الفصل الحادي عشر
إن ليوبولد دوق النمسا العظيم هو أول أمير تنصَّب على بلاد النمسا، والذي نصَّبه عليها إمبراطور جرمانيا لقرابة بينهما، وقد اشتهر هذا الدوق في التاريخ بأنه قبض على ريكارد ملك الإنكليز وهو راجع إلى بلاده متخفيًا وسجنه زمانًا طويلًا ولم يخرجه من سجنه إلا بعد أن فدى نفسه بمال كثير وتوسط أمره الحبر الروماني وملوك أوروبا. وكان طويل القامة قوي البنية جميل المنظر أشقر الشعر، ولم يكن من أهل السياسة والنظر، ولا من أهل الطمع والدسائس، ولكنه كان ضعيف الرأي كثير الغرور، يضيع حقوقه بإهماله ثم يطالب بها حينما تفوت الفرصة ويتعذر عليه نوالها، وكان يشعر من نفسه بذلك ويقول: «إنه غير كفء للمنصب الذي هو فيه.» ولما انضم إلى الصليبيين حاول أن يصادق ريكارد ملك الإنكليز فلما رأى ريكارد أنه أشجع منه وأقدر، استخف بصداقته، ولا سيما لما رآه نهمًا في الأكل محبًّا للخمر. فاغتاظ الدوق من ذلك وأبغض ريكارد بغضًا شديدًا. ويقال إن فيليب ملك فرنسا سعى في إلقاء النفرة بينهما؛ لأنه كان مغتاظًا من إقدام ريكارد واعتداده بنفسه.
ثم سعى مركيز منسرَّات بتوسيع الخرق فمضى إلى محلة الدوق، وأخذ معه خمرًا قبرصية مدعيًا أنه أتى ليقابلها بالخمر المجرية، فدعاه الدوق إلى الطعام وقام له بحق الضيافة.
وكان الجرمانيون محافظين على بعض عوائدهم القديمة، فيَملَئون محل المائدة بالندماء والشعراء والأقزام وهم وقوف خلف أسيادهم يضحكون ويمرحون ويشاركونهم في شرب الخمر، حتى كأن المائدة في خان لا في خيمة الملك! وكان الدوق يأكل من صحاف الفضة ويشرب من كئوس الذهب، والذين يقدمون له الطعام من أشراف البلاد، وهم يقدمونه ركعًا على ركبهم، وكان متسربلًا بحلة ملكية مبطنة بفراء القاقم ولابسًا تاجًا مرصعًا بالجواهر الكريمة، وفي رجليه حذاء من المخمل وتحتهما كرسي من الفضة النقية. فأجلس المركيز عن يمينه إجلالًا له، ولكن أكثر كلامه كان مع نديمه ومهرجه. وكان هذان الرجلان واقفين بجانبه يتناوبان الأقوال الحكمية والهزلية والمجونية فيقهقه لها الدوق، ثم يلتفت إلى المركيز ليرى تأثير كلامهما فيه. وكان المركيز يتظاهر باستحسانه كل ما يقولان، ويترصد فرصة للكلام في الموضوع الذي جاء لأجله، فلم يطل الوقت حتى ذكر المهرج اسم الملك ريكارد — وكان من عادته أن يتخذه موضوعًا للهزل والتهكم — فقال المركيز: «يجب أن نكرم من يستحق الكرامة، وقد نال ريكارد ما يستحق وزيادة؛ لأن الجميع يتغنون بمدحه، أفلم ينظم أحدٌ منكم شيئًا في مدح أميركم المعظم؟ …» فلم يتم كلامه حتى تقدم ثلاثة من المغنين بأعوادهم ليتغنوا بمدح أميرهم، فسكتهم النديم وجعل ينشد باللغة الجرمانية ما ترجمته:
فاعترضه المهرج، وقال: «بيِّن لنا أنك تريد بذلك أميرنا المبجل.» فقال:
ثم قال: «إن النسر شعار أميرنا المعظم بل ملكنا المبجل، وهو يعلو على كل الطيور.» فقال المركيز: «ولكن الأسد وثب وثبة فَعَلَا فوق النسر.» فاحمر وجه الدوق والتفت إلى المركيز، فقال النديم: «المعذرة يا مولاي، ما من أسد طار فوق النسر؛ لأن الأسد لا جناح له!» فقال المهرج: «إلا أسد البنادقة.» فقال الدوق: «معاذ الله أن يرتفع أسد تجار البنادقة فوق نسرنا.»
فنظر إليهم المركيز، وقال: «ما عنيت أسد البنادقة، بل آساد إنكلترا الثلاثة؛ فقد قيل إن هذه الآساد كانت نمورًا والآن صارت آسادًا، وفي نيتها أن تتسلط على كل الوحوش والطيور والأسماك!»
فقال الدوق: «هل تظن أن ملك الإنكليز يدعي السيادة علينا نحن معاشرَ الملوك والأمراء المحالفين له في هذه الحرب؟»
فقال المركيز: «هذا دليل الحال، أفما ترى عَلَمَه مرتفعًا في وسط المحلة كأنه الملك المالك على هذا الجمهور كله؟»
فقال له الدوق: «وهل تصبر على ذلك وتتكلم عنه بدم بارد؟» فقال المركيز: «وهل يحسن بي أن أتشكَّى من أمر خضع له ملك فرنسا ودوق النمسا؟ فالعار الذي تلتحفان به لا أُلام إذا جاريتكما عليه.» فضرب الدوق المائدة بيده وقال: «طالما قلت لفيليب (ملك فرنسا) إن هذا يحط شأننا وشأن الأمراء الذين معنا، فكان لا يكترث لكلامي، بل يقول لا يليق بنا أن نلتفت إلى هذه الأمور في مثل هذه الحال.»
فقال المركيز: «إن فيليب ملك حكيم، ولذلك يعد خضوعه لملك الإنكليز من السياسة، أما أنت فلا بد من سبب آخر لخضوعك.» فحملق الدوق وقال له: «ماذا تقول؟! أنا دوق النمسا العظيم، أفأخضع لهذا النرمندي؟! لا وقبة السماء. هلم يا رجالي لنضع نسر النمسا حيث لا يعلو عليه علم من أعلام الملوك والقياصرة.» قال ذلك وقام من ساعته، واختطف علمه من أمام خيمته والجميع يضجون بأصوات الفرح والحبور. فاعترضه المركيز وقال له: «ليس من الحكمة يا مولاي أن تُشوِّش المعسكر في هذه الساعة من النهار، فاصبر قليلًا.» فقال الدوق: «ولا دقيقة.» ثم هرول نحو الأكمة التي عليها العلم الإنكليزي وتبعه أهل بلاطه، فلما بلغها وضع يده على الرمح الذي عليه العلم الإنكليزي، وهمَّ أن ينزعه من الأرض فتقدم إليه النديم وقال له: «احذر يا مولاي، فإن للأسد أنيابًا.» فقال الدوق: «وللنسر مخالب.» فقال النديم: «النسر ملك الطيور، والأسد ملك السباع، فدع علم الأسد في مكانه، وانصب علم النسر بجانبه.» فالتفت الدوق ليرى المركيز ويستشيره في الأمر فلم يجده بين الجماعة؛ لأن المركيز لم يرافقه، بل سار بين العساكر وجعل يخاطب كل من يراه من أهل المقامات ويتأسف من إقدام الدوق على هذا العمل في ظهيرة النهار. فلما رأى الدوق أن المركيز لم يتبعه رفع يده عن العلم الإنكليزي وقال: «ليس من غرضي أن أنتقم من ملك الإنكليز، بل أن أبين حقي وأرفع علمي إلى المقام الذي يستحقه.» ثم أمر أن يؤتى بزق خمر وفتحه وسقى الحضور فطربوا وجلبوا حتى ملأت ضوضاؤهم المحلة.
وفي تلك الساعة استيقظ الملك ريكارد فوجد الطبيبُ أن الحمى زالت تمامًا، وأنه لا يحتاج إلى جرعة أخرى من الدواء، فجلس في فراشه وقال للبارون: «قدِّم لهذا الحكيم كل ما في الخزانة من النقود، وإن كانت لا تبلغ ألف دينار فزده قيمتها جواهر.» فقال الطبيب: «معاذ الله أن أبيع حكمتي بالمال والجواهر.» فالتفت البارون إلى الملك وقال: «هذا أعجب من قوله لي أن عمره مائة سنة!» فقال الملك: «أنت تظن أن لا بسالة إلا بالسيف ولا شهامة إلا عند فرساننا، فصدِّق مقالي، إن شهامة هذا الحكيم العربي أرفع من شهامة الذين يعدون أنفسهم زهرة الفرسان.» فوضع الحكيم يده على صدره وقال: «حسبي، فهذا خير جزاء أناله من الملك. والآن أطلب إليك أن تنام وتتوقى كل ما يزعجك؛ لأن النكس شر من العلة.» فقال الملك: «سمعًا وطاعة أيها الحكيم، ولكن ما هذا الصوت الذي أسمعه؟ وما هذه الجلبة؟ علي بالخبر يا ده فو.»
فخرج البارون ده فو ثم رجع وقال: «هذا دوق النمسا ذاهب في المحلة مع ندمائه وهم سكارى.»
فقال الملك: «ما أجنه! أما كان الأجدر به أن يبقى في خيمته ولا يجعل نفسه أضحوكة بين الناس؟!» وحينئذ دخل مركيز منسرَّات فقال له الملك: «ما قولك أيها المركيز في هذا الدوق؟» فقال: «أشكر الله على سلامتك أيها الملك، ولكن ما لنا وللدوق فإن قصته لا يحسن بي أن أشير إليها وقد كنت الآن في ضيافته.»
فقال الملك: «أكنت ضيفًا على هذا السكير؟! فما دعاه إلى هذه الجلبة؟»
فوقف البارون ده فو خلف الملك، وجعل يشير إلى المركيز بيديه وعينيه؛ لكي لا يذكر شيئًا من أمر العَلَم، ولكن المركيز عمي عن إشاراته أو تعامى، فقال للملك: «إن أعمال الدوق لا طائل تحتها، وقد بلغ الأمر مبلغًا لا أريد أن يكون لي فيه ناقة ولا جمل، وهو أنه أتى لينزع علم إنكلترا ويضع علمه في مكانه!»
فصرخ الملك صرخة اهتزت لها أطناب الخيمة، ونهض من فراشه وجعل يلبس ثيابه وقال للحضور: «كل من ينطق بكلمة فهو عدوٌّ لي.» ثم تأبط سيفه وخرج يعدو كالنعام الجافل. فنادى البارون ده فو باثنين من الحرس وقال لهما: «امضيا حالًا وأخبرا لورد سلسبري أن يتبعنا برجاله.» ثم خرج وراء سيده. وأُلقي النفير في معسكر الإنكليز وكان الجنود مُقَيِّلين في الظهيرة، فنهضوا إلى أسلحتهم. وهذا يقول: «هجم العرب علينا!» وذاك: «مات الملك!» وذاك: «قتله دوق النمسا!» ونحو ذلك من الأقوال. ومر الملك في طريقه بمعسكر الاسكتلنديين. فرآه السر وليم الفارس المتقدم ذكره، فاختطف سيفه وترسه وجعل يعدو وراءه، وكانت الأكمة مغطاة بالناس حتى لا يُرى شيء منها، فاجتاز الملك ريكارد في وسطهم كأنه السفينة تمخر البحر الخضم إلى أن بلغ قمة الأكمة! فوجد الدوق واقفًا بجانب رايته يتأمل فيما صنع، ويسمع ضجيج الناس الذين حوله، فوضع الملك ريكارد يده على راية النمسا ونادى بصوت كالرعد القاصف وقال: «من تجاسر أن يرفع هذه الخرقة النجسة بجانب علم إنكلترا؟!» فوقف الدوق مندهشًا لا لقلة شجاعته، بل لأنه رأى شخصًا لم ينتظر أن يراه في تلك الساعة. فكرر الملك ريكارد نداءه، فأجابه الدوق: «أنا، دوق النمسا.» فقال الملك: «سيرى دوق النمسا قيمة علمه في عيني ملك إنكلترا.» ثم نزع الرمح الذي عليه الراية وكسره كسرًا، ورمى الراية وداسها برجليه، وقال: «هكذا أدوس راية النمسا، فهل بين فرسانك من يطالبني بما فعلت؟» فنادى جمهور من الفرسان الجرمانيين، وقال كل منهم: «أنا. أنا.» ثم تقدم أشدهم بأسًا وأعظمهم هامة وقال: «أيها الإخوة والأشراف، قد داس هذا الرجل شرف بلادكم فهلموا لإنقاذه.» قال ذلك واستل سيفه وضرب الملك ريكارد ضربة كانت قضت عليه لولا أن السر وليم تلقاها بترسه! فقال الملك: «قد أقسمتُ بالله أن لا أضرب بسيفي فارسًا من فرسان هذا الجهاد، فاحيَ يا هذا، احيَ لتراني وتندم.» ثم قبض عليه ورفعه بين يديه ورماه من فوق الأكمة كما يرمي الحجر الصغير، فوقع عند سفحها وقد تخلعت مفاصله. فلما رأى الدوق وأتباعه ما رأوا من قوة ريكارد وبأسه ارتعدت فرائصهم ووقعوا مبهوتين لا يدرون ما يفعلون. وحينئذ وصل سلسبري بجنوده، وكان النفير قد امتد إلى مخيم ملك فرنسا، فأسرع إلى الأكمة مع ثلاثةٍ مِن خواصه، واندهش أشد الاندهاش عند رؤيته ملك إنكلترا واقفًا هنالك يتهدد الدوق. فلما وقعت عين ريكارد عليه احمر خجلًا؛ لأنه كان يهابه لأجل حكمته ورصانته ورفع رجله عن علم النمسا وتظاهر بالسكينة.
وكان ملك فرنسا حكيمًا حَسَنَ الرأي متبصرًا في العواقب ساعيًا في خير مملكته وترقيتها شجاعًا مهابًا، ولكنه كان يعتمد على سياسته أكثر مما يعتمد على شجاعته، كأنه يتمثل بقول القائل:
ولم يكن له رأي في هذا الجهاد، ولكنه حُمل عليه بتحريض أمراء مملكته والكنيسة الرومانية. ولو لم تكن تلك الحرب حرب اقتحام وتهور لكانت السيادة فيها له لا لملك إنكلترا، فلما رأى انقياد الجمهور إلى ملك إنكلترا الخالي من الحكمة والتدبير ساءه ذلك، ولم يدع فرصة لإظهار حكمته وتعقله إلا اغتنمها، وهذه الفرصة من أحسن الفرص لإظهار فضل الحكمة والرصانة على الحدة والطيش. فقال: «ما معنى هذا النزاع بين أخوين متحالفين؛ بين رئيسين من رؤساء هذا الجهاد وعمودين من أعمدته؟!»
فاغتاظ ريكارد لما رآه ساوى بينه وبين خصمه فقال: «مهلًا أيها الملك العظيم، فإن هذا الدوق أو الأمير أو العمود مهما شئت أن تدعوه فقد تعدى على حقوقي فأدبته، هذا كل ما جرى.»
فقال الدوق: «أيها الملك المعظم، إليك وإلى كل ملك وأمير أرفع شكواي، فإن ملك إنكلترا هذا قد نزع علمي وداسه برجله.»
قال ريكارد: «نعم فعلت ذلك؛ لأنك نصبته بجانب علمي.» فقال الدوق: «قد نصبت علمي بجانب علمك لأن منزلتي مساوية لمنزلتك.»
فقال ريكارد: «أثبتْ هذه المساواة بشخصك في ميدان النزال، فأعاملك كما عاملتُ هذه الخرقة النجسة.»
فقال الملك فيليب مشيرًا إلى الملك ريكارد: «مهلًا يا أخي مهلًا، فأنا أرى أن دوق النمسا قد أخطأ فيما فعل.» ثم أشار إلى الدوق وقال: «لا تظنن أيها الدوق الكريم أننا بسماحنا لملك إنكلترا أن يرفع علمه في وسط المحلة قد اعترفنا بسيادته علينا؛ فإن ذلك لا يعقل، ألا ترى أن علم فرنسا الذي يضطر الملك ريكارد أن يخضع له بسبب ما له من الأملاك في فرنسا قد سمح في الأحوال الحاضرة للعلم الإنكليزي بالارتفاع على هذه الرابية؟ ونحن كلنا انتظمنا في سلك هذا الجهاد وطرحنا أمجاد الدنيا لنفتح بسيوفنا الطريق إلى القبر المقدس، وارتضينا باختيارنا أن نعطي الرياسة لأخينا ملك إنكلترا؛ لأنه أشدنا بطشًا، وهذه الرياسة لا نسلم له بها في وقت آخر ولا في أحوال أخرى. وعندي أنك إذا تبصرت في الأمر أيها الدوق الكريم، تتأسف؛ لأنك رفعت علمك بجانب علمه؛ ومن ثم لا يتأخر ملك إنكلترا عن الاعتذار إليك.»
فقال الدوق: «إني رافع دعواي إلى مجلس الملوك العام وراض بحكمه.» فاستحسن فيليب ذلك وقال: «هذا هو الرأي الصواب.» فقال الملك ريكارد مخاطبًا ملك فرنسا: «قد أسكرتْني الحمى أيها الملك، وأنا رجل ضعيف الحجة في الكلام، فلا أسلم دعوى تمس شرف إنكلترا لمجمع الملوك ولا لمجمع الأحبار. هذا علمي، وكل علم يرتفع بجانبه ولو كان علم فرنسا نفسه أدوسه كما دست هذا العلم، فلا مراضاة عندي للنمسا، إلا ما تقدر عليه هاتان اليدان الضعيفتان في ميدان النزال.»
فقال ملك فرنسا: «إني لم آت أيها الأخ لتجديد الخصام المخالف للقسم الذي أقسمناه والجهاد المقدس الذي ارتبطنا به، فلننزع ما بيننا من الضغائن ونصبَّه على رءوس أعدائنا.» فقال ملك إنكلترا: «حبذا ما قلت يا أخي!» قال ذلك ومد يده له وتصافحا مصافحة الصداقة. فقال ملك فرنسا: «دع هذا الدوق الكريم يشاركنا في هذه المصافحة.» فقال ريكارد: «لا غرض لي في مصافحة المجانين.» ثم التفت إلى ما حوله وقال: «إن الثعالب تنساب في الليل فقم يا ده فو بجانب علم إنكلترا هذا الليل واحرسه.» فقال البارون ده فو: «إن سلامة إنكلترا أهم عندي من سلامة علمها، وسلامتها بسلامة ملكها، فلا أتركه وأحرس علمه.» فقال له الملك: «ما أشد عنادك!» ثم التفت إلى السر وليم وقال له: «أيها الباسل، لك علي نعمة وسأفيك إياها. هو ذا علم إنكلترا فأقم بجانبه ولا تبعد عنه، وإذا هاجمك أكثر من ثلاثة دفعة واحدة فبوق لنا فنأتي لنجدتك.» فأحنى السر وليم رأسه وقال: «سمعًا وطاعةً، فسأمضي وألبس سلاحي وأعود في الحال.»
ثم افترق ملك فرنسا وملك إنكلترا، وقد أضمر كل منهما الحقد لصاحبه: الأول؛ لأن ملك إنكلترا لم يعتبر وساطته، والثاني؛ لأن ملك فرنسا تداخل بينه وبين خصمه. واختلفت آراء الناس في هذا الخصام بين لائم لملك إنكلترا ومبرر له. والتقى مركيز منسرَّات برئيس الهيكليين وقال له: «انظر ما تفعل الحيلة، فقد فككت رباط هؤلاء الملوك وغدًا ترى سيوفهم ورماحهم متفرقة أيدي سبأ.» فقال الرئيس: «لو كان بين أولئك النمسويين البلداء من استل سيفه وقطع الرباط الذي حللته لقلت إن حيلتك نجحت النجاح التام.»