اللي بتتكلم كلام جديد! … لهجة كلامك تغيرت يا شاهين … إنت الأول ما كنتش بتتكلم
جد
أبدًا … ما كنتش تعرف تتكلم جد … ما كانش فيه حاجة تهمك في الدنيا!
شاهين
:
صحيح.
صبحي
:
إيه اللي جرى؟
شاهين
(في صوتٍ خافت كالمخاطب نفسه)
:
مش عارف … الهزل صحيح هو اللي كان كل قوتي … هو اللي خلاني أشعر إني فوق الحياة مش
تحتها … لكن ساعة ما لقيت المتهم المظلوم اللي واضع أمله في واخد مسألته جد، ساعتها بس
شفت
الحياة جد؛ لأنها حياة واحد غيري … وساعة ما أخدت الحياة جد وجدت نفسي فجأة مطرود منها
…
الدنيا زي المرأة بالضبط ساعة ما تاخدها جد …
صبحي
:
أنا متأسف!
شاهين
:
إنت قمت بالواجب اللي عليك، وطبقت العلاج اللي كنت تعتقد فيه …
(لحظة صمت.)
صبحي
(يرفع رأسه بعد إطراق)
:
اسمع يا شاهين! … أرجوك ترجع لحالتك الأولى … اضرب الدنيا صرمة قديمة!
شاهين
:
طبعًا صرمة قديمة … وأنا عندي غير صرمة قديمة! … الصرمة الجديدة اللي كنا اشتريناها
لمناسبة القضية انظبطنا بها وكان قدمها شؤم على المتهم المسكين!
صبحي
:
أيوه كده اضحك وهزر زي الأول!
شاهين
:
آه يا صبحي! … أنا حاسس بضعف! … دراعي ما بقاش يقوى على ضرب الدنيا بصرمة أو بزهرة …
أنا مخلوق لا يصلح دلوقت لشيء … الدنيا هي اللي واجب عليها تضربني بالصرمة … آه! … لكن
الدنيا امرأة جميلة رشيقة أنيقة ما عندهاش غير صُرم جديدة بكعب عالي … ضربها صحيح يوجع
…
لكن حلو!
صبحي
(كالمخاطب نفسه مفكرًا)
:
امرأة جميلة بكعب عالي!
شاهين
:
آه … (يشرد ويسرح.)
صبحي
:
ما لك؟
شاهين
:
ابني! … إنت قلت كلمة يا صبحي مش قادر انساها … ابنك بكرة يكبر …
صبحي
:
كلام فارغ … انس كل شيء!
شاهين
:
مش قادر … الحياة يظهر حاتنتصر … ما قدرتش اهزمها بالضحك والهزل … ما يكفيش … ما يكفيش
أبدًا الانتصار عليها … كانت عايزة طريق تاني … فهمت دلوقت … لكن فات الوقت!
صبحي
:
بقول لك انس! … انس … انس كل شيء!
شاهين
(في إطراق وإذعان مصطنع)
:
نسيت …
(لحظة صمت.)
صبحي
(ينهض فجأة)
:
على فكرة … سهى علي أقول لك واجب أروح أصلح الموضوع …
شاهين
:
موضوع إيه؟
صبحي
:
بقى أنا لما وصلني التلغراف بلغت في الحال منزل عيسوي بك … وربما وجدوا من الواجب إنهم
يحضروا، فالأحسن إني أتصل بهم بالتليفون قبل ما …
شاهين
:
أيوه قل لهم ما يتعبوش نفسهم …
صبحي
:
أنا حارجع لك بعد نصف ساعة!
(يخرج.)
شاهين
(في لهجةٍ غريبة)
:
إن شاء الله!
نبوية
(تدخل)
:
سي شاهين!
شاهين
:
نعم.
نبوية
:
مش لازمك حاجة؟
شاهين
:
حاجة زي إيه؟
نبوية
:
مش جعان؟ … مش عطشان؟
شاهين
:
ما ليش نفس.
نبوية
(تتجه نحو الحجرة الداخلية)
:
لما ادخل أساوي لك السرير.
(تدخل.)
(شاهين يطرق مفكرًا.)
نبوية
(صائحة من الحجرة الداخلية)
:
يا ندامة! … البارودة! … هلبت ما هي معمرة … قطيعة! …
شاهين
:
اتركيها … مش بتاعتنا!
نبوية
:
وحاططها ليه ادلعدي تحت المخدة؟
شاهين
:
خوفًا من الحرامية!
نبوية
:
حرامية! … وييجوا يعملوا إيه عندك ادلعدي الحرامية؟!
شاهين
:
يمكن ييجوا بنوع الغلط!
نبوية
:
ليه! … هو الحرامي برده مش في عينه نظر؟
شاهين
:
صدقت احنا مش قد المقام!
نبوية
:
لأ … أنا غرضي أقول يا سي شاهين …
شاهين
:
هي دي برده الحقيقة يا ست نبوية … أنا لا أستحق حتى شرف زيارة الحرامية!
نبوية
:
حسرة علينا يا فقراء! … ما حد يسأل علينا لا بخير ولا بشر!
(صوت بوق سيارة يدوي طويلًا، ثم صوت المعلم حسانين يصيح من بئر
السلم.)
المعلم
(من الخارج)
:
يا ست نبوية …
نبوية
(تخرج من الحجرة الداخلية تجري إلى الباب الخارجي)
:
إيه يا معلم حسانين!
المعلم
(في الخارج)
:
واحدة ست هانم بلا قافية …
(صوت زيزا في الخارج.)
زيزا
(من الخارج)
:
فين الصوان؟ … فين الميم؟
المعلم
(من الخارج)
:
اتفضلي يا ست هانم فوق …
(شاهين يتجمد في مقعده أصفرَ الوجه كأنه تحول إلى تمثالٍ من
شمع.)
زيزا
(بالباب)
:
فين …
نبوية
(وهي تفسح طريقًا)
:
اتفضلي … اسم الله عليه النهارده …
(تدخل زيزا فترى شاهين على مقعده، فتقف مشدوهة لا تدري ما تفعل بينما
تخرج نبوية وهي تنظر إليها وإلى ملابسها الفخمة معجبة.)
زيزا
(تتمالك قليلًا)
:
أمال بيقولوا في التلغراف …
شاهين
(في مكانه يتمالك قليلًا)
:
لسة …
زيزا
:
لسة إيه؟
شاهين
(يشير إلى كرسي بقرب زيزا)
:
اتفضلي استريحي من السلم … (زيزا تجيل نظرها في أنحاء الغرفة ولا تجلس) آسف … المكان
حقير … ما يليقش، والتلغراف كان غلطة لأنهم افتكروني …
زيزا
(وهي ما تزال تنظر في الحجرة)
:
دا … محل سكنك؟!
شاهين
:
مؤقَّتًا.
زيزا
:
آه!
شاهين
:
أنا حصل لي الشرف بالزيارة، شرف ما كنتش أطمع فيه وأنا على قيد الحياة … أقصد كل اللي
أرجوه ما تكونش المفاجأة دي ضايقتك!
زيزا
:
بالعكس … أنا طبعًا … يسرني إنك تكون بخير!
شاهين
:
متشكر.
زيزا
:
احنا أول ما بلغنا من الدكتور مفتش الصحة الخبر، البك قال لي واجب نقوم … وقمنا فعلًا
بالأوتومبيل … وصلنا طنطا دلوقت، والبك نزل عند المديرية علشان يقابل المدير في مسألة
خصوصية، وقال لي أسبقه وابعت له الشوفير يجيبه … ولذلك …
شاهين
:
دا كرم عظيم من سعادة البك!
زيزا
(في ارتباك)
:
ولذلك أنا شيعت له العربية … ومش عارفة دلوقت أعمل إيه …
شاهين
(يلحظ ارتباكها)
:
آه … أظن مفيش حل غير إنك تنتظري البك هنا … ولَّا تحبي أطلب لك تاكسي؟ … بس أخشى إنك
تروحي له من هنا ييجي هو من هنا!
زيزا
(تنظر إلى كرسي بقربها مترددة)
:
صحيح!
شاهين
:
تفضلي استريحي.
زيزا
(تريد أن تجلس)
:
مرسي!
شاهين
:
بس … بلاش الكرسي ده! … (زيزا تتجه إلى كرسي آخر) بلاش ده كمان … فيه هنا وسط دول كرسي
واحد خالي من العيوب … لكن العثور عليه دلوقت عايز بحث …
زيزا
(تجلس على كرسي بعيد قرب الباب)
:
مرسي!
شاهين
:
ما تآخذنيش! … على رأي المثل «الكمال في المِلاح صُدَف» وأنا عندي هنا «الكمال في
الكراسي صدف»!
زيزا
:
كنت فاهمة حد من الستات قرايبك حايكون موجود … ولذلك جيت.
شاهين
:
ما فيش حد من قرايبي يعرف أنا دلوقت عايش فين!
(صمت.)
شاهين
(في تردد)
:
و… وعز الدين ازاي صحته؟
زيزا
:
بخير.
شاهين
:
بالطبع ما يعرفش …
زيزا
:
ما حبناش نقول له …
شاهين
:
أحسن.
زيزا
:
كنت تفضل نجيبه معانا؟
شاهين
:
لا … أبدًا … أبدًا … ييجي هنا يشوفني بالحالة دي؟ … (يشير إلى الحجرة والفراش الحقير)
مستحيل!
زيزا
(في إطراق وتردد)
:
أنا متأسفة … ما كنتش أعرف … إنك …
شاهين
:
إني وصلت لكده؟
زيزا
(في تردد)
:
إيه السبب؟
شاهين
(في صوتٍ خافت)
:
مش عارف!
زيزا
:
أرجو … ما كنش أنا …
شاهين
:
لا أبدًا … إنت موقفك طبيعي، أنا اللي موقفي غير طبيعي!
زيزا
:
على كل حال أنا معترفة بعيبي … أنا صحيح حبيت نفسي زيادة عن اللزوم …
شاهين
:
حب النفس زيادة عن اللزوم مفيش منه ضرر … اللي منه ضرر صحيح هو حب الغير زيادة عن
اللزوم!
زيزا
(مضطربة مرتبكة)
:
أنا مش عارفة أقول إيه …
شاهين
:
أرجوكِ ما تقوليش حاجة!
زيزا
:
أنا مع ذلك مقدرة … و… و…
شاهين
:
مفيش داعي أبدًا لأي تقدير!
زيزا
(في نبرة جدية)
:
أنا … على كل حال مستعدة لكل تعويض …
شاهين
:
إيه؟ … بتقولي إيه؟
زيزا
:
قصدي …
شاهين
:
فاهم قصدك.
زيزا
:
كنت عايزة أقول إني … أكون سعيدة لو قمت بأي مساعدة أو …
شاهين
:
مفهوم … مفهوم! … أشكرك على هذا التقدير الكريم!
زيزا
:
أنا متأسفة … مش غرضي أجرح إحساسك أبدًا …
شاهين
:
إحساسي! … دا صحيح يظهر إن في نفسي برده بقية إحساس خفيفة ما ماتتش!
زيزا
:
أنا … ما انكرش إنك كنت رجل شريف …
شاهين
:
الحمد الله!
زيزا
:
أرجو ما تكونش زعلت من كلمتي!
شاهين
:
لا أبدًا … أنا بس فهمت حالتي غلط.
زيزا
:
صحيح … أنا في الحقيقة مش قادرة أفهم … بعد ما كنت محامي معروف … إيه اللي حصل؟
شاهين
:
آه … دي مش حاتقدري تفهميها أبدًا!
زيزا
:
ليه؟
شاهين
:
كده.
زيزا
:
عايز تقول لي إيه بالضبط؟
شاهين
:
مش عايز أقول حاجة … ما عنديش شيء أقوله.
زيزا
:
إنت طول عمرك كنت تقدرني وتحترمني …
شاهين
:
ولا أزال …
زيزا
:
أنا بصراحة … مش قادرة أفهمك!
شاهين
:
مش بس النهارده!
زيزا
:
قل لي يا شاهين بك …
شاهين
:
لقب «بك» ده مش لابسني أبدًا دلوقت!
زيزا
:
إيه بالضبط اللي تحب إني أعمله النهارده؟!
شاهين
:
أحب إنك تروحي البيت وتقطفي من الجنينة زهرة «فيوليت» وتوضعيها في الزهرية!
زيزا
:
بس؟
شاهين
:
بس.
زيزا
:
وإيه يهمك من كده؟
شاهين
:
ما عنديش طلب غير ده.
زيزا
:
أنا كنت أنتظر إنك تتكلم بجد وصراحة.
شاهين
:
الجد والصراحة إني في الحقيقة أحب زهرة الفيوليت؛ لأن المرأة عبارة عن زهرة! … زهرة
خير، أو زهرة شر … مش مهم! … المهم إنها زهرة جميلة موضوعة في زهرية … كوننا نعبدها بعقل
أو
من غير عقل، هي ما لهاش ذنب! … المهم دايمًا عندها أنها تكون جميلة … وتحب الزهرية اللي
تكون فيها جميلة! …
زيزا
:
أعترف إني ما افهمش في الفلسفة!
شاهين
:
الزهرة كذلك ما تفهمش في الفلسفة … ومش مطلوب منها أبدًا إنها تفهم فلسفة!
زيزا
:
أمال مطلوب منها إيه؟
شاهين
:
مطلوب منها بس إنها تفتح شفتيها وتبتسم …
زيزا
:
تبتسم؟
شاهين
:
لتنهدات المعجبين ودموع المحبين! … لأن مجرد ابتسامها يملأ حياة الإنسان بالأمل في
الحياة والرغبة في العمل والحافز على الكفاح … حياتنا في ذاتها ما لهاش قيمة ولا معنى
من
غير عمل أو كفاح … ولا فيش عمل ولا كفاح من غير تشجيع … نور ابتساماتها هو اللي بيشجعنا
ويضيء طريقنا، وفراقها عنا هو اللي بيطفي حياتنا … لكن الزهرة مش ضروري تعرف سلطانها
في
النفس وتأثيرها في الحياة والموت … (زيزا مطرقة) مش ده برده رأيك؟
زيزا
:
أظن احنا تكلمنا كلام فارغ كتير!
شاهين
:
من الجهة دي معاكِ حق!
زيزا
:
أف! … الدنيا حر هنا …
شاهين
:
آسف … ما عنديش مروحة كهربائية! … (زيزا تفتح حقيبة يدها وترطب وجهها بقليلٍ من البدرة
… شاهين وهو يتأملها وهي تعمل توالت خفيف) ولا عنديش مراية!
زيزا
(وقد انتهت من ترتيب هندامها)
:
البك تأخر مش عارفة ليه (تنظر الساعة في معصمها) الساعة كم عندك!
شاهين
:
ولا عنديش ساعة!
زيزا
(في دهشة)
:
كمان ما عندكش ساعة؟
شاهين
:
ما عنديش هنا حاجة مفيدة أبدًا.
زيزا
:
إنت زمان كنت تحب تشتري التحف الجميلة!
شاهين
:
تحفي وأموالي وأملاكي الوحيدة اللي أحتكم عليها في الوقت الحاضر هي الكلام
الفارغ!
زيزا
:
خسارة!
شاهين
:
بس دي اللي خسارة؟!
زيزا
:
أنا مش عارفة أتكلم … مش قادرة أعرض عليك …
شاهين
:
اسمعي! … ما دمتِ مصرة على إنك تعطيني صدقة وإحسان، أنا برده مش رايح أكسفك! … أنا رايح
أطلب منك حسنة واحدة وصدقة واحدة … مش ضروري فلوس؛ شيء أثمن عندي من الفلوس …
زيزا
(في قلق)
:
إيه؟
شاهين
:
كدبة صغيرة؟
زيزا
:
كدبة؟!
شاهين
:
أيوه … ابننا عز الدين …
زيزا
:
ابننا؟
شاهين
:
اسمحي لي لآخر مرة إلى الأبد أنطق الكلمة دي وأتجرأ وأضع شخصي الحقير إلى جانب شخصك
العظيم الجميل بقولي «ابننا» دا برده نوع من الصدقة الكريمة تتفضل بها واحدة زيك على
واحد
زيي …
زيزا
:
ماله عز الدين؟
شاهين
:
بكرة يكبر ويحب يعرف شيء عن أبوه … ويمكن يحب يفخر طبعًا بأبوه زي كل الأولاد … كل اللي
أرجوه منك ما تجعليهش يخجل من اسم أبوه … اكدبي عليه وقولي له عني …
(يسمع بوق سيارة.)
زيزا
(مطرقة)
:
وهو كذلك …
(أصوات من الخارج.)
صوت المعلم
(من الخارج)
:
اتفضل يا بيه فوق …
صوت عيسوي
(من الخارج)
:
أمال فين الصوان!
شاهين
(كالمخاطب نفسه)
:
دايمًا السؤال عن الصوان! … كأن مفيش شاهين ميت من غير صوان!
عيسوي
(يدخل فيرى شاهين فيُدهَش)
:
الله!
زيزا
:
حصل غلط في التلغراف يا عيسوي!
عيسوي
:
غلط ازاي؟
شاهين
:
غلط بسيط ما يفرقش كتير!
عيسوي
:
مش فاهم لسة!
زيزا
:
أصل الحكاية كانوا افتكروه … على كل حال الحمد لله … وده شيء طبعًا يسرنا …
(تنهض.)
عيسوي
:
طبعًا.
زيزا
:
يالله بنا بقى يا عيسوي … أنا انتظرتك هنا كتير … مش عيب تلطعني المدة دي كلها؟
عيسوي
:
أصل المدير مسك فيَّ وما رضيش يسيبني إلا بالعافية!
زيزا
(وهي متجهة نحو الباب)
:
ليلتك سعيدة يا …
عيسوي
:
ليلتك سعيدة يا شاهين أفندي.
شاهين
:
ليلتكم سعيدة! … (يتذكر فجأة) انتظر يا سعادة البك لك عندي أمانة …
عيسوي
(يقف وكذلك زيزا)
:
أمانة إيه؟
شاهين
:
المسدس اللي فيه طلقة واحدة!
عيسوي
:
آه … صحيح!
شاهين
(ينهض ويسير متكئًا على الجدران نحو حجرة السرير)
:
كنت مستحرص لك عليه لما تيجي فرصة … (يدخل حجرة السرير ويقول فيها) أنا رايح أرد لك
المسدس لكن رايح أحتفظ بالرصاصة تذكار!
عيسوي
:
رصاصة؟ … تذكار؟
شاهين
(من الحجرة)
:
ورايح أضعها في مكان عزيز! … من زمان أنا كنت عارف المكان العزيز اللي في يوم من الأيام
حاتوضَع فيه!
عيسوي
:
أما انت لك أفكار غريبة!
شاهين
(من الخارج)
:
الساعة كم عندكم؟
عيسوي
(ينظر في ساعته الذهبية)
:
الساعة دلوقت يا سيدي سته تمام …
شاهين
:
ساعتك مضبوطة؟
عيسوي
:
على مدفع الضهر … كنت امبارح في مصر وضبطتها على مدفع الضهر!
شاهين
(من داخل الحجرة)
:
لا … اضبطها على المدفع ده!
(يُسمَع طلق ناري في الحجرة الداخلية وصوت سقوط جسم على الأرض … يجمد
عيسوي وزيزا مكانهما بغير حراكٍ ذاهلَين.)