كلمة أخيرة بقلم آندرو «باني» هوانج، أحد مخترقي نظام إكس بوكس
قراصنة الكمبيوتر مستكشفون … رواد رقميون، تجري في دمائهم نزعة التشكيك فيما هو متعارف عليه، وتثيرهم دومًا المشكلات المعقدة. وأي نظام معقد هو بمثابة تسلية ممتعة في نظر أي قرصان؛ ومن الآثار الجانبية لذلك انجذابهم الطبيعي للمشكلات المتعلقة بالأمن. والمجتمع نظام كبير معقد، وهو بالتأكيد عرضة للقرصنة؛ ومن ثم، صارت الصورة الشائعة لقراصنة الكمبيوتر هي: المحطمون للمعتقدات التقليدية وغير المنسجمين اجتماعيًّا، فهم مَن يتَحَدَّون الأعراف الاجتماعية بغية التحدي ذاته. عندما اخترقت نظام إكس بوكس في عام ٢٠٠٢ أثناء دراستي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لم يكن هدفي هو التمرد أو إحداث أي ضرر، وإنما كنت أتبع حافزًا طبيعيًّا بداخلي، وهو الحافز ذاته الذي يدفع لإصلاح جهاز «آي بود» معطل أو فحص أسقف معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأنفاقه.
وللأسف، فإن الجمع بين عدم الامتثال للأعراف الاجتماعية ومعرفة أمور «خطيرة» مثل كيفية قراءة شرائح تحديد الهوية بالموجات اللاسلكية الموجودة على بطاقة الائتمان أو كيفية اختيار الأقفال؛ قد يجعل الناس يخافون قراصنة الكمبيوتر. لكن الدوافع وراء ما يفعله أي قرصان بسيطة تمامًا مثل ما يدفع المرء لأن يكون مهندسًا، وهو أنه يحب تصميم الأشياء. يسألني الناس عادةً: «لماذا اخترقت نظام إكس بوكس الأمني؟» وإجابتي بسيطة؛ أولًا: لأنني مالك ما أشتريه. وإذا أملى عليَّ أحد ما يمكنني ولا يمكنني فعله فيما لدي من أجهزة، فأنا إذن لا أملكها. وثانيًا: لأن ذلك متاح أمامي … نظام على القدر الكافي من التعقيد ليمثل اختراقه تسلية جيدة بالنسبة لي. فألهاني كثيرًا عن الليالي التي كنت أسهر فيها لتحضير رسالة الدكتوراه الخاصة بي.
وقد كنت سعيد الحظ؛ فكوني طالبًا بالدراسات العليا بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عند اختراقي لنظام إكس بوكس، أجاز ما فعلته في نظر من لهم الحق في الاهتمام بذلك. لكن الحق في القرصنة يجب ألا يقتصر على الأكاديميين فقط. لقد بدأت عملي بالقرصنة منذ كنت صبيًّا صغيرًا في المدرسة الابتدائية؛ إذ كنت أفكك أي جهاز إلكتروني تصل إليه يداي، وكان والداي يتحملان تكلفة كل ذلك. واشتملت الكتب التي قرأتها على كتب حول تصميم نماذج الصواريخ، وصناعة المتفجرات والأسلحة النووية والمدفعية، وهي الكتب التي كنت أستعيرها من مكتبة المدرسة (أظن أن الحرب الباردة قد أثَّرت على اختيارات الكتب في المدارس الحكومية). وقد أدخلت كذلك تعديلات على عدد من الألعاب النارية، وتجولت في مواقع بناء المنازل في الحي الذي كنت أسكن به في وسط غرب أمريكا. ورغم أنه لم تكن من الحكمة فعل هذه الأمور، فقد كانت تجارب مهمة في رحلة نضجي؛ إذ صرت مفكرًا حرًّا بسبب التسامح الاجتماعي والثقة التي اتسم بها مجتمعي.
أما ما نشهده حاليًّا من أحداث، فلا يبشر القراصنة الطموحين بأي خير. وقد أوضحت رواية «الأخ الأصغر» ما يمكن أن نصل إليه في ظل هذه الأوضاع الراهنة من عالم يختفي فيه التسامح الاجتماعي كليةً مع الأفكار الجديدة والمختلفة. ويعكس حادث وقع مؤخرًا كم اقتربنا من دخول عالم «الأخ الأصغر». لقد حالفني الحظ بأن قرأت مسودة مبكرة لهذه الرواية في نوفمبر ٢٠٠٦. وبعد شهرين من ذلك التاريخ — أي في يناير ٢٠٠٧ — اشتبهت شرطة بوسطن في أجهزة تفجيرية وأغلقت المدينة لمدة يوم، واتضح بعد ذلك أن هذه الأجهزة لم تكن سوى لوحات دوائر إلكترونية بها مصابيح صمامات ثنائية باعثة للضوء تُستخدَم للترويج لأحد البرامج على شبكة «كارتون نتورك». والفنانون الذين وضعوا هذا الجرافيتي للترويج للبرنامج قُبِض عليهم باعتبارهم إرهابيين مشتبهًا بهم، وأُدينوا في النهاية بجناية؛ وكان على منتجي الشبكة دفع مليوني دولار كتسوية، واستقال رئيس الشبكة إثر ذلك الحادث.
هل انتصر الإرهابيون بالفعل؟ هل استسلمنا للخوف لدرجة جعلتنا نعتبر أشخاصًا مثل الفنانين وأصحاب الهوايات وقراصنة الكمبيوتر ومحطمي التقاليد، وربما مجموعة متواضعة من الشباب يمارسون لعبة «هاراجوكو فان مادنس»؛ إرهابيين؟
ثمة مصطلح لوصف هذا الاختلال الوظيفي؛ ألا وهو مرض المناعة الذاتية، وفيه يزيد جهد النظام الدفاعي للجسم حتى يصبح غير قادر على التعرف على نفسه ويهاجم خلاياه، وفي النهاية يدمر نفسه ذاتيًّا. وأمريكا الآن على شفا الإصابة بصدمة حساسية مفرطة فيما يتعلق بحرياتها، ونحن بحاجة لوقاية أنفسنا من ذلك. والتكنولوجيا لا تشفي من جنون الارتياب هذا، وإنما في الواقع تزيده؛ إذ تحولنا إلى سجناء له. وإجبار الملايين على خلع ملابسهم الخارجية والسير حفاة عبر أجهزة الكشف عن المعادن كل يوم ليس بحل أيضًا، ولا يفيد ذلك إلا في تذكير الناس كل يوم بأن هناك ما يجب أن يخشوه، في حين أنه لا يقيم في الواقع سوى حاجز واهٍ أمام العدو المحتمل.
الحقيقة هي أنه لا يمكننا الاعتماد على الآخرين في إشعارنا بالحرية، ومايكي لن يكون هناك لينقذنا في اليوم الذي نفقد فيه حرياتنا بسبب جنون الارتياب؛ وذلك لأن مايكي بداخلي وداخلك … ورواية «الأخ الأصغر» تذكير بأننا بغض النظر عن مدى عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل، لن نتمتع بالحرية من خلال النظم الأمنية والتشفير وعمليات الاستجواب ونقاط التفتيش، وإنما سنتمتع بها عن طريق التحلي بالشجاعة والاقتناع بالعيش كل يوم بحرية والتصرف كمجتمع حر، بغض النظر عن حجم التهديدات التي تلوح لنا في الأفق.
لتكن مثل مايكي؛ اخرج للعالم ومارس حريتك بشجاعة.