كتاب تيمور
(١) يقول جوته في إعلانه عن هذا الكتاب سنة ١٨١٦م في «صحيفة الصباح»: «يعكس كتاب تيمور أحداثًا عالمية كبرى في مرآةٍ نرى فيها، لعزائنا أو لبلائنا، انعكاس مصائرنا نحن.»
وتيمورلنك — الذي فاجأه الشتاء وهو يُعِد لحملته على الصين — يجسِّد القوى الشيطانية التي طالما تحدَّث عنها جوته، وقال لسكرتيره ريمر ولصديقه بواسريه إنها تصطدم مع القانون الأخلاقي في العالم. وتيمور وأمثاله من الطغاة الجبابرة ليسوا بشرًا عاديين، وإنما هم أشبه بالقوى الكونية المدمِّرة. وكما قال جوته في الكتاب العشرين من سيرة حياته شعر وحقيقة، فالطاغية كارثة، زلزال أو إعصار، أو بركان أو طوفان؛ ولهذا لا يقهره إنسان مثله، ولا تقوى على تحطيمه إلا كارثة أقوى منه، ولا تدمِّره إلا الطبيعة والكون نفسه. ووجه الشبه ظاهر مع نابليون وحملته الشتوية على روسيا (١٨١٢م) وهزيمته المروِّعة على أبواب موسكو. وقد أُعجِب به جوته، والتقى به لقاءً لا يُنسى، فيه قوله له: هاكم رجلًا! ثم أذهلَته نهايته الفاجعة التي لم يتوقع أن تتم بالسرعة التي تمَّت بها، لكن إعجابه به شيء ومسئولية الشعر شيء آخر. وقد عانى جوته ما عانى من احتلال جيوش نابليون لمدينة فيمار واستباحتهم لها، ومزاحمة الجنود الفرنسيين له في بيته، كما قاسى حافظ في شيخوخته من طغيان تيمورلنك (١٣٣٦–١٤٠٥م)، وخيَّمت ظلاله السوداء على حياته التي وهبها للشعر، وذلك قبل أن تموت الجرادة المغولية الكبرى ويموت حافظ نفسه سنة ١٣٩٠م. وقد تأثَّر الشاعر هنا بقطعة أدبية وردت في كتاب «عجائب المقدور في نوائب تيمور» لابن عربشاه (المتوفَّى سنة ١٤٥٠م)، وقرأ جوته ترجمتها اللاتينية في كتاب للمستشرق الإنجليزي المعروف ومترجم المعلَّقات وليم جونز، وفيها وصف على لسان الشتاء نفسه للمصائب التي حلَّت بجيش تيمور أثناء استعداده لحملته الشتوية على إمبراطورية الصين (راجع المقدمة العامة لهذا الكتاب). ويُلاحَظ أن المُخاطَب — وهو تيمور — لا ينطق في هذه القصيدة بكلمة واحدة، كأنما شلَّه الفزع والرعب وجمَّده البرد والثلج! ويُلاحَظ أن الإيقاع الرباعي المتحرِّر من القافية يتدفق أشبه بقوة الطبيعة العاتية، وأن اللغة حادة الألفاظ ومحدَّدة، وأن القصيدة كلها التي خلت من البداية والخاتمة أقرب إلى أن تكون شذرة من تاريخ أسود طويل، هو تاريخ الطغاة والطغيان على اختلاف صوره وأشكاله ومآسيه.
(٢) إلى زليخا: تبدو القصيدة قلِقة في موضعها من هذا الكتاب، وإن كانت تمهِّد للكتاب التالي وهو كتاب زليخا، وقد أضاف جوته السطرَين الأخيرَين (١٥-١٦) لتسويغ ضمها إلى كتاب تيمور، دون أن ينجح تمامًا في ذلك كما يرى بعض الشراح. وغنيٌّ عن الذِّكر أن حب البلبل للوردة (جلجل) موضوع واسع الانتشار في الشعر الفارسي. وقد شبَّه الشاعر طغيان تيمور الذي سحق الألوف المؤلَّفة من الناس، بما يفعله صانع العطور مع آلاف الورود، وإن كان الهدف في الحالَين شديد الاختلاف؛ مما يجعل المقارنة غير مُقنِعة؛ لأن مُلكَ تيمور بعيد عن ملكوت العطور بُعدَ الأرض عن السماء، والجحيم عن النعيم! والقصيدة تنظر إلى موضوع العبقري والعبقرية نظرة مختلفة عن نظرتها إليه في القصيدة السابقة؛ ولهذا لم يجد الشاعر في نفسه أي ميل للاسترسال فيه، فكان كتاب تيمور أقصر كتب الديوان. والمهم أن وضع هذه القصيدة فيه يُمكِن أن يكون تمهيدًا للانتقال إلى كتاب زليخا؛ ففي أنغامها اللطيفة إرهاص بأنغامه ومحاولة لتجاوز الجو المقبِّض الذي تُوحي به «الشتاء وتيمور».