الفصل الأوّل
(١) هُبُوبُ الْعاصِفَةِ
هَبَّتِ الْعاصِفَةُ شَديدَةً عاتِيَةً، وَتَعالَتْ أَمْواجُ البَحْرِ هادِرَةً صاخِبَةً، تُهَدِّدُ السَّفِينَةَ بالغَرَقِ بَيْنَ لَحظَةٍ وَأُخْرَى، وَاسْتَولَى الخَوْفُ عَلَى رُكَّابِ السَّفينَةِ وَمَلَّاحِيها وَرُبَّانِها، وَخارَتْ مِنْهُمُ الْقُوَى، وَكادَ اليَأْسُ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِمْ، لَوْلا ما بَعَثَهُ أَمِيرُهُم «إقبالٌ» الشُّجاعُ مِنْ أَمَل فِي نُفُوسِهِمْ، بِفَضْل ما أُوتِيَ مِنْ ثَباتِ قَلْبٍ، وَقُوَّةِ عَزِيمَةٍ، وَبَراعَةِ حيلةٍ. وَالشَّجاعَةُ تُعْدِي كَما يُعْدِي الخَوْفُ، وَتَنْتَقِلُ مِن شَخْصٍ إِلَى آخَرَ كَما يَنْتَقِلُ المَرَضُ.
وَكانَ «إقْبالٌ» مِنْ أَفْذاذِ الرِّجالِ الَّذِينَ تَزِيدُهُمُ الشَّدائدُ صَلابَةً وَقُوَّةً، فراحَ يُصْدِرُ إِلَيْهِمْ أَوَامِرَهُ تِباعًا — فِي بَراعَةٍ وَحنْكَةٍ وَذَكاءٍ — حَتَّى كُتِبَتْ لَهُمُ السَّلامَةُ، بَعْدَ أَنْ تَعرَّضُوا لِلْهَلاكِ يَوْمَيْنِ كامِلَيْنِ، كانَتِ العَواصِفُ تُهَدِّدُهُمْ — فِي خِلالهِما — بِالْغَرَقِ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْفَيْنَةِ.
فَلَمَّا جاءَ اليَوْمُ الثَّالِثُ سَكَنَتِ الرِّيحُ الْعاصِفَةُ، وَهَدَأَتِ الأَمْواجُ الثَّائرَةُ، ونَجَتْ سَفينَةُ الأَمِيرِ، كَما نَجَتْ سفائنُ أَتْباعِهِ وَحاشِيَتِه مِنَ الغَرَقِ.
(٢) حِوارُ الأَمِيرِ وَالرُّبَّانِ
وَما إِنْ تَبَيَّنَ الرُّبَّانُ مَوْقِعَ السَّفينَةِ مِنَ البَحْرِ حتَّى صَرَخَ مُتَألِّمًا، وَقالَ: «لَقَدْ نَجَوْنا يا سَيِّدِي الأَمِير مِنَ الْغَرَقِ، وَلكِنَّنا لَمَّا نَنْجُ مِنَ الهَلاكِ.»
فَسَأَلَهُ الأَمِير: «ماذا تَعْنِي؟»
فَقالَ الرُّبَّانُ: «لقَدْ ضَلَلْنا الطَّرِيقَ؛ فَما نَعْلَمُ فِي أَيِّ مَكانٍ مِنَ الدُّنْيا طَوَّحَتْ بِنا الْعاصِفَةُ؟ وَما يَدْرِي أَحَدٌ: أَيُتاحُ لِسَفائِنِنا (مَراكبِنا) أَنْ تَرْسُوَ عَلَى البَرِّ، أَمْ كُتِبَ عَلَيْنا أَنْ نَقْضِي ما بَقِيَ مِنْ أَيَّامِنا فِي الحَياةِ هائِمينَ عَلَى سَطْحِ الماءِ حَتَّى يَنْفَدَ ما مَعَنا مِنْ طَعامٍ وَشَرابٍ فَنَهْلِكَ جُوعًا وَعَطَشًا، بَعْدَ أَنْ نَجَوْنا مِنَ المَوْت غَرقًا؟»
فقالَ الأَمِيرُ الشُّجاعُ: «لا تَجْزَعْ ولا يهِنْ مِنْكَ العَزْمُ، فَإنَّ عِنايَةَ اللهِ الَّتي يَسَّرَتْ لَنا طَرِيقَ الخَلاصِ مِنْ خَطَرِ العاصِفَةِ، قادِرَةٌ عَلَى أَنْ تُيَسِّرَ لَنا طَرِيق النَّجاةِ، فَإذا كانَ اللهُ — سُبْحانَهُ — قَدْ كَتَبَ عَلَيْنا أَنْ نَمُوتَ فِي هَذِهِ الرِّحلَةِ فَلا حِيلَةَ لِأَحَدٍ فِيما قَضَى اللهُ. وَما أَجْدَرَنا أَنْ نُواجِهُ المَوْتَ — كَما نُواجِهُ الحَياةَ — باسِمِين غَيْرَ هَيَّابِينَ وَلا خائفِينَ. وَلَيْسَتْ هذِه أَوَّل عاصِفَةٍ نَلْقاها فِي رِحلاتِنا، وَما أَحْسَبُها آخِرَ عاصِفَةٍ تُكْتَبُ لَنا السَّلامَةُ — بِإذْنِ اللهِ — مِنْ أَهْوالِها.»
(٣) الرَّاحةُ بَعْدَ التَّعَبِ
وَهكذا رَدَّ الأَمِيرُ الشُّجاعُ الطُّمَأْنِينَةَ إلَى قُلُوبِ أَصْحابِهِ. وَسارَتْ سَفائنُ الأَمِيرِ تَحْمِلُهُ مَعَ حاشِيَتِهِ وَجُنُودِهِ فِي البَحْرِ عَلَى غَيْر هُدًى خَمْسَةَ أيَّام أُخَرَ. ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ فِي اليوْم السَّادِسِ عَلَى السَّاحِلِ، فَخَرَجَ الأَمِيرُ وَرِفاقُهُ إلَى البَرِّ آمِنِينَ شاكِرينَ الله حَامِدينَ، وَجَلَسُوا يَلْتَمِسُونَ الرَّاحةَ مِنْ عَناءِ السَّفَرِ، بَعْدَ أَنْ كابَدُوا فِي رِحْلَتِهِمُ الطَّوِيلَةِ الشَّاقَّةِ ما كابَدُوا مِنْ أَهْوال.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِهِمُ الْمُقامُ رَأَوْا مِنْ دَلائِلِ الخِصْبِ وَالخَيْرِ الْعَمِيم ما مَلأَ نُفُوسَهُمْ بهْجَةً وَإعْجابًا، حَتَّى خُيِّلَ إِلَيْهِمْ أنَّهُمْ حَلُّوا فِي جَنَّةٍ مِنْ جَنَّاتِ الفِرْدَوسِ ذاتِ أَنْهارٍ وَأَشْجارٍ، وَرِياضٍ تَحْفِلُ بِأَطايبِ الثِّمارِ وَالأَزْهارِ!
وِلَبثُوا أيَّامًا يَتَرَقَّبُونَ أنْ يَرَوْا إنْسانًا يَسْأَلُونَهُ عَنِ اسْمِ الْمكانِ الَّذِي حَلُّوا بِهِ، فَلَمْ يَجِدُوا أَحْدًا.
(٤) المَدينَةُ المُوصَدَةُ
وَذا صَباحٍ خَرَجَ الأَمِيرُ يَرْتادُ تِلكَ الأَنْحاءَ لِيَتَعَرَّفَ شَيْئًا عَنْها، فَانْتهَى بِهِ السَّيْرُ إلَى جَبَلٍ عالٍ، فَقَصَدَ إلَيْهِ، ثُمَّ صَعَّدَ فِيهِ، وَما زالَ مُصَعِّدًا فِيهِ حَتَّى بَلَغَ قِمَّتَهُ.
فَرَأَى عَلَى مَسافَةٍ قريبَةٍ مِنْهُ سُورَ مَدِينَةٍ عَالِيَةٍ، فَأَيْقَنَ بِقُرْبِ الْفَرَجِ، وَأَسْرَعَ إلَى أَصْحابِهِ يُخْبِرُهُمْ بِما رَأَى. وَكانَ الْمَساءُ قَدِ اقْتَرَبَ، فَباتُوا لَيْلَتَهُمْ فِي مَكانِهِمْ، وَاسْتَأنَفُوا السَّيْرَ فِي صَباحِ اليَوْمِ التَّالِي حَتَّى بَلَغُوا ذِرْوَةَ الْجَبَلِ، ثُمَّ هَبَطُوا إلَى سَفْحِهِ الآخَرِ، وَاسْتَراحُوا يَوْمَهُمْ، مُسْتَأنِفِينَ فِي صَباحِ اليَوْم التَّالِي سَيْرَهُمْ، فَرَأَوْا عَلَى مَقْرَبَةٍ مِنْهُمْ مَدِينةً عالِيَةَ البُنْيانِ، مُشَيَّدَةَ الأَرْكانِ، يَحُفُّ بِها سُورٌ عالٍ مِنْ كُلِّ جِهاتِها، وَرَأَوْا أَبْوابَها النُّحاسِيَّةَ مُغْلَقَةً قَدْ أُحْكِمَ رِتاجُها بِالْمَتارِيسِ وَالأَقْفالِ، فَاسْتحالَ الدُّخولُ إِلَيْها، وَلاحَ لَهُمْ فِي أَعْلَى السُّورِ برُوجٌ مُحَصَّنَةٌ، أَبْوابُها مِنَ النُّحاسِ، أُتْقِنَتْ نُقُوشُها وَزَخارِفُها أَيَّما إِتْقانٍ، فَأَقامُوا يَوْمَهُمْ يُدَبِّرُونَ الحِيلَةَ فِي دُخُولِها، فلَمْ يَهْتَدُوا إِلى وَسِيلَة تُمَكِّنُهُمْ مِنْ تَحْقِيق رَغْبَتِهِمْ.
(٥) السُّلَّمُ الكَبِيرُ
فَأشارَ عَلَيْهِمُ الأَمِيرُ أَنْ يَعْمَلُوا سُلَّمًا كَبيرًا يُسامِتُ ذِرْوَةَ سُورِها العالِي لِيُمَكِّنَهُمْ مِنْ فَتْحِ أَبْوابِها، وَتَعَرُّفِ خَبَرِها وَعَجائِبِها، وَسُؤَالِ أَهْلِها عَنِ اسْمِها، وَمَكانِها مِنَ الدُّنْيا.
فَقالُوا: «نِعْمَ ما أَشارَ بهِ الأَميرُ.»
وَما لَبِثُوا أَنْ أَتَمُّوا صُنْعَ السُّلَّمِ الكَبِيرِ، ثُمَّ تَعاوَنُوا عَلَى رَفْعِهِ حَتَّى أَقامُوهُ وَأَلْصَقُوهُ بِالسُّورِ الْعالِي، فَجاءَ مُساوِيًا لَهُ، كَأَنَّهُ قَدْ عُمِلَ عَلَى قَدِّهِ وَارْتِفاعِهِ.
(٦) السَّبَّاقُونَ إِلَى المَوْتِ
فَشَكَرَ لَهُمُ الأَميرُ جُهُودَهُمْ وَتَوْفِيقَهُمْ، وَقالَ: «بارَكَ اللهُ فِيكُمْ. لَقدْ كَلَّلَ اللهُ مَسْعاكُمْ بِالنَّجاحِ، فَكَأَنَّما قِسْتُمُ السُّلَّمَ عَلَى ارْتِفاعِ سُورِ المَدِينَة.»
ثُمَّ سَأَلَهُمْ: «أَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْتَقِيَ هَذا السُّلَّمَ الْعالِيَ حَتَّى يَبْلُغَ ذِرْوَةَ السُّورِ، ثُمَّ يَحْتالَ لِنُزُولِهِ إلَى أَرْضِ المَدِينَةِ لِيَفْتَحَ لنَا مَغالِيقَ هذا الْبابِ؟»
فَقالَ أَحَدُهُمْ، وَقَدْ طَمَحَتْ نَفْسُهُ إِلَى الظَّفَرِ بِتَحقِيقِ رَغْبَةِ الأَميرِ: «أَنا أَصْعَدُ عَلَيْهِ أَيُّها الأَميرُ، وَأَتَكَفَّلُ بِفَتْحِ أَبْوابِ المَدينَةِ.»
فَقالَ الأَميرُ «إِقْبالٌ»: «اصْعَدْ، بارَكَ اللهُ فِيكَ.»
فَصَعِدَ الفارِسُ أَدْراجَ السُّلَّم حَتى وَصَلَ إِلَى أَعْلاهُ.
وَما كادَ يَرْتَقِي سُورَ المَدِينَةِ، وَتَثْبُتُ عَلَيْهِ قَدَماهُ حَتَّى شَخَصَ بِبَصَرِهِ إلَى المدِينَةِ، وَصاحَ بِأَعْلَى صَوْتِه: «لَبَّيْكِ، لَبَّيْكِ، لَبَّيْكِ، هأَنَذا حاضِرٌ إلَيْكِ، ماثِلٌ بَيْنَ يَدَيْكِ.»
ثُمَّ رَمَى بنَفْسِهِ إلَى داخِلِ الَمدِينَةِ مِنْ ذلِكَ العُلُوِّ الشَّاهِقِ، فَدُقَّتْ عُنُقُهُ، وَانْهَرَسَ لَحْمُهُ وَعَظْمُهُ.
فَقالَ الأَميرُ «إقْبالٌ»: «إذا كانَ هذا فِعْلَ العاقِلِ، فَماذا يَصْنَعُ المَجْنُونُ؟ أَما واللهِ لَيَفْنَيَنَّ أَصْحابُنا جَمِيعًا إذا اقْتَدَوْا بِفِعْلِ هذا الرَّائِدِ الأَحْمَق. ارْجِعُوا، فَلا حاجَةَ بِنا لِدُخُول هذهِ المَدِينَةِ المَسْحُورَةِ، وَلا خَيْرَ فِي البَقاءِ هُنا حَتى لا نُعَرِّضَ أَصْحابَنا لِلرَّدَى، وَلا نُلْقِيَ بِهِمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.»
فَقالَ فارِسٌ جَرِيءٌ: «أَتِحْ لِيَ يا مَوْلاي فُرْصَةً ماجدَةً، لَعَلِّي أَثْبَتُ قَلْبًا مِنْ صاحِبِي، وَأَرْجَحُ عَقْلًا، فَإنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنَّنِي قادِرٌ عَلَى فَتْحِ أَبْوابِ هذهِ المَدِينَةِ مَتَى أَذِنَ لِيَ الأَميرُ.»
فَقالَ الأَميرُ «إقْبالٌ»: «أَخْشَى أَنْ يَنالَكَ ما نالَ صاحِبَكَ.» ثُمَّ أَذِنَ لَهُ.
وَما إِنِ اسْتَقَرَّ عَلَى السُّورِ، حتَّى ظَهَرَ عَلَيْهِ منَ الخَبَلِ مِثْلُ ما ظَهَرَ عَلَى صاحِبِهِ؛ فَصَفَّقَ بَكَفَّيْهِ، وَصاحَ صَيْحَةَ رَفِيقِهِ الأَوَّلِ: «لَبَّيْكِ، لَبَّيْكِ، لَبَّيْكِ، ها أَنا ذا حاضِرٌ إلَيْكِ، وَماثِلٌ بَيْنَ يَدَيْكِ.» ثُمَّ قَذَفَ بِنَفْسِهِ مِنْ فَوْقِ السُّورِ، وَهَوَى إلَى أَرْضِ المَدِينَةِ، فَاخْتَلَطَ لَحْمُهُ بِعظْمِهِ مِنْ فَوْرِهِ.
فَلَمْ يَثْنِ مَصْرَعُهُما مِنْ عَزْمِ إخْوانِهِما عَنْ مُتابَعَتِهما. وَتَهافَتُوا: واحِدًا بَعْدَ الآخَرِ، يُلْحِفُونَ فِي إنْجازِ ما عَجَزَ عَنْهُ غَيْرُهُمْ، وَكُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَقْدَرُ مِمَّنْ سَبَقَه، وَأَجْدَرُ بِالْفَوْزِ مِنْ أَصْحابِهِ، حَتَّى هَلكَ مِنْهُمْ جُمْهُورٌ كَبِيرٌ. وَلَمْ يَثْبُتْ واحِدٌ مِنْهمْ عَلَى السُّورِ إلَّا بِمِقْدارِ ما لَبِثَهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَلْقَى مَصْرَعَهُ مِنْ فَوْرِهِ.
(٧) قائِدُ الجَيْشِ
فَانْبَرَى قائِدُ الجَيْشِ قائلًا: «ما لِهذا الأَمْرِ غَيْرِي أَيُّها الأَمِيرُ. وَلَنْ تَرَى مِنِّي — إنْ شاءَ اللهُ — غَيْرَ ما يَسُرُّكَ.»
فَقالَ لَهُ الأَميرُ «إقْبالٌ»، وَقَدِ اسْتوْلَى عَلَيْهِ الْجَزَعُ: «هَيْهاتَ أَنْ آذَنَ لَكَ بِذلكَ. كَلَّا، لَنْ أُمَكِّنَكَ مَنْ هذِهِ المُحاوَلَةِ الجَريئةِ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَتْ لَكَ عاقِبَتُها. وَأَنْتَ قائدُ الجَيْشِ وَمُرْشِدُهُ، وَلَنْ يُطاوِعَنِي قَلْبِي عَلَى أَنْ أُعَرِّضَكَ لِلْمَوتِ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتَ مَصارِعَ ثَلاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَشْجَعِ فُرْسانِنا المُدَرَّبِينَ.»
وَطالَ الحِوارُ وَالجَدَلُ بَيْنَ الأَمِيرِ وَقائِدِ الجَيْش، ثُمَّ انْتَهَى رَأَيُ الأَمِيرِ إلَى إجابَةِ القائِدِ؛ ثِقَةً بِحَزامةِ أَمْرِهِ، وَرَجاحَةِ عَقْلِهِ، وَرَباطَةِ جَأْشِهِ.
وَارْتَقَى الْقائِدُ السُّلَّمَ، وَقَلْبُهُ مُمْتَلِئٌ يَقِينًا وَإيمانًا بِنَجِاح مَسْعاهُ، حَتَّى بَلَغَ أَعْلَى السُّورِ. وَما كادَ يَفْعَلُ حَتَّى شَخَصَ بِبَصَرِهِ، وَبَدَتْ عَلَيْهِ أماراتُ الاضْطِرابِ، وَصاحَ كَما صاحَ أَصْحابُهُ مِنْ قَبْلُ: «لَبَّيْكِ، لَبَّيْكِ، لَبَّيْكِ، ها أَنَا ذا حاضِرٌ إلَيْكِ، وَماثِلٌ بَيْنَ يدَيْكِ.» ثُمَّ قَذَفَ بِنَفْسِهِ مِنْ فَوْقِ السُّورِ، وَهَوَى إلَى الأَرْضِ كَما هَوَى أَصْحابُه مِنْ قَبْلُ.