الفصل السادس
حزب العمال المصري
إن قيام حزب للعمال إنما يأتي نتيجة التطور الطبيعي للحركة العمالية
إلى مرحلة إيجاد تنظيم سياسي، يجمع العمال والمؤمنين بمبادئهم في إطار
تنظيمي واحد، ويحمل ممثلي الحزب إلى مقاعد البرلمان، ويشترك باسمهم في
رسم سياسة البلاد وتوجيه مصيرها، ويعبِّر عن مصالح العمال كطبقة من طبقات
المجتمع.
ولكن نشأة حزب العمال في مصر لم تكن طبيعية، فقد تمَّت محاولات تأسيس
حزب العمال على أيدي أفراد لا ينتمون إلى الطبقة العاملة من قريب أو
بعيد، ومن ثَم لم تكن نشأة الحزب على تلك الصورة إلا حلقة من حلقات
المحاولات التي بذلت للسيطرة على حركة العمال، وإن اختلفت عن غيرها في
المظهر، فقد قامت على يد بعض أفراد الطبقة البرجوازية الذين أرادوا فرض
وصايتهم على الطبقة العاملة من خلال حزب سياسي يتسمى باسم «حزب
العمال».
ويرجع أقدم هذه المحاولات إلى العقد الأول من القرن العشرين، حين
أعلن الصحفي محمد أحمد الحسن عن عزمه على إلقاء خطبة عامة موضوعها
«وجوب انضمام أصحاب الحرف المصرية والأجنبية على اختلاف طبقاتها إلى
حزب واحد مشترك المنافع والأعمال الخيرية ليتكون منه جامعة قوية مسموعة
الرأي والصوت في الأعمال النافعة، وإقامة جريدة «الوضاح» لسان حال
للحزب المذكور».
١
ويبدو أن هذه الدعوة لم تثمر في حينها، فلم نسمع شيئًا عن الحزب
اللهم إلا احتجاج على قانون المطبوعات نشر في مارس عام ١٩٠٩م. وعقدت
الجلسة التأسيسية للحزب بدار المدرسة التحضيرية فحضرها فريق من العمال
والوجهاء، وتم فيها انتخاب مدير الحزب ورئيسه، وكان الأول (السيد علي)
مديرًا للمدارس التحضيرية، أما الآخر فكان (محمد أحمد الحسن) الصحفي.
٢
وبذلك قامت أولى محاولات تأسيس حزب للعمال على يد جماعة من المثقفين،
ولم يرد أي ذكر لأحد من العمال بينهم، ومن ثَم لم يقدَّر لها أن تعمر
طويلًا، فلم نعُد نسمع عن الحزب منذ نشر البيان الذي أعلن فيه تأسيسه،
كما لم يصلنا شيء عن مبادئه وأغراضه.
ولم تتجدد محاولة إقامة حزب للعمال — فيما نعلم — إلا في مطلع
الثلاثينيات، حين أعلن النبيل عباس حليم تأسيس «حزب العمال المصري» في
(يونيو عام ١٩٣١م).
ويُرجِع عباس حليم الدافع إلى إعلان تأسيس حزب العمال المصري إلى
الرغبة في «تخويف الوفد من العمال حتى يتركهم وشأنهم دون إقحامهم في
السياسة»، وليبين للوفد أنه باستطاعته أن يجعل العمال يمارسون نشاطًا
سياسيًّا مستقلًّا دون حاجة إلى احتضان حزب لهم. فاتصل الاتحاد العام
لنقابات عمال القُطر المصري بحزب العمال البريطاني وبغيره من أحزاب
العمال في أوروبا وطلب منها أن تُمدَّه بدساتيرها لدراسته.
٣
ويذكر محمد حسن عمارة، أنه قد نما إلى علم عباس حليم أن حكومة صدقي
تُعَد العدة لنفيه من البلاد مع من يعملون معه في اتحاد العمال بتهمة
العمل على قلب نظام الحكم. فسارع إلى إعداد بيان تأسيس الحزب، ونشره في
الصحف استنادًا إلى الدستور الذي كان يبيح تكوين الأحزاب السياسية،
٤ وبذلك يكفل لنشاطه الحصانة الدستورية.
ونعتقد أن الدافع الحقيقي لإقدام عباس حليم على إعلان تأسيس حزب
العمال المصري هو القيام بمناورة سياسية يوقِف بها محاولات الوفد
لاتخاذه أداة تدير أمور اتحاد العمال لصالح الوفد، وكمحاولة لإيجاد ثقل
سياسي يستند إليه في تحقيق طموحه الشخصي.
ومهما يكن الأمر فقد أُعلِن بيان تأليف «حزب العمال المصري»، ونُصَّ في
مقدمته على أن «حزب العمال هو حزب الزارع والصانع»، وأنه قد دقَّت الساعة
ليقوم العمال بواجبهم لمجد مصر ومجدهم،
٥ وتشكل مجلس إدارة الحزب من مجموعة من المثقفين أبرزهم
سلامة موسى وبعض العمال من أعضاء مجلس الاتحاد العام، وواحد من كبار
المزارعين.
ونصَّت مبادئ الحزب على أنه يعمل على استقلال مصر والسودان، واشتراك
مصر في عصبة الأمم، وعقد تحالف على قدم المساواة بين الدولة المصرية
وبين بريطانيا، وإلغاء الامتيازات الأجنبية، واستصدار تشريع للعمال على
أحدث المبادئ العصرية يشترك العمال في وضعه ويكفل حرية تأليف النقابات،
والاعتراف بها، وتحسين أجور العمال، وتحديد ساعات العمل، ومجانية
العلاج، والتأمين ضد الحوادث والمرض والتقاعد والوفاة والبطالة، كما
نصَّت مبادئ الحزب على أنه يعمل على جعل التعليم الابتدائي مجانيًّا
إلزاميًّا لجميع المصريين بنين وبنات، وزيادة نسبة المجانية في التعليم
الثانوي والعالي لأبناء الطبقة العاملة. وإلزام الحكومة والشركات
بتأسيس مساكن صحية للعمال وجعل «الاحتكارات التي لا بدَّ منها» في يد
الدولة، وتشجيع الحركة التعاونية، ورفع مستوى المرأة المصرية ومساواتها
بالرجل فيما يكون ممكنًا من الحقوق، وجعل الكفاية والمؤهلات أساسًا
لتولي الوظائف العامة في الدولة.
وما كاد إعلان تأسيس الحزب يظهر بالصحف حتى قامت قيامة الوفد، واتهمت
صُحفه عباس حليم ببثِّ الفرقة بين صفوف الأمة. وكان لتلك الحملة أثرها؛
فقد أخذت لجان الحزب تعلن تنصلها من كل علاقة لها بحزب العمال، وأعلنت
لجنة قليوب — وكانت تضمُّ عددًا كبيرًا من عمال النسيج — أنها عملت مع
حزب العمال لاعتقادها أنه تابع للوفد، وليس باعتباره تنظيمًا سياسيًّا
مستقلًّا، أمَا وقد أعلن الوفد استنكاره لهذا التنظيم، فإن اللجنة تعلن
استقالتها من حزب العمال المصري وتأييدها للوفد.
٦
ويتضح من هذه الواقعة أن حزب العمال المصري لم يكن إلا محاولة لفرض
وصاية عباس حليم وبطانته على العمال، فلم يكن عمال مصر — حينئذ — قد
بلغوا قدرًا من التنظيم يؤهلهم لإقامة حزب سياسي يعبِّر عن مصالحهم كطبقة
من طبقات المجتمع؛ فقد كان الوعي الوطني يطغى على الوعي الطبقي عندهم؛
ومن ثَم كان التفافهم حول الوفد الذي تمثَّلت فيه الحركة الوطنية والنضال
من أجل الحقوق الدستورية للأمة.
وإزاء مهاجمة الوفد اضطر عباس حليم إلى التفاهم مع النحاس باشا وقادة
الوفد (في ٢١ من يوليو)، على أساس إيقاف نشاط حزب العمال المصري على أن
يقتصر نشاط عباس حليم على رعاية شئون الاتحاد العام لنقابات عمال
القُطر المصري.
٧
وبذلك انتهت محاولة إقامة حزب العمال في مطلع الثلاثينيات بعد أن حقق
عباس حليم الهدف الذي كان ينشده من وراء تلك المناورة السياسية، ولم
يزِد عمر الحزب في تلك المرحلة على ستة أسابيع.
وعادت الدعوة لتأسيس حزب العمال إلى الظهور في أواخر الثلاثينيات حين
قامت «هيئة تنظيم الحركة العمالية» ببثِّ الدعاية لإعادة حزب العمال
المصري، وركب عباس حليم موجة الدعوة الصاعدة التي أثمرت اتحاد عام
نقابات عمال المملكة المصرية، وعمل من خلاله على إعادة نشاط الحزب،
ولكن ظروف إعلان الحرب العالمية الثانية أدَّت إلى إيقاف الدعاية
للحزب.
وما إن وضعت الحرب أوزارها عام ١٩٤٤م حتى أطلق سراح عباس حليم — الذي
كان قد اعتقل في أثناء الحرب لميوله النازية — فبدأ العمل على إعادة
نشاط حزب العمال المصري بتوجيه من الملك فاروق، الذي أراد إقامة حزب
يمتصُّ ولاء البروليتاريا لحزب الوفد،
٨ فاتصل عباس حليم برؤساء النقابات والمنظمين الذين سبق لهم
العمل معه في الاتحادات العمالية التي تزعمها لبثِّ الدعاية للحزب وجمع
النقابات تحت لوائه، وتشكلت لجنة الحزب المركزية من بعض أفراد الطبقة
البرجوازية وبعض الإقطاعيين وكبار الموظفين من أمثال مظهر سعيد ومحمد
طاهر باشا، وعبد الرحمن البيلي بك، ومحمود رشيد، وعبد العزيز باشا
رضوان، وعين عبد الرحمن البيلي رئيسًا للحزب.
٩
وتجلى إعجاب زعيم الحزب (عباس حليم) بالنازية في تشكيل فرق من الشباب
أطلق عليها اسم «جيش الخلاص» تلقت تدريبًا عسكريًّا شبيهًا بنظام
الكشافة، وألحق بها الشباب من طلبة المدارس، وفرض على الأعضاء تحية
خاصة برفع اليد.
١٠
وسرعان ما تبيَّن أعضاء الحزب من العمال أن الهيئة التنفيذية للحزب
تحجب الأعضاء من قادة العمال ورؤساء النقابات عن ممارسة عملهم بالحزب،
وتلقَّى هؤلاء تصرفات أعضاء الهيئة التنفيذية بعدم الارتياح، فرفعوا
عريضةً إلى عباس حليم في ديسمبر عام ١٩٤٤م طالَبوا فيها بإخراج مظهر سعيد
ومحمود سعد ومن يتعاون معهما باسم الهيئة التنفيذية العليا من «حظيرة
الحزب إلى غيرِ رجعة»، وأن يعلن الحزب بكل الوسائل أنه جبهة شعبية
ديمقراطية صميمة لا يتعاون إطلاقًا مع «الرأسمالية أو العقارية
الرجعية»، وإلغاء الأوضاع الإدارية التي فرضها هؤلاء وإتاحة الفرصة
للعمال ليضعوا بأنفسهم الأسس الصحيحة لنشاط حزبهم، وألا يدخل الحزب
أعضاء من غير العمال إلا من يوافق عليه العمال، وأن يكون مكان هؤلاء في
الصفوف التالية للعمال مهما كان مركزهم، وألا يكون في مجلس إدارة الحزب
أكثر من نسبة مئوية يحددها العمال في جلسة تعقد لهذا الغرض.
١١
وسلك عباس حليم سبيل المراوغة فبذل الوعود لقادة العمال، ولبثوا
يترقبون تحقيق مطالبهم وإعادة تشكيل مجلس إدارة الحزب، ولكن زعيم الحزب
أمعن في تجاهلهم، وأهمل شئون الحزب وترك أموره في أيدي حفنة
الرأسماليين، التي كانت تسيطر على قيادته، فلم يحضر جلسات الهيئة التي
تشكلت من تحالف حزب العمال مع حزب الفلاح الاشتراكي، كما امتنع عن حضور
الحفل الذي أقامه الحزب لتكريم الوفد السوداني الذي تألف في مارس عام
١٩٤٦م ليعلن مطالب السودانيين باسم مؤتمر الخريجين، كما أهمل الاحتفال
الذي أقيم تكريمًا لأحمد المصري مندوب الحزب في المؤتمر التأسيسي
لاتحاد النقابات العالمي بباريس وزاد الطين بِلة حين قام بتشكيل مجلس
إدارة الحزب من العناصر الإقطاعية والبرجوازية متجاهلًا العمال، ونقل
سجلات الحزب إلى داره، ثم قامت فرق جيش الخلاص بمنع العمال من دخول دار
الحزب.
طلب العمال من عباس حليم تحديد موقفه منهم بوضوح ليمكنهم التصرف،
فطلب منهم إيفاد مندوبين عنهم للتفاوض حول التطورات التي طرأت على
إدارة الحزب، فوقع الاختيار على محمد حسن عمارة (السكرتير الإداري
للحزب)، وسيد قنديل (سكرتير النشر والصحافة)، وذهب المندوبان في الموعد
المحدد للمقابلة في ٩ يونيو عام ١٩٤٦م ولكن عباس حليم لم يحضر.
وفي اليوم التالي عقد قادة العمال جلسة على أحد المقاهي بباب الحديد
لاختيار مجلس إدارة جديد لحزب العمال المصري، وقرروا السير بحركة الحزب
باعتباره حزبًا للعمال مستقلًّا عن الشخصيات والهيئات غير العمالية،
وانتخبوا سيد قنديل رئيسًا للحزب، ومحمد حسن عمارة سكرتيرًا عامًّا.
١٢
واعتَبر المجلس الجديد جلساته استمرارًا لجلسات مجلس إدارة الحزب التي
عُقدت منذ أواخر عام ١٩٤٤م، فكانت جلسة تشكيل المجلس الجديد هي الجلسة
الثلاثين، واتخذ الحزب مقرًّا جديدًا بشارع قنطرة الدكة، وحضر أحمد
كامل قطب رئيس حزب الفلاح الاشتراكي إحدى جلسات الحزب بصحبة بعض أعضاء
حزبه، وأظهر ارتياحه لتلك الخطوة التي خطاها حزب العمال المصري، وأكد
استمرار التحالف بين الحزبين.
١٣
ولم يكن عباس حليم ليترك الطريق ممهدًا أمام القيادة الجديدة للحزب
دون إثارة العراقيل في طريقها؛ فتبادلَ البيانات على صفحات الجرائد بين
حزبه الذي بقِيَ يعمل باسم «حزب العمال المصري» وكان مقرُّه بشارع محمد
سعيد باشا، وبين القيادة الجديدة، وقدم بلاغًا إلى البوليس ادعى فيه أن
منقولات المقر الجديد للحزب مسروقة من نادى حزب العمال، فاقتحم البوليس
دار الحزب ونقل ما به من أثاث إلى نقطة بوليس الخازندار ولم تُسلَّم
المنقولات لسكرتير الحزب إلا حين أثبت أنها مستعارة من بيوت العمال الأعضاء.
١٤ وحين أصدر سيد قنديل — رئيس الحزب — كتابه «كيف نحرر
أنفسنا» الذي ذهب فيه إلى أن اتحاد العمال والتفافهم حول مؤسساتهم
ومنظماتهم كفيل بتحقيق تحررهم من استعباد الرأسماليين، ألقِيَ القبض عليه
بتهمة الشيوعية والترويج لها.
١٥
وعانى الحزب بتشكيله الجديد ضائقة مالية، فلم تكن أمواله — تزيد في
البداية — على ستة جنيهات جُمعَت من تبرعات أعضاء مجلس الإدارة، وقد
استغلت بعض الأحزاب والهيئات السياسية الأزمة المالية التي كان يعانيها
الحزب، فعرض حزب الوفد أن يدعم حزب العمال ماليًّا على أن يتحول إلى
جناح عمالي للوفد، كما عرضت «جبهة مصر» على الحزب نفس الشيء، ونُوقشَت
هذه العروض في اجتماعات مجلس إدارة الحزب ولكنها رُفضَت جميعًا.
١٦
وكانت تلك الأزمة المالية سببًا في فشل القيادة الجديدة لحزب العمال
المصري، وعدم قدرتها على مواصلة النضال مستقلة عن عباس حليم؛ ومن ثَم
وجد أعوان النبيل ثغرة استطاعوا أن ينفذوا منها للقضاء على تلك
المحاولة الرائدة لإقامة حزب سياسي يوجِّه العمال أموره بأنفسهم.
وعملت السلطات على تقييد حرية الحزب في العمل، فحرَّمت عليه عقد أي
اجتماع عام، أو إلقاء محاضرات أو الدعوة إليها، وفرضت مراقبة من رجال
البوليس حول دار الحزب، ومنع العمال من دخوله فيما عدا أعضاء مجلس الإدارة.
١٧
وأخذت القيادة العمالية الجديدة للحزب تعمل — منذ قيامها — على إعداد
برنامج حزب العمال المصري، وقد تمت الموافقة على البرنامج في جلسة ٣١
أغسطس عام ١٩٤٦م، وقد استفيد فيه كثيرًا ببرنامج حزب العمال المصري الذي
كان يتزعمه عباس حليم وقانون الاتحاد العام لنقابات عمال القطر المصري
الذي تأسس في عام ١٩٣١م، وحدد البرنامج الجديد أغراض الحزب بالعمل على
تحقيق العدالة الاجتماعية بمحاربة الفقر والجهل والمرض بالوسائل
العلمية والعملية، وتمثيل العمال في البرلمان والمجالس البلدية
والقروية، وإنشاء وزارة للعمل وتعديل القوانين العمالية تعديلًا يتناسب
مع تقدم الزمن ومع اشتراك العمال في وضعها، وتوثيق روابط الزمالة
والأخوة مع جميع الهيئات العمالية والنقابية في البلاد
الديمقراطية.
ولما كان التحرر من الفقر أساس الحريات — في رأي الحزب — فقد نصَّ
البرنامج على أن الحزب سيعمل على التحرر منه برفع مستوى الأجور، ووضع
نظام للتأمين ضد البطالة والمرض والشيخوخة والعجز، وتشجيع التعاون،
ووضع نظام للضرائب التصاعدية، واستصلاح أراضي الدولة وتمليكها للمعدمين
وتحديد الملكيات، وعدم السماح للأجانب بامتلاك الأراضي، وبناء مساكن
للعمال، والأخذ بمبدأ التأميم بالنسبة للشركات والمصانع.
وفي مجال محاربة الجهل، نص البرنامج على مكافحة الأمية وجعل التعليم
إجباريًّا مجانيًّا بجميع درجاته والتوسع في التعليم المهني والفني
وإنشاء مكتبات عامة وساحات رياضية، وتحويل السجون إلى معاهد
إصلاح.
كما نصَّ البرنامج على محاربة المرض بتنظيم التفتيش الصحي في المؤسسات
ودُور الصناعات وفي المتاجر والمزارع، والقضاء على الأمراض المتوطِّنة،
وتعميم نظام المستشفيات المجانية في المدن والقرى، وتعميم نظام التأمين
الصحي، واتباع نظام التغذية في المدارس والمصانع.
وتحددت سياسة الحزب بالعمل على توطيد دعائم الدستور المصري والولاء
للعرش، وتقوية الجيش، وجعل التجنيد إجباريًّا وإلغاء البدل العسكري،
وكفالة الحريات، ومحاربة استغلال النفوذ، والمساواة بين الرجل والمرأة
في الحقوق والواجبات، وعدم اعتراف الحزب بأي امتياز أو معاهدة لا يُقرُّها
الشعب.
وحرص البرنامج على الإشارة إلى حق العمال في إنشاء نقاباتهم
واتحاداتهم، واعتبار النقابات هيئات لها الشخصية المعنوية التي تكفل
لها حق النيابة عن العمال والاشتراك في وضع القوانين المنظمة لحقوقهم.
١٨
ويتضح من المبادئ التي وردت ببرنامج الحزب ميله إلى السعي لتحقيق
أغراضه بسلوك سبيل الاشتراكية الإصلاحية، بمعنى العمل على تحقيق بعض
الإصلاحات التي تعود على البروليتاريا بالفائدة في ظل النظام الرأسمالي
القائم وعن طريق البرلمان.
واستمرت القيادة العمالية المستقلة لحزب العمال المصري في صراع مع
الحزب الذي تزعمه عباس حليم، وتبادلا البيانات على صفحات الجرائد،
وأنكر كل منهما وجود الآخر، كما قام البعض بترشيح أنفسهم لعضوية مجلس
الشيوخ على مبادئ حزب العمال المصري، وكان يوسف وهبي الممثل المعروف
واحدًا من هؤلاء، فقرر مجلس إدارة الحزب إصدار بيان يتبرأ فيه من
انتماء «هذا النفر القليل الدخيل» إليه، لأن العمال لا يمكنهم دخول
مجلس الشيوخ، فهو «مجلس أعيان ورأسماليين».
١٩
وأدى وجود حزبين للعمال في وقت واحد يحمل كل منهما اسم «حزب العمال
المصري» إلى اختلاط الأمر على الناس، فرأى الحزب اعتبار كل متصل بحزب
النبيل عباس حليم خائنًا لحركة العمال، وتقرر تغيير اسم الحزب تمييزًا
له عن حزب عباس حليم، فاقترح البعض أن يطلق على الحزب اسم «حزب عمال
وادي النيل»، واقترح البضع الآخر تسميته «حزب وادي النيل الاشتراكي» أو
«حزب العمال المستقل»، وأخيرًا استقرَّ الرأي على تغيير اسم الحزب إلى
«حزب العمال الاشتراكي»،
٢٠ وحتى يقرن الحزب هذه التسمية بالجوهر تقرر توعية الأعضاء
وتبصيرهم بالاشتراكية بتلاوة فصل من فصول أحد الكتب التي تبحث في
الاشتراكية في بداية كل جلسة من جلسات مجلس الإدارة، وفتح باب التبرع
لشراء تلك الكتب.
٢١
وحاول الحزب ضمَّ أكبر عدد ممكن من المنظمين النقابيين إلى عضويته لكسب
ولاء نقاباتهم وخلق قاعدة عمالية عريضة يستند إليها الحزب، فتشكلت لجنة
للاتصال بالنقابات تمكَّنت من ضمِّ بعض رؤساء النقابات إلى الحزب، وحققت
نجاحًا ملحوظًا فبلغ عدد الأعضاء العاملين ألف عضو، ولكن الحزب فشل في
تحقيق غرضه الأساسي ونعني به الحصول على تأييد أكبر عدد ممكن من أفراد
الطبقة العاملة، واعتُبر عدم نضج الوعي الطبقي بين العمال سببًا في
نفورهم من الاشتراك في الحزب، فأخذ يحضُّ النقابات التي انضمت إليه على
تنظيم برامج ثقافية للعمال من أعضائها تبصرهم بحقوقهم وتبين لهم مزايا
اتحادهم.
٢٢
كما اتجه الحزب إلى عقد مؤتمر عام للعمال لشرح رسالة الحزب وبحث
الوسائل العملية لمكافحة الاستعمار، وتحقيق الديمقراطية السياسية
والاقتصادية والاجتماعية، ورفع مستوى العمال على أساس كفاية الأجور
وضمان العمل للجميع، وتدعيم النقابات. وأصدر الحزب بيانًا إلى العمال
بهذا الصدد ختمه بتذكير العمال بأن «أجورهم المنخفضة ومعيشتهم المهددة
لا يصلحها إلا الاشتراكية لأنها الطريق الوحيد لتحقيق العدالة
الاجتماعية، ولا يتم النظام الاشتراكي إلا بانضمام العمال إلى نقاباتهم
التي هي حجر الأساس في البناء الاشتراكي»، ولكن السلطات منعت الحزب من
عقد المؤتمر.
وحرص الحزب على تحديد موقفه من الأحداث السياسية الجارية، فأصدر
بيانًا بما اتخذ من قرارات تعقيبًا على مفاوضات صدقي-بيفن، فذكر أن
كل مفاوضة لا تحقق مطالب البلاد في الجلاء الكامل ووحدة وادي النيل لا
يقرها الحزب، وأن مصر والسودان وحدة لا تتجزأ وكل فصل بين قضيتهما
المشتركة يُعَد خروجًا على الأوضاع الطبيعية، وأن كل سياسة ترمي إلى
المشاركة في حكم السودان على أية صورة من الصور تُعَد تدخلًا في شئون
البلاد واعتداءً على سيادتها، وطلب الحكومة بان تعلن قطع المفاوضات
والالتجاء إلى مجلس الأمن، وإعطاء الشعب فرصة التعبير عن رأيه تعبيرًا
صحيحًا، وناشد المصريين جميعًا أن يتضافروا للدفاع عن سيادة البلاد وحريتها.
٢٣
كما حرص الحزب على أن يحدد موقفه من البيان الذي ألقاه النقراشي باشا
أمام مجلس النواب في ديسمبر عام ١٩٤٦م فاحتج على أعمال القمع التي
استهلت بها الوزارة عهدها، وطالبها بأن تعلن بطلان معاهدة عام ١٩٣٦م
وقطع المفاوضات، وعرض القضية المصرية على مجلس الأمن فورًا بواسطة
مندوبين يختارهم الشعب، وأن تطلق سراح المسجونين السياسيين.
٢٤
ولم يَغفل الحزب عن تحديد موقفه من المطالب العمالية، فأصدر بيانًا
طالب فيه الحكومة بتنفيذ تشريعات العمل المعطلة، وإشراك العمال في
بحثها، وإيجاد حل لمشكلة المتعطلين والمسرحيين من المصانع الحربية،
وتعويض أسَر العمال الذين سقطوا شهداء في الحوادث الوطنية، وإجابة مطالب
الهيئات العمالية فيما يتعلق برفع مستوى العمال وتحريرهم من الاستغلال
والعبودية الاقتصادية، وتحقيق الشكاوى التي تقدم بها عمال شبرا الخيمة
والمحلة الكبرى والإسراع في حلِّ مشاكلهم.
٢٥
لكن حزب العمال الاشتراكي لم يستطع تخطي الصعاب التي اعترضت طريقه،
فكان يعاني عجزًا ماليًّا مستديمًا، أوقف إمكانيته عند حدود معينة،
وخاصة أن حالة العمال المشتركين لم تكن تسمح بتسديد الاشتراكات بصفة
مستديمة، وأسرف الحزب في ضم بعض العناصر غير العمالية إلى مجلس إدارته،
فتكونت جبهات متعارضة داخل المجلس، وكانت النتيجة نشوب خلاف بين
الأعضاء زادت هوته اتساعًا.
واستغل عباس حليم الفرصة، فأدخل تعديلًا على الهيئة التنفيذية لحزب
العمال المصري استعان فيه بعناصر عرفت بماضيها الوطني مثل محمد صالح
حرب وعزيز المصري. فأسند رياسة الحزب إلى صالح حرب، وتولى عزيز المصري
الإشراف على فرق الشباب، وشرع عباس حليم ببث عيونه داخل حزب العمال
الاشتراكي حتى أثمرت جهوده فقرر أعضاء مجلس إدارة الحزب إقالة سيد
قنديل من رياسته والعودة إلى حظيرة حزب العمال المصري، واعتبار مقرِّ
الحزب بشارع قنطرة الدكة فرعًا للحزب يشرف على تنظيم حركة العمال
بالأزبكية والجمالية وباب الشعرية وبولاق.
٢٦ وقد تزعم محمد حسن عمارة وعلي فهمي خليل حركة تصفية حزب
العمال الاشتراكي.
وهكذا كسب النبيل عباس حليم الجولة وعاد يفرض وصايته — دون منازع —
على الطبقة العاملة من خلال الحزب الذي تزعمه.
على أن عودة العناصر العمالية القيادية إلى حظيرة حزب العمال المصري
لم تحقق أملها في الاشتراك الفعلي في توجيه أمور الحزب، فقد بقيت
مقاليدها بيد كبار الشخصيات السياسية التي استعان بها عباس حليم،
بالإضافة إلى العناصر البرجوازية والعناصر المثقفة التي عملت تحت راية
الحزب، وبقي الحزب كمًّا مهملًا، فلم يكن إلا مظهرًا من مظاهر الأبهة
السياسية التي تضفي على مؤسسه لقب الزعامة.
لذا تقدم بعض قادة العمال
٢٧ من أعضاء الحزب ببعض المطالب إلى رئيسه (صالح حرب) تتركز
حول المطالبة بإصلاح أمور الحزب فنادوا بضرورة مراعاة نسبة العمال
والعماليين (أي أعضاء الحزب من غير العمال) في هيئات الحزب طبقًا لما
جاء بالمادة ٢٨ من دستور الحزب التي تنص على أن يكون الثلثان من العمال
والثلث من العماليين، وأن يكون منصب نائب الرئيس والوكيل الأول
والسكرتير العام من العمال «لكي يشعر العمال وهم أغلبية الأمة أن هذا
حزبهم حقًّا»، وأن تؤلف هيئة من العمال النقابيين وبعض العماليين يطلق
عليها «هيئة الشئون العمالية» يكون اختصاصها النظر في مشاكل العمال
وشكاياتهم فردية كانت أو جماعية، ودراسة تشريعات العمل، والعمل على
تعديلها وفق مصلحة العمال.
ويبدو أن القائمين على أمور الحزب قد لمسوا ما يعوزه من تأييد العمال
فعملوا على إقامة مؤتمر عام لأعضاء الحزب وممثلي النقابات والروابط
والاتحادات العمالية تقرر فيه أنه لا يمكن حل الأزمة الاقتصادية إلا
بتحرير وادي النيل ووحدته وتحقيق العدالة الاجتماعية على يد حكومة
اشتراكية يؤيدها حزب العمال وطالب المجتمعون الحكومة بإنشاء وزارة
للعمل ومحاكم عمالية وإباحة تأليف الاتحادات الطائفية، وجعل الاشتراك
في النقابات إجباريًّا، وتعديل قانون عقد العمل الفردي، والاعتراف بحق
العمال الزراعيين في تأسيس نقابات خاصة بهم، هذا بالإضافة إلى تأييد
مطالب عمال السودان، والمطالبة بإصدار تشريع التأمين الاجتماعي لعمال
المصانع والشركات والمؤسسات الأهلية.
٢٨
كما قام الحزب بطبع برنامجه وتوزيعه على النقابات، وقد تعرض ذلك
البرنامج للسياسة التي يدعو الحزب إلى انتهاجها في الشئون الاقتصادية
والصناعة والزراعة والتجارة وشئون العمال والمرافق العامة والصحة
العامة والتربية والتعليم والسياسة الداخلية والخارجية.
ففي الناحية الاقتصادية نص قانون الحزب على اتباع نظام الضرائب
التصاعدية على صافي الربح والإيراد والثروات والشركات وتمصير الشركات
والمرافق العامة وتنظيم الشركات المساهمة وإلغاء شركات الاحتكار،
وإنشاء بنك الدولة العام المركزي، وإنشاء البنك الزراعي والبنك الصناعي
والبنك التعاوني لمصلحة صغار المنتجين، وتعميم الجمعيات التعاونية من
منزلية وصناعية وزراعية وتجارية في المدن والريف لمصلحة المنتجين
والمستهلكين وصغار المساهمين.
أما عن الصناعة فقد نصَّ برنامج الحزب على تشجيع الصناعات القومية
والمحلية الصالحة وخلق صناعات جديدة وتعميم الصناعات الزراعية وتشجيع
الصناعات المنزلية لرفع مستوى إيراد الأسرة.
وفيما يتعلق بالزراعة طالب البرنامج بوضع سياسة عمالية لإحسان توزيع
الملكية الزراعية وتقييد الملكيات الكبيرة
٢٩ وفقًا لمقتضيات الاقتصاد القومي، وزيادة رقعة الأراضي
الزراعية ورسم سياسة ثابتة للري، والاعتناء بالثروة الحيوانية بوضع
نظام لتسجيل الحيوان المنتج والإشراف الصحي وتحسين النسل، وتعميم مراكز
الإرشاد الزراعي وحقول التجارب.
وانتقل البرنامج إلى الشئون العمالية، فنصَّ على ضرورة الاعتراف بهيئات
العمال ونقاباتهم وجعل الاشتراك فيها إجباريًّا، وسن قوانين عقد العمل
الفردي والجمعي، وتحقيق العمالة الكاملة لجميع القادرين على العمل،
وتحديد الحد الأعلى والأدنى للأجور وتنظيم التدرج بينهما. كما نصَّ على
تأليف اللجان الاستشارية من الأخصائيين في مسائل العمل والعمال وممثلي
النقابات والاتحادات، وإنشاء بورصة العمل ومكاتب تسجيل العمال، وإنشاء
محاكم العمال، وتوثيق روابط الصداقة والزمالة مع جميع الهيئات العمالية
والنقابية الحرة والدولية الديمقراطية.
وفي الناحية الصحية نصَّ البرنامج على رعاية الطفولة والأمومة وتوفير
وسائل النظافة العامة، ومراعاة الشروط الصحية في المصانع والمعامل
والمؤسسات والأماكن العامة، وإنشاء المساكن الصحية للعمال بطريق
التعاون حتى تصبح ملكًا لهم، وإدخال نظام التأمين الصحي للعمال، وإنشاء
مستشفيات ومصانع للأدوية.
وفي مجال التربية والتعليم، نص البرنامج على مكافحة الأمية بين
البالغين إجباريًّا، وتوحيد مرحلة التعليم الأولى والمجاني وتعميمه،
والتوسع في التعليم الفني ورفع مستواه وتوجيهه وجهة عملية، وتيسير
التعليم العالي والجامعي المجاني للطلاب الأكفاء، وتنظيم الإشراف على
معاهد التعليم الأجنبية وتوجيهها بحيث تتوافر العناية بالنواحي القومية
ولغة البلاد.
٣٠
ويتضح من دراستنا لبرنامج الحزب أنه وإن كان قد نصَّ على تحديد الملكية
الزراعية؛ فإنه لم ينصَّ على إجراءات مضادة لرأس المال كالأخذ بمبدأ
التأميم، ويتجلى في هذا أثر القيادة البرجوازية التي كانت تتولى رسم
سياسته، ولهذا كان برنامج حزب العمال الاشتراكي أكثر تقدمًا
منه.
وعمل الحزب على تأليف رابطة من رؤساء النقابات الموالية له، كمحاولة
لإيجاد جبهة عمالية مؤيدة ومساندة للحزب أطلق عليها اسم «الرابطة
التعاونية لرؤساء النقابات العمالية» في ٩ أكتوبر عام ١٩٤٨م تحدد غرضها
بالعمل على حماية أعضائها من الفصل والبطالة والاضطهاد.
٣١ وكانت الرابطة تضم ستين نقابة وقد تقدمت إلى وزير الشئون
الاجتماعية بمطالب تتعلق بتدعيم النقابات عن طريق جعل الاشتراك فيها
إجباريًّا حتى تستطيع النقابة القيام بوظيفتها الاقتصادية والاجتماعية
خير قيام.
٣٢
ويبدو أن الرابطة لم تحقق الغرض الذي أقيمت من أجله، فقد أسس الحزب
جبهة نقابية أخرى تسمت باسم «مؤتمر النقابيين» تحددت أغراضه بالعمل على
حماية حقوق أعضاء النقابات وتمكينهم من أداء واجبهم والدفاع عن المصالح
المشتركة التي تهم العمال، والعمل على تقوية النقابات.
٣٣ وأسندت رياسة المؤتمر إلى فتحي كامل، واختير سيد قنديل
سكرتيرًا عامًّا له، ونصب عبد الحميد عبد الحق باشا مستشارًا عامًّا
للمؤتمر. وكان هناك فرع له بالإسكندرية تتبعه ٣٥ نقابة.
٣٤ وانحصر نضال المؤتمر حول المطالبة بتعديل التشريعات
العمالية في محيط السياسة العمالية لحزب العمال المصري.
وكان الحزب يعاني انقسامًا في هيئته التنفيذية منذ مطلع عام ١٩٥٠م،
فقد ضاق البعض ذرعًا بما أقدم عليه عباس حليم من ضرب عناصر الحزب بعضها
بالبعض بالدرجة التي جعلتهم يعتقدون أنه يعمل وفق مخطط رسمته أيدٍ خفية
بقصد إضعاف الجبهة العمالية بإثارة الفتن والفرقة بين صفوفها، فاجتمع
فريق من أعضاء المجلس الأعلى للحزب، واختاروا كمال فهمي إسماعيل
المحامي — مستشار النقابات المستقلة — مستشارًا لمجلسهم، فتدخل عباس
حليم محاولًا تغيير رئيس الحزب، وحين أحبط مسعاه عين أحد أنصاره أمينًا
لدار الحزب، فأدى هذا إلى وقوع شقاق بين صفوف المجلس الأعلى، انفصل على
أثره بعض الأعضاء وكونوا هيئة جديدة تسمت باسم «الجبهة العمالية»، كانت
تجمع فريقًا من المحامين وغيرهم من البرجوازيين الذين كانوا يكونون
المجلس الأعلى للحزب، ولم يكن بينهم أحد من العمال.
٣٥
واستمر الحزب يعاني من التفكك والانقسام في قيادته حتى قامت ثورة ٢٣
يوليو عام ١٩٥٢م وحلت الأحزاب السياسية.
وقد علل أحد أعوان عباس حليم
٣٦ انصراف العمال عن الحزب بانتشار دعوة الشيوعيين بأنه لا
يمكن أن يقوم حزب للعمال وعلى رأسه نبيل من الأسرة المالكة، ودعوة
الوفديين بأن عباس حليم يتزعم الحركة لحساب القصر، وعدم اهتمام الحزب
بالشكاوى العمالية التي تصل إليه، ومحاربة رؤساء النقابات للحزب
والدعاية ضده، عدم حضور الزعيم اجتماعات العمال، وكثرة الاتهامات
الملصقة بمن يحيطون به، وبمن يملكون مقاليد أمور الحزب.
والواقع أن حزب العمال المصري لم يتمكن من تحقيق الهدف الأساسي الذي
أنشئ من أجله، فلم يستطع خلق قاعدة عمالية تعمل على مساندته لإهمال
القائمين عليه الاستفادة بجهود المنظمين النقابيين من أعضائه، ولوقوعه
تحت سيطرة حفنة من البرجوازيين والمثقفين، مما أدى إلى إحساس العمال
أنه ليس إلا واجهة تحمل اسمهم بغرض فرض الوصاية البرجوازية عليهم، ومن
ثم نفورهم منه وانفضاضهم من حوله، وسعيهم لإقامة تنظيم سياسي مستقل
يرعى مصالحهم الاقتصادية والسياسية، ولم تكلل جهود الحزب — لتكوين جبهة
من نقابات العمال تخضع لنفوذه — بالنجاح، فلم تكن كل من الهيئتين
اللتين أسسهما الحزب إلا منظمة بيروقراطية لم ترق إلى مستوى المؤسسة
الجماهيرية، ولذلك فشلت في إيجاد رابطة قوية تجمع النقابات حول
الحزب.
لقد بدأ حزب العمال في أوائل الثلاثينيات كمناورة سياسية تهدف لتحقيق
طموح سياسي فردي، وعاد إلى الظهور في الأربعينيات كمحاولة لخلق تنظيم
سياسي يمتصُّ ولاء البروليتاريا لحزب الوفد، وتمثَّلت فيه في تلك المرحلة
صورة الصراع الطبقي في المجتمع بين البرجوازية المتحالفة مع الإقطاع،
وبين العمال، وذلك الصراع الذي حول الحزب في أواخر الأربعينيات ومطلع
الخمسينيات إلى مجرد اسم على غير مسمى.