كتاب المغنِّي
«أمضيتُ من عمري عشرين عامًا
تمتَّعت فيها بما قُسم لي،
تتابعت أيامها الحِسان،
شبيهةً بأيام البرامكة.»
١
هجرة
الشمال والغرب والجنوب تتناثر،
العروش تتصدَّع، والممالك ترتجف،
فهاجرْ أنت إلى الشرق الطاهر،
لتستروِحَ نسيمَ الآباء،
وبين الحب، والشرب، والغناء
يجدد فيك نبع الخَضر الشباب.
•••
إلى هناك، حيث الحق والطهر والنقاء،
أريد أن أقودَ أجناس البشر،
وأنْفد معها إلى أعماق الأصل السحيق،
حيثُ كانت لا تزالُ تتلقَّى من الله
وحي السماء بلغات الأرض
دون أن تصدعَ رءوسها بالتفكير،
وحيث كان يُجلُّون الآباء ويوقِّرون،
ومن طاعة الغريب (وخدمته) يأنفون،
أريد أن أسعد (بالحياة) في حدود الشباب:
فيتسع الإيمان، وتضيق الفكرة،
إذ كان للكلمة عندهم شأنٌ أي شأن؛
لأنها كانت كلمة تنطق بها الشفاه.
•••
وأودُّ أن أختلط بالرعاة،
وأُنعشَ نفسي في (ظلال) الواحات،
وعندما أرتحل مع القوافل،
أتاجر في الشيلان والبُن والمِسك،
وأودُّ أن أسلك كل سبيل
ينقلني من الصحراء إلى المدن.
•••
وكلما صعدنا الشِّعاب الصخرية أو هبطنا منها
كانت سلوانا، يا حافظ، هي أغانيك
حين يطلقُ الحادي وهو على ظهرِ ناقته،
صوته النشوان بساحرِ الغناء،
ليوقظ النجوم (في أعالي السماء)،
ويبثُّ الرعب في قلوب قُطُّاع الطرق (الأشقياء).
•••
وهناك في الحمَّامات وفي الحانات
يطيب لي، يا حافظ، أن أشيد بذكرك،
عندما تكشف المحبوبةُ (عن وجهها) النِّقاب،
وتهز خصلات شعرها فتفوح برائحة العنبر
أجل إن همسات الشاعر (بنجوى) الحب
لتجعل حتى الحوريات يتُقْنَ إلى العشق.
وإن أبيتم إلا أن تحسدوه «على هذا النعيم»
أو شئتم أن تُعكروا عليه صفوه،
فاعملوا أن كلمات الشاعر دائمًا تحومُ
حول أبواب الفِردوس،
وتظلُّ تطرُقها في هدوء
وهي تتوسل أن تحظى بالخلود.
٢
ضمانات البَركة
الطلسمُ (المنقوش) في العقيق،
يجلبُ للمؤمن الحظ والهناء،
فإن كان على أرضية من عقيق يماني
فالثمه بفمٍ مباركٍ طهُور!
وسوف يطرد عنك الشرور
ويحميك ويحمي المكان.
وإن كانت الكلمة المنقوشة عليه
تُفصح عن اسم الله الكريم،
فستشعل فيك الحماس للحب والعمل (العظيم).
وإن النساء على وجه الخصوص
ليؤثرن التبرُّك بالطلمسات.
•••
والتمائمُ كذلك
علامات على الورق مكتوبة،
لكن لا يشعر المرء بضيق الحيز
كشعوره حين ينقش على الحجر الكريم،
وفي وسع (أصحاب) النفوس التقية
أن يخطُّوا هنا الآيات الطوال،
كما يعلق الرجالُ (على أكتافهم) هذه الأوراقَ
في ورعٍ كأنها بُردةُ الأنبياء.
أمَّا النقش فلا يُخفي شيئًا وراءه،
فالنقش هو النقش ولا يملك إلا أن يقول
كل ما ستقوله لنفسكِ بعد ذلك عن طيب خاطر:
هذا ما (أستطيع) قوله! ما أستطيعه أنا!
•••
أمَّا «الأبركساس» فيندر أن أجلبه معي!
فالأغلبُ هنا أن تُقدِّر قيمته العالية
بما (نُقش) عليه من أشكال بشعة مخيفة
تفتق عنها عقلٌ مختلٌّ مريض.
فإن وجدتموني أحكي له الغرائب والعجائب،
فاعلموا أنني جلبت معي «الأبركساس».
•••
والخاتم يصعب أن يُرسم عليه
أسمى المعاني في أضيق حيز،
ولو تمكنت من الحصول على خاتم أصيل،
فستجد الكلمة محفورة عليه، ولن تصدِّق عينُك ما تراه.
٣
خاطر حر
دعوني فوق سَرج جَوَادي!
وابقوا في أكواخكم وخيامكم!
وسأنطلق سعيدًا في كل الأرجاء!
لا يعلو على قَلَنسوتي غير نجوم السماء.
•••
هو الذي جعل لكم النجومَ
لتهتدوا بها في البَر والبحر،
وتتملوا آياتها الحِسان،
وتتطلعوا دائمًا إلى السماء.
٤
تمائم
لله المشرقُ
لله المغرب،
الأرض شمالًا، والأرض جنوبًا،
ترقد آمنة، ما بين يديه.
•••
هو، لا أحدَ سواه، العدل
ويريد لكل الناس العدل.
من أسمائه المائة أجمعين
سبِّحوا بهذا الاسم المكين
آمين!
•••
يريدُ الضلالُ أن يُربكني ويُغويني،
لكنك تعرف كيف تهديني،
فإن قمتُ بعملٍ أو نظمتُ الأشعار،
فاهدني أنت سواء السبيل.
•••
ما فكرتُ في شأن من شئون دنياي،
إلا وخرجت منه بالنفع العظيم.
ومهما حدث فالروح لا تتناثر كالغبار
لأنها في أعمق أعماقها ترتفع إلى السماء.
•••
في التنفس نعمتان:
نعمةُ الشَّهيق ونعمةُ الزَّفير،
تلك تضيِّقُ الصدرَ، وهذه تنعشه،
فما أعجبَ المزيج (الذي تتألفُ منه) الحياة.
اشكر ربكَ في الضراء (وعند العُسر)،
واشكر ربك في السراء (وعند اليُسر).
٥
نِعمٌ أربع
أنعم الله على الأعْراب،
بنعمٍ أربعٍ عجاب؛
كيما يجوبوا الفلوات فرحين،
ويعيشوا في رغدٍ هانئين.
•••
وهبهم العمامة التي تزين
خيرًا من تيجان القياصرة أجمعين،
وخيمة إليها يأوون
في أي مكانٍ يشاءون.
•••
وسيفًا يحميهم ويصون
أمنع من الصخور وأسوارِ الحصون،
وقصيدًا يطرب ويفيد.
تتنصت عليه الحِسانُ الغيدُ.
•••
وها أنا ذا أتغنَّى بهدوء و«حُبُور»
بالزهور «المطلة عليَّ» من شالها «الحرير»
وهي تعلم علم اليقين ما تتمتعُ به من خصال،
وتبقى على ما عهدْته فيها من جمال ودلال.
وإني لأعرف كيف أزيِّن موائدكم
(بما تحبون) من أزهارٍ وثمار.
فإذا أردتم معكم الحِكَمَ والعبر
فسوف أقدمُ ما نضج منها وما نضر.
٦
اعتراف
ما الذي يصعبُ إخفاؤه؟ النار!
ففي النهار يشي بها الدخان،
وفي الليل يفضح اللهبُ ذلك الوحش الجبار.
كذلك يصعبُ إخفاء الحبِّ (الدفين)،
فمهما طويته (في أعماقك) في سكون،
فما أيسر ما يطل من العيون!
لكن أصعب شيء يستعصي على الإخفاء قصيد؛
إذ لا يُفلِحُ أحدٌ أبدًا في كتمان نشيد،
وما إن ينطلق الشاعر في الغناء،
حتى تسريَ النشوة في كل الأعضاء.
وإذا دَوَّنه بخطٍّ منمَّقٍ وبديع
تمنى (من صميم فؤاده) لو أحبه الجميع.
ويروح يتلوه وهو سعيد على كل إنسان بصوتٍ عالٍ،
سواءٌ تسبب في تعذيبنا أو هذَّبَ مِنَّا الطباع والخِلال.
٧
عناصر
على أيِّ عنصرٍ من العناصر الكثيرة
ينبغي أن تتغذى الأغنيةُ الأصيلة،
حتى يطربَ لها عامةُ الناس
ويستمع إليها (الشعراء) المتمكنون بفرحٍ (وحماس)؟
•••
ليكن الحبُّ، حين نشرعُ في الغناء
هو الموضوع المقدم على سائر الموضوعات،
فبقدر ما تسري في الأغنية (حرارةُ) الحب
بقدر ما يعذُبُ وقعُها (على القلب).
•••
ولا بُدَّ أن يُسمَع للكئوس رنين
ويسطع ياقوتُ الخمر الوضَّاء:
(إذ جرى العرفُ) على التلويح بأجملِ الأكاليل،
للعاشقين المتيَّمين وللشاربين.
•••
والأمر كذلك يتطلب صليل السلاح
فضلًا عن دَويِّ الطبول (كالرُّعود)،
بحيث لو توهَّج كألسنة النار
فرح البطل الظافُر كأنه إله (سعيد).
•••
ولا غنًى للشاعر في نهاية المطاف
عن أن تمقتَ نفسُه بعض الأشياء،
فلا يسمح لشيءٍ كريه وقبيح
أن يحيا بجوار شيءٍ جميل (ومليح).
•••
وإذا عرف المغنِّي كيف يصنع المزيج (النادر)
من المادة الأوَّلية العتيدة لهذه العناصر،
فسوف يكون في وُسعِه أن يسعدَ الشعوب،
كما فعل حافظُ، سعادةً أبديةً تمتعُ (القلوب).
٨
خَلقٌ وإحياء
آدم المضحكُ كان كتلةً من طين
سوَّاها في صورة إنسانٍ ربُّ العالمين،
غير أنه جلَب من رحم الأم (المكنون)
أفانينَ من كل مرذولٍ ولعين.
•••
نفخ «الألوهيم» في أنفه
رُوحًا هو أطيب الأرواح،
هناك بدا عليه تغير الأحوال
إذ شرع في العطس الشديد.
•••
وبالرغم من العظام والأعضاء والرأس
بقي (آدم) كتلةً صمَّاء،
حتى توصل نوحٌ إلى أنسَب الأشياء
للأحمق المأفون، وهو الكأس.
•••
وسُرعان ما شعرت الكتلة الصماء،
بمجرد أن بلَّلت نفسها، بدبيب الحياة
تمامًا كما يبدأ العجينُ
في الحركة حين يتخمَّر.
•••
فلتهدنا أغنيتُك العذبة الحنون
يا حافظ، وهو المثل القُدُّوس،
إلى معبد خالقنا (الرحيم)
على رنين الكئوس.
٩
ظاهرة
عندما يعانق «فيبوس»
(زخَّات) المطر،
لا يلبث أن يظهر قوسٌ
مظلَّلٌ بأبدع الألوان.
•••
وها أنا أرى في الضباب
دائرة مشابهة،
أجل إن القوس بيضاء
لكنها قوس من السماء.
•••
فحذارِ أيها الشيخ النشيطُ
أن يبتئسَ فؤادك،
وإذا كان شَعْرُكَ قد كساه الشيبُ
فقريبًا سوف تحب.
١٠
منظر لطيف
هذه الألوان تتجلَّى لي هناك
وتصل السماء بأعالي الأفلاك؟
إن الضباب الذي يلفُّ الصباح ويغشاه
ليغشى بصريَ الحاد ويمنعني من أن أراه.
•••
أهي خيامٌ أقامها الوزير
لزوجاته الغاليات،
أم أبسطة (فُرشت) في الاحتفال
بزفافه لحبيبة الفؤاد؟
•••
والأحمر والأبيض اندمجا في مزيجٍ
لم أرَ في حياتي أجملَ منه بالمرة،
فكيف انتقلت، يا حافظُ، (مسقط رأسك) شيراز
إلى أقاليم الشمال العكرة؟
•••
إن أشجار الخشخاش البهيجة الألوان
لتمتد متجاورةً في صفوفٍ،
وتكسو الحقول بمودة وحب
مستهزئةً بإله الحرب،
فليكن من دأب الحيِّي الخجول
أن يتعهَّدَ الزهورَ بالرعاية والتنسيق
فيغمرني ضوءها على طول الطريق
كنور الشمس في هذا اليوم الجميل.
١١
تباين
عندما يعزف كيوبيدُ على الناي
عند حافة الجدول عن يمين،
وفي البوق ينفخ «مارسُ»
في الحقل عن شمال،
تنجذب الأُذن إلى هناك
مسرورةٌ الأذن مسحورة،
غير أن الضجيج (الشديد)
يُفْسِدُ عليها بهجة النشيد.
ها هو العزفُ يتردد لا يزال
بينما الحرب تُرعدُ بالأهوال،
وأثور ويكادُ عقلي يختل،
أتكون هذه معجزة؟
وتظلُّ ألحان الناي تتوالى
وصخبُ الأبواقِ يتعالى
وأُجنُّ ويتملكني الغضب،
فهل في هذا من عجب؟
١٢
الماضي في الحاضر
الورد والزَّنبق (المبتلُّ) بندى الصباح
يزدهر قريبًا مني في البستان،
ومنَ الخلف يرتفع الصخرُ إلى السماء
مؤنس الطلعة كثيف الأشجار.
وتظلُّ الذروة تميل بقوسها.
حتى تتصالحَ مع الوادي
وقد أحاطت بها الغابةُ العالية
وتوَّجتها قلعةُ الفرسان.
•••
ويفوحُ العطرُ (كما فاحَ) على عهد الشباب
حين كُنَّا نكابدُ (لوعةَ) العشق والغرام.
وكانت أوتار مزماري تدخل في عراكٍ
مع الشعاع المشرق في شمس الصباح،
وأغاني الطِّراد تنبعث من الآجام
وتفيض بالألحان البديعة الأنغام
فتلهبُ فينا الحماس وتنعشُ الوجدان
كما يَهْوَى الصدرُ (الخفَّاق) ويشاء.
ما دامت الغابات في ازدهار أبديٍّ ونماء
فأقبلوا عليها (لتجديد الحب والعطاء)،
وكل ما استمتعتم به وحدكم (من أسباب النعيم)
دعوا غيركم يتمتعون به وينعمون.
عندئذٍ لن يصيح أحدٌ في وجوهنا (بالاتهامات)
ويلومَنا على الاستئثار بالمتع واللَّذات،
وعليكم الآن في كل ميادين الحياة
أن تتعلموا كيف تتمتعون (بشجاعةٍ وثبات).
•••
بهذه الأغنية وهذا (الأسلوب في) التعبير
نكون قد رَجَعنا لحافظ من جديد،
إذ يليقُ بالنهار وهو يُؤذِن بالاكتمال
أن نذوق المتعَ في صُحبة المتمتِّعين.
١٣
أغنية وتكوين
ليَجبلِ الإغريقيُّ من الصلْصال
ما يشاء من (النماذج) والأشكال،
وليفتتن ما وَسِعَهُ الافتتان
بالمخلوق الذي سَوَّته يداه.
•••
أمَّا نحن فلذَّتنا (التي تفوق كلَّ اللذات)
هي الغوص في (مياه) الفرات،
والسباحة هنا وهناك
في (هذا) العنصر السيَّال.
•••
لو استطعتُ بهذا أن أطفئ لهيبَ الروح
لتجاوبت ألحانُ أغنيتي بالرنين
وإذا الشاعرُ اغترفت كَفه الطَّهورُ
من هذا الماء تكوَّرَ فقاعات (كالبللور).
١٤
جرأة
ما السبب الذي يتوقف عليه في كل مكان
أن يسرعَ الشفاء إلى الإنسان؟
إن كل امرئ يُلَذُّ له سماع الأصوات
التي تكتملُ في لحنٍ من الألحان
•••
ألا فلتطرح كلَّ ما يعوقُ مسارَك،
ولتكفَّ عن هذا السعي الكئيب!
فقبل أن يغنِّي الشاعر أو يتوقف عن الغناء
عليه أن يحيا ويجرِّب طعمَ الحياة.
•••
فليتردد نغمُ الحياةِ الأصيل
ويتغلغل في الروح كصوت الرعود.
وكلما أحس الشاعر أن قلبه حزين
تولَّى بنفسه التصالُح مع نفسه (من جديد).
١٥
خشن ونشيط
إن نَظْمَ الشعر زَهْوٌ وانطلاق
فليكفَّ الناسُ عن لومي واتهامي!
وليَسْرِ في عروقكم دمٌ حار
ينبض (مثل دمي) بالتحرُّر والسرور.
•••
وإذا شاء حظي أن أذوق طعمَ المرارة
من كل ساعةٍ أليمةٍ تمرُّ بي،
فسوف أتحلَّى رغم تلك بالتواضع
بل وأبذُّكم فيه.
لأن التواضع جميلٌ وحميد
حين تتفتح (زهور) الحسناء،
فهي تحب من يتودَّد إليها بحنان
وتهرب من كل فَجٍّ غليظِ الطباع.
•••
والتواضع كذلك محمودٌ،
كما يقول ذلك الرجل الحكيم،
الذي أتعلم منه (الكثير)
عن الزمان والخلود.
•••
إن نظم الشعر زهوٌ وانطلاق،
فاعكف عليه وحدك وأنت مسرور،
ولتُسهمُوا فيه أيها الأصدقاء
وأنتن أيها الحِسَانُ (النابضاتُ) بالدم الحار!
•••
وأنت أيها الراهب الصغير بغير طاقيةٍ ولا زِنَّار،
ارحمني من الثرثرة والهُراء!
فأنت في الواقع تدمرني وتُتلف أعصابي
ولا تجعلني متواضعًا (على الإطلاق)!
•••
إن عباراتك (السخيفة) الجوفاء
تدفعني بعيدًا عنه،
وقد وضعتُها تحت أقدامي
ودست عليها بالفعل!
عندما تدور طاحونة الشعراء،
فلا تُوقفوها أبدًا؛
لأن من يفهمنا مرة واحدة،
سوف يسامحنا أيضًا.
١٦
حياة كلية
الترابُ هو أحدُ العناصر،
التي تسيطر عليها ببراعة،
وذلك، يا حافظ، حين تُمجِّدُ المحبوبةَ
بأغنيتك الصغيرة الرقيقة.
•••
لأن التراب على عتبة (بابها)
أفضلُ عندك من السجَّاد
الذي تركعُ جواري محمودٌ
فوق زهوره المطرَّزة بالذهب.
•••
وإذا ذرَّت الريحُ من أبوابها
سُحبَ الترابِ ومرَّت عليك
فعطورها الفوَّاحة أحبُّ إليكَ
من المسك ورحيق الورد.
•••
الترابُ الذي حُرِمْتُ طويلًا منه
في الشمال الملتف دائمًا بالضباب،
لكنني عرفته بما فيه الكفاية
في (بلادِ) الجنوب الحار.
•••
ومع ذلك فطالما واجهتني
أبوابها الحبيبة لائذةً بالصمت!
داوِني أنت يا مطر الأنواء
ودعني أستنشق روائح الخُضرة!
•••
وعندما تدوِّي الآن كلُّ الرعود
ويسري البرقُ في أنحاء السماء،
يسقط تراب الريح الوحشي
رطبًا مبتلًّا فوق الأرض
•••
وما أسرع ما تبزغُ حياةٌ،
وينبثق فعلٌ قُدسيٌّ تحوطه الأسرار،
ويخضر كل شيءٍ وتكسو النضارة
أرجاء الأرض (في كل اتجاه).
١٧
حنين مبارك
لا تقل هذا لغير الحكماء،
ربما يسخر منك الجهلاء،
وأنا أُثني على الحي الذي
حنَّ للموت بأحضان اللهيب.
في ليالي الحب والشوق الرطيب،
يصبحُ الوالدُ والمولودُ أنت،
يحتوي قلبَك إحساسٌ غريب،
ومن الشمعة إطراق وصمت.
•••
تترك الأسرَ الذي عشتَ به
غارقًا في عتمة الليل الكئيب،
ينشرُ الشوقُ جناحيه إلى
وَحدَةٍ أسمَى وإنجابٍ عجيب.
•••
سوف تعروك من السحر ارتعاشة
ثُمَّ لا تجفُلُ من بُعْد الطريق،
وستأتي مثلما رَفَّت فراشة
تعشق النور فتهوي في الحريق.
•••
وإذا لم تُصْغِ للصوتِ القديم
داعيًا إياك: مُت كَيما تكون!
فستبقى دائمًا ضيفًا يهيم
في ظلام الأرض كالطيف الحزين.
•••
١٨
إن عود القصب
إن عودَ القصب ليَنمو ويبزُغُ للنور
ليحملَ العذوبة للعالَمين!
فليكُن من حَظٍّ يَراعى
أن ينسكب منه كلُّ جميل!