الاختطاف المريب!
هناك مخطَّط قذر لاختطاف «عبد الوهاب»، وهذا هو اسمه … وإن لم يتمكَّنوا فإن لديهم تصريحًا بقتله …
وفي استنكارٍ ودهشة صاح «أحمد» قائلًا: يقتلون طفلًا؟!
رقم «صفر»: إنه بالنسبة لهم رجل كبير ومخترع فذٌّ سيغيِّر من تاريخ العالم، وينقُل الصدارة منهم إلينا.
عثمان: وهل مهمتنا حمايته؟
رقم «صفر»: ومن قال لك إننا نصلح لهذه المهام … إنه يحتاج لحراسة ترافقه لسنين عدة … ونحن رجال مهام لا رجال حراسة.
أحمد: من المؤكد أنه الآن في حراسة الدولة.
رقم «صفر»: القضية ليست في حراسته … القضية هي كيف نحرسه دون أن نعرِّض اتزانه النفسي للاختلال … فهذا هو ما يهمنا.
مصباح: لمَ لا تضعون له شبيهًا في أكثر من مدرسة؟
ريما: إنها فكرة مرعبة أن نضحِّي بأطفال أبرياء حتى ولو كان من أجل قضية مهمة.
رقم «صفر»: لقد تغلَّبنا على هذه المصاعب … فقمنا بتجنيد ثلاثة أقزام وأجرينا لهم عمليةً لتغيير الملامح حتى صاروا في مثل سِنه، ودرَّبناهم جيدًا على حمل السلاح … والدخول في معارك جسدية … وعندما يكبر سيكون أمر حراسته أيسر … لأننا يمكننا وقتها بث حُرَّاس حقيقيين طبيعيين معه.
خالد: المشكلة إنهم قد يقتلونه بأسلوب غير تقليدي.
رقم «صفر»: إنَّ المدرِّسين في المدرسة ضباط في القوات المسلحة … ومُدرَّبون جيدًا لحمايته.
وهنا صاح «أحمد» يائسًا: إذن ما هي المشكلة؟!
رقم «صفر»: إنها أكبر وأغرب مشكلة تواجهها المنظمة.
إلهام: ما الأمر؟
رقم «صفر»: لقد أصبح «عبد الوهاب» ثلاثة!
أحمد: كيف يا زعيم؟!
رقم «صفر»: غادر «عبد الوهاب» المدرسة ومعه زملاؤه … وركب معهم أتوبيس المدرسة، ولم تتركه الحراسة غير الظاهرة إلا بعد أن أغلق باب البيت … وهناك حارسان يقفان بالباب … وإذا انتهت فترة عملهما لا يغادران المكان إلا في وجود بديلَيهما … ومع ذلك وفي يوم الأحد السابق اكتشف مدير المدرسة أن هناك تلميذَين يشبهان «عبد الوهاب» تمامًا قد طرأ وجودهما على المدرسة، وقد اكتشف أحد المدرسين ذلك وقام بإبلاغه … فقام الرجل باستدعاء ضابط الأمن المكلَّف بحراسة «عبد الوهاب»، فقام الرجل بإبلاغ رؤسائه وجرى تحقيق على نطاقٍ واسع … غير أن الأمر حتى الآن مريب للغاية … فلا أحد يعرف أين «عبد الوهاب» الحقيقي … ولا أحد يعرف من هو «عبد الوهاب» الموجود لديهم … والقضية بين أيديكم، وعليكم المواجهة وعلينا المساندة. وفقَّكم الله.
أُنيرت بعض مصابيح القاعة قبل أن تنطفئ الشاشة العملاقة … وغادر كثير من الشياطين مقاعدهم، والتفوا في حلقة يسترجعون ما قاله رقم «صفر» … وفي حماس قالت «ريما»: يجب منع جميع الأطفال في سِنه من السفر حتى تنتهي القضية.
ضمَّ «أحمد» شفتَيه وهزَّ رأسه، ثم قال لها: هذا قرار لا تملكه أجهزة الأمن ولا الحكومة … فحرية السفر مكفولة للجميع …
وهنا قاطعه «عثمان» قائلًا: أنا لا أعتقد أنهم سيلجئون إلى الوسائل المعتادة لإخراجه من «مصر».
إلهام: ماذا تقصد؟
عثمان: سيتم مثلًا شحنه في صندوق بضاعة …
ريما: أو تمريره عبر الحدود.
مصباح: أو إخفاؤه حتى يهدأ الأمر ثم الخروج به مغيَّبًا.
أحمد: القضية معقَّدة، ويبدو أن وراءها جهاز مخابرات ماهرًا، أو عصابةً في حجم المافيا …
إلهام: إذن المطلوب الآن أن نتحرَّك في أكثر من اتجاه.
باسم: ستكون كلها اتجاهات تحريات الآن.
تدخَّل «أحمد» مصدِّقًا على ما قاله: نعم ستكون كلها اتجاهات تحريات … وسنبدأ بالمدرسة والمنزل في وقتٍ واحد؛ أي سنقسِّم أنفسنا مجموعات عمل …
قيس: يجب رؤية الطفل الشبيه ﻟ «عبد الوهاب»؛ فهذا مهم للغاية.
أحمد: بالطبع سيحدث، ولكن بعد مقابلة رجال الأمن المسئولين عن حمايته.
قال هذا ثمَّ نظر إليهم مليًّا قبل أن يسألهم قائلًا: من سيذهب لمقابلة والد «عبد الوهاب» ووالدته؟
رفعت «ريما» يدها، وكذلك «خالد»، فاحترم الآخرون رغبتهما ولم يعلنا استعدادهما لذلك، فعاد «أحمد» يقول: ومن سيذهب إلى مدرسته؟
رفعت «إلهام» يدها، كذلك «عثمان»، وفعل الباقون مثلما فعلوا مع «ريما» و«خالد».
فاستطرد «أحمد» قائلًا: أمَّا رجال الأمن فسأذهب أنا ومعي «قيس» … ونلتقي مساءً في قاعة مركز المعلومات … أمَّا الباقون فعليهم حراسة المنافذ التي يمكن لمختطفي «عبد الوهاب» الخروج منها كالمطارات والموانئ والحدود البرية … وفَّقكم الله …
من بوابة المقر الخلفية … انطلقت «الجراند شيروكي» الذهبية اللون ذات الزجاج البني الداكن تحمل «إلهام» و«عثمان» … ولم يكن «عثمان» راضيًا عمَّا يجري … فكيف سيحتمل أن تقود «إلهام» السيارة ويجلس هو بجوارها يعاني من كل هذه السخونة … إنه لا يحتمل الجلوس بلا حركة وبلا عمل لدقائق … فلماذا لم تحترم «إلهام» طبيعته … وطلبت منه أن تقود هي السيارة … وكانت «إلهام» تشعر به وبما يدور بداخله، فقالت له: «عثمان»، هل أتوقَّف وأُغادر مقعد القيادة؟
نظر لها «عثمان» مبتسمًا، وقد شعر أنها قرأت ما يدور بداخله … فقال لها: لماذا؟ هل حدث شيء؟
إلهام: كي تقود أنت السيارة …
وكأنَّ عقرب قد لدغه … فقد انتفض وأخذ يتقافز على كرسيه وهو يدافع عن نفسه قائلًا: لماذا تتوقفين؟ أترينني مراهقًا يغار منك لأنك تقودين السيارة؟
ابتسمت «إلهام» وقالت تهدِّئه: أنا لا أقصد ولكني متعبة.
انطلق «عثمان» يضحك ضحكًا طفوليًّا ثم قال لها: ألَا ترَين أني طفل عبقري؟
ضحكت «ريما» وقالت له: أعرف أنك طفل، لكني لا أظن أنك عبقري.
اعتدل «عثمان» في جِلسته وقال يسترضيها: أَلَا ترَين أن أدائي في المنظمة أداء عبقري؟
إلهام: أنا أرى أنك متميِّز، و«ريما» ترى أنك مستفز.
كان منزَل «ميدان لبنان» من الطريق الدائري قد اقترب … فهدَّأت «إلهام» من سرعة السيارة … ولزمت الحارة اليمين … وبسلاسة عبقرية انزلقت عبر المنزَل، وانطلقت تُكمل طريقها إلى المدرسة التي كان بها «عبد الوهاب» في منطقة الزمالك … هذا في الوقت الذي خرجت فيه «ريما» و«خالد» من منطقة الأهرامات، متجهَين إلى شارع «عبد الرحيم باشا صبري» المتفرِّع من شارع النيل بالعجوزة.
المدرسة كانت خاليةً إلا من بعض التلاميذ … ولفت نظر «عثمان» أن بعض رجال الأمن يجلسون في شُرفة بالدور الأرضي، فحيَّاهم وقال لأحدهم: هل أنتم هنا لأجل «عبد الوهاب»؟
الرجل: نعم …
عثمان: هل تسمح لي أن نتحادث سويًّا؟
الرجل: أنا لا أعرف شيئًا عن الموضوع.
عثمان: منذ متى وأنت هنا؟
الرجل: منذ صباح اليوم …
شعر «عثمان» أنه صادق في كلامه، وكانت «إلهام» قد لحقت به بعد أن أوقفت السيارة في مكان آمن … وسمعت سؤال «عثمان» وإجابة الرجل، فقالت تسأله: هل زملاؤك أتَوا معك اليوم أيضًا؟
الرجل: نعم …
أنهى «عثمان» اللقاء بسؤاله قائلًا: هل هناك أحد بالإدارة؟
الرجل: كلهم تقريبًا.
عثمان: وكيف عرفت أنهم كلهم هنا؟
الرجل: لقد لاحظتهم عند دخولهم ولم أرَ أحدًا منهم يخرج حتى الآن.
كانت «إلهام» قد صعدت درجات السلم المؤدي إلى شرفة مكتب مدير المدرسة، وعندما لحق بها «عثمان» كانت هي تجلس أمام مكتب المدير، فقدَّمته له قائلة: هذا زميلي «عثمان» …
المدير: أهلًا وسهلًا …
جلس «عثمان» في المقعد المواجه لها، والتفت إلى المدير يقول له: كيف دخل هؤلاء التلاميذ المدرسة وهم ليسوا منها …
المدير: أذكِّرك فقط بأنهما اثنان لا أكثر.
عثمان: إذن كيف دخل هذان التلميذان؟
المدير: لقد كان الأمر مفاجئًا لنا … فمن كان يتوقَّع أن يحدث هذا؟!
إلهام: المفروض أننا جميعًا متوقِّعون وقوع محاولات اختطاف له …
المدير: نعم … والجميع متيقِّظ لذلك … ولكن لم نكن نتوقَّع هذا السيناريو الذي أُديرت به العملية.
عثمان: هل الطفلان كانا شديدَي الشبه به إلى هذا الحد؟
المدير: عرفت أخيرًا أن عمليات جراحيةً أُجريت لهما لتقريب الشبه بينهما وبينه إلى حد التطابق، حتى الزائدة الجلدية التي كانت فوق أنفه زرعوا مثلها للطفلَين الآخرَين.
إلهام: وكيف عرفوا كل هذه التفاصيل عنه؟
المدير: لا تنسَي سيادتك أنه تعرَّض لدراسات مستفيضة داخليًّا وخارجيًّا؛ فلديهم عنه حتى خريطته الجينية.
صدَّق «عثمان» على كلامه قائلًا: معك حق، ولكن ألم يكن لهما ردود أفعال مخالفة لردود أفعاله؟
المدير: الأطفال في هذه السن يكونون متشابهين في اهتماماتهم وأفعالهم وردود أفعالهم … أمَّا عن الاختلافات الجوهرية … فالطفلان الدخيلان تعاملا معها بذكاء ومهارة.
إلهام: من الواضح أنهما خضعا لبرامج تدريب مكثفة.
عثمان: إنهما عملاء لجهاز مخابرات ماهر.
المدير: نعم يا سيدي … حتى القمصان والبنطلونات والحقائب كانت من نفس الماركة … ولأننا في بداية العام الدراسي فقد كانت كلها جديدة … أمَّا محتويات الحقيبة فقد تمَّ توزيعها على الحقائب الثلاث.
نظر «عثمان» إلى «إلهام» ففهمت ما يقصده، ووافقت عليه بإشارة من طرف عينَيها … فقال للمدير يسأله: وكيف تمَّ اختطافه وهروب الشبيه الثالث وهما بين أيديكم؟
المدير: لقد طلب الأب أن ينفرد بهم هم الثلاثة … وبعد حوالي نصف الساعة خرج ومعه أحدهم … وقال لنا هذا ابني، والآخران لا أعرفهما … وطبعًا صدَّقناه … وانتظرنا خروج الولدَين المزيفَين فلم يخرجا … ولم نعثر عليهما حتى الآن.
سؤال أخير كان لا بدَّ من سؤاله … فقد قال له «عثمان»: هل تشك في أحد العاملين بالمدرسة؟
المدير: لا يمكنني أن أُجيبك بنعم أو لا …
احترم «عثمان» رغبة المدير … وحيَّاه كما حيَّته «إلهام» … وغادر المدرسة و«الزمالك»، وكان «عثمان» هو الذي يقود السيارة … فقالت له: لا داعي للسير في الطريق الدائري الآن … فأنا أريد السير على نيل «الجيزة».
عثمان: ما رأيك في شارع «ويصا واصف»؟
إلهام: ما رأيك أن نشرب شايًا في «الشيراتون»؟
عثمان: اقتراح مقبول ولكن لماذا؟
إلهام: أشعر أن الزملاء لم ينتهوا من مهامهم بعد …
عثمان: هل أبغلتِهم بانتهاء مهمتنا؟
إلهام: ليس بعد …
وكأنما نبَّهها «عثمان» لذلك؛ فقد قامت بالاتصال ﺑ «ريما» فوجدت تليفونها مغلقًا، فأرسلت لها رسالةً عبر ساعتها بأن مهمتها انتهت وأنها في طريقها إلى «الشيراتون».
وفي هذه اللحظة توقَّفت السيارة أمام باب «الشيراتون» … واقترب منهم أحد العاملين … فترك له «عثمان» مفاتيح السيارة وغادرها خلف «ريما» التي قالت له: هل تركت السيارة في الجراج؟
عثمان: بل تركتها للسائس هي والمفاتيح.
إلهام: لماذا فعلتَ ذلك؟!