طفل عبقري يثير الجهات الأمنية!
كانت شوارع «القاهرة» ولأكثر من ستين يومًا لا تزدحم بمثل ما تزدحم به الآن من أطفال في أحلى أعمارهم.
لقد بدأ الموسم الدراسي … وبدأ التلاميذ يتوافدون على مدارسهم في زِيهم الموحَّد، يتقافزون ويتاضحكون ويتقاذفون ما بأيديهم من أغلفة الحلوى الفارغة.
وكان «أحمد» و«إلهام» و«ريما» و«عثمان» يتجوَّلون بسياراتهم بين شوارع «القاهرة الكبرى»، يراقبون هذا المهرجان المبهج … ويُداعبون الأطفال من نوافذ السيارة، ويتضاحكون مع ضحكاتهم.
إنهم يستزيدون بما في عيونهم من آمال وأحلام بمستقبل مشرق، تكون فيه «مصر» ويكون فيه العالم أكثر قوةً وتقدمًا ورُقيًّا … مستقبل يزداد فيه عدد العلماء والمخترعين صنَّاع الحضارة والرقي الإنساني.
أحد الأطفال سأل «أحمد» قائلًا: هل تعرف مخترع السيارة التي تركبها؟
ابتسم «أحمد» وقال له: نعم … ولكنه ليس مخترعًا واحدًا …
وفي حماسٍ طفولي بريء قال الطفل: نعم أعرف أنهما مخترعان.
تجمَّع حول السيارة بعض الأطفال يُتابعون ما يجري … و«إلهام» تحث «أحمد» على إنهاء هذا النقاش وحثهم على دخول المدرسة … فلم يلتفت إليها … بل أكمل حديثه مع هذا الطفل المثقَّف قائلًا: ومن هما المخترعان؟
الطفل: إنهما «ديملري» و«كارل بتر».
هلَّل «أحمد» سعادةً بهذا الطفل المثقَّف، وحيَّاه وانصرف بالسيارة معلِّقًا بقوله: يا له من طفل يُنبئ عن ميلاد عالم قد يفيد البشرية …
ريما: ولماذا قلت «قد» الاحتمالية ولم تقل «سوف» التيقُّنية؟
أحمد: لأنه يحتاج للكثير من العناية وتوفير الكثير من الإمكانيات كالمعامل والوِرش … والبرامج المؤهِّلة والمساعِدة على تفجير ما لديه من طاقةٍ إبداعية، ونحن لدينا العدد من المبدعين، ولكن أين مَن يكتشفهم؟
إلهام: لقد كان هذا غير موجود فيما سبق، أمَّا الآن فأنا لديَّ تقرير عن مشروع عملاق ﻟ «الولايات المتحدة الأمريكية» رصدت له ميزانيةً ضخمة للمسح الجيني لكل أطفال العالم بحثًا عن العلماء منهم …
تساءل «عثمان» في دهشةٍ قائلًا: أطفال علماء؟!
إلهام: أقصد الاستعداد الوراثي للطفل لأن يكون في المستقبل عالمًا.
هزَّ «عثمان» رأسه دهشةً لِمَا يخطِّطه هؤلاء البشر وعلَّق قائلًا: ويتبنَّونه منذ الصغر ويُعدونه إعدادًا جيدًا …
قاطعة «أحمد» قائلًا: إنهم يتركونه يُعدُّ نفسه بتوفير مُناخ الحرية الكاملة … وتوفير الألعاب الحاثة على التفتُّح العقلي … والوِرش والمعامل التي تُناسب مرحلته السنية وقدراته العقلية … والمكتبة التقليدية والإلكترونية.
كانت «إلهام» في هذه الأثناء تتابع على شاشة ساعتها التقارير الإخبارية التي يبثها مركز معلومات المقر … ولفت نظرها خبرٌ قصير يقول: طفل عبقري يُثير قلق الجهات الأمنية.
عند هذا الحد وانتهى الخبر … غير أنه لم ينتهِ بالنسبة ﻟ «إلهام» التي قاطعت الجميع قائلة: اسمعوا آخر الأخبار المثيرة.
ريما: أهو من مركز معلومات المقر؟
إلهام: نعم … ويقول إن طفلًا عبقريًّا يثير قلق الجهات الأمنية … وقد قمت بتسجيل الخبر على ذاكرة الساعة …
وفي حماسٍ شديد قال لها عثمان: ادخلي على الذاكرة التفاعلية لمركز المعلومات واطلبي المزيد من المعلومات حول هذا الخبر.
أحمد: سأقوم أنا بهذا الدور عن طريق كمبيوتر السيارة.
وبالفعل قام «أحمد» بالدخول على شبكة معلومات المقر … ثم قام باستحضار الخبر وطلب المزيد من المعلومات عنه … فلم يجد …
فقام بالاتصال برقم «صفر»، ولم يكن يعرف أنه بالمقر فقال له: هناك خبر مثير يا زعيم بثَّه مركز معلومات المقر … ولم نسمعه أو نقرأه في أيِّ قناة إخبارية أخرى.
رقم «صفر»: وما هو الخبر؟
أحمد: إنه طفل عبقري يثير قلق الجهات الأمنية.
رقم «صفر»: لا يمكنني إعطاؤك المزيد من المعلومات عن هذا الخبر … إلا عندما تسمح إدارة أمن المعلومات.
أحمد: ماذا سيتم بعد دقائق؟
رقم «صفر»: سأُحدِّد لك ميعاد الاجتماع.
انتهى الاتصال … وبدأ التخمين … «طفل عبقري» يثير قلق الأجهزة الأمنية … إنه خبر مثير حقًّا … ويحمل الكثير من التفسيرات … فقد يكون هذا الطفل هو مراهق من مدمني الكمبيوتر والسباحة في الشبكة الدولية وإنشاء البرامج التدميرية المسمَّاة بالفيروس … هذا ما اقترحته «ريما» … فعلَّق «عثمان» قائلًا: تقصدين أن يكون هذا المراهق يقوم ببثِّ هذا الفيروس على المواقع الإلكترونية للأجهزة الأمنية؟
ريما: أو أن هذه الأجهزة الأمنية كثيرة لها الشكاوى منه …
عثمان: ولكن لكي يحدِّدوا في الخبر أنه طفل … فهذا يعني أنه تمَّ القبض عليه.
أحمد: إن كان قد تمَّ القبض عليه فلماذا لم نجد المزيد من المعلومات عن الخبر؟ … لا ليس هذا هو الموضوع … ما قاله رقم «صفر» إن هناك اجتماعًا سيتم عقده لمناقشة هذا الأمر … وهذا يعني أنه أمرٌ غير عادي.
وخزٌ في رسغه عرف منه «أحمد» أن رقم «صفر» يطلبه … فضغط زرًّا بساعته وتلقَّى الاتصال قائلًا: نحن في طريق العودة إلى المقر يا زعيم.
رقم «صفر»: هذا حسن، فسأجتمع بكم الآن …
أحمد: هل هناك جديد؟
رقم «صفر»: إنه تقرير للمخابرات يحوي معلومات مهمةً وخطيرة. أنا في انتظاركم. إلى اللقاء.
عندما وصلت «اللاندكروزر» إلى نهاية شارع الهرم … أبلغ «أحمد» زملاءه بالمقر أنه على بُعْد خطوات منهم … وعندما دار حول صينية «ميدان الرماية» أبلغه مركز القيادة والمتابعة أن الطريق إلى المقر آمن … فدار مرةً ثانية، ثم انحرف يمينًا مع فندق «الميرديان»، ثم يسارًا مع أول تقاطع، وانطلق بعدها مع امتداد هذا التقاطع حتى أصبح أمام بوابة المقر التي انفتحت تلقائيًّا … فتابعت «اللاندكروزر» السير حتى الجراج … ومنه انتقلوا إلى قاعة الاجتماعات مباشرة، وقد أغلقت أنوارها بمجرد جلوسهم في مقاعدهم … وأُضيئت بعدها الشاشة العملاقة … وظهر عليها وجه رقم «صفر» مقسَّم كالفُسيفساء إلى مربعات صغيرة لا يمكنهم معها تحديد ملامحه بشكلٍ دقيق … غير أنهم رأوه يبتسم وهو يقول لهم: مساء الخير عليكم …
لم ينتظر رد التحية بل أردف قائلًا: طفل مصري عبقري … أَلَا ترون أنه خبر يدعو للفخر؟
وكعادة «ريما» … فإنها دائمًا متحمِّسة لكل ما هو مصري … لذلك قالت معلِّقة: أنا أرى أن الخبر ليس جديدًا؛ فكثيرٌ من الأطفال المصريين عباقرة.
رقم «صفر»: ولكن هذا الطفل يتمتَّع بقدرات خاصة لا يتمتَّع بها أحد غيره من أطفال العالم حتى الآن.
أحمد: هل لهذا الخبر علاقة بالمسح الجيني؟
رقم «صفر»: نعم … فهل عرفتم قصة هذا المسح؟
إلهام: في حدود الخبر فقط …
رقم «صفر»: أي ليس لديكم معلومات تفصيلية؟
إلهام: نعم …
رقم «صفر»: يقول التقرير الاقتصادي إن الكمبيوتر الحديث إذا كان يتكلَّف أربعة آلاف دولار … فمنهم مائة دولار للمواد الخام، ومائة للعِمالة، وبقية الأربعة آلاف كمقابل استخدام الأفكار الجديدة … أي مقابل الترخيص بالاستفادة من الأفكار المبتكرة المضافة لهذا المنتج … فهذه الأفكار هي التي تعطي المنتج قيمةً تنافسية.
عثمان: المقصود طبعًا بالأفكار الجديدة الاختراعات.
رقم «صفر»: بالطبع … لذلك فالدول المتقدِّمة تعتمد في اقتصادها على مجموع ما يسجَّل فيها من براءات اختراع سنويًّا … وهو عدد ليس بالقليل … أمَّا الدول النامية كدولنا … فليس لها نصيب في ذلك …
ريما: ولكني أعلم أن عدد الاختراعات قليل للغاية.
رقم «صفر»: نعم أنا معك، هذا بالنسبة للاختراعات الأم … أمَّا ما يسجَّل الآن فهي ابتكارات خرجت من هذه الاختراعات، كاختراع الراديو ﻟ «ماركوني»، خرج منه اختراع المحمول مثلًا …
عثمان: أي إن ما يحقِّقه مجموعة من المخترعين يساوي ما تحقِّقه أكبر دولة بترولية عربية؟
رقم «صفر»: طبعًا لأنها تبيعه كمادة خام … لذلك ترَون أن صناعة المبتكرين تُعد من أهم الصناعات الدولية الآن، ولكن تأتي قبل ذلك مهمة الكشف عنهم …
لذلك أطلقت «الولايات المتحدة الأمريكية» مبادرتها للمسح الجيني لكل أطفال عباقرة يتمتَّعون بمواهب فذة يمكنهم تنميتها وتوجيهها، وفي النهاية الاستفادة منها في عالم الابتكار والاختراع والاكتشافات العلمية الحديثة، ليترجَم كلُّ ذلك إلى عوائد اقتصادية كبيرة ووجود مؤثر في الساحة الدولية، والاستئثار بالتفوُّق العلمي والتكنولوجي.
ريما: أستطيع أن أستنتج أن الخبر الذي قرأته «إلهام» في الصباح له علاقة بهذا الموضوع.
رقم «صفر»: تقصدين «طفلًا عبقريًّا يثير الأجهزة الأمنية»؟
ريما: نعم!
لم يُجِبها رقم «صفر» بنعم أو لا … بل أكمل قائلًا: لقد أعلن المركز المصري للمسح الجيني لطلبة السنوات الأولية عن وجود تلميذ عبقري من بين تلاميذ المدارس الابتدائية … وهذا التلميذ يتمتَّع بعبقرية فذة تُنبئ عن أنه سيقدِّم للعلم وللعالم ما لم يقدِّمه عالمٌ من قبل … وأن من يملك هذا العبقري سيملك مفاتيح كثيرةً للثروة والجاه والسلطان.
أحمد: ومَن الذي اكتشف ذلك؟
رقم «صفر»: عالم مصري مشهود له بالكفاءة في مجال الهندسة الوراثية، وقد قام بتدريس هذا النوع من علم الأحياء في كثيرٍ من جامعات العالم … وقد استفاد من إمكانيات المركز الذي يتمتَّع بإمكانيات هائلة غير مستغلَّة … إنه المركز القومي لبحوث الهندسة الوراثية … والرجل هو الدكتور «جمال النقيب».
وفي دهشةٍ تساءلت «إلهام» قائلة: هل هذا يعني أنه أكثر الأطفال عبقرية في العالم؟
رقم «صفر»: نعم …
إلهام: وكيف عرف ذلك الدكتور «جمال»؟
رقم «صفر»: هناك بالطبع صفات قياسية يضاهون بها جميع الجينات، وهناك فروق طفيفة تحدِّد الاختلافات بين البشر وبعضهم.
أحمد: إنه أمرٌ يدعو للفخر … وأملٌ يدعو للتفاؤل.
رقم «صفر»: وعند إطلاق ذلك الخبر أبدت كثيرٌ من الأكاديميات العلمية والتربوية في كثيرٍ من دول العالم المتقدِّم استعدادها لتبني هذا الطفل … وقد عرضت حكومات هذه الدول تقديم مقابل سخي عند حصولها عليه.
إلهام: وبالطبع لم توافق الحكومة.
رقم «صفر»: بالطبع … فقد اعتبره المسئولون ثروةً قومية … والتفريطُ فيه يصل إلى حدِّ الخيانة …
عثمان: إنه شعور بالمسئولية عظيم …
رقم «صفر»: لكن هذه الدول لم ترضَ عن هذا القرار … وهدَّدت بتقليص فرص استثماراتها في «مصر» وعرقلة حركة التصدير التي نشطت أخيرًا، وغيره وغيره.
أحمد: هذا ليس من حقهم.
رقم «صفر»: لقد وصلوا إلى حد التهديد المسلَّح.
إلهام: وهل ضحَّت «مصر»؟
رقم «صفر»: لا … لقد أرسلت مفاوضيها إلى كل دولة من هذه الدول يشرح وجهة نظرنا … ومن ناحية أخرى حاولنا كسب تأييد دول أخرى لم تحذُ حذو هذه الدول.
كان «رشيد» يتابع هادئًا ما يجري في حنق، إلا أنه لم يتمكَّن من السكوت أكثر من ذلك، فقال: وماذا كان موقف هذه الدول؟
رقم «صفر»: الغريب أنَّ الضجيج الذي أُثير حول هذا الأمر خفت أخيرًا … وساد الساحةَ الدولية هدوء مريب … أثار مخاوف أجهزة المخابرات … فنشطت لمعرفة ما يجري في الخفاء … فهل تعرفون ماذا وجدوا؟