كتاب البارسي أو المجوسي
١
وصية الديانة الفارسية القديمة
أية وصية، يا إخوتي، تتوقعون أن تأتيكم،
من الرجل التقي المسكين الذي سيفارقكم،
والذي أطعتموه في صبرٍ أيها المريدون الشبان،
وأكرمتم أيامه الأخيرة برعايتكم؟
•••
عندما كُنَّا نرى الملك في كثير من الأحوال على صهوة جواده،
والذهب يسْطعُ منه ومن كل ما حوله،
وجواهر الأحجار الكريمة تلمعُ عليه وعلى عظماء رجاله
منشورة كحبَّات البَرَد الكثيفة المنهمرة،
فهل حسدتموه مرةً واحدةً على ذلك؟
•••
ألم تملئوا عيونَكم بما هو أروع منه،
حين كانت الشمس، على أجنحة الفجر،
تشرق على ذُرى درناوند١ التي لا تُحصى على هيئة قوس؟
من ذا الذي كان يسعه
أن يمنعَ نفسه من التطلُّع إليها؟ لقد كنت أحس
آلاف الإحساسات، فيما لا يُعدُّ من أيام حياتي،
بأن تلكَ القادمةَ تحملني معها
لأعاين اللهَ على عرشه،
وأسمِّيَه الربَّ (الخالقَ) لعين الحياة،
وأراعي في عملي ذلك المشهد السامي
وأسير في حياتي مهتديًا بنوره.
لكن حين كان القرصُ الناريُّ يكتمل (في السماء)،
كنت أقف (أمامه) كأنما عَشيَتْ عيناي في عتمة الظلام،
فأضرِبُ صدري، وأطوح أعضائي المنتعشة،
وجبيني محني للأمام، وأسجد على الأرض.
•••
والآن إليكم وصيةً مقدسةً،
أقدِّمها لإرادة الإخوة وذاكرتهم:
«الحفاظ اليوميُّ على (أداء) الواجبات الشاقة»
وعدا ذلك لا حاكم (بكم) لأي وحي.
•••
إذا حرَّك وليدٌ يديه التقيتين
طالبًا أن تُديروه نحوَ الشمس بغير إبطاء،
فليُغمس الجسد والروح في حمام النار!
وسيشعر بنعمة كل صباح (يشرق عليه).
•••
أسلموا الأمواتَ للحي،
وغطوا حتى الحيوانات بالردم والتراب،
وبقدر ما يسعُ طاقاتكم،
لا تترددوا عن تغطيةِ كلِّ ما ترونَ أنه نجس.
•••
احرثوا حقولكم حرثًا فيه نظامٌ وجمال،
حتى يطيب للشمس أن تُضيءَ الجَهد الذي بذلتموه،
وإذا زرعتم أشجارًا فاجعلوها في صفوف،
لأنها٢ تساعدُ كلَّ ما هو منظَّمٌ على النموِّ والازدهار.
•••
كذلك لا يجوز للماء الذي يجري في القنوات
أن يُعوِزه التدفُّق أبدًا ولا الطهارة،
وكما ينبع سندرود٣ من المناطق الجبلية الطاهرة،
فينبغي كذلك أن ينتهيَ إلى مصبٍّ طاهر.
ولكيلا يضعف الانسكابُ الناعم للماء،
راعوا تعميق الحَفر بجدٍّ واجتهاد،
الغابُ والبوص، والبرص، والسحالي،
هذه المخلوقات البشعة، اقضوا عليها جميعًا.
•••
حتى إذا تم لكم تطهير الأرض والماء،
راق للشمس أن تسطع وهي تنفذ في الهواء،
فهي إن أحسنتم استقبالها بما يليق،
تصنع الحياة وتمنحها البركة والسلام.
أنتم، يا من يشقيكم عناءٌ بعد عناء،
تعزَّوا عن ذلك، فالكل قد تطهر الآن.
وأصبح في وسع الإنسان أن يتشجع كالكاهن (الفنان)،
فيبدع من الحجر الرمزَ المعبِّر عن الله.
•••
وحيث تتوقَّد الشعلةُ تبيَّنوا بسرور،
أن الليل يغمره الضوء وأن الأعضاء طيِّعة،
وعلى لهب النيران المتأججة في الموْقد،
ينضجُ العصير الخام للحيوان والنبات.
•••
وإذا احتطبتم فافعلوا ذلك مبتهجين،
لأنكم تحملونَ بذور الشمس الأرضية،
وإن قطعتم البامية،٤ فلتقولوا واثقين:
إنه هو الذُّبالة التي ستشعل بالنار المقدسة.٥
وإذا تبيَّنتم بورع في شعلة كل مصباح،
انعكاس النور الأسمى،
فلن يمنعكم سوء الحظ أبدًا من الشعور بالإجلال،
لعرش الله عند مطلع كل صباح.
•••
هناك (ترون) الخاتمَ القيصري (المطبوع) على وجودنا
والمرآة الإلهية الصافيةَ لنا وللملائكة،
وكل ما يتمتم مُسبِّحًا بحمد الكائن الأسمى،
هناك في دائرة تحوطُها دوائر.
أريد أن أزهد في شواطئ سندرود
وأنشر جناحي مُحلِّقًا إلى (قمة) درناوند،
فإذا أشرقت سعيتُ إليها لأسعد باللقاء.
ومن هناك أبارككم إلى الأبد.
٢
كلما شعر الإنسان
كلما شعر الإنسان نحو الأرض بالتقدير والإعزاز،
لأن الشمس تُشرق عليها بنورها الوضَّاء،
وكلما استمتع بالكرامة،
التي تبكي تحت السكين الحادة،
لأنها تحسُّ أن عصيرها
سوف يُنعش الدنيا إذا أُجيد تخميره،
وسوف يثير طاقات كثيرة
ويُخمد طاقات أكثر
عرف (عندئذٍ) كيف يرجع الفضل لوهَج النار،
التي تتيح كلَّ هذا النمو والازدهار،
وإذا ترنَّح السكرانُ وراح يتلعثم،
انطلق المعتدلُ في الغناء وترنَّم.
١
صحتها دوماند أو دبناوند، وهو جبل مقدس كثير المعادن، وإليه
ترتفع نفوس الأتقياء بعد الموت.
٢
أي الشمس.
٣
هو نهر السند الذي يتفرع بالقرب من أصفهان إلى فروع وقنوات عديدة
تصبُّ في الأرض.
٤
فارسية بمعنى القطن.
٥
حرفيًّا: ستحمل الشيء المقدس.