سيارة مفخَّخة!
عاد «عثمان» لاسترداد مفاتيح السيارة فلم يجدها … فذهب إلى الجراج فلم يجدها أيضًا … فجرى إلى الشارع الخلفي المُطل على «النيل» ولم يجدها … فهرول إلى ضابط الأمن الواقف في المدخل وقال له: لقد تركت سيارتي هنا مع أحد العاملين في الفندق … وتركت معه مفاتيحها، والآن بحثت عنه فلم أجِده ولم أجد السيارة.
الضابط: هل تأكَّدت أنه من العاملين في الفندق؟
عثمان: لقد كان واقفًا أمام الباب الخارجي ويرتدي الزي المميَّز للفندق.
الضابط: دعنا نبحث معك … وأرجو ألَّا تكون قد تعرَّضت لحادث سرقة …
عثمان: هل حدث هذا من قبل؟
الضابط: لا لم يحدث …
قام «عثمان» بإبلاغ قيادة المقر الأمنية عن السرقة، وطلب منهم عمل اللازم، وأثناء عودته إلى الباب الأمامي … وجد السيارة تقف مفتوحة الباب وماتورها دائرًا … وعندما دخل يتفقَّدها … وجد سلسلة المفاتيح مدلاةً من التابلوه … وقبل أن يقدم على أي فعل … قالت له «إلهام» وقد كانت تقف خلفه: لا تُدِر المفتاح ولا تخرجه من فتحته … واخرج في هدوء.
خرج «عثمان» مستسلمًا لأوامرها … فأردفت قائلة: لا تغلق الباب …
ترك «عثمان» السيارة … ونظر إلى «إلهام» مندهشًا … فلحقته قائلة: لقد غابت عنك السيارة مع رجلٍ لا تعرفه وعادت إليك دون عناء … فهل لا يدعو هذا إلى الشك؟
عثمان: معك حق … وماذا سنفعل الآن؟
إلهام: نريد خبير مفرقعات.
عثمان: هل تظنين أن السيارة مفخَّخة؟
إلهام: نعم …
عثمان: أعتقد أن الوقت لم يكن كافيًا لذلك …
إلهام: إنهم لا يحتاجون لوقتٍ طويل … فكل شيء عندهم جاهز … يضعونه في السيارة ويوصلونه بالكهرباء وينسبونه إلى الإرهاب الإسلامي.
عثمان: إذن سأفصل الكهرباء.
إلهام: لكي تفعل ذلك ستُضطر لفتح غطاء المحرك أليس كذلك؟
عثمان: نعم …
إلهام: قد يكفي فتح الغطاء لانفجارها.
عثمان: هل فرضتِ وصدَّقتِ ما افترضتيه؟
إلهام: دعنا نُبلغ إدارة أمن المقر …
عثمان: سأتصل ﺑ «أحمد».
إلهام: ليس هناك وقت …
كان «عثمان» في هذه الأثناء يقوم بالفعل بالاتصال … ﺑ «أحمد» الذي قال له: لا تقدم على أي فعل … وسأصلك حالًا …
ولم يمضِ وقت طويل إلا وكان «أحمد» ومعه «قيس» يقفان بجوار السيارة … وقبل أن يضع يده فيها قال له: ما الذي دفعك للظن بأنها مفخَّخة؟
حكى «عثمان» لهما ما دار، فقال له: علينا أولًا أن نوقف المحرك …
اعترضت «إلهام» وصاحت تقول له: قد تكون الطامة الكبرى في تحريك المفتاح …
في هذه الأثناء كانت المنطقة قد ازدحمت بالعاملين في الفندق، ورجال الأمن الذين شرعوا يتحدَّثون بفظاظة غير لائقة مع الشياطين … فأخرج «أحمد» بطاقته الأمنية وشرح لهم الأمر في عجالة، وطلب منهم إفساح المكان وتوفير الهدوء لإنهاء هذا الموقف الحرج في سلام.
تفهَّم رجال الأمن الموقف بعقولٍ راجحة، غير أن مدير الفندق لم يعجبه ما يحدث، ودخل في مناقشات وجدل عقيم معهم، وهم يحاولون إثنائه عن إزعاج الشياطين … وأخيرًا اضطُروا أن يشرحوا له الموقف … وانزعج الرجل انزعاجًا شديدًا وارتعدت أطرافه وتناثرت الحروف من بين شفتَيه غير ظاهرة، وهو يسأل الضابط قائلًا: لماذا لم تطلبوا الجيش؟ … أنا أريد أحدًا من الجيش هنا.
أمسك الضابط بيده برفقٍ وقال له: ألم تعِدنا أنك ستكون رابط الجأش … ولن تثير بلبلةً في المكان.
المدير: يا سيدي، إنها أرواح نزلاء … وعُمَّال وموظفين … يا سيدي، إنها أموال مستثمرين … يا سيدي، إنها أرزاقنا وحياة نسائنا وأطفالنا.
انزعج الضابط من ارتفاع صوت المدير، وخشي أن يصل خبر ما يحدث لأحد النزلاء، وقتها ستكون الكارثة بحق؛ لذلك أمر رجال الأمن بحمله ووضعه في سيارة الشرطة، فصرخ فيهم قائلًا: دعوني … الفندق سينفجر.
ولم تمضِ دقائق … وكان الصراخ يصمُّ الآذان … ووَقْع أقدام النزلاء يرجُّ المكان … وعلا صوت ارتطام ضخم ولكنه مكتوم … فصاح «أحمد» قائلًا: المصعد …
وجرى رجال الأمن إلى المصاعد … وانتظروها في الدور الأول حتى نزلت كلها، ثم قطعوا التيار الكهربائي … أمَّا المصعد الاحتياطي فلم يسمح بفتح بابه … فعرفوا أنه المصعد الذي سقط، وأن هناك ضحايا، فأبلغوا رجال الدفاع المدني … وهكذا بدأت الإدارات الأمنية تتوافد تباعًا على الفندق … وسيارات نجدة وسيارات إسعاف … وقوات الدفاع المدني وسيارات المطافئ … ومديرَي الأمن والإعلان والصحافة … وتقاطر المصوِّرون يحملون أجهزة التصوير، والمذيعون يمسكون بالميكروفونات … والنزلاء يجرون في الشارع بملابس النوم.
ومن فرط غيظه أمسك «أحمد» بأذن مدير الفندق وقال له: هل رأيت ما صنعت؟ … ماذا لو أن السيارة انفجرت الآن وسط هذا الزحام؟!
صاح الرجل في هلعٍ قائلًا: هل حقًّا ستنفجر؟!
صاح فيه «أحمد» ينهره قائلًا: كفى يا رجل! سيكون هذا سبب فصلك …
وخزات متلاحقة شعر بها «أحمد» في رسغه من ساعة يده … فضغط زرًّا أسفل الشاشة، فعرف أنه رقم «صفر»، فوضع سماعةً دقيقة في أذنه وتلقَّى الاتصال قائلًا: معك يا زعيم …
رقم «صفر»: لقد رأيتك على أحد القنوات الفضائية الإخبارية … ماذا يجري عندك؟
أحمد: لقد تمَّ تفخيخ سيارة «إلهام»!
رقم «صفر»: أهي التي انفجرت؟
أحمد: إنها لم تنفجر يا زعيم.
رقم «صفر»: إن جميع القنوات الإخبارية الفضائية تقول غير ذلك.
أحمد: أنا أقف بالقرب من السيارة … ولا أحد يعرف أنها السيارة المفخَّخة … والكل يظن أن السيارة المفخَّخة في الناحية الأخرى.
رقم «صفر»: ولكنهم يقولون إنهم سمعوا صوت انفجار، وأن النزلاء الفارين يؤكِّدون ذلك …
أحمد: إنه صوت سقوط المصعد الاحتياطي.
رقم «صفر»: لم يحتمل تكالب النزلاء عليه.
أحمد: هذا ما حدث يا زعيم.
رقم «صفر»: إذن لا تخبر أحدًا شيئًا عن السيارة … وعالجوا الموقف بحكمة … وسأُرسل لكم خبير مفرقعات المنظمة.
أحمد: إنه مطلبٌ عاجل يا زعيم …
رقم «صفر»: يقولون لي إنهم في الطريق إليك … ويبقى سؤال أخير …
أحمد: ما هو يا زعيم؟
رقم «صفر»: يقولون في إحدى القنوات الفضائية الإخبارية الشهيرة: إن «عبد الوهاب» كان في الفندق وقت انفجاره وأنه مات محترقًا.
أحمد: أشعر أن هذا الحادث دُبر لإنهاء قضية «عبد الوهاب» …
رقم «صفر»: كن على اتصال بي. إلى اللقاء.
كان أحد الضباط ينتظر انتهاء مكالمة «أحمد» في قلق … لذا فقد أمسك بيده وجذبه خلفه وهو يسير في اتجاه الرصيف المحاذي للنفق؛ حيث كان يقف ضابط برتبة لواء، فحيَّاه «أحمد» وعرف منه أنه مساعد وزير الداخلية ومدير الأمن العام … ويريد أن يقف على تفاصيل ما جرى … غير أن «أحمد» قال له: أنا لا يمكنني أن أحكي لك بالتفصيل، وسيقوم قادتي بهذا … أمَّا الآن فأنا لديَّ عمل مهم …
تفهَّم الرجل الموقف وطلب من رجاله معاونته والوقوف إلى جواره لإنهاء هذا الحادث السيئ الذي تحوَّل إلى مأساة بسوء تصرُّف مدير الفندق … فقال «أحمد» له: أشكرك يا سيدي على سعة صدرك، وأقترح محاكمة هذا المدير على ما اقترفه في حقِّ الفندق والدولة …
كان رجال المنظمة من خبراء المفرقعات يحيطون بالسيارة عندما عاد إليها «أحمد»، فحيَّاهم بحرارة، وقال له قائدهم يداعبه: نريد أن نفحصك …
أحمد: هل تراهم فخَّخوني أنا الآخر؟ …
ضحك الضباط وبدءوا في فتح حقائبهم وإخراج المعدات … وفتح أبواب السيارة بحذرٍ … ومنهم من نام تحت السيارة وبيده بعض المعدات الموصلة بأسلاك، وانهمك الجميع في العمل بجدية شديدة … في الوقت الذي توافد على الفندق عشرات السيارات التابعة لشركات السياحة ما بين أتوبيس وميني باص وميكروباص وسيارات شخصية تحمل مديري شركات السياحة، وأخرى تحمل مندوبين عن وزير السياحة.
ومن مكبِّر سيارة النجدة … خرج صوت مدير الأمن يقول في إنجليزية واضحة: السادة الضيوف الأعزاء … يحدثكم اللواء «ماهر القماطي» مدير أمن العاصمة ويرجوكم … نعم يا سادة، أرجوكم التزام الهدوء والحكمة … لم يحدث انفجار لسيارة … ولن يحدث … إنه اشتباه في سيارة تقف أمام الفندق حوَّله مدير الفندق إلى حقيقة … وحوَّلته وكالات الأنباء إلى حادث وقع، وعدَّدوا له الضحايا رغم أنهم لم يُصوِّروا إلا الهرج والمرج … أمَّا ما أذاعته إحدى القنوات الفضائية عن وجود ضحايا … وعرضت أشلاءهم على شاشتها فهو كذب وادعاء، وكل ما عرضته لم يكن في فندقنا وسنقاضيهم … فأرجو من يريد أن يرحل أن يذهب بهدوءٍ ودون تكالب إلى سيارة الشركة التي يتبعها لتغيِّر له مكان الحجز … ومن يريد ألَّا يغير مكان الحجز فليذهب معهم في نزهة إلى أن ننتهي من هذا الموقف …
وهنا سأل «أحمد» أحد خبراء المفرقعات قائلًا: متى سننتهي من هذا الموقف؟
وفي جدية شديدة قال له: السيارة ملغَّمة … لا أعرف كيف دخلت هذه الأجهزة الدقيقة والخطيرة إلى «مصر»؟
أحمد: هل تعني أنها ليست صناعةً مصرية؟
الضابط: بالطبع لا؛ فهي متطوِّرة للغاية … ومتقنة الصنع، ولا يقدر عليها غير أجهزة مخابرات قوية!
أحمد: تقصد أنه إرهاب دولة؟
الضابط: لا أعتقد أنه إرهاب … بل هناك قضية أخرى.
أحمد: كقضية «عبد الوهاب».
الضابط: «عبد الوهاب» من؟ … الطفل العبقري؟
أحمد: نعم … لقد صرَّحت إحدى المحطات الفضائية أنه قُتل في هذا الانفجار الذي لم يقع.
الضابط: تقصد أنهم كانوا ينوون قتله؟
أحمد: لا … لقد كُنَّا نتحرَّى أمر اختفائه … فتابعونا حتى الفندق وفخَّخوا لنا السيارة …
الضابط: أي كنتم أنتم المقصودين؟
أحمد: نعم …
الضابط: وأين «عبد الوهاب»؟
أحمد: إنَّه في «مصر»، ولن يخرج منها …
الضابط: ولماذا أنت واثق هكذا؟
أحمد: لأن «عبد الوهاب» هو قدر «مصر».
الضابط: هل حدَّدت أين هو؟
أحمد: تقريبًا.
الضابط: إلى أن تصل إليه سيكون قد غيَّر مكانه …
أحمد: لن يهرب مني.
الضابط: هل لغَّمته؟
أحمد: نعم …