كتاب التفكير

١

اسمع النصح
اسمع النصحَ الذي تردده القيثارة؛
بَيْدَ أنه لن يُفيد حتى تثبت القدرة والمهارة.
إن أسعد الكلمات ليُقابَل بالسخرية والاستهزاء،
حين يكون السامع ذا أُذنٍ لا تُحسن الإصغاء.
لكن ما الذي تردده القيثارة؟ إنها ترن بصوت عالٍ:
بأن أجملَ العرائس ليست هي أصلحهن،
ومع ذلك فلو كان علينا أن نجعلك واحدًا مِنَّا
فإن الواجب يحتِّمُ عليك أن تريدَ الأجمل والأصلح.

٢

خمسة أشياء
خمسة أشياء لا تنتجُ خمسًا،
فافتح أذنيك لتستوعب هذا الدرسا:
لا تنبتُ في صدر المغرور مودَّة،
ورفاق الخِسَّة والوضعاء عديمو الذوق،
والعظمةُ لا يدركها شرير وغد،
والحاسد لا يرحم عريًا،
والكاذبُ يطمع عبثًا في ثقة الناس،
فاحفظْ هذا الدرس (وأمنِّه بالحراس)
كي لا يسرقَه أحدُ «الأنجاس».

٣

خمسة أخرى
ما الذي يقصِّرُ عليَّ الزمن؟
الفعل!
وما الذي يجعله طويلًا لا يُحتمل؟
الفراغ!
ما الذي يُوقِع المرء في الديون؟
التجلُّد والصبر!
وما الذي يجلب الكسب (الوفير)؟
عدم إطالة التفكير!
ما الذي يُنيل الشرفَ والكرامة؟
الإباء والمقاومة!

٤

محبَّبة هي نظرة الفتاة
مُحبِّبة هي نظرة الفتاة التي ترنو (إليك)،
ونظرة الشارب محببة، من قبل أن يشرب،
وتحية السيد الذي استطاع أن يُصدرَ الأمر،
وضوء الشمس الذي غمرك في الخريف.
وأحبُّ من هذا كله أن تضع نُصْبَ عينيك على الدوام،
كيف تسعى نحوكَ في لطفٍ يدٌ فقيرة
لتتلقَّى ما تقدمه من هباتٍ صغيرة
وهي تحمل أجمل مشاعر الامتنان والعرفان.
يا لها من نظرة! يا لها من تحية! ويا له من سعي قوي التعبير!
تأمَّله جَيِّدًا، وسوف تُواصل العطاءَ دائمًا (بسرور).

٥

وإن ما ورد في بند نامه
وإنَّ ما ورد في «بند نامه»
لمنقوش في صدرك:
كل من تعطيه بنفسك
سوف تحبُّه كما تحبُّ نفسَك
فقدِّم الملِّيم وأنت مسرور (على الفور)
ولا تكنز الذهب ليُنفقَ بعدك في الخير،
بل أسرع وأنت مغتبطٌ راضي
إلى تفضيل الحاضر على ذكرى الماضي.

٦

إن مررت بحدَّاد
إن مررتَ على صهوة جوادك بحدَّاد،
فلست تدري متى يُصلح لك كعبَ الجواد،
وإن رأيت كوخًا خاليًا في العراء
فلست تدري إن كان يضمُّ حبيبة الفؤاد،
وإن لقيت فتًى جسورًا ذا محيًّا جميل
فلست تعلمُ إن كان سيغلبك غدًا أم سيكون المغلوب.
لكن يمكنك أن تقولَ عن الكرمة الخبر اليقين
وأنها ستحمل لك من الطيبات الكثير.
وهكذا تحيا في هذا العالم في أمان
وما عدا ذلك لا يحتاج مني إلى التكرار.

٧

فلتُحسِن رد التحية
فلتحسن ردَّ التحية من إنسانٍ مجهول!
ولتكن عندك في مقام التحية من صديقٍ قديم.
فبعد كلمات قليلة ستقولان لبعضكما الوداع!
وتذهب أنت إلى المشرق، وهو إلى المغرب، وتتفرق
بكل السبل والدروب
— حتى إذا التقيتما على الطريق بعد سنين وسنين
على غير انتظار — نادى أحدكما الآخر في فرحٍ وسرور:
حقًّا إنه هو! أجل كان هو نفسه!
كأن لم يفرق بينكما السفرُ والرحيل
في البرِّ والبحر ولا دورة الشموس (والأفلاك).
عندئذٍ تبادلا البضائع وتقاسما المنافع!
فالثقة القديمة تَعْقدُ
عُرى المودة من جديد.
إن أولَ تحية تعدلُ آلاف التحيات
فأحسِنْ ردَّ التحية لكلِّ من حيَّاك!

٨

لقد طالما قالوا الكثير
لقد طالما تحدثوا عن عيوبك
ورووا الكثير عن أخطائك،
وطالما عذَّبوا أنفسهم أشدَّ العذاب
ليُثبتوا صدقَ ما يقولون ويحكون.
ليتهم بحب ومودة حدثوك
عن خيرٍ (أو فضلٍ) تملكه
وأشاروا عليك بصدقٍ ووفاء
كيف تختار ما هو أفضل منه،
والحق إن أفضل الأشياء
لم يبقَ محجوبًا عني في الخفاء
وهو الذي لا يلتفُّ حوله في خلوة الزاهدين
إلا أقل عدد من الضيوف المخلصين
وهكذا اخترتُ في نهاية المطاف
أن أكون التلميذ الذي يتعلَّم
كيف يقع المرء في الأخطاء
عن طريق التفكير والندم.

٩

إن الأسواق تغريك بالشراء
إن الأسواق تغريكَ بالشراء،
غير أن العلم ينتفخ ويتورَّم.
ومن ينظر حوله في سكون
يتعلم كيف يهدي الحب ويقوِّم.
إن كنت تجهدُ نفسك بالليل والنهار
لتسمعَ الكثير وتعلم الكثير،
فعليك أن تتنصَّتَ على باب آخر
لتعرف كيف يجدرُ بك أن تعلم.
وإذا كان للحق أن يجدَ طريقه إليك
فاشعر من لدن الله بما هو حق:
من يحترق بنار الحب
فلا جَرَمَ سيعرفه الرب.

١٠

لما سعيتُ
لما سعيت (للتحلِّي) بالشرف والأمانة،
خاب مسعاي،
وأمضيتُ السنين الطوال
في عذابٍ (وضلال)،
أفلحتُ ولم أفلحْ أيضًا،
كيف وما معنى هذا؟
ثم حاولتُ أن أكونَ وغدًا
وبذلتُ في ذلك غاية جهدي،
لكنه لم يوافق طبعي
بل حطَّم كياني ومزَّقني.
عندئذٍ قلت لنفسي
إن الشرف لأفضلُ شيء،
حتى لو كان قليل الحظ،
فهو الأرسخ والأبقى.

١١

لا تَسَلْ من أي باب
لا تَسَل من أي باب
دخلتُ مدينة الله،
بل ابقَ في الموضع الهادئ
حيث اتخذت مكانك.
ثم انظر حولك وفتِّش عن الحكماء
وعن الأقوياء الذين يأمرون (وينهون)،
أولئك سيعلِّمونك ويهدُونك،
وهؤلاء سيشدون عزيمتك ويقوُّونك.
وما دمتَ قد عشتَ لتنفعَ (غيرك) ولزمت (العقلَ) والاتزان.
وبذلك حفظتَ للدولة عهد الوفاء،
فاعلم أنه لن يكرهك إنسان،
بل سيحبُّك الكثير من الناس.

•••

والأمير يعرف (ويقدِّر) الإخلاص
الذي يصونُ الفعَل ويجدِّد فيه الحياة،
بهذا ينجحُ الجديدُ في الاختبار
ويبقى ثابتًا إلى جانب القديم.

١٢

من أين جئتَ؟
من أين جئت؟ إنه (في الواقع) لسؤال،
فلستُ أدري كيف ساقني إلى هنا الطريق،
هنا الآن في هذا النهار المشرق السماء
يتلاقى الألمُ والسرورُ لقاء الأصدقاء.
يا للحظ السعيد حين يتحدان!
والوحيد، كيف يطيبُ له أن يضحك، كيف يطيبُ
له البكاء؟

١٣

الواحد بعد الآخر
الواحد بعدَ الآخر يمضي ويزول،
وكذلك أحيانًا يمضي قبله،
فدعنا إذن نقطع دروبَ الحياة
سراعًا، شجعانًا، وجَسورين.
إن الأزهارَ تستوقفكَ، وهي تنظر إليك بإغراء،
لكي تقطف منها ما تشاء،
ولا شيء يمكنه أن يصدَّكَ ويرغمَكَ على النكوص
إلا إن كنت قبل ذلك مزيَّف (الضمير).

١٤

عاملوا النساء
عاملوا النساء برفق وتسامح!
خلق الله المرأة من ضلعٍ أعوج
لم يشأ له سبحانه أن يستقيم
إنك إن أردت أن تثنيَه انكسر،
وإن تركته ازداد عِوَجًا،
(قل لي) يا آدم الطيب، أهنا لك ما هو أسوأ من ذلك؟
عاملوا النساء برفقٍ وتسامح،
فليس من الخير أن ينكسر لكم ضلع.

١٥

إنما الحياة
إنما الحياة مِزحةٌ سخيفة:
هذا ينقصه شيء، وذلك يعوزه شيءٌ آخر،
وما يطمعُ فيه هذا غير قليل، وما يطمحُ إليه ذلك بلا حدود.
والقدرة والحظ يدخلان أيضًا في اللعبة.
فإذا تدخَّل سوءُ الحظُ بينهما
حمله كل امرئ وهو كاره (محزون)،
حتى يأتي الورثة أخيرًا فيحملون
ذلك السيد الذي لا يستطيع ولا يرى وهم مغتبطون.

١٦

إن الحياة لعبة
إن الحياة لعبةٌ من لعب الإوز:
فكلما تقدَّم الإنسانُ في المسير،
سبق غيره إلى الهدف (المقصود)
الذي لا يودُّ أحدٌ أن يتوقف عنده.

•••

يُقال إن الإوز غبيٌّ،
فلا تصدقوا ما يقوله الناس؛
لأن إحداها تنظر حولها
ثم تلتف وراءها مشيرةً إليَّ.

•••

لكن الأمر في هذه الدنيا مختلفٌ أشدَّ الاختلاف
إذ يتدافع الجميع متقدمين للأمام،
وإذا تعثر أحدهم أو سقط (في الزحام)،
لم تتلفت نفسٌ واحدةٌ إلى الوراء.

١٧

أخذت منك السنوات
أخذت منكَ السنوات، كما قلت، كثيرًا:
متعة ألعاب الحس
وذكرى عبث الأمس
المفعم بدلال الحب،
وحُرمت من التَّجوال طويلًا
بين مغاني الأرض
لأنك جاوزتَ السن
(وشاب القلب)،
لم يسلم حتى الشرف،
وكان يزين الرأس
ولا (سَلَم) المدح وكان يسرُّ النفس.
جفَّ مَعينُ الخَلق وغاضَ النبع
فما عدتَ تغامر
(كي تنفض عنك غبار اليأس)
لا أدري ماذا يبقى
(من كل كنوز العالم لك؟)
— يبقى ما يكفي القلب!
وتبقى الفكرةُ والحب!

١٨

لو وضعتَ نفسك
لو وضعت نفسك أمام العارفين
لضمنت الأمانَ في كلِّ الأحوال.
فإن كنت قد عذَّبت نفسكَ طويلًا
عرفوا على الفور ما تفتقر إليه
كذلك يمكنُك أن تطمعَ في الثناء
لأنهم يعرفون أين وكيف أحسن البلاء.

١٩

سوف يُخدعُ الكريمُ
سوف يُخدعُ الكريم،
ويُستنزفُ البخيل،
اللبيب سيُضلَّل،
والعاقل يفرغُ (من عقله)،
الفظُّ سيجتنبه الناس
والأبلهُ يوضعُ في القيد.
تمكَّن من هذه الكذبة
واخدع أيها المخدوع!

٢٠

مَن يملك إصدار الأوامر
من يملك إصدار الأوامر سيُزجي المدح والثناء،
وسيرجع مرَّة أخرى إلى اللوم والتقريع،
فعليك أيها الخادمُ الوفي الأمين،
أن ترضى بهذا كما ترضى بذاك.

•••

ذلك أنه يُثني على أهون الأشياء
كما يوجِّه اللوم، حيث كان ينبغي عليه الثناء،
لكنك لو تمسكت بالصبر والاتزان،
فسوف يتأكد في النهاية من معدنك الأصيل.

•••

وهكذا يكون عليكم، أيها السادة الأعلون،
أن ترعوا الله كما يفعل الضعفاء،
فاعملوا وقاسوا بقدر ما تستطيعون،
ولكن حافظوا على الصبر والاتزان.

٢١

إلى الشاه شجاع وأمثاله
خلالَ الهدير كلِّه والرنين
في بلاد ما وراء النهر
يتجرأ غناؤنا
ويسير على دروبك!
لا يتخوَّف من أي شيء
(لأنه) يستمد الحياة منك،
فليطُلْ عمرُك
وليدُمْ ملكُك!

٢٢

أسمى النِّعم
عندما كنت شرسًا (صعب الانقياد)
وجدتُ سيدا،
وعندما رقَّت حاشيتي بعدها بسنوات
وجدت أيضًا سيدة.
لم يدَّخِرًا الوسع في اختياري
ووجداني وفيًّا مخلصًا،
وبالحفظ والرعاية شملاني
لأنني الكنز الذي وجداه.
لم يسبق لأحدٍ أن خدم سيدين
ووجد في ذلك سعادته،
أمَّا السيد والسيدة فيسرُّهما
أنهما معًا وجداني،
وكوكب السعد يضيء حياتي
لأني وجدتهما معًا.

٢٣

الفردوس يقول
«أيها العالَمُ! قُبِّحتَ وما أفظع شرَّك!
أنت تغذو وتربي، وبنفس الوقت تُهلك!»
ومن يؤثره الله بفضله وكرمه،
(فإنما) يغذو نفسه، ويربي نفسه، وينعمُ بالحياة والثراء.

•••

لكن ما معنى الثروة؟ — إنها الشمس التي تدفئ
ويستمتع بها الشحاذ، كما نستمتع بها
فلا يتبرَّم أحدٌ من الأثرياء
ولا ينفَس على الشحاذ المتعة والهناء.

٢٤

جلال الدين الرومي يقول
إن أقمتَ في العالم فرَّ (منك) كالحلم،
وإن ترحَّلت، حدَّد (لك) القدرُ المكان،
لا الحرارةُ ولا البردُ يمكنك أن تتحكَّم فيهما،
وما يزدهر أمام عينيك، سيشيخ (ويذبلُ) على الفور.

٢٥

زليخا تقول
قالت المرآة إني فاتنة،
حُزْتُ آيات الجمال!
قُلتمو إن الليالي خائنة
سوف تذوين (ويطويك الزوال)
كلُّ شيءٍ خالدٌ في عين ربي،
فاعشقوه الآن فيَّا،
هذه اللحظة حسبي!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤