كلمة تقديم
في هذا الكتاب محاولةٌ ثالثة أُقدِّمها إلى القارئ، ساعيًا بها — كما سعيتُ بسابقتَيها — نحو صيغةٍ ثقافية تلتقي فيها أصولُنا الموروثة مع ثقافة العصر الذي نعيش فيه.
كانت المحاولةُ الأولى في كتاب «تجديد الفكر العربي».
وكانت الثانية في كتاب «المعقول واللامعقول في تُراثنا الفكري».
وها هي ذي المحاولة الثالثة في هذا الكتاب «ثقافتنا في مواجهة العصر»؛ فلئن تفرَّقَت زوايا النظر في فصول هذا الكتاب، فإنَّها تلتقي كلُّها عند هدفٍ رئيسيٍّ واحد، هو النظر في ثقافة عصرنا من جهة، ثم النظر في ثقافتنا الموروثة من جهة أخرى؛ بحثًا عن وسيلة تلتقي بها الثقافتان عند أبناء الأمة العربية في يومهم الجديد.
فما هي أهم العناصر في ثقافة عصرنا؟ عن هذا السؤال تجدُ محاولةَ الجواب في «لمسات من روح العصر»، وفي «منطق جديد لفكر جديد»، وفي غيرهما من فصول الكتاب.
وكيف واجَهْنا تلك الثقافة العصرية حين وفدَت إلينا فيما وفد من عناصر الحضارة الغربية الجديدة؟ أكان ذلك بالقَبول؟ أم بالرفض؟ أم بالتعديل؟ وجوابُ هذا تراه في «الأصالة والتجديد في الثقافة العربية المعاصرة» بصفة خاصة؛ ثم إلى أيِّ حدٍّ يجدُ العربي مشكلاتِه الفكريةَ منعكسةً في المذاهب الفلسفية المعاصرة؟ ألا يجوز أن تكون تلك المذاهبُ كلُّها منبثقةً عن أزمات عقلية حدَثَت هناك ولم تحدث هنا، ومِن ثمَّ تعذَّر على الدارسين عندنا أن يردُّوا أوجُهَ التساؤل التي حاولَت تلك المذاهبُ الفلسفية أن تردَّ عليها؟ عن هذه الأسئلة هناك محاولاتٌ للجواب، يجد القارئُ بعضَها في «موقف العرب من المذاهب الفلسفية المعاصرة»، كما سوف يجد نموذجًا لاتجاهَين رئيسيَّين في الفكر الفلسفي المعاصر، متمثلَين في «سارتر» و«رسل»، وضَعْنا إلى جانبهما موضوعًا شِبه فلسفي تعرَّض له عَلَمٌ من أعلام الأدب والفكر عندنا، هو توفيق الحكيم، في كتابه «التعادلية»، ليرى القارئ أين تتَّفق مشكلاتُنا الفكرية مع مشكلات الغربي، وأين تختلف.
فإذا كان هنالك اختلافاتٌ رئيسية بين مشكلاتنا ومشكلاتهم، وبين حلولنا وحلولهم، فهل من سبيلٍ إلى التلاقي؟ عن هذا السؤال يُجيب الكاتب في «التوفيق بين ثقافتين»، وفي غيره؛ ثم إذا كان لا بد عندنا من ثورةٍ فكرية نُغير بها بعضَ الوقفات؛ كالتي عبَّرنا عنها في «أزمة العقل في حياتنا» وفي «الواقع وما وراء الواقع»، وفي غيرهما من فصول، فكيف تكون الثورة؟ لقد عرَضنا نموذجَين من ثورة الفكر جوابًا عن هذا السؤال، تلك وأمثالها هي أنواع الأسئلة التي تعرَّضَت لها فصولُ الكتاب، فإذا خرج القارئ من هذا الكتاب بمِثل ما خرَج به من الكتابين السابقين، وهو أن يجد بين يدَيه موضوعًا يتحدَّاه، وأن يشعر في مواضعَ كثيرةٍ في مُعارضة الرأي الذي يراه، برأي آخر مِن عنده يراه، كنتُ سعيدًا بما حقَّقتُه من إثارة القضية، واستثارة الرغبة في بحثها.
إلا أنَّ النية خالصة، وعلى الله التوفيق.